المقاربة التركية تجاه أزمة انقلاب النيجر

إعداد: أحمد محمد فهمي

بعد الانقلاب العسكرى الذى وقع فى النيجر فى 26 يوليو الماضى، ضد الرئيس الحالى محمد بازوم، تباينت ردود الأفعال الدولية، فى درجة اللغة المستخدمة فى ردود الأفعال المعارضة للانقلاب. على سبيل المثال، سارعت فرنسا والولايات المتحدة وغيرهما إلى إدانة الانقلاب بحزم، وأكدوا أهمية احترام الشرعية الدستورية وعودة محمد بازوم لمنصبه، نظرًا لانتخابه من قبل الشعب النيجيرى، وتصاعدت ردود الأفعال إلى حد أن الاتحاد الأوروبى قرر تعليق جميع أشكال التعاون العسكرى مع النيجر، مُطالبًا بالإفراج الفورى عن الرئيس بازوم.

وفيما يتعلق بتركيا، أشارت وزارة الخارجية فى بيان لها – والذى يمكن وصف أسلوبه بأنه أقل حدة مقارنةً بالدول الأوروبية – إلى قلقها البالغ من محاولة الانقلاب التى استهدفت رئيس النيجر محمد بازوم، وعبَّر البيان عن أملها فى عدم تأثير هذا الانقلاب على النظام الدستورى والاستقرار الأهلى فى النيجر، كما أوضح البيان أنهم يراقبون بقلق كبير تطورات هذا الوضع، حيث وصل محمد بازوم إلى السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية، وذلك فى ضوء دور مجموعة داخل القوات المسلحة فى إقالته وتعليق المؤسسات الديمقراطية، وجدد البيان تأكيد تركيا فى استمرار دعمها للنيجر خلال هذه الفترة الصعبة التى تمر بها.

وفى إطار المعطيات السابقة، يمكن القول إن هذه البيانات الدولية تعكس تصورات الدول بخصوص مصالحها المستقبلية فى القارة الإفريقية عامةً، وفى جمهورية النيجر على وجه الخصوص. ومن بين هذه الدول، تبرز فرنسا كلاعب دولى رئيسى فى الساحة الإفريقية، حيث تعمل بجد على إنهاء سلسلة الانقلابات العسكرية المتوالية فى منطقة الساحل وغرب إفريقيا، فقد جاء انقلاب النيجر في الدولة التى تُعتبر رابع أكبر دولة فى غرب إفريقيا شهدت سقوط حكومتها المدنية على يد العسكر خلال السنوات الثلاث الماضية، وفى هذا السياق، يمكن أن تجد فرنسا نفسها بدون واحد من شركائها العسكريين الأخيرين فى منطقة الساحل، بعد انسحاب قواتها من مالى وبوركينا فاسو فى عامى 2022 و2023.

أما فيما يتعلق بتركيا، فإنها تأخذ فى الاعتبار التعقيد الحالى للسياق السياسى الذى يتشكل على يد الانقلابيين فى جمهورية النيجر، وكيفية استفادتها من تجاوز دور فرنسا فى هذا السياق لتلعب دورًا فى النيجر والمنطقة. وبالتالى، تركز تركيا على تقدير تداعيات تصريحاتها على العلاقات المستقبلية مع النيجر، وذلك فى ضوء التشابهات القيمية والثقافية والدينية المشتركة بين البلدين، وأيضًا الحفاظ على مصالحها فى القارة الإفريقية.

أبرز محطات العلاقات بين تركيا والنيجر

تعد تركيا من أوائل الدول التى اعترفت بجمهورية النيجر عقب استقلالها فى عام 1960، وبدأت تطوير علاقات دبلوماسية معها ابتداءً من عام 1967، على الرغم من ذلك، لم تفتح تركيا سفارة فى نيامى إلا فى عام 2012، فى المقابل، فتحت النيجر سفارتها فى أنقرة فى نفس العام.

وشهدت العلاقات بين تركيا والنيجر تسارعًا فى التطور بعد افتتاح السفارات فى البلدين، ومن أمثلة هذا التقارب، تبادل الزيارات بين رئيس الوزراء فى تركيا ورئيس النيجر، وتعتبر هذه الزيارات الأولى من نوعها فى تاريخ البلدين، وتم خلالها توقيع عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات والمذكرات على المستوى الرفيع بين البلدين.

من بين تلك الزيارات، شارك نائب رئيس الجمهورية آنذاك، فؤاد أقطاى، فى حفل أداء اليمين الدستورية للرئيس المخلوع محمد بازوم فى نيامى فى أبريل 2021، كما زار محمد بازوم تركيا بشكل رسمى فى مارس 2022.

وتقوم العلاقات مع جمهورية النيجر، وفقًا للإطار العام للسياسة الخارجية التركية تجاه إفريقيا، على تقديم الدعم الإنسانى بشكل مستمر، وعلى رأسها تقديم المساعدات الإنسانية، ويتم التركيز فى هذا السياق على ضرورة أن تتضمن المساعدات مشاريع تعليمية وتقنية أيضًا، على سبيل المثال، قدَّمت تركيا مساعدات إنسانية تصل إلى 66 طنًا من الغذاء إلى مختلف مناطق النيجر عقب حادث الفيضانات، كما فعلت مكتب رئاسة وكالة التعاون والتنسيق التركية فى النيجر، وبدأت الخطوط الجوية التركية فى تنفيذ رحلاتها إلى النيجر منذ ديسمبر عام 2012.

كما تلاحظ أن هناك زيادة كبيرة فى العلاقات التجارية بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، وهذا يعكس أهمية الروابط السياسية بينهما، ووفقًا لبيانات وزارة الخارجية، بلغ حجم التجارة الثنائية 72 مليون دولار أمريكى فى عام 2019، وانخفض إلى 58 مليون دولار أمريكى فى عام 2020 نتيجة تأثير جائحة (كوفيد – 19)، غير أن الحجم ارتفع مجددًا إلى 85 مليون دولار أمريكى فى عام 2021 بعد تخفيف تأثير الجائحة، وفى عام 2022، شهدت التجارة تقدمًا إضافيًا حيث بلغ حجمها ما يقرب من ثلاثة أضعاف، لتصل إلى 203 ملايين دولار أمريكى، مما يعكس زيادة أهمية هذه العلاقات.

بالإضافة إلى ذلك، تمكن البلدان من تعزيز التعاون فى مجال الصناعة الدفاعية والتدريب العسكرى خلال السنوات الأخيرة، ففى يوليو 2020، وأثناء زيارة وزير الخارجية السابق مولود تشاويش أوغلو إلى النيجر، تم توقيع اتفاقية تعاون عسكرى بين البلدين إلى جانب بعض الاتفاقيات الأخرى فى العديد من المجالات، كما أنه وفى أعقاب اتصال هاتفى أجراه الرئيس رجب طيب أردوغان مع محمد بازوم فى نوفمبر 2021، أعرب أردوغان عن نيته تقديم دعم للنيجر من خلال تزويدها بطائرات مسيرة من طراز Baykar TB2 SİHA وطائرات تدريبية من طراز HÜRKUŞ ومركبات مدرعة، مما سيسهم فى تعزيز قدرات القوات العسكرية والأمنية فى النيجر.

بالإضافة إلى ذلك، نجح البلدان فى تعزيز التعاون فى مجال الصناعة الدفاعية والتدريب العسكرى خلال السنوات الأخيرة، ففى يوليو 2020.

المقاربة التركية تجاه الأزمة الراهنة

تمثل المقاربة التركية تجاه أزمة انقلاب النيجر موقفًا مهمًا فى السياق الدولى، حيث تعكف تركيا على متابعة وفهم تطورات الأوضاع فى النيجر بعناية بالغة، ويمكننا أن نتوقع بعض الجوانب المحتملة للمقاربة التركية بناءً على السياق العام للسياسة الخارجية التركية ومبادئها.

أولًا: مكتسبات العلاقات والتعاون المهددة بأزمة الانقلاب

عانت تركيا من خمسة انقلابات منذ نشأة الجمهورية التركية عام 1923، وكان آخرها انقلاب يوليو 2016، حيث نفذ جزء من الجيش التركى بمحاولة انقلاب فاشلة، وبعد فشلها، اتخذت الحكومة التركية إجراءات صارمة ضد المشاركين فى الانقلاب والمشتبه بهم، وكان لتلك المحاولة الانقلابية وللانقلابات السابقة فى التاريخ التركى، تأثيرًا سلبيًا على الوضع الداخلى للبلاد، وعلى طموحاتها على صعيد السياسة الخارجية.

واستنادًا إلى تجاربها الخاصة، تُعزز الحكومة التركية سياستها الخارجية بموقفٍ صارمٍ إزاء محاولات الانقلاب فى دولٍ أخرى، وترتبط هذه المواقف بشدة بتأثيرات الاضطرابات السياسية على الاستقرار الأمنى داخل تلك الدول، وكذلك تأثيراتها على الأمن الإقليمى والدولى.

وجاء الموقف التركى الرافض للانقلاب فى النيجر إدراكًا منها بأن ما حدث من تحول فى النيجر ليس مجرد شأنًا داخليًا، بل سيكون له أبعاده وتداعياته الواسعة، وتدرك تركيا بأن هذا التحول سيؤثر على العديد من الإستراتيجيات التى وضعتها، سواء كان ذلك فى تعاملها مع النيجر أو فى سياستها العامة تجاه القارة الإفريقية، ومكتسباتها فى هذا السياق.

خاصة أن تركيا تولى أهمية كبيرة للعلاقات والتعاون مع الدول الإفريقية، بما فى ذلك النيجر، وتسعى إلى تعزيز التعاون فى مجموعة متنوعة من المجالات بما فى ذلك الاقتصاد والتجارة والأمن والتنمية، كما تعتبر تركيا نفسها شريكًا إستراتيجيًا للدول الإفريقية. بالتالى، فهى ترى أن الانقلاب فى النيجر قد يؤثر على مصالحها ويهدد المكتسبات التركية فى علاقاتها مع النيجر، والتى توثقها العلاقات الجيدة التى تأسست بين أنقرة ونيامى.

وعلى صعيد العلاقات العسكرية والمخاوف الأمنية، تخشى تركيا فى ظل تطورات الأوضاع المتعلقة بتداعيات الانقلاب فى النيجر، من احتمالية أن تقوم المجموعة الانقلابية بتجميد الاتفاقيات التى وقعها الرئيس المحتجز محمد بازوم مع الحكومة التركية، وخاصة فيما يتعلق بالاتفاقيات العسكرية، التى كانت تهدف تركيا من خلالها إلى بيع أنظمتها العسكرية مثل الطائرات المسيرة والمركبات المدرعة إلى النيجر، ويأتى هذا القلق التركى نتيجة اتخاذ قادة الانقلاب هذا المسار مع فرنسا، وفى ظل تقارير تشير إلى ملامح تعاون مع مجموعة “فاجنر” الروسية لعقد اتفاقيات أمنية وعسكرية مع الانقلابيين.

بناءً على ما سبق، تسعى تركيا للحفاظ على علاقاتها ومصالحها فى المنطقة الإفريقية فى ضوء تطورات الأوضاع المرتبطة بالانقلاب فى النيجر، وتُولى تركيا اهتمامًا خاصًا للاتفاقيات التى أبرمتها مع النيجر بهدف تحقيق مصالحها الإستراتيجية، فى ظل مخاوفها وقلقها من تغيير الوضع بسبب الانقلاب، وهذا يعكس التوترات والمخاوف التى تترتب على الانقلابات وتأثيراتها على العلاقات الدولية والشراكات الإستراتيجية.

ثانيًا: تحولات فى القراءة التركية للانقلابات فى إفريقيا “نموذج انقلاب مالى”

بعد الانقلاب الذى وقع فى مالى وأدى إلى عزل الرئيس “إبراهيم بوبكر كيتا” فى أغسطس 2020، أصدرت الخارجية التركية بيانًا يدين الانقلاب. ومع ذلك، وفى تحول سريع تجاه التعامل التركى مع تطورات الانقلاب فى مالى، وكذلك نظرًا لمرحلة الخلافات العميقة والعلاقات المتوترة التى كانت تجمعها آنذاك مع فرنسا، اتخذت تركيا خطوة جريئة بعزمها نسج علاقات قوية مع المجموعة الانقلابية فى مالى.

وقامت تركيا بهذه الخطوة فى إطار اعتقادها بقدرتها على تقديم نفسها للنظام الجديد فى مالى كحليف قوى لها، بدلًا من فرنسا، كجزء من سعيها للتنافس مع باريس على النفوذ فى المنطقة، وتجلى هذا التوجه بقيام الرئيس أردوغان بالاتصال بالرئيس الانتقالى فى مالى “أسيمى غويتا”، والذى أعرب عن وقوفه بجانب الشعب المالى، بجانب رغبته فى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية وتطوير التعاون لاسيما فى مجالات الصناعات العسكرية والدفاعية، كما زار وزير الخارجية آنذاك، مولود تشاووش أوغلو، العاصمة باماكو بعد شهر واحد من وقوع الانقلاب فى سبتمبر، وقد كانت تلك الزيارة هى أول زيارة لمسؤول ذو مستوى رفيع غير إفريقى إلى مالى بعد الانقلاب.

أما فى الوقت الحالى، وبعد إعادة انتخاب الرئيس أردوغان وفى ضوء التحولات التى تشهدها السياسة الخارجية للحكومة التركية الجديدة، يظهر أن أردوغان لا ينوى إثارة استياء باريس من جديد، خاصة فى ظل أهمية العلاقات مع فرنسا بالنسبة له، حيث يسعى لتحسين تلك العلاقات بهدف تخفيض التوتر فى القضايا الخلافية المشتركة. وكذلك، حاجة أنقرة لدعم باريس لجهودها فى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى.

وإلى جانب ذلك، قد اتجهت أنقرة نحو النظر فى الانقلابات الحالية فى إفريقيا من منظور متغاير عما كانت عليه فى السابق، حيث لم تعد هذه الانقلابات مجرد فُرصًا للمنافسة مع القوى الأوروبية، وذلك خاصةً فى ظل التحديات الراهنة مثل الأزمات الدولية والتأثيرات التى تُلقى بظلالها على الأمن والاستقرار فى إفريقيا، وفى إضافة إلى ذلك، باتت الأنظمة الانقلابية الجديدة فى الدول الإفريقية، كما فى حالة مالى على سبيل المثال، تستند إلى إستراتيجيات تعاونية مُكثّفة مع الشركات الأمنية والعسكرية، ولاسيما مع مجموعة “فاجنر” العسكرية، وذلك بهدف تعزيز قدراتها الدفاعية وتحقيق أهدافها السياسية من وراء الانقلابات.

كما تخشى تركيا من تحول أزمة الانقلاب فى النيجر إلى بؤرة جديدة للتصعيد الدولى، وفتح ساحة جديدة للصراع بين روسيا والدول الغربية فى القارة الإفريقية من خلال وكلائهم فى إفريقيا، وهذا قد يؤدى إلى زيادة التوترات فى المنطقة، ويؤثر على الاستقرار الإقليمى وبالتالى على المصالح الإستراتيجية التركية فى القارة الإفريقية.

ثالثًا: انعكاسات الانقلاب على المصالح التركية فى ليبيا

هناك قلق تركى من تطورات وتداعيات أزمة الانقلاب، خاصة فى ظل احتمالية تصاعد الأزمة واتجاهها نحو تدخل عسكرى محتمل من قبل دول مجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)  ضد سلطات الانقلاب فى النيجر لإجبارها على استعادة النظام الدستورى، مع مؤشرات تحول هذا التدخل العسكرى المحتمل إلى نشوب صراع إقليمى شامل فى منطقة الساحل، وذلك بعد التصاعد فى المواقف الداعمة للنيجر من قبل دول بوركينا فاسو ومالى وغينيا كوناكرى، وقد أشار بيان مشترك لبوركينا فاسو ومالى إلى إن أى خطوة نحو تدخل عسكرى ستعد بمثابة إعلان حرب ضدهما أيضًا، وأرسلت الدولتان مقاتلات إلى النيجر للتعبير عن التضامن ضد أى تدخل عسكرى محتمل.

تثير هذه التطورات مخاوف تركيا من تأثيرات هذا التصعيد واحتمالية امتداد تداعياته الأمنية إلى ليبيا المجاورة، وهذا الأمر يشكل تحديًا للمصالح التركية ووجودها فى ليبيا، والتى تسعى جاهدة لتحقيق الاستقرار فى مناطق نفوذ حلفائها فى الغرب الليبى، ويمكن تلخيص هذه التحديات المحتملة فيما يلى:

  1. انتقال التهديدات الأمنية إلى ليبيا: يمكن أن تؤدى حالة عدم الاستقرار فى النيجر إلى تطورات تجعل من الأمكن انتقال التهديدات الأمنية إلى الدول المجاورة، بما فى ذلك ليبيا، ويمكن أن يشمل ذلك انتقال المسلحين والجماعات الإرهابية المتطرفة المتمركزة فى النيجر إلى ليبيا، حيث ينشط تنظيم “داعش” الإرهابى (ولاية غرب إفريقيا)، وهذا قد يؤدى إلى تعقيد الوضع الأمنى فى جنوب ليبيا، والذى قد ينتقل إلى مناطق أخرى، مما سيؤثر على القدرات الأمنية والعسكرية لقوات حكومة الوحدة الوطنية المتحالفة مع تركيا.
  2. تصعيد عسكرى داخلى: فى ظل احتمالية انتقال التهديدات الأمنية من النيجر إلى الجنوب الليبى، وخاصة إلى منطقة “فزان”، والتى تشهد تدهورًا فى الأوضاع المعيشية وانهيارًا فى البنية التحتية على الرغم من توفر مواردها من النفط، هذا السيناريو قد يحفز المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبى، على تنفيذ عملية عسكرية فى تلك المنطقة، التى تخضع لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية لحمايتها من التهديدات المحتملة، وهذا ينذر بدخول الأزمة إلى مرحلة خطيرة من التصعيد.
  3. ارتفاع مستوى الهجرة واللاجئين: قد يتسبب تفاقم عدم الاستقرار فى النيجر فى زيادة مستوى الهجرة وتدفق اللاجئين نحو ليبيا، وهذا بدوره يمكن أن يمثل تحديًا إضافيًا أمام السلطات الليبية فى إدارة تدفقات اللاجئين القادمين اليها، كما سيؤدى ذلك إلى تغييرات فى توازن القوى وتشتت الموارد الأمنية لحكومة الوحدة الوطنية، خاصةً إذا كانت هناك ثغرات أمنية على الحدود تمكّن العناصر المسلحة والمتطرفة من الانتقال من النيجر إلى ليبيا.

رابعًا: وقف سلسلة الانقلابات المتتالية فى إفريقيا

أصبحت الانقلابات المتتالية فى العديد من الدول الإفريقية تؤثر بشكل كبير على مكتسبات الدبلوماسية التركية خلال السنوات الأخيرة فى توطيد علاقاتها بتلك الدول، وخاصة بعد اتجاه الأنظمة الانقلابية الجديدة نحو تعزيز علاقاتها مع الشركات الأمنية والعسكرية، وهذه الشركات لم تعد تقتصر على مهام الأمن والمشاركة فى العمليات العسكرية وتقديم الاستشارات العسكرية فقط، بل امتدت نشاطاتها لتشمل مجالات اقتصادية مثل التنقيب عن الموارد الطبيعية وحمايتها واستثمارها.

وقد أدت النجاحات التى حققتها الشركات الأمنية فى مجموعة من الميادين وساحات القتال، إلى تشجيع العديد من الدول الإفريقية على التعاقد معها، ولا سيما لمواجهة ضعف وقصور الأجهزة الأمنية الداخلية وتصاعد النشاطات الانفصالية والإرهابية مثل تلك التى تنتمى لتنظيمى “داعش” و”القاعدة”. وعلاوة على ذلك، فإن هذه الشركات، التى تنفذ أنشطتها خارج نطاق الرقابة والمراقبة، وبدون تقييدات على استخدامها للقوة الباطشة، أصبحت اختيارًا مغريًا للدول الضعيفة وللأنظمة الديكتاتورية لتنفيذ أعمال غير قانونية، ويأتى ذلك فى ظل عدم وجود مسائلة لهم بشأن ارتكاب تلك الجرائم، مع تدهور وضع الأجهزة القضائية فى تلك الدول.

نتيجة لذلك، وفى ظل التهديدات المنبثقة من الأدوار الكبيرة والمتنامية التى تلعبها الشركات الأمنية والعسكرية فى الدول الإفريقية، من خلال دعمها للدول التى استعادت سيادتها من النفوذ الفرنسى والغربى، تخشى تركيا من أن تشجع هذه الشركات العديد من الجيوش الإفريقية على اللجوء إلى الانقلابات والتعاون مع الشركات الأمنية على غرار مجموعة “فاجنر” التى تمتلك القدرة على تلبية كافة الاحتياجات الأمنية والعسكرية للأنظمة الإفريقية.

وختامًا:

كما أشرنا سابقًا، تمثل المقاربة التركية تجاه أزمة انقلاب النيجر موقفًا مهمًا فى السياق الدولى، بالتالى تعمل تركيا بجدية على متابعة وفهم تطورات الأوضاع فى النيجر بعناية، استنادًا إلى السياق العام لسياستها الخارجية ومبادئها.

وعلى الرغم من أن الموقف التركى تجاه الأزمة يتميز بالدعم المستمر لاحترام الدستور ورفض الاستيلاء غير المشروع على السلطة، ودعوتها لاستعادة النظام الديمقراطى واحترام إرادة الشعب، إلا أنها رفضت خطط “إيكواس” المتعلقة بالتدخل العسكرى لاستعادة الحياة الدستورية، وأشارت إلى أن هذه المسارات قد تسهم فى نشر حالة عدم الاستقرار فى عدد من البلدان الإفريقية.

وبالتالى، دعت تركيا إلى ضبط النفس وحل الأزمة من خلال الحوار والوساطة السلمية، وربما تكون هذه إشارة إلى تطلع تركيا للعب دور محورى فى حل الأزمة من خلال التوسط، وذلك استنادًا إلى تجربتها فى التوسط فى مناطق أخرى تشهد أزمات سياسية.

المصادر:

  1. سفير تركيا السابق لدى النيجر، حسن أولوصوى، العلاقات التركية النيجرية الدبلوماسية الإنسانية والدور التاريخى، مجلة رؤية تركية، 1/12/2015، متاح على: https://2u.pw/gy5n8Hd.
  2. النيجر ستشترى معدات عسكرية بينها طائرات مسيرة من تركيا، فرانس 24، 20/11/2021، متاح على: https://2u.pw/t0SxOtl.
  3. Nijer’deki gelişmeler Türkiye için neden önemli?, DW Türkçe, 8/8/2023: https://2u.pw/cnbdbJu.

كلمات مفتاحية