الميليشيات المسلحة…أذرع إيران الخفية فى الشرق الأوسط

إعداد/ جميلة حسين محمد

جاء توسع الدور الإيرانى فى منطقة الشرق الأوسط من خلال دعمها لشبكة الميليشيات المسلحة المتواجدة فى عدد من دول تلك المنطقة مثل لبنان وسوريا واليمن والعراق، وتسعى إيران من خلال تلك الميليشيات إلى ترسيخ وجودها وتحقيق أهدافًا ومصالح فى المنطقة، ويأتى الدعم من خلال تنسيق وتوفير الموارد والأسلحة والتدريبات العسكرية والمعلومات الاستخباراتية عبر “الحرس الثورى الإيرانى – فيلق القدس” ذراع إيران فى الشرق الأوسط، ولا تختلف أهداف طهران عن أهداف تلك المجموعات التى تؤدى فى النهاية إلى زعزعة استقرار المنطقة وإحداث تغييرات تهدد أمن وسلامة الدول لمزيد من النفوذ والسيطرة.

وفى هذا الإطار نشر” المعهد الإيطإلى للدراسات السياسية الدولية ISPI” سلسلة تتكون من ستة مقالات بعنوان (The Iranian Constellation: Reassessing the Power of Militias in the Middle East) سيتم عرضها وتحليل كل منها على حدة فيما يلى بالتفصيل.

  1. جاءت المقالة الأولى بعنوان “The Iranian Armed Network: Trends and Findings

للباحثة (Eleonora Ardemagni).

التواجد الإيرانى فى المنطقة

تشير الباحثة إلى مدى توسع وتنوع الجماعات المسلحة المدعومة من إيران فى الوقت الحالى، الأمر الذى ينبع من عدة عوامل أهمها الامتداد الجغرافى لنفوذ إيران فى لبنان وسوريا والعراق واليمن، المساعدة الأمنية على المستوى الخارجى فى العقيدة العسكرية الخارجية والدفاعية لإيران، كذلك تداعيات الانتفاضات العربية منذ عام 2011، صعود وسقوط داعش فى سوريا والعراق، مقتل الجنرال “قاسم سليمانى” قائد فيلق القدس بالحرس الثورى الإسلامى و”أبو مهدى المهندس” نائب رئيس الحشد الشعبى العراقى بضربة جوية أمريكية عام 2020، وأخيرًا الانسحاب الثانى الأمريكى من العراق لعام 2021.

وتلك الجماعات لا تختلف أهدافها كثيرًا عن أهداف إيران ولهم تأثير على سلطة الحكم فى بلدانهم كحزب الله فى لبنان، وقوات الحشد الشعبى فى العراق، والحوثيين فى اليمن، والجماعات المدعومة فى سوريا، ولها تأثير أيضًا على المناطق الساحلية لتلك الدول مثل ساحل جنوب لبنان وبانياس السورية فى البحر الأبيض المتوسط، والحديدة اليمنية فى البحر الأحمر، كما تتمتع تلك الجماعات بمستويات مختلفة من التبعية العسكرية أو المالية من إيران ويؤثر ذلك بطبيعة الحال على الوكالة الوطنية لإيران فى تلك الدول.

وتتحدث الكاتبة على اختبار تلك التبيعة من جانب الميليشيات فى المرحلة القادمة بسبب إعادة العلاقات الإيرانية السعودية، ونص الاتفاقية على مبدأ عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول، وعلى الرغم من أن اتفاقية إعادة العلاقات لم تذكر تلك الجماعات المدعومة من إيران، إلا أن نشاط تلك الجماعات كفيل بأن يضع الاتفاقية فى ضغوط كبيرة بين إيران والجماعات المسلحة.

شبكة الجماعات المسلحة

وانتقلت الكاتبة إلى إيضاح دور وتواجد تلك الجماعات فى المنطقة ومدى ارتباطها بإيران، وبدأت بحزب الله فى لبنان وعبرت عنه بأنه حلقة الوصل للنفوذ الإقليمى الإيرانى فى منطقة الشرق الأوسط، وتحدثت عن تدخله العسكرى فى سوريا وتوسيع نفوذه هناك على المستوى الاقتصادى حيث تهريب الوقود والمخدرات، والمستوى الإستراتيجى حيث القيادة المشتركة مع الحرس الثورى الإيرانى؛ وهناك الحوثيون فى اليمن الذين أصبحوا أكثر اندماجًا فى شبكة إيران المسلحة الإقليمية، وتتلقى الأخيرة أسلحة من طهران، ولكن توضح الكاتبة أن إيران ليس لها تأثير على عملية صنع القرار لدى الحوثيين، كما أن الأخيرة تتمتع بنوع من الاستقلال الاقتصادى نظرًا لسيطرتها على الاقتصاد اليمنى فى شمال غرب البلاد بالإضافة إلى اعتمادها على عمليات التهريب.

أما عن قوات الحشد الشعبى فى العراق رأت الكاتبة أن تلك القوات المتمثلة فى المقاومة أصبحت أقرب من الدولة نتيجة تغلغل الميليشيات فى هياكل الدولة فى السنوات الأخيرة، الأمر الذى جعل إيران لم تعد المنقذ الوحيد لتلك القوات؛ وبالنسبة لسوريا أشارت الكاتبة إلى أن إيران أصبحت أقل نفوذًا من ذى قبل بسبب عملية الدمج التى حدثت للجماعات المسلحة التى تعمل بالوكالة عن إيران فى الجيش السورى، ولكن أعاد حزب الله فى لبنان وقوات الحشد الشعبى فى العراق تنظيم صفوفها على الحدود السورية لتعزيز السيطرة فى تلك المنطقة.

ونشأت حالة من الاعتماد المتبادل المتزايد بين الأطراف على عدة مستويات، وذكرت الكاتبة التعاون بين الجماعات وإيران فى مجال الدعاية ونقل المعلومات والتكنولوجيا الحديثة من أجل إطلاق بعض الهجمات، وقد أشارت إلى مثال للهجوم السيبرانى (الإيرانى- العراقى) على شركة أرامكو السعودية فى عام 2019.

التعاون (الإيرانى- الروسى)

أما عن التعاون العسكرى بين إيران وروسيا مع تلك الجماعات المسلحة أشارت الكاتبة إلى أنه تم على نطاق محدود فى سوريا، وأكدت أن التنسيق بين الجانبين يفتقر إلى معايير التفاعل الأساسية خاصة بعد الغزو (الروسى – الأوكرانى)، وانشغال روسيا فى تلك الحرب حيث قامت بتسليم مواقعها فى وسط وشرق سوريا لتلك الجماعات المدعومة من إيران مع قيامها بعقد تدريبات عسكرية من مستشارين من الجيش الروسى والشركات العسكرية الخاصة مثل “مجموعة فاغنر” للجماعات المسلحة السورية، وقيام إيران بتقديم القوات والدعم الجوى الروسى.

  1. جاءت المقالة الثانية بعنوان “ The Growth of Hezbollah: The Nexus of Iran’s Influence

للباحث (Joseph Daher).

حزب الله والأزمة السورية

يسلط الكاتب الضوء على العلاقة الوثيقة بين إيران والنظام السورى قبل الانتفاضة السورية لعام 2011، حيث كانت سوريا الحليف الرئيسى لإيران فى المنطقة وكانت إيران تمد حزب الله بالأسلحة من خلال “الحرس الثورى الإيرانى – فيلق القدس”، ومن ثم فإن الانتفاضة وسعت الباب أمام المنافسين الإقليميين لإيران لإضعاف نفوذ الأخيرة فى المنطقة من خلال إضعاف النظام السورى؛ الأمر الذى حفز حزب الله لدعم نظام “بشار الأسد” وتدخل عسكريًا بشكل غير رسمى أواخر عام 2011 ورافقهم عناصر من “الحرس الثورى الإيرانى” فى تدريب القوات والميليشيات السورية التى أطلق عليها فيما بعد “قوات الدفاع الوطنى”، كذلك أنشأ حزب الله عدة ميليشيات فى سوريا مثل “قوات الرضا” و”حزب الله سوريا”.

بالإضافة إلى تعاون حزب الله مع الجيش الروسى داخل الأراضى السورية بداية من تدخله العسكرى عام 2015، خاصة فى مجال جمع المعلومات الاستخباراتية ووضع الخطط وتنفذ العمليات فى مختلف الهجمات العسكرية فى جميع أنحاء سوريا، الأمر الذى تحول إلى علاقات سياسية وطيدة بين الطرفين، وقد انعكس ذلك مثلما أشار الكاتب من خلال زيارة وفد حزب الله بقيادة رئيس كتلته البرلمانية “محمد رعد” لموسكو فى مارس 2021 مع اجتماعات علنية مع وزير الخارجية الروسى “سيرجى لافروف” وممثلين عن مجلس الدوما ومجلس الاتحاد.

وجاء انتشار حزب الله فى المناطق السورية بحسب تصوره للأهمية الإستراتيجية لكل منطقة ولكنه عمل على التركيز على منطقة الحدود السورية اللبنانية لتأمين الطرق البرية ومخازن الأسلحة ومعسكرات التدريب، وفى منطقة جنوب سوريا شكل حزب الله ضغطًا على إسرائيل.

وقد انعكس التدخل العسكرى لحزب الله فى سوريا على المجال السياسى والاقتصادى، وبالنسبة للمجال السياسى وسع حزب الله نطاق أنشطته فى سوريا، وأنشأ فرعًا لكشافة الإمام المهدى للشباب فى سوريا، بالإضافة إلى قيام المجتمع الشيعى فى سوريا بتطوير كيانات مؤسسية جديدة حيث إنشاء “المجلس الإسلامى الجعفرى الأعلى” فى عام 2012 على غرار المجلس الإسلامى الشيعى الأعلى فى لبنان؛ وعلى المستوى الاقتصادى احتكر حزب الله عمليات التهريب عبر الحدود السورية اللبنانية، وهيمن على المعابر الحدودية غير الشرعية فى “بعلبك” الأمر الذى سمح بتكديس كميات كبيرة من رؤوس الأموال للطرف اللبنانى والسورى، وقد استخدم الطرف السورى جزءًا من تلك الأموال لتمويل شراء أراضى وعقارات فى منطقتين رئيسيتين من مناطق النفوذ فى سوريا “القصير” فى ريف حمص، و”محيط السيدة زينب” جنوب شرق دمشق.

حزب الله والنفوذ الإقليمى لإيران فى المنطقة

أكد الكاتب العلاقة الوثيقة بين حزب الله وإيران حيث قامت الأخيرة بتقديم الدعم السياسى والاجتماعى والمالى والعسكرى لحزب الله منذ تأسيسه فى عام 1985 وحتى الآن، فتعتبر إيران الداعم الرئيسى لحزب الله ولكنها ليست الداعم الوحيد نظرًا لضرورية تنوع مصادر التمويل خاصة مع زيادة العقوبات وتنامى أنشطة الحزب المتصاعدة.

ومع تصاعد أنشطة الحزب وتطوره فى أماكن أخرى منذ عام 2011، بدأت العلاقات بين الحزب وإيران تأخذ منحنى جديدًا، فأضحى الحزب يلعب دورًا أساسيًا فى خدمة المصالح السياسية الإقليمية الإيرانية، وقيامه بتوطيد شبكة الحلفاء الإقليميين لإيران خاصة بعد اغتيال رئيس الحرس الثورى الإيرانى “قاسم سليماني” فى عام 2020.

وقد ذكر الكاتب مثال على هذه الوساطة حيث العراق ومحاولات استرضاء العلاقات بين الجهات القريبة من إيران فقام حزب حسن نصر الله ومسؤولون فى الأحزاب اللبنانية بمخاطبة الأحزاب الإسلامية الشيعية الأصولية فى العراق، من أجل تقليل التوترات خاصة بين حركة التيار الصدرى والجماعات السياسية المتحالفة مع إيران مثل “ائتلاف دول القانون” بزعامة رئيس الوزراء العراقى الأسبق “نورى المالكي”، و”تحالف الفتح” بزعامة “هادى العامري”، و”حركة عصائب أهل الحق” بقيادة “قيس الخزعلي”، والمثال الآخر تمهيد حزب الله للمصالحة بين حركة حماس الفلسطينية والنظام السورى فى بداية الانتفاضة السورية الأمر الذى يعود على تعزيز نفوذ إيران الإقليمى.

المشهد الحالى لتلك العلاقة

طالما يتحدى الحزب المؤامرات الإقليمية والدولية التى تتعارض مع مصلحة إيران من أجل الحفاظ على مصالحه السياسية المرتبطة بالأخيرة، فقد استخدم حزب الله بشكل متزايد الدفاع الخطابى عن ما يعرف بمحور المقاومة “حزب الله/ إيران / سوريا” وكذلك الجهاز المسلح للحزب  الذى بات يستخدم بشكل متزايد لأغراض من أجل تبرير سياسات وأفعال الحزب وعلى سبيل المثال التدخل العسكرى فى سوريا، وكذلك معارضة أى تحديات قد تواجه النظام السياسى فى لبنان، باعتباره كما قال الكاتب “الحارس الرئيسى للنظام السياسى اللبنانى النيوليبرالى والطائفى” وذلك من أجل خدمة مصالحها.

ومن ناحية أخرى أعلن “حسن نصر الله” أن استئناف العلاقات بين طهران والرياض يعد تغييرًا قد  يخدم الشعوب بما فى ذلك شعوب لبنان واليمن وسوريا، وسيعود بالنفع من خلال الوصول إلى شكل من أشكال الاتفاقات بين الخصوم السياسيين، ولن يكون على حساب تلك الشعوب.

  1. جاءت المقالة الثالثة بعنوان “ Syria’s Militias: Continuity and Change After Regime Survival

للباحث (Hamidreza Azizi).

أبرز الميليشيات فى سوريا

قسم الكاتب الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران فى سوريا إلى 3 فئات:

  • الميليشيات اللبنانية والعراقية المتحالفة مع إيران
  • مجموعات المرتزقة الأفغانية والباكستانية
  • الوكلاء السوريون المحليون.

بالنسبة للفئة الأولى أرسل حزب الله اللبنانى مقاتليه لمساعدة الجيش السورى ودعم النظام عبر مساعدته على استعادة السيطرة على مناطق وسط سوريا، وتقديم تدريبات عسكرية للجماعات العسكرية الموالية للأسد، وذلك بدعم من القادة الإيرانيين فى الحرس الثورى، وكذلك الميليشيات العراقية التى نشطت فى سوريا فى أوائل عام 2012، كما أشار الكاتب إلى أن أهم هذه الجماعات “عصائب أهل الحق”، و”كتائب حزب الله” ، و”منظمة بدر” ، و”حركة حزب الله النجباء” ، و”كتائب سيد الشهداء”.

وقد جاء هذا الدعم اللبنانى والعراقى فى سوريا بالتنسيق مع إيران من أجل الدفاع عن لبنان والمناطق الحدودية مع سوريا ضد أى تهديد، وتجنب أى مؤامرة محتملة من قبل الدول الغربية وحلفائها الإقليميين ضد حزب الله وحلفائه، كما أشار الأمين العام للحزب “حسن نصر الله” إلى ما يعرف بـ”محور المقاومة”، وبالنسبة للدعم العراقى جاء فى إطار مواجهة تنظيم داعش بعد سيطرته على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا فى عام 2014، فكان ينظر لسوريا باعتبارها امتدادًا للجبهة العراقية ضد داعش.

أما الفئة الثانية والتى تتمثل فى المرتزقة من الأفغان والباكستانيين فى سوريا المدعومين من إيران منذ منتصف عام 2012، حيث جند الحرس الثورى الآلاف من الشيعة الأفغان والباكستانيين، وتم تنظيمهم فى لواء فاطميون وزينبيون، وقد لعبوا دورًا أساسيًا فى الإنجازات العسكرية لنظام الأسد خاصة فى حلب وجنوب سوريا وتدمر وشرق سوريا، وذلك بجانب الفئة الثالثة والتى تتمثل فى الميليشيات السورية المحلية كقوات الدفاع الوطنى الموالية لنظام الأسد.

تطور دور الميليشيات فى سوريا

أكد الكاتب أن النظام السورى تمكن من استعادة سيطرته على عدد من المناطق الإستراتيجية فى منتصف عام 2018، بالإضافة إلى انهيار داعش وفقدانه 95% من أراضيه فى العراق وسوريا فى 2017؛ وفى إطار هذا الأمر تغير دور الميليشيات المدعومة من إيران فى سوريا إلى منحنى أكثر تصعيدًا، بالنسبة  لحزب الله اللبنانى تغير دوره من وجود كمى إلى تداخل نوعى وأكثر استهدافًا فى سوريا، حيت ركز نفوذه عبر الحدود السورية اللبنانية وحاول التسلل إلى المناطق الجنوبية لسوريا، بالقرب من الحدود الإسرائيلية، وكذلك الميليشيات العراقية تحول تركيزها إلى السيطرة على المناطق الحدودية السورية مع العراق خاصة معبر “القائم” و”البوكمال” الحدودية مع استمرار انتشارها فى أماكن أخرى.

أما عن المرتزقة الأفغان والباكستانيين مُنح بعضهم الجنسية السورية وانضموا إلى الجيش السورى وتم نقلهم إلى مناطق جنوب سوريا، وكذلك فى دمشق، وذلك كما عبر الكاتب من أجل تأسيس نفوذ قوى فى القطاع العسكرى والأمنى فى سوريا، وضمان نفوذ إيران على المدى الطويل فى تلك المجالات ذات الأهمية الإستراتيجية.

فى حين أدى اغتيال قائد الحرس الثورى “قاسم سليمانى” على يد القوات الأمريكية فى عام 2020 إلى تغييرًا فى دور الميليشيات المسلحة وإيران فى سوريا، حيث زودت إيران دعمها لوكلائها المحليين فى “دير الزور” من أجل مكافحة الوجود الأمريكى عبر هجمات على القواعد العسكرية الأمريكية، وقامت المجموعات العراقية بتكثيف نشاطها فى الحدود مع سوريا وفى محافظة دير الزور، ونشأ نوع من القيادة المشتركة بين حزب الله فى سوريا والحرس الثورى الإيرانى.

بينما شكلت الحرب (الروسية – الأوكرانية) تغييرًا فى دور روسيا فى سوريا الأمر الذى انعكس على التحول فى دور الميليشيات فى الأخيرة، وذلك من خلال قيام روسيا بإخلاء بعض قواعدها فى وسط وشرق سوريا من حمص إلى تدمر، وحتى محافظة “الحسكة” وسلمتها إلى الجماعات المدعومة من إيران، الأمر الذى استغلته الميليشيات التابعة لإيران فى سوريا لتوسع النطاق الجغرافى لأنشطتها من جهة، ومن جهة أخرى احجام داعش عن تنظيم صفوفه واستئناف أنشطته الإرهابية خاصة فى البادية السورية بسبب انشغال روسيا بالحرب مع أوكرانيا.

  1. جاءت المقالة الرابعة بعنوان “ Orbital Fluctuations among the Iran-Supported Militias in Iraq

للباحثة (Michael Knights).

اتجاهات علاقة إيران بالمقاومة العراقية

سلطت الكاتبة الضوء على المقاومة العراقية وتمركزها على “الحرس الثورى الإيرانى” من ناحية، والدولة العراقية من ناحية أخرى، ليشكل هذا الاعتماد نوعًا من التكافؤ بين الجانب الإيرانى والجانب العراقى، وقد ظهر اعتماد المقاومة على إيران أثناء سيطرة رئيس الوزراء “مصطفى الكاظمى” المناهض للمقاومة خلال 2020-2022، وعادت المقاومة مرة أخرى تعتمد على الدولة العراقية فى أكتوبر 2022.

وفى نقطة أخرى أشار الكاتب إلى مدى تأثير التغيرات داخل إيران على موقفها من الميليشيات العراقية خاصة بعد مقتل قائد الحرس الثورى الإيرانى “قاسم سليماني”، وأقرب ملازمه العراقى “أبو مهدى المهندس” فى يناير 2020، الأمر الذى أثر على العلاقة بين إيران والمقاومة نظرًا لانخراط “سليمانى” بشكل وثيق فى الشؤون العراقية.

وقد عانت إيران فى 2020-2021 من حملة عقوبات أمريكية “خلال إدارة ترامب” ورفضها اتخاذ بعض السياسيات لضبط النفس تجاه الولايات المتحدة والمعارضين السياسيين، الأمر الذى أدى لاستياء المعارضة وقد ذكر الكاتب مثال لهذا الأمر المتمثل فى رفض إيران هجوم 7 نوفمبر 2021 على منزل رئيس الوزراء العراقى “مصطفى الكاظمى” عبر طائرة بدون طيار.

وعلى الرغم من أن القائد الجديد للحرس الثورى الإيرانى “إسماعيل قاآنى” تربطه علاقة أقل تأثيرًا بقادة المقاومة فى بداية الأمر، إلا أنه بمرور الوقت بدأت أساليب “قاآنى” تؤتى ثمارها فى عام 2022 حيث بدأت تتوقف انتقادات المقاومة لتلك السياسات وظهرت درجة من الوحدة بين المقاومة، وبالفعل سيطرت المقاومة على عملية تشكيل الحكومة.

أبرز الميليشيات الفردية العراقية

على الرغم من وجود عدد من الميليشيات والجماعات العراقية التى تلعب دورًا فى الساحة العراقية، إلا أنه توجد 4 فصائل رئيسية ذات أهمية للحرس الثورى الإيرانى وتنتمى جميعها إلى قوات الحشد الشعبى ويمكنه من خلالها القيام بعدة عمليات خاصة يمكن التنصل منها، وهم “عصائب أهل الحق، وبدر، وكتائب حزب الله، والنجباء”؛ وبالنسبة لفصيل عصائب أهل الحق بقيادة “قيس الخزعلى” فقد ظهر فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتى تعتبر الأسوأ فى تاريخ العملية السياسية بالعراق تحت مسمى “كتلة الصادقون”، وكان فى مواجهة مع التيار الصدرى المتصدر للأصوات الانتخابية، ولكن فى نهاية الأمر أعلن التيار الصدرى انسحاب نوابه من البرلمان، وقدموا استقالاتهم جميعًا فى يونيو2022، الأمر الذى جعل “الخزعلى” السياسى الأعلى شهرة فى العراق وله علاقة وطيدة برئيس الوزراء “محمد شياع السودانى”.

أما بالنسبة لمنظمة بدر بقيادة “هادى العامرى” فقد لعبت دورًا سياسيًا فى القوات المسلحة وقوات الحشد الشعبى، وكما زعم الكاتب أنه على الرغم من فشل “هادى” فى انتخابات 2021 إلا أنه يتمتع بعلاقات جيدة مع جميع اللاعبين من ضمنهم الحكومات الغربية والفصائل الكردية، كما تربطه علاقة وثيقة مع الجانب الإيرانى التى تعتبره بالإضافة إلى “عصائب أهل الحق” أكثر الفاعلين على الساحة السياسية فى العراق.

فى حين تعتبر “كتائب حزب الله والنجباء” تتسم بالمحدودية على الساحة السياسية فى السنوات الأخيرة نظرًا لحدوث خلافات وانشقاقات داخلهما، وتعتمد عليهم إيران كما وضح الكاتب من أجل القيام بمهمام عسكرية منفصلة مثل القيام بضربات دقيقة على أهداف أمريكية.

  1. جاءت المقالة الخامسة بعنوان “Houthis and Iran: A War Time Alliance

للباحثة (Eleonora Ardemagni).

اندماج الحوثيين فى الشبكة الإيرانية

استطاع الحوثيون الاندماج مع إيران فى مجالات عدة كالحرب والدعاية والإعلام والعلاقات الخارجية، فتساعد إيران الحوثيين أمنيًا من خلال تهريب الأسلحة والذخيرة عبر الحرس الثورى الإيرانى، والتدريب العسكرى للحوثيين لتحديث قدراتهم الدفاعية وتطوير مهارتهم كما ساعدتهم على إنشاء مؤسسات عسكرية جديدة فى اليمن كـ”مجلس الجهاد” الذى يرأسه “عبد الملك الحوثى” ومساعد جهادى من القدس ونائب جهادى مساعد من حزب الله، وكذلك مساعدة إيران الحوثيين فى بناء مصانع للأسلحة الخاصة بهم اعتبرته إيران – كما عبرت الكاتبة عنه- أنه جزء من مجمع صناعى عسكرى فى المناطق الخاضعة للسيطرة، هذا بالإضافة إلى اندماج قطاعات من قوات الأمن النظامية الموالية لـ”على عبد الله صالح”، ليتحول الحوثيون فى نهاية الأمر من جماعة حرب عصابات محلية إلى قوة مسلحة أكثر تطورًا قادرة على ضرب أهداف برية وبحرية فى جميع أنحاء المنطقة، كما لعبت إيران دورًا فى الدعاية والإعلام التابع للحوثيين من خلال منفذ الحوثيين الإعلامى “المسيرة” الذى يتم بثه من بيروت.

وعلى الرغم من الجهد الإيرانى تجاه الحوثيين إلا أن إيران لا تسيطر على عملية صنع القرار لدى الحوثيين، فالأخيرة لها أجندتها السياسة الخاصة وأصبحت تتمتع باستقلال ذاتى اقتصاديًا عن طهران، ومن ثم يتميز الحوثيون عن أى وكيل يتبع إيران فى المنطقة لأربعة أسباب كما تم ذكرهم فى المقالة وهم:

  • الاستقلال المالى: الحصول على الموارد المالية من اليمن فى الشمال من خلال الضرائب والجبايات، والسيطرة على شبكات التهريب.
  • الحكم الذاتى: خاصة فى المناطق الشمالية والمشاركة فى إيرادات الدولة.
  • اختلاف المذهب: فالحوثيون لا ينتمون إلى الفرع الشيعى الاثنا عشرى مثل الإيرانيين، بل إنهم ينتمون إلى تيار تمزق داخل الزيدية.
  • البُعد الطبقى: يتسم الحوثيون بالانتماء لعائلة فريدة “عائلة الحوثى” وتتخذ بُعدًا طبقيًا ودينيًا.

 العلاقة بين حزب الله والحوثيين

يعتبر حزب الله أقرب حليف للحوثيين فى دائرة الميليشيات المدعومة من إيران فى المنطقة، كما أكدت الكاتبة أن حزب الله ساعدهم فى التدريب العسكرى، وتعزيز القدرات النظامية وغير النظامية، وتحسين عمليات الصواريخ الموجهة ضد الدبابات والهجمات المضادة للشحن البحرى، ورصدت الباحثة أوجه تشابه بين الحوثيين وحزب الله يمكن ذكرهم فيما يلى:

  • ظهروا كحركات مقاومة ضد القمع النابع من الدول المحيطة لهم.
  • القادة الكاريزميون “عبد الملك الحوثى وحسن نصر الله” صناع القرار فى جماعتهما ولكن ليست لديهم أدوار رسمية فى الحكومات ومؤسسات الدولة.
  • وقت الحرب ساعد من ناحية على تأسيس تلك الحركات “حزب الله: الحرب الأهلية اللبنانية 1975-1989″، “الحوثيين: حروب صعدة اليمنية 2004-2010″، ومن ناحية أخرى بروزها سياسيًا وعسكريًا فى المنطقة “حزب الله: حرب حزب الله مع إسرائيل 2006″، “الحوثيين: التدخل العسكرى بقيادة اليمن 2015”.
  • تبنى خطاب سياسى شعبوى ضد الفساد.

مسار العلاقة بين الحوثيين وإيران

وفقا لما أشارت إليه الكاتبة فاستطاعت إيران من خلال مرونة الحوثيين وقدراتهم غير المتوقعة أن تضغط من ناحية بطريقة غير مباشرة على السعودية، ومن ناحية أخرى الوصول لمنفذ غير مباشر إلى البحر الأحمر حيث تواجد الحوثيين فى الحديدة، فساحل البحر الأحمر والأخيرة تمثلان محورًا رئيسيًا للعمق البحرى الإيرانى من أجل تهريب الأسلحة على الرغم من الحصار الذى تقوده السعودية؛ وعلى الجانب الآخر استفاد الحوثيون من دعم إيران طوال فترة حربها، وأعطت الكاتبة مثالًا للأسلحة والتدريبات العسكرية التى قدمتها إيران للحركة الزيدية اليمنية التى خاضت صراعًا طويل الأمد دون خسارة الأراضى الخاضعة لسيطرتها والتى تشمل العاصمة “صنعاء”، وجاءت الباحثة بسؤال إلى أى مدى ستدعم إيران أهداف الحوثيين السياسية فى أوقات السلم؟ وكذلك إلى أى مدى تربط العلاقة مع إيران عملية صنع القرار لدى الحوثيين خاصة فيما يتعلق بالسعودية؟

  1. جاءت المقالة السادسة بعنوان “ Iran, Russia, and the Militias: Seeds of Tactical Cooperation

للباحثين (Abdolrasool Divsallar/Julia Roknifard).

رؤية متباينة حول الميليشيات المسلحة

تناول الباحثان نظرة موسكو وطهران للجماعات المسلحة، فبالنسبة لطهران طورت دعمها للجماعات المسلحة التى تساعدها على السيطرة الأمنية فى منطقة الشرق الأوسط، من خلال عدة مراحل بدأت بأعمال متنوعة وذات دوافع أيدولوجية وصولًا إلى أداة إستراتيجية شاملة، وقد أشار الباحثان إلى تطور اعتماد إيران على تلك الميليشيات بناء على 3 أهداف أساسية وهى:

  • مواجهة هيكل الأمن الجماعى الذى تقوده الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط.
  • بناء تحالف إقليمى بقيادة طهران.
  • تعزيز قدرتها على الردع من خلال توسيع العمق الإستراتيجى.

وبالمقارنة مع روسيا فإنها لا تعتمد على تلك الجماعات بنفس القدر الذى تعتمد عليه إيران، واعتمادها كان بغرض زيادة وجودها السياسى فى المنطقة بعد أن كانت هامشية منذ الحقبة السوفيتية، والعمل على إبقاء الولايات المتحدة مشتتة بصراعات كما عبر عنها الباحثان “صراعات منخفضة الحدة”.

تحديات التنسيق بين إيران وروسيا

وعلى الرغم من اختلاف النظرة للجماعات المسلحة بين البلدين إلا أنه يوجد بينهما نوع من التنسيق بين طرق عملهم المختلفة، ولكنه يواجه هذا التنسيق تحديات ونوع من التعقيد بين الحين والآخر، حيث تحدث اشتباكات بين الجماعات المدعومة من روسيا والجماعات المدعومة من إيران فى سوريا، وقد ذكر الباحثان مثالًا فى عام 2022 عندما حدثت اشتباكات بين “الفيلق الخامس العسكرى” المدعوم من روسيا والميليشيات المدعومة من إيران فى مدينة “تدمر” السورية.

وفى حقيقة الأمر، إن تلك التحديات تنتج عن أن كلا الدولتين تعمل على مقربة شديدة، وتدعم ميليشيات قد تكون على خلاف مع بعضها البعض، ومن ثم تحاول موسكو تحسين علاقاتها مع الميليشيات المدعومة من إيران لتفادى حدوث تصادمات أو خلافات محتملة بين الطرفين وتلاقى المصالح بينهما، وفى هذا الإطار ذكر الباحثان مثالًا على حزب الله  الذى وصفه الرئيس الروسى “فلاديمير بوتين”  بأنه “قوة سياسية جادة” وعلاقته مع الحكومة الروسية من خلال الحفاظ على اتصالات سياسية منتظمة عن طريق اجتماعات رفيعة المستوى بين ممثلى الحزب ووزير الخارجية الروسى “سيرجى لافروف”، وكذلك نائبه فى شؤون الشرق الأوسط “ميخائيل بوغدانوف”، ويقتصر تعاون روسيا مع حزب الله على أهدافها الخاصة فى سوريا.

محاولات احتذاء المشروع الإيرانى فى المنطقة

انطلاقًا من تعلم الدول من إستراتيجيات بعضها البعض لتقديم المساعدة العسكرية وفرض السيطرة والوجود، يتحدث الباحثان عن مدى تعلم روسيا من تمدد إيران فى المنطقة عبر الميليشيات المسلحة، فالأخيرة تعلمت من النموذج الأمريكى لمساعدة الجماعات المسلحة فى جميع أنحاء الشرق الأوسط، وقد أشارا إلى أن دعم روسيا للجماعات المسلحة جاء نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وكما ظهر فى التقرير وجود شركات عسكرية روسية خاصة مثل “مجموعة فاغنر”، والتى شاركت فى تدريب تلك الميليشيات وتجنيد مقاتلين، ففى لبنان حاولت تجنيد جنود من المسلمين الشيعة بمساعدة من حزب الله اللبنانى، وفى سوريا قامت بتدريب ميليشيات مثل “قوات النمر”، “صقور الصحراء”، “لواء القدس”، هذا بالإضافة إلى الدعم الروسى للميليشيات السورية التى تم دمجها فى هيكل الجيش السورى.

ولكن أكد الباحثان أن تقديم روسيا المساعدة الأمنية للجماعات المسلحة ليس أداة إستراتيجية أساسية كما هو الحال بالنسبة لإيران لعدة أسباب، أهمها وجود فراغ لدعم الميليشيات اللبنانية والفلسطينية حتى لا يقوض علاقتها مع إسرائيل، وكذلك انشغالها بالحرب مع أوكرانيا، هذا بالإضافة إلى افتقار روسيا إلى أجندة قائمة على الدين على الرغم من إكساب رسالتها المسيحية مؤخرًا فى إطار النظام الدولى الجديد غير المتمركز حول الغرب.

ختامًا:

بعد تناول تلك المقالات وتحليلها يمكن التوصل إلى أن التغيرات التى تعرضت إليها تلك الميليشيات المدعومة من إيران بفعل الأحداث الإقليمية، وتأثير البعض منهم على سلطة الحكم، صب فى نهاية الأمر إلى استمرارية العمل بصورة راسخة لا يمكن اقتلاعها أو عزلها عن زعزعة الاستقرار، فيوجد حزب الله الشريك الأقدم لطهران والمرتبط مذهبيًا بمرشد الثورة الإيرانية، والذى يشكل قوة عسكرية فى لبنان وله نفوذه الواسعة فى سوريا لدعم نظام “بشار الأسد” بمساعدة إيرانية من خلال توفير التكنولوجيا العسكرية وتطوير مرافق لإنتاج الصواريخ وإمداده بصواريخ موجهه بدقة ومضادة للدبابات، والميليشيات العراقية القابعة تحت لواء “قوات الحشد الشعبى” ونفوذها الواسع داخل الأجهزة الأمنية فى الفترات الأخيرة، والتى توجه دائمًا ضرباتها ضد القوات الأمريكية من خلال استخدام أسلحة إيرانية الصنع، أما عن الحوثييين فى اليمن فتربطهم علاقة وثيقة بإيران التى ترى أنهم أداة مهمة لتنفيذ المشروع الإيرانى فى اليمن عبر استغلال الوضع الأمنى المنحدر، وإمدادهم بوابل من الأسلحة المتطورة، وبالنسبة للميليشيات السورية الداعمة لنظام بشار الأسد وتغذية إيران لهم بالأسلحة والعمل على تدريبهم ونشرهم فى أنحاء سوريا وقد وصل عددهم لـ 10 آلاف شخص.

وكذلك الفصائل الشيعية الموالية لإيران داخل قطاع غزة كحركة “الصابرين نصرًا لفلسطين- حصن” والتى تم إغفال الحديث عنها فى هذه السلسلة، وأخيرًا بالنسبة لعلاقة موسكو بالميليشيات يمكن القول أن دعم موسكو يقتصر فقط على تحقيق مصالحها الخاصة، ولن تصل إلى الحد الذى تتبناه إيران منذ أواخر القرن الماضى فى توفير الدعم والإمداد بغزارة لتلك المجموعات من أجل تعميق النفوذ الإيرانى فى الشرق الأوسط.

 

كلمات مفتاحية