الهند.. الورقة الرابحة لمواجهة الصين

إعداد: مصطفى أحمد مقلد

مقدمة:

المنافسة الجيوسياسية على النفوذ الإستراتيجي في منطقة المحيطيْن «الهندي، والهادئ» بيْن «الهند، والصين» تتكثف بشكلٍ تدريجيٍّ، فقد أدَّت سياسة الهند “النظر شرقًا” والجهود الصينية؛ لتوسيع نفوذهما الإستراتيجي في منطقة حافة المحيط الهندي إلى الضغط والتأثير على المجال التقليدي للمصالح الإستراتيجية لبعضهما البعض؛ نتيجة لذلك، برز المحيط الهندي كمنطقة تقاطعٍ رئيسية للمصالح الإستراتيجية «الهندية، والصينية».

الصينيون حَذِرُون من المشاركة الإستراتيجية المتزايدة للهند في الجوار الصيني، وقدرتها على الحدِّ من التواصل الصيني في منطقة حافة المحيط الهندي”IOR”P؛ حيث يقر التقرير السنوي حول تنمية منطقة المحيط الهندي (2016) الذي نشرته الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، بأن الدبلوماسية الهندية الاستباقية، “لم تؤسس فقط هيمنتها في المنطقة التي تعتبرها مجال نفوذها الحصري، ولكن أيضًا لديها حرية العمل المقيدة للقوى الخارجية بما في ذلك الصين “.

إستراتيجية “عقد الماس” الهندية:

“عقد الماس”: هو الاسم الذي يطلق على إستراتيجية الهند لمعالجة الآثار الدبلوماسية لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية، وهي ليست إستراتيجية معلنة رسميًّا، ولكنها “عبارة” تستخدم لتفسير سياسات حكومية معينة، لكن لم تُذكر في الخطاب الرسمي، وتتضمن الإستراتيجية إقامة شبكة تحالفات ذات أبعاد «عسكرية، وأمنية، واقتصادية»، تضم دولًا ذات مواقع إستراتيجية، مثل «إندونيسيا، واليابان، ومنغوليا، وسلطنة عمان، وسيشل، وسنغافورة، وفيتنام، وجمهوريات آسيا الوسطى».

فمنطقة المحيط الهندي موطن لمعظم البلدان الأسرع نموًا في العالم، وواحدة من أكثر المناطق الإستراتيجية التي تقع على مفترق طرق التجارة العالمية، وتربط اقتصادات شمال الأطلسي باقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتقع الطُّرُق البحرية الرئيسية التي تربط «الشرق الأوسط، وأفريقيا، وشرق آسيا» بـ«أوروبا، وأمريكا» أيضًا في المحيط الهندي، وتمر80٪ من تجارة النفط البحرية في العالم من خلال ثلاثة ممرات ضيقة للمحيط الهندي، هي: “مضيق هرمز، ومضيق ملقا، ومضيق باب المندب”، ويُشار إلى النقاط الثلاث باسم نقاط الاختناق؛ لأنها تتحكم في جميع التجارة في المنطقة.

ملامح الإستراتيجية:

1) في عام 2015، اتفقت «الهند، وسيشل» على تطوير القاعدة البحرية في جزيرة Assumption للاستخدام العسكري، هذا الموقع يقع بالقُرب من «قناة موزمبيق»، وتُمثِّلُ القاعدة أهمية إستراتيجية للهند؛ حيث تريد الصين بشدة زيادة وجودها في القارة الأفريقية، من خلال «طريق الحرير البحري»، وعانت هذه الصفقة في البداية؛ بسبب النفوذ الصيني على سيشل، ومع ذلك، تم إنقاذها بعد عرْض الهند، بتقديم خط ائتمان، بقيمة 100 مليون دولار وطائرة استطلاع بحرية، من طراز «Dornier-228» إلى سيشل، وفي عام 2019، عيَّنت الهند قائدًا سابقًا للجيش (الجنرال: دالبير سوهاج) كمفوضٍ سامٍ لسيشل، كانت هذه هي المرة الأولى، منذ 38 عامًا، التي يتم فيها تعيين قائد للجيش الهندي كرئيسٍ لبعثةٍ خارجيةٍ؛ ما يعكس الأهمية الإستراتيجية التي تُولِيها “دلهي” لجارتها الجنوبية.

2) تدرك الهند أيضًا أهمية إيران، التي تُعدُّ نقطة النهاية لخط السكك الحديدية الصيني الجديد؛ لذلك في عام 2015، عندما واجهت إيران عقوبات اقتصادية خانقة، وعُزْلة دبلوماسية، وافقت الهند على تطوير ميناء المياه العميقة في «تشابهار» في «خليج عمان»؛ حيث في عام 2016، وقَّع رئيس الوزراء “مودي” اتفاقية لبناء ميناء «تشابهار» في إيران، ويُوفِّر الميناء منفذًا إلى أفغانستان، وطريقًا تجاريًّا مهمًا إلى آسيا الوسطى.

3) وقَّع رئيس الوزراء “مودي” اتفاقية مع سنغافورة، في عام 2018؛ لإتاحة وصول مباشر إلى القاعدة البحرية الهندية “شانغي”هناك، وبالتالي، أثناء الإبحار عبْر بحر الصين الجنوبي، يمكن للبحرية الهندية التزوُّد بالوقود، وإعادة تسليح سفنها من خلال هذه القاعدة، تعتبر هذه الاتفاقية هي الأُولى التي وقَّعتها الهند مع دولةٍ تقع شرق «مضيق ملقا»، وذلك المضيق يعتبر “كعب أخيل” للصين، بالنظر إلى مرور 80٪ من واردات البلاد من «النفط، والغاز» عبْر هذا الطريق.

لذا تتسابق كُلٌّ من «الهند، والصين»؛ لإثبات وجودهما بالقُرْب من هذا المضيق؛ لأن خَنْقَه يعني وجود مِقْوَد على اقتصاد الطرف الآخر، كان قد صاغ الرئيس الصيني السابق “هو جينتاو” مصطلح “معضلة ملقا”؛ للإشارة إلى خطورة استخدام المضيق من أطراف منافسة، على التنمية الاقتصادية الصينية.

4) في عام 2018، حصلت الهند على منفذٍ عسكريٍّ على ميناء «سابانج» في إندونيسيا، الواقع عند مدخل «مضيق ملقا».

5) في عام 2018، حصلت الهند على منفذٍ عسكريٍّ آخر، في «ميناء الدقم»، على الساحل الجنوبي الشرقي لسلطنة عمان، وهو موقع إستراتيجي بالقرب من «مضيق هرمز، وخليج عدن»؛ بحيث يسهل الميناء واردات الهند من النفط الخام من الخليج العربي، بالإضافة إلى ذلك، تقع المُنْشَأَة الهندية بين القاعدتيْن الصينيتيْن المهمتيْن في «جيبوتي وباكستان».

6) “مودي” هو أول رئيس وزراء هندي يزور منغوليا، ووافق البلدان على التعاون لتطوير ممرٍ جويٍّ ثنائيٍّ، كبدايةٍ لتطوير العلاقات الثنائية، وفي سياقٍ موازٍ، فإن الهند هي أكبر مصدر للأسلحة للجيش الفيتنامي، وحافظت الهند تاريخيًّا على علاقات وُديّة مع فيتنام، بجانب ذلك، وقَّعت الهند أيضًا اتفاقية الاستحواذ والخدمات الشاملة مع اليابان، التي ستسمح لجيوش البلديْن، بتبادل الإمدادات والخدمات على أساسٍ متبادلٍ.

على خريطة العالم، تُشكِّلُ هذه النقاط هيكلًا يشبه القُلَادة، يمكن استخدامه لمواجهة الصين في حالة الصراع.

الهند عامل مشترك:

1- تحالف كواد:

الشراكة التي تضُمُّ إلى جانب الهند “الولايات المتحدة، واليابان، وأستراليا”، تستمد جذورها من الردِّ على الزلزال المدمر والـ«تسونامي»، الذي وقع عام 2004 بالمحيط الهندي، لكن أُنشئت “كواد” في شكلها الحالي عام 2007، لكن انهارت المبادرة عام 2008، تحت ضغطٍ كثيفٍ من الصين، وتهديد الانتقام الاقتصادي، بحسب “كليو باسكال”، الزميلة الأقدم بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.

وأُعيد إحياؤها عام 2017، وسط مخاوف متجددة بشأن الصعود السريع للصين كقُوةٍ عُظْمَى عالمية، وسياسة “بكين” الخارجية العدائية بشكلٍ متزايدٍ، ووافق قادة التحالُف على مشروعٍ للمراقبة البحرية، يتوقع أن يُعزِّز مراقبة التحرُّكات الصينية في المنطقة، كما أعلنوا عن خطةٍ لإنفاق 50 مليار دولار – على الأقل – لمشاريع بُنَىً تحتيّةٍ واستثمارات في المنطقة، على مدى السنوات الخمس القادمة، تترافق تلك الخطوات مع تصاعُد القلق، إزاء مساعي الصين بناء علاقاتٍ مع دول في منطقة المحيط الهادئ، ومنها «جزر سليمان»، التي أبرمت معاهدة أمنية واسعة مع «بكين».

2- ممر النمو بين «آسيا وأفريقيا»:

نشأت فكرة ممر النمو «الآسيوي – الأفريقي» في البيان المشترك، الصادر عن رئيس وزراء كُلٍّ من «الهند، واليابان»، في نوفمبر 2016، والهادف بصورةٍ كبيرةٍ إلى دفْع النمو التجاري والاستثماري في أفريقيا، من خلال الحدِّ من الوجود المتزايد للصين في القارة السمراء.

وتُشير رؤية المشروع إلى أن التركيز الجغرافي للمشروع في أفريقيا، سوف يكون أوسْع نطاقًا من مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، وتكْمُن الفكرة في تمكين الاقتصادات في «آسيا، وأفريقيا» من زيادة الاندماج والظهور الجماعي ككتلة اقتصادية واحدة، ذات قدرات تنافسية عالمية.

امتداد التنافُس للشرق الأوسط:

خلال التسعينيات، بدأت الهند سياسة “النظر شرقًا”، والتي أدَّت إلى علاقات «اقتصادية، وإستراتيجية» قوية مع دول في شرق وجنوب شرق آسيا، ويبدو الآن أن الهند تنتهج سياسةً مماثلةً في النظر إلى غربها المباشر؛ لأسباب «اقتصادية، وإستراتيجية».

تعكس استجابة الهند للزلزال المدمر الأخير في «تركيا، وسوريا» سياستها، المتمثلة في المشاركة القوية في الشرق الأوسط، وتعتبر استجابة إستراتيجية، وليست إنسانية فقط، ويأتي ذلك بعد زيارة الرئيس المصري للهند، وتوسيع العلاقات مع «إسرائيل، والدول العربية الخليجية»، إلى جانب الروابط القوية مع إيران؛ ما يضع الهند كجهةٍ فاعلةٍ محتملةٍ في الشرق الأوسط.

في 26 يناير الماضي، كان الرئيس المصري ضيف الشرف، في يوم الجمهورية الـ74 للهند، وفي وقتٍ سابقٍ، أعلنت الهند عن استثماراتها القوية في I2U2″”، وهي مجموعة تضُمُّ «الهند، وإسرائيل، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة»، وتريد الهند أن تكون مستعدةً لأيِّ تداعيات لانسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط الكبير.

من الواضح، أن الهند أدارت علاقات جيدة، ليس فقط مع دول الخليج العربي، ولكن أيضًا مع «إسرائيل، وتركيا، وإيران»، فإسرائيل هي واحدة من أكبر ثلاثة مُزوّدين للمعدات الدفاعية للهند؛ حيث يتم بيْع 43 % من صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى الهند، وفي الوقت نفسه، كانت الهند حريصة على عدم تعطيل علاقاتها مع إيران، على الرغم من التحديات الجيوسياسية.

تعزيز الشراكات:

كشفت «الهند، وفرنسا، والإمارات» مطلع الشهر الجاري، عن خارطة طريق طموحة؛ للتعاون في عددٍ كبيرٍ من المجالات، بما في ذلك «الطاقة، والتكنولوجيا» في إطارٍ ثلاثيٍّ، وقال بيان مشترك: إنَّه تم الاعتراف بأن الدفاع مجال للتعاون الوثيق بين الدول الثلاث، وستعمل المبادرة الثلاثية كمنصةٍ لتوسيع التعاون بين وكالات التنمية في المقاطعات الثلاث، بشأن المشاريع المُسْتَدامة إلى جانب ضمان مواءمةٍ أكْبَرَ لسياساتها «الاقتصادية، والتكنولوجية، والاجتماعية»، مع أهداف اتفاقية «باريس» للمناخ.

الأطراف الثلاثة، اتفقت على أن تكون المبادرة الثلاثية بمثابة منتدى؛ لتعزيز تصميم وتنفيذ مشاريع التعاون، ولا سيما في منطقة المحيط الهندي، وأضافت “لهذا الغرض، ستستكشف الدول الثلاث، إمكانية العمل مع جمعية حافّة المحيط الهندي (IORA)؛ لمتابعة مشاريع ملموسة، وقابلة للتنفيذ، بشأن ’الطاقة النظيفة، والبيئة، والتنوُّع البيولوجي”.

في إطارٍ آخر، فإن «فرنسا، والإمارات» تحافظان على علاقاتٍ قويةٍ مع الصين، بالتالي، تعاونهما مع الهند من خلال تلك الآلية، لا يشير إلى تأزُّم علاقتهما مع الصين، لكن يشير ذلك إلى اهتمامهما بمنطقة المحيط الهندي، والسعْي لتوسيع مصالحهما هناك، فبعد الإعلان عن تلك المبادرة، قال “وانغ يي” مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية لـ«الحزب الشيوعي» الصيني، خلال اجتماعه مع وزيرة الخارجية الفرنسية «كاثرين كولونا»، 15 فبراير الجاري: إن الصين مستعدة لاستئناف الحوار والتبادلات في كافة المجالات؛ لإعادة تنشيط مُحرِّك العلاقات «الصينية – الفرنسية»، وأكَّد أن الصين تُولِي اهتمامًا كبيرًا لعلاقاتها مع فرنسا، وتقف على أُهْبَة الاستعداد؛ لتعميق الاتصالات الإستراتيجية، وتعزيز الثقة السياسية المتبادلة مع فرنسا؛ من أجل إضافة زَخَمٍ جديدٍ للعلاقات «الصينية – الأوروبية»، من خلال التعاون بين «الصين، وفرنسا»، والاضطلاع بدوْر بنَّاء في تعزيز السلام والاستقرار والمساواة في العالم.

ختامًا:

مثَّلت الحرب الأوكرانية بداية الشرارة، والبداية الحقيقية لسعْي بعض القُوى الكُبْرى الجديدة؛ لدعْم نَسَقٍ دوليٍّ متعدد الأقطاب، وتُمثِّل الهند إحدى تلك القوى، التي تملك طموحًا قويًّا؛ لتكون أحد الأقطاب العالمية، ويتوازى مع ذلك تفاوُت فُرَص التعاون والتنافُس مع الدول الصاعدة الأُخرى؛ حيث تملك الهند علاقات قوية مع الولايات المتحدة، وتتنافس مع الصين بطبيعة الحال، ونتيجةً لسياقٍ تاريخيٍّ يحمل في طيَّاته نزاعات حدودية، وتزيد التطورات الدولية من حِدَّة ذلك التنافُس، وذلك في ضوْء التنافُس «الصيني – الأمريكي»، ورغبة الصين في التمدُّد الإقليمي على حساب جاراتها.

كلمات مفتاحية