المناورات العسكرية «الرُّوسية – الصينية» فى جنوب أفريقيا.. ما الرسائل المقصودة؟

إعداد : مصطفى أحمد مقلد

مقدمة:

جرت مناورات عسكرية بحرية مشتركة في جنوب أفريقيا، تشارك فيها «الصين، وروسيا» إلى جانب البحرية الجنوب أفريقية، خلال الفترة «17 فبراير حتى 27 فبراير»، ونتيجة لذلك؛ تعرضت جنوب أفريقيا لانتقادات غربية شديدة؛ لاستضافتها مناورات بحرية مشتركة مع روسيا خلال الذكرى السنوية الأولى لغزو أوكرانيا؛ حيث يراها منتقدون أنها انتصار دعائي لـ«موسكو».

ويُنظر الى أن التدريبات المشتركة ستساعد الأطراف الثلاثة على تعميق العلاقات المتبادلة، وتعزيز التعاون في مجال الأمن، وتحسين القدرة بالحفاظ على الأمن البحري في المحيط الهندي بشكلٍ مشتركٍ، وتقديم مساهمات أكبر للسلام العالمي.

كان قد تمَّ إجراء أول مناورة بحرية، شاركت فيها قوات بحرية من «الصين، وروسيا، وجنوب أفريقيا» في «كيب تاون» في نوفمبر 2019، وأثار وصول الفرقاطة الروسية جدلًا؛ لأنها مُزوَّدة بصواريخ «فرط صوتية» متطورة من طراز «زيركون»، وهو سلاح تقول روسيا: إنه يمكنه اختراق أيّ دفاعات صاروخية لضرب أهداف في «البحر، والبر».

توقيت المناورات:

تُبرِّر جنوب أفريقيا بأن التخطيط للمناورات البحرية بدأ قبل عاميْن؛ حيث تأتي المناورات في وقت يحيي العالم الذكرى الأولى من الحرب الأوكرانية؛ لذا صرَّح “ديفيد فيلدمان” المتحدث باسم سفارة الولايات المتحدة في جنوب أفريقيا، أن التوقيت سيضع جنوب أفريقيا على الأقل أمام تحدٍّ دبلوماسيٍّ.

ودافعت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا عن قرار بلادها باستضافة التدريبات البحرية؛ حيث أكدت على أن استضافة مثل هذه التدريبات مع “الأصدقاء”، تأتي في إطار “المسار الطبيعي لتعزيز العلاقات”، وأشارت إلى تدريبات مماثلة، أجرتها مع شركاء دوليين آخرين، بما في ذلك واحدة مع فرنسا في نوفمبر الماضي، كذلك ردَّت وزارة الدفاع بجنوب أفريقيا الشهر الماضي، بالقول: إن “جنوب أفريقيا مثل أي دولة مستقلة وذات سيادة، لها الحق في إدارة علاقاتها الخارجية بما يتماشى مع مصالحها الوطنية”.

ترى «بريتوريا» أن التدريبات توضح جهود الدولة المستمرة لعدم الانجرار إلى خلافات جيوسياسية أوسع بين القوى العظمى الدولية المتنافسة، وأن استضافة “2 Mosi” بقوتيْن عُظْمَيَيْن هي إحدى الطرق لبناء صورتها كلاعبٍ في الـ«بريكس».

تفاصيل المناورات:

من وجهة نظرٍ عملياتية، فإن التدريبات جزء من سلسلة من التدريبات وليس حدثًا واحدًا؛ حيث تعتزم الدول الثلاث، مواصلة السعي إلى التشغيل البيني لقواتها، خاصةً «جنوب أفريقيا، والصين»، فقد تم إجراء التدريب الأول من هذا النوع “Mosi 1” في ديسمبر 2019، قُبالة ساحل «كيب تاون»، “Mosi 2” أطول ببضعة أيام، ويتضمن أربع سفن أخرى.

ومن المعلوم، أنه قبل غزو روسيا لأوكرانيا، كان لدى «الصين، وروسيا» شراكة تعاونية إستراتيجية، واستمر الجانبان في تطوير التعاون العسكري وتعزيز القدرات العسكرية لبعضهما، كما أن التدريبات العسكرية في جنوب أفريقيا هذه المرة، تندرج في إطار جماعة «بريكس»، التي تمَّ تأسيسها كقوة موازنة؛ لما اعتبره الأعضاء الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي والسياسي.

موقف جنوب أفريقيا:

ورغم أن حجم التجارة بين «جنوب أفريقيا، وروسيا» ليس بالضخم، إلا أن «بريتوريا» تدعم المواقف «الروسية، والصينية» الرامية إلى الحدِّ من الهيمنة الأمريكية على الساحة العالمية، كما أن حزب “المؤتمر الوطني الأفريقي” الحاكم في جنوب أفريقيا، ألزم نفسه على مدى ثلاثة عقود، بالشعور بالامتنان لروسيا في تقديمها الدعم «العسكري، والمعنوي» لجنوب أفريقيا ضد نظام الفصْل العنصري، كما أن المستوى الأعلى للمؤسسة «السياسية، والعسكرية» في جنوب أفريقيا يتألف من مجموعة عميقة من القادة والمسؤولين وصناع السياسات، الذين تلقوا تدريبهم في الاتحاد «السوفيتي، والصين».

كذلك أثار حياد الموقف الجنوب الأفريقي كما أعلنته الحكومة، انتقادات من شركائها في «أوروبا، والولايات المتحدة»؛ إذ يرون أن «بريتوريا» تُعدُّ دولة محورية في خطط البلدان الغربية؛ لتعزيز التعاون مع بلدان القارة السمراء.

وفي حين شدَّد رئيس جنوب أفريقيا في عدة مناسبات على أن حكومته غير منحازة إلى جانب أي طرفٍ في الحرب الروسية في أوكرانيا، كما أنه عرض في السابق، التوسط لإنهاء النزاع في أوكرانيا، لكن حكومته تواجه ضغوطات من المعارضة ومنظمات المجتمع المدني لتغيير المسار، فالمعارضة ترى أن الحكومة مُنْحازة بشكلٍ واضحٍ لروسيا.

وهذا يهدد بأن تكون مساعدات المانحين لجنوب أفريقيا أقل، في وقتٍ تمر فيه البلاد بصعوبات اقتصادية؛ وعلى أمل الحصول على مزيدٍ من المساعدة من البنك الدولي؛ حيث الولايات المتحدة هي المساهم الرئيسي، خاصة أن العديد من المؤتمرات الأخيرة مع شركاء غير غربيين أخفقت في زيادة الاستثمارات.

استفادة صينية:

تُجرى في الوقت نفسه – تقريبًا- المناورات الحربية في جنوب أفريقيا مع المناورات العسكرية الأمريكية في كينيا، وبعد التدريبات البحرية التي تقودها الولايات المتحدة قُبَالَة «خليج غينيا»؛ لذا فتلك التدريبات ترسل رسالة إلى منافسي الصين، وبالتحديد الولايات المتحدة، مفادها؛ أن «بكين» لديها نفوذ عسكري في المنطقة، من خلال علاقاتها القوية مع جنوب أفريقيا، وهذا قد يكون مهمًا للصين، بالنظر إلى التنافسات الجيوسياسية، الجارية عبْر منطقة المحيط الهندي.

كذلك تأتي تلك المناورات وسط توتُّرات متصاعدة بين «واشنطن، وبكين» في أعقاب إسقاط الولايات المتحدة «بالون» تجسُّس صيني، وبعد أن حذَّر وزير الخارجية الأمريكي، من أن الصين تدرس تزويد روسيا بالأسلحة لحربها ضد أوكرانيا.

تشمل أسباب الصين أيضًا للانضمام إلى التدريبات، القدرة على حماية العديد من المواطنين الصينيين العاملين في أفريقيا، كما شارك الصينيون في عمليات مكافحة القرصنة، قُبَالَة الساحل الشرقي لأفريقيا لسنوات، والحفاظ على الاستقرار في البلدان التي تستضيف قوات حفظ السلام الصينية أو الاستثمارات الإستراتيجية.

روسيا:

يبدو أن أهداف روسيا مختلفة تمامًا، وأقل «منهجيةً وشموليةً» من أهداف الصين، فيرى مراقبون، أن «الكرملين» يريد أن يثبت للعالم، أنه لا يزال بإمكانه إدارة العلاقات الدولية على نطاقٍ واسعٍ، على الرغم من العقوبات الدولية الهادفة إلى عزْلِهِ، كذلك تريد روسيا إظهار بعض القدرات القتالية التي تستخدمها في الحرب مع أوكرانيا، وفي تدمير البنية التحتية المدنية، أو استعراض أحدث أسلحتها، على الرغم من أنه يبدو أن هذه الأسلحة لم تكن فعَّالة من وجهة نظر عسكرية بحتة.

وقال «لافروف» بعد عودته من جولة أفريقيا التي استمرت أسبوعًا: “يمكننا أن نؤكد أن خطط الغرب لعزْل روسيا من خلال إحاطتنا بحزام صحي، كانت فاشلة”.

الموقف الغربي:

انتقدت السفارة الأمريكية في جنوب أفريقيا وسياسيون معارضون التدريبات، قائلين: إنها سمحت لروسيا باختبار قدراتها العسكرية، وإظهار نفسها محاطةً بحلفاء في لحظةٍ مهمةٍ من حربها في أوكرانيا، ويرى العديد من الدبلوماسيين الغربيين، أن التدريبات العسكرية المشتركة تتعارض مع عدم الانحياز الجنوب أفريقي.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، لإذاعة صوت أمريكا، عبر البريد الإلكتروني: “نلاحظ بقلق خطة جنوب أفريقيا لإجراء مناورات بحرية مشتركة مع «روسيا، وجمهورية الصين الشعبية»، نشجع جنوب أفريقيا على التعاون عسكريًّا مع الديمقراطيات التي تشاركنا التزامنا المتبادل بحقوق الإنسان وسيادة القانون”، وأعربت المتحدثة باسم «البيت الأبيض»، كارين جان بيار، إثْر سؤالها عن هذه المناورات العسكرية المشتركة، عن “قلق الولايات المتحدة”.

فى سياقٍ آخر، كان قد تحدث مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” في زيارة إلى «بريتوريا» الشهر الماضي عن “أمور مزعجة”، بشأن العلاقات بين «جنوب أفريقيا، وروسيا»، وفي «البرلمان الألماني»، بدأت مناقشات حول فكرة، أن الغرب يخسر أمام روسيا في أفريقيا؛ حيث لا يرى معظم الأعضاء على أن للقارة أولوية؛ لذا قدمت المجموعة البرلمانية المعارضة من حزب “الاتحاد الديمقراطي المسيحي / الاتحاد الاجتماعي المسيحي” اقتراحًا بشأن “إستراتيجية ألمانية للتعامل مع النفوذ الروسي المتنامي في أفريقيا”، ومن المقرر أن يتم التصويت في الأول من مارس.

ليست المرة الأولى:

المناورات العسكرية المشتركة التي أعلنت «موسكو» عن تنظيمها في المنطقة العسكرية الشرقية لروسيا الاتحادية، خلال الفترة من «30 أغسطس إلى 5 سبتمبر» من العام الماضي، أثارت أيضًا كثيرًا من الجدل في الأوساط الغربية، بالنظر إلى توقيت إجراء هذه المناورات من جانب، والجهات المشاركة فيها من جانبٍ آخر.

“انضمت الهند” التي تشارك «الصين، وروسيا» عضوية منظمة “بريكس” إلى هذه المناورات، ويبدو لذلك معنى متفرِّدًا، فهي اشتركت مع الولايات المتحدة في مناورات أُخرى، فالهند أحد أهم عناصر الرؤية الأمريكية حول منطقة المحيطيْن «الهندي، والهادئ»؛ بذلك نكون أمام “مواقف متشابكة”، تتسم بكثيرٍ من التعقيدات، فالهند تشارك الولايات المتحدة مناورات عسكرية على الحدود مع الصين، الحليف الرئيس لروسيا، في الوقت نفسه، ترتبط فيه مع «موسكو» بعلاقات تاريخية وثيقة، تساندها علاقات عسكرية اقتصادية معاصرة، ويتواكب مع ذلك، ما أعلن عنه المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية في حديثه إلى شبكة CNN حول “أن الشراكة مع الهند” هي “أحد أهم عناصر رؤيتنا المشتركة؛ من أجل منطقة المحيطيْن «الهندي، والهادئ”.

ختامًا:

يبدو أن جنوب أفريقيا تريد أن تسير على درْب الهند، بمعنى أنها تحاول تحقيق قدْرٍ كبيرٍ من الاستقلالية والمواءمة في علاقاتها الخارجية بين «الشرق، والغرب»؛ ما يضعها في اختبارٍ وتحدٍّ خطيرٍ في ضوْء التطورات الدولية، التي تزيد من حِدَّة الانقسام، واختلاف الرُّؤى بين «الغرب، وروسيا» بشكلٍ أساسيٍّ مع استمرار الحرب الأوكرانية، والصين التي يراها «الناتو» تحديًا يجب مواجهته.

كلمات مفتاحية