الهواجس الأمنية للانتشار الأمريكى فى سوريا والعراق ومضيق هرمز

إعداد: دينا لملوم

استكمالًا لخطة واشنطن لتعزيز تواجدها العسكرى فى الشرق الأوسط بعد حدوث تغييرات فى موازين القوى الدولية خلال الفترة الأخيرة، وصعود النفوذ الصينى الروسى فى أجزاء متفرقة من العالم، وهو ما يشكل تهديدًا جسيمًا لهيمنة أمريكا ذلك القطب الأوحد الذى اعتاد الهيمنة على العالم بشكل منفرد بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، أرسلت واشنطن قطعًا عسكرية إلى المنطقة؛ وذلك بحجة واهية تهدف إلى ردع وتطويق النفوذ الإيرانى، وإفساح المجال أمام حشود عسكرية أمريكية فى ممرات مائية ذات أهمية إستراتيجية وحيوية تتحكم فى تجارة النفط العالمية، وعليه نجد أن الحضور الأمريكى بدأ فى الزحف نحو منطقة الخليج بل الشرق الأوسط بشكل عام، ومحاولة عسكرة المياه الخليجية وتضييق الحصار على طهران فى مضيق هرمز الذى عززته بقطع بحرية أمريكية ضد الوجود الإيرانى، وبالرجوع إلى عام ٢٠١٨، مع انسحاب الرئيس الأمريكى السابق “دونالد ترامب” من الاتفاق النووى الإيرانى، نلاحظ أن الحوادث التى تعرضت لها السفن فى مياه الخليج ومضيق هرمز بعد ذلك لم تحدث من قبل، وهو ما أدى إلى خلق حالة من التوترات فى ظل تواجد طهران بقوة فى هذه المنطقة، ومن ثم سعى واشنطن لردع نفوذها وتطويقها، فأصبح هناك حالة من الكر والفر بين هاتين القوتين، محملًا بتهديدات صارخة لأمن المنطقة، وتشكيل هاجسًا لدى بعض الدول كالعراق الذى يعد “هرمز” المنفذ البحرى الوحيد لها على العالم الخارجى.

أسباب التواجد الأمريكى فى سوريا:

تتمركز القوات الأمريكية فى سوريا منذ عام ٢٠١٥، وتتفاوت أعدادها، حيث تشير بعض الإحصائيات إلى أن العدد زاد من ٥٠٠ إلى١٥٠٠ جندى فى يوليو الماضى[1]، وترجع أسباب الانتشار الأمريكى فى دمشق إلى عدة دوافع منها، محاربة تنظيم داعش ومساعدة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” فى قتال هذا التنظيم فى إطار عملية العزم الصلب المشتركة بين العراق وسوريا، كما أن واشنطن تعمل على تقديم الدعم اللازم لوقف عمليات إطلاق النار التى تشتعل فى عدة مناطق سورية، إضافة إلى المساهمة فى تحقيق الاستقرار وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحيلولة دون انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومع ذلك لم تسهم فى تقديم حلول سياسية سلمية للأزمة المتجذرة، بيد أن الهدف الأساسى من التواجد الأمريكى فى سوريا ربما يتمثل فى محاصرة وتطويق نفوذ طهران فى المنطقة، وقد باتت أمريكا تطلق أذرعها المتحركة فى عدة مناطق بالشرق الأوسط خلال الفترة الأخيرة خاصة فى مضيق هرمز والتحركات على الحدود السورية العراقية، وقد شملت التعزيزات العسكرية التى استقدمتها واشنطن، آليات وجنود على الحدود السورية قادمة من العراق باتجاه منطقة القائم على مقربة من مدينة “البوكمال” الحدودية، وأجرت قوات التحالف الدولى بزعامة الولايات المتحدة تدريبات عسكرية شاركت بها الطائرات الحربية فى قاعدة “كونيكو” بريف دير الزور الشمالى، ولكن لا يمكن الجزم بنية جو بايدن حول شن حروب أو معارك فى هذه المناطق فى الوقت الذى يعانى منه الداخل الأمريكى من بعض الاضطرابات واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.

القواعد الأمريكية فى سوريا:

تتواجد القوات الأمريكية فى المنطقة الممتدة شرق نهر الفرات من جنوب شرقى سوريا بالقرب من معبر “التّنف” الحدودى الشمالى الشرقى على مقربة من حقول رميلان النفطية، وتتوزع فى الحسكة ودير الزور، لتُشكل فى النهاية حلقة أشبه بالطوق الذى يحيط بمنابع النفط والغاز السورى الموجودة شرق نهر الفرات، وهو ما يمثل غالبية الثروة الباطنية لسوريا، وأحد أهم هذه القواعد هى قاعدة رميلان، التى تعد أولى النقاط الأمريكية فى سوريا، وهى مطار زراعى يقع على مقربة من قرية أبو حجر، جنوب شرق مدينة رميلان النفطية، الواقعة فى ريف الحسكة الشمالى الشرقى وينتشر بها نحو 500 عنصر.

خريطة تمركز القوات الأمريكية فى سوريا الهواجس الأمنية للانتشار الأمريكى فى سوريا والعراق ومضيق هرمز

خريطة تمركز القوات الأمريكية فى سوريا.

وعليه فيمكن إرجاع هذه التحركات إلى عدة أسباب:

١- دحر النفوذ الإيرانى:

تتحرك الإستراتيجية الأمريكية بناءً على هدفين أولهما معلن والآخر خفى، فالمعلن فى التصريحات الأمريكية يتضح فى تضييق الخناق على التوسع الإيرانى فى الخليج ودعم بعض الأنظمة المسلحة فى عدة دول، أما الأسباب الخفية تتضح فى “دلالة التوقيت”، حيث اقتراب الموعد النهائى لمفاوضات الملف النووى الإيرانى، ورغبة الولايات المتحدة فى امتلاك أدوات ضغط كافية لتصبح فى موقف أقوى من الإيرانيين لاسيما بعد صفقة تبادل الأسرى الأخيرة وإطلاق الأموال المحجوزة التابعة لإيران، والتى لاقت ردود فعل سلبية داخل أمريكا وأثبتت مدى ضعف المفاوض الأمريكى، فباتت سياسات بايدن فى الشرق الأوسط تؤتى نتائج عكسية أثرت على مكانة ونفوذ الولايات المتحدة، وفى الوقت الذى يقترب فيه موعد الانتخابات الرئاسية خرجت حكومة جو بايدن عن صمتها؛ لتعيد لواشنطن رونقها ومكانتها وتثبت للعالم أن واشنطن مازالت حاضرة فى المشهد وتؤثر على منطقة الشرق الأوسط بشكل أو بآخر، خاصة مع تنامى النفوذ الصينى الروسى واستقلالية مواقف بعض دول الخليج؛ الأمر الذى كان له مردوده السلبى على مبيعات الأسلحة الأمريكية وسوق النفط والاقتصاد الأمريكى بشكل عام.

القواعد الأمريكية المحيطة بإيران الهواجس الأمنية للانتشار الأمريكى فى سوريا والعراق ومضيق هرمز

القواعد الأمريكية المحيطة بإيران.

٢- مناوئة دول الخليج:

فى الوقت الذى تسعى فيه دول الخليج خاصة السعودية إلى اتباع نهج تصفير المشاكل والأزمات التى تمر بها المنطقة والدخول فى شراكات اقتصادية وعسكرية مع الصين وروسيا وجدت الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها فى معزل عن هذه السياسات، فأرادت اتخاذ خطوات من شأنها التلويح بأنها ما زالت حاضرة فى الخليج، وذلك من خلال حشد المواقف الخليجية تجاه السياسات الأمريكية ومحاولة إيقاف بعض ملفات التعاون مع آخرين، كما أن بايدن يسعى على قدم وساق من أجل تسريع جهود التطبيع السعودى الإسرائيلى؛ لتعزيز موقفه فى الانتخابات الأمريكية القادمة.

٣- محاصرة التواجد الصينى الروسى:

يمثل الوجود الصينى الروسى فى المنطقة هاجسًا لدى الولايات المتحدة تتعاظم حدته مع تنامى الأذرع المختلفة لبكين وموسكو سواء فى الخليج أو فى مناطق أخرى، وبات العداء واضحًا مع تعاظم الوجود العسكرى الروسى فى سوريا، ومع انتشار الاتفاقيات الاقتصادية الصينية وتزايد مبيعات الأسلحة، أُثيرت المخاوف الأمريكية بشأن تواجد عسكرى صينى محتمل، ومن ثم فقد جاءت التحركات العسكرية لواشنطن لتعيد رسم الأثر الأمريكى على الساحة من جديد.

تحركات أمريكية على الحدود السورية العراقية:

فى ظل التقارب الإقليمى بين العراق ومحيطه والتقارب السعودى الإيرانى، سعت الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إيجاد شريك حقيقى وإعادة تمركزها فى المنطقة مرة أخرى، وينتشر حوالى ٢٥٠٠ جندى أمريكى فى بغداد[2]، ضمن إستراتيجية أمريكية تسعى لضمان مصالح واشنطن فى العراق والشرق الأوسط بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص، وتسعى القوات الأمريكية المتواجدة فى قاعدة عين الأسد فى العراق إلى إغلاق الشريط الحدودى مع سوريا؛ سعيًا نحو تطبيق حالة من العزل الجغرافى عبر حصار خطوط التماس البرية بين العراق وإيران من ناحية وسوريا ولبنان وفلسطين من ناحية أخرى، وذلك من خلال تطويق محاور حدودية أهمها القائم والبوكمال، وهذه العملية لا تقتصر على التمركز فى العراق فحسب، بل عموم الشرق الأوسط؛ من أجل وقف الدعم اللوجستى البرى للفصائل الموجودة بسوريا، وبالتالى ضمان عدم الإضرار بالمصالح الأمريكية، وبالنظر إلى حلقة الوصل بين سوريا والعراق التى تتخللها إيران، نجد أن أى مواجهات تضر بأمن العراق سيترتب عليها تهديد لاستقرار سوريا.

القواعد الأمريكية فى العراق:

فى عام ٢٠٢١ انسحب حوالى ٦٠٪ من القوات الأجنبية فى العراق، وظل قرابة ٢٥٠٠ جندى أمريكى على الأراضى العراقية فى عدة نقاط، مثل قاعدة عين الأسد الجوية، وقاعدة الحرير بأربيل، إضافة إلى المنطقة الخضراء ببغداد.

القواعد الأمريكية فى العراق الهواجس الأمنية للانتشار الأمريكى فى سوريا والعراق ومضيق هرمز

القواعد الأمريكية فى العراق.

المخاطر الأمنية فى مضيق هرمز:

استمرارًا لسياسة التطويق والحصار التى تحاول الولايات المتحدة فرضها على منطقة الشرق الأوسط، فقد سعت إلى وضع تعزيزات عسكرية فى مضيق هرمز؛ للإشارة إلى أنها ما زالت حاضرة فى المشهد، وحتى تتمكن من ردع النفوذ الإيرانى، وتشكيل طبقة دفاعية للسفن المعرضة للخطر من قبل طهران فى مضيق هرمز، فقد سبق وتعرضت حوالى ٢٠ سفينة فى المنطقة لمضايقات إيرانية خلال العامين الماضيين، أما عن المخاطر الأمنية التى قد يسببها التصعيد فى المضيق، فقد يؤدى إلى التأثير على أسواق النفط باعتباره محطة دولية لعبور السفن النفطية، كما أنه يعد الممر الملاحى الوحيد لدول مثل العراق، وهو ما يهدد أمنها المائى، وفى ظل الاستفزازات المتكررة من قبل إيران واعتراضها لحاملات حاويات أمريكية أطلقت واشنطن سفنها البحرية كحماية للسفن التجارية الأمريكية التى تعبر المضيق، وكأن ذلك كان ذريعة للتدخلات الأمريكية فى المياه الخليجية، بحجة الحفاظ على أمن الخليج ضد التهديدات الإيرانية.

مجسماً لحاملة طائرات أمريكية إلى مضيق هرمز الهواجس الأمنية للانتشار الأمريكى فى سوريا والعراق ومضيق هرمز

مجسماً لحاملة طائرات أمريكية إلى مضيق هرمز.

أهداف مشتركة:

نلاحظ أن التواجد الأمريكى على الحدود بين سوريا والعراق يتمحور حول عدة نقاط:

أولًا- محاصرة النفوذ الإيرانى وقطع أذرع تمدده فى الشرق الأوسط، ومواجهة التهديدات التى تشكلها إيران إزاء مصالح واشنطن خاصة أمن الطرق البحرية وسفنها فى الخليج.

ثانيًا- استعراض قوة واشنطن على الساحة الشرق أوسطية وإثبات وجودها وحضورها فى المشهد فى ظل الصعود الروسى الصينى، وتجنب الانخراط فى أى صراع أو معارك من شأنها التأثير بالسلب على وضع جو بايدن خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية.

ثالثًا- السيطرة على محور المقاومة فى سوريا ولبنان وقطع جميع الإمدادات عن كتائب حزب الله اللبنانى، والتصدى لتنظيم داعش.

تحركات سلام أم تحركات توتر وصراع؟

فى الوقت الذى تسعى فيه المملكة العربية السعودية لتصفير المشاكل ودعم عمليات السلام والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، تأتى المحاولات الهدامة من قبل دول تسعى إلى إفشال اتفاق بكين الذى أعاد العلاقات بين الرياض وطهران إلى مسارها الطبيعى، ومن ثم إشعال فتيل الصراع الذى عانت منه المنطقة لسنوات وإعادة التوتر إليها مرة أخرى، وبتتبع التحركات الأمريكية فى مياه الخليج يمكن الإجابة على هذا التساؤل، فعودة القطع البحرية وحاملات الطائرات وطائرات “إف ١٦” الإستراتيجية التى حشدتها واشنطن فى المنطقة بذريعة مجابهة التهديدات الإيرانية، ربما يوحى بالرغبة الأمريكية فى استمرار حالة الصراع فى الشرق الأوسط حتى تتمكن من اللعب بكافة الأوراق وإثبات وجودها بأى شكل من الأشكال، ومحاولة إيجاد أسباب منطقية للتذرع فى المنطقة وإرسال آلاف الجنود إلى الخليج، وذلك عبر افتعال حلقة من الصراع مع كل انتخابات أمريكية، حتى يتثنى لها التدخل تحت مسمى المدافع عن أمن واستقرار الخليج، وهو ما اتضح فى التدخل فى مضيق “هرمز” بدافع الحفاظ على المياه الخليجية وكبح جماح إيران، والتدخل فى سوريا بحجة دحر خطر تنظيم داعش الإرهابى، وهكذا أسباب تبرر الوسيلة التى تتدخل بها الولايات المتحدة فى دول المنطقة.

ختامًا:

فى ظل التحركات الأمريكية المتشعبة فى الشرق الأوسط، نجد أن “بايدن” يراهن على مرحلة قادمة سيتحدد فيها مصيره وهل سيفوز فى هذه الانتخابات أم ستكون من نصيب دونالد ترامب، وبالتالى فالحشود والتعزيزات العسكرية الحالية يمكن إضفاء صفة الهدوء النسبى عليها؛ نظرًا لاقتراب ماراثون الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فى فترة يحاول فيها بايدن خلق أرضية خصبة تمكنه من كسب المزيد من الدعم فى هذه العملية الانتخابية، ناهيك عن عدم قدرة أمريكا على تحمل تكلفة حراك عسكرى أوسع فى الشرق الأوسط فى ظل الأوضاع الراهنة، كما أن العلاقات بين واشنطن ودول المنطقة ليست على ما يرام ليتوقع تعاون بناء بينهما، وعليه فقد تشهد فترة ما بعد الانتخابات تحركات مختلفة، وبصرف النظر عن الفائز فى هذا السباق، يتوقع أن تتشعب أذرع واشنطن المختلفة فى المنطقة الشرق أوسطية؛ لمحاولة استعادة النفوذ الأمريكى برًا وبحرًا، إذن فنحن أمام حالة من الهلع الأمريكى فى ظل عالم أصبح متعدد الأقطاب تحاول فيها قوى كالصين وروسيا سحب البساط من تحت أقدام واشنطن، وهو ما يدفعها إلى اتخاذ خطوات قد تعرقل محاولات الرياض لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة.

المصادر:

[1] https://cutt.us/TWqOY

[2] https://www.voanews.com/a/us-iraq-talking-long-term-defense-cooperation/7215777.html

كلمات مفتاحية