إعداد: رضوى الشريف
في إطار مُخطَّطات إيران الطامحة للتمدُّد وتقوية نفوذها في القارة السمراء، خاصةً بعد تراجُع النفوذ الفرنسي في إفريقيا، تُسارع طهران الخُطى في الآونة الأخيرة؛ من أجل البحث عن موطئ قدمٍ لها بمنطقة شمال غرب إفريقيا، التي تشهد تنافُسًا محمومًا بين القوى الدولية والإقليمية، في ظلِّ الإمكانيات الاقتصادية والسياسية المتاحة لها، وفي هذا السياق، تأتي الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، للعاصمة الموريتانية، نواكشوط، الثلاثاء 31 يناير؛ من أجل تدارُس سُبُل تعزيز العلاقات البينية في مختلف المجالات، لا سيما “محاربة الإرهاب” بغرب إفريقيا، وكذا تدعيم العلاقات الاقتصادية المشتركة.
على الرغم من الطابع التجاري، الذي روّجت له وكالة الأنباء الإيرانية بخصوص الزيارة، فإن الوفد الدبلوماسي تُحرِّكُه ملفات أمنية وعسكرية في المقام الأول؛ حيث تحاول طهران استغلال الفراغ الأمني بالساحل الإفريقي؛ للتوغُّل في المنطقة. وبجانب موريتانيا، جديرٌ بالذكر، أنه تمَّ عقْد زيارات إيرانية للعديد من البلدان الإفريقية بالساحل في الأشهر المنصرمة، والتي كانت تستهدف «مالي، وبوركينا فاسو، وتشاد، والنيجر».
مُحدِّدات التحرُّك الإيراني في شمال غرب إفريقيا
تشهد منطقة الساحل والصحراء تنافُسًا شديدًا بين الدول الإقليمية، بعد الانسحاب الكُلِّي لفرنسا من بعض الدول؛ حيث دخلت كُلٌّ من «روسيا، وتركيا، وإيران، والصين» على خط الصراع الدولي؛ لكسب معركة الوجود السياسي بها، وبالتالي، وجدت منطقة شمال غرب إفريقيا نفسها مُنْخرطةً في هذا الصراع الدبلوماسي المتزايد، باعتبارها مَدْخلًا إستراتيجيًّا للنفاذ إلى الساحل؛ ما جعل دول «المغرب، والجزائر، وموريتانيا» تحظى باهتمامٍ دُوليٍّ متزايدٍ من قِبَلِ القُوى الكبرى.
ومن مُحدِّدات التحرُّك الإيراني في شمال غرب القارة الآتي:
الالتفاف على الضغوط الغربية
تحاول إيران كسْر الحصار الذي فرضته عليها دول الغرب منذ سنوات، فظاهريًّا تأتي الزيارات الإيرانية للقارة الإفريقية؛ لتعزيز العلاقات التجارية؛ لكن الباطن يتعلق أساسًا بالهاجس الأمني، خاصةً على مستوى الساحل والصحراء؛ حيث تسعى إيران إلى فرْض أجندتها الأمنية بالمنطقة، وذلك باستغلال هشاشة المنظومة الأمنية بالساحل؛ لتوسيع المدِّ الشيعي.
وبينما تواجه مشاريع إيران التوسُّعية في الشرق الأوسط انتكاسةً بين الحين والآخر، تبحث طهران عن حلولٍ بديلةٍ وأماكن خارج نطاقها الإقليمي، يمكن اختراقها والنفاذ منها؛ لكي تنشر نفوذها وأجندتها مرةً أُخرى.
موازنة التحالف السياسي «المغربي – الإسرائيلي»
بالرغم من أن الوجود الإيراني بالقارة الإفريقية قديمٌ، لا سيما بالساحل والغرب الإفريقي؛ لكن الجديد هو البحث الإيراني عن منفذٍ حدوديٍّ بشمال إفريقيا، في ظلِّ التحالُف السياسي بين «المغرب، وإسرائيل»، وفي إطار ذلك، سبق أن درَّبت إيران العديد من العناصر العسكرية، التابعة لجبهة “البوليساريو”، عن طريق “حزب الله”؛ ما دفع المغرب إلى قطْع العلاقات الدبلوماسية معها؛ لكن التحالف المغربي مع إسرائيل جدَّد خطة التوغُّل الإيراني بالمنطقة، وحينما تبحث إيران عن حليفٍ لها بشمال إفريقيا، سيتعلق الأمر بالجزائر التي لها خلافٌ تاريخيٌّ مع المغرب.
وتحاول إيران اختراق المجال المغاربي، بالتحالف مع الجزائر، ودعْم عددٍ من الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، وهدف هذا الاختراق هو ابتزاز هذه الدول، باعتبار أنها في حاجةٍ لتحالفٍ ودعْمٍ خارجييْن.
هل ستكون موريتانيا هي مفتاح التوغُّل الإيراني في شمال غرب إفريقيا؟
يثير الموقع الإستراتيجي لموريتانيا مطامع طهران، في محاولةٍ منها للدخول والتوغُّل في المنطقة، عبر البوابات الغربية؛ حيث تُشكِّلُ نواكشوط نقطة التقاء، وجسْر عبور بين إفريقيا؛ شمال وجنوب الصحراء الكبرى، ومحطة على الخطوط البحرية بين الشرق الأوسط وغرب إفريقيا، كما أنها بوابة طبيعية لإفريقيا نحو أوروبا.
بالتالي، فإن دوافع طهران في موريتانيا هو تعزيز وجودها فيها؛ لتحويلها إلى قاعدةٍ تنطلق من خلالها إلى باقي دول المغرب العربي وغرب إفريقيا، في إطار التمدُّد الشيعي، كما أن التطورات الراهنة على الساحة الدولية، وسعي طهران نحو بسْط نفوذها السياسي والاقتصادي في مناطق أُخرى، قد يدفعها إلى الإسراع بسحْب موريتانيا إلى الاصطفاف لجانب المحور الذي تقوده «موسكو، وطهران» حاليًا، خاصةً أن الزيارة الإيرانية أعقبتها زيارةٌ روسيةٌ أيضًا لموريتانيا، ويخشى مراقبون من نجاح الضغوط «الروسية، والجزائرية» في دفْع موريتانيا إلى القبول بتوطيد علاقاتها مع طهران، وفتح نفوذٍ جديدٍ لها بالمنطقة.
خطرٌ متعدد الأبعاد
المخاوف المتنامية من توسُّع النفوذ الإيراني في منطقة شمال غرب إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي، أكد عليها المندوب الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال؛ حيث اتَّهم إيران بتسليح جبهة “البوليساريو” بالطائرات المُسيَّرة في مخيمات “تندوف” في الجنوب الغربي للجزائر.
وفيما تتمادى إيران – عمليًّا- في محاولاتها الحثيثة؛ لزعزعة أمن واستقرار منطقة شمال إفريقيا، وتحويلها إلى بُؤْرةٍ للتوتُّر والنزاع، على غرار ما فعلت في «اليمن، وسوريا، والعراق، وليبيا»، عن طريق توكيل أطرافٍ معاديةٍ للمغرب، تُوجد مخاوف متنامية من أن دائرة الخطر قد تمتد إلى القارة الأوروبية؛ فتسلُّل إيران في المنطقة سيؤثر سلبًا على الأمن الأوروبي؛ حيث إن المخاوف السائدة لدى الطرف الأوروبي من التوغُّل الإيراني في شمال إفريقيا، تنْبُع من كوْن طهران وضعت مُخططًا شامِلًا لا يستهدف فقط تعزيز نفوذها في هذه المنطقة؛ بل يهدف أيضًا إلى السيطرة كذلك على الممرات البحرية الإقليمية، ومنها معبر “جبل طارق” الفاصل بين «المغرب، وإسبانيا».
في النهاية
النفوذ الإيراني العابر للقارات، بات يزْحف بسرعةٍ قُصْوى ليتمدد إلى مختلف المناطق التي ترمي طهران إلى إيجاد موطئ قدمٍ لها فيها، في إطار سعيها إلى خلْق مناطق نفوذ ونقاط تماس جديدة مع القوى العالمية، تُمكِّنُها من مناوشتها وابتزازها؛ ليمتدَّ من الشرق الأوسط إلى شمال غرب إفريقيا والساحل.
وتُوجد مخاوف من أن يتم سحْب نواكشوط إلى الانخراط في محورٍ إقليميٍّ مع «الجزائر، وإيران، وروسيا»، ودعم تمدُّد هذه الدول في منطقة غرب إفريقيا التي تُعدُّ موريتانيا بوابتها الرئيسية.
وفي ظلِّ هذا التشابُك بين الثلاثي، «المغرب، وإيران، وإسرائيل»، إلى جانب قوى إقليمية ودولية أُخرى، تحاول التَّمَوْقع في إفريقيا، فمن المرجح، أن يجعل ذلك القارة مسرحًا للتوتُّرات والتنافُس على النفوذ.