الوثيقة التوافقية الانتقالية المُقترحة : هل يتجه السودان نحو اتفاق آمن أم تعثر جديد؟

حسناء تمام كمال

في ظل حالة التعثر التي يعاني منه السودان طرحت بعض الأحزاب السياسية السودانية وثيقة توافقية لإدارة الفترة الانتقالية، كمسعى لتجاوز الأزمة السياسية الراهنة والوصول إلى الحكم المدني الديمقراطي. وقعها رؤساء وممثلو (79) حركة سياسية، ضمت قوى سياسية ومجتمعية وأكاديمية وأهلية وشخصيات قومية، بجانب عدد من المبادرات المشاركة.

تأتي هذه المبادرة في بعد طرح عدد واسع من المبادرات المحلية والإقليمية لتجاوز حالة التأزم السياسي، منها مبادرة الأمم المتحدة، ومبادرة الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا، ومبادرة الاتحاد الإفريقي، ومبادرتان من دولتي جنوب السودان وإريتريا ومبادرات حزب الأمة القومي، والحزب الاتحادي الأصل، والجبهة الثورية، ومبادرة مدراء جامعات سودانية، محليا، كما أنها تأتي في ظل عدد من القرارات يتخذها المجلس السيادي؛ كمؤشر لانفتاحه على الحوار، وكان آخرها الإفراج عن عشرات من المعتقلين السياسيين. وفي ظل هذه التفاعلات الكثيفة  نقرأ البنود التي قدمتها الوثيقة وفرص نجاحها والتحديات أمامها.

أولًا: قراءة في الوثيقة

وقع الوثيقة عدد من الأطراف الهامة كان من ضمنها، حزب الأمة القومي، الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، إلى جانب مجموعة التوافق الوطني بقوى الحرية والتغيير، إضافة إلى حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، وتجمع قوى تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، وشملت 40 مادة، تناولت أبرز النقاط الخلافية. وعالجت الوثيقة عدد من القضايا الخلافية على النحو التالي:

 مدة الفترة الانتقالية: بعد الإطاحة بحكم البشير و بموجب تعديل الوثيقة الدستورية حددت تسع وثلاثين شهرا ميلاديا تسرى من تاريخ التوقيع على الوثيقة الدستورية  لإنهاء الفترة الانتقالية حيث تم التوقيع عليها فى السابع عشر من شهر أغسطس عام 2019، مُدت  في اتفاق جوبا، ليبدأ حساب التسعة وثلاثين شهرا من تاريخ التوقيع على اتفاق جوبا للسلام في السودان، وعليه يكون تاريخ تسليم رئاسة مجلس السيادة للمكون المدنى في يوليو 2022، وبناء عليه من المقرر أن تنتهى الفترة المقررة لرئاسة المكون العسكرى فى يوليو 2022، على أن تنتهي الفترة الانتقالية فى يناير 2024.

تقترح الوثيقة الجديدة تمديد الفترة الانتقالية تنتهي في مايو 2024، وهذا يعني أن الوثيقة تقترح تمديد في فترة الانتقال شهور إضافية، وهذا بما يخالف اتفاق جوبا، ويثير مخاوف المكون المدني بشأن توقيت استلامه رئاسة المجلس السيادي.

لا شك أن أقتراح تمديد الفترة الانتقالية مثير للجدل، ويعظم مخاوف المكون المدني، خصوصا في ظل حالة عدم الثقة التي يعيشها الفصيلين، وهو السبب الجوهري لاعتراض قوى الثورة على الوثيقة. وقد يكون سبب رئيس في مقاطعة التيار المدني الوثيقة.

تشكيل المجلس السيادي: نصت الوثيقة على تشكيل مجلس السيادة من أحد عشر عضواً، 4 من العسكريين ومثلهم من المدنيين وثلاثة أعضاء من أطراف اتفاق جوبا للسلام، وبذلك يتغير عن شكل التشكيل الحالي للمجلس، إذ يتشكل مجلس السيادة السوداني من خمسة أعضاء عسكريين وخمسة مدنيين، إضافة إلى عضو عسكري متقاعد.

التشكيل المقترح يعطي مساحة لتخفيض المكون العسكري في المجلس، هذا يعتبر محاولة لاحتواء غضب الأطراف المدنية من غلبة الفصيل العسكري في اتخاذ قرارات المجلس السيادي الحالي.

 تشكيل الحكومة : وتقترح الوثيقة تشكيل حكومة من 20 وزيرا يمثلون ولايات البلاد (18 ولاية)، مع تسمية رئيس وزراء من الكفاءات (بلا انتماء حزبي)، بالتشاور الواسع مع القوى السياسية، بينما اقترحت عدد 300 عضو المجلس التشريعي

وتشكيل الحكومة الحالية يختلف عن المقترحة ‘إذا تتكون الحكومة الحالية من 15 وزيرا في الحكومة، وهذا يعني زيادة أعضاء الحكومة، كما ستختلف آلية تشكيلها.

وبالرغم من عدم إيضاح دافع الزيادة العددية لأعضاء الحكومة، لكن يجدر الإشارة إلى أن اقتراح تشكيل الحكومة بالشكل التشاوري، اقتراح إيجابي يتناسب مع طبيعة المرحلة التي يشكل الخلاف حول الحكومة أهم ما يميزها، و يعني فتح حلقات حوار مع جميع الأطراف حول تشكيل الحكومة، الأمر الذي إذ  جرى وفقا لضوابط التمثيل العادل للفصائل المشاركة في التشاور المقترح، يزيد من احتمالية أن تكون للحكومة شرعية واسعة.

أما عدد أعضاء مجلس التشريع، فاقترحت الوثيقة تخفيض عددهم إلى 300 عضو، لم تقدم الوثيقة توضيحاً ولم يعقب أعضاءها على الرقم المقترح للأعضاء، كما لم تعرض الوثيقة الآلية المناسبة لتجاوز مسألة التأجيل التي يعاني منها المجلس التشريعي، بالرغم من أن المجلس التشريعي لم يرى النور منذ أن حددته الوثيقة الدستورية الخاصة بإدارة الفترة الانتقالية في السودان، عقب سلسلة من التأجيلات.

ثانيًا: التوافق الجوهري كمحدد رئيس في قبول الوثيقة

لن تمر هذه الوثيقة إلا بتوافق حقيقي جوهري إلا إذا حدث توافق حول الوثيقة من كافة المكونات عموما، بما فيهم منها قوى الثورة ممثلة بالأساس في لجان المقاومة والقوى الثورية الأخرى وقوي الحرية والتغير من ناحية، ومن الموقعين على الوثيقة من ناحية آخري.

ويجدر الإِشارة في هذا الصدد أن عدد من الأحزاب أعلنت انسحابها بعد أن وقعت، فصرح نائب رئيس “حزب الأمة” القيادي في “الحرية والتغيير”، إبراهيم الأمين، أن ثمة تلاعباً جرى في الوثيقة بواسطة أفراد من المكونين المدني والعسكري، من دون علم الوفدين المفاوضين، كما نفت حركتا تحرير السودان – المجلس الانتقالي، وقوى تحرير السودان، توقيعهما الوثيقة السياسية. من ناحية أخرى رفضت لجان المقاومة السودانية وتحالف الحرية والتغيير هذه الوثيقة التوافقية.  وهذا يضع تحدٍ كبير أمام القوى الموقعة على الوثيقة في تحقيق الشرط الرئيس في قبول الوثيقة، أي شرط التوافق.

والاتفاق الجوهري حول الوثيقة، لا يعني وإقبال عدد كبير من الأحزاب على توقيع الوثيقة وحسب، ولكن ضمان أن يكون التوافق شامل كافة والفصائل المتنافسة، لضمان التجاوز الحقيقي للخلافات.

ثالثًا: مستقبل الوثيقة

 قبولها والعمل بها : ويفترض هذا السيناريو أن هذه الوثيقة ستلقى قبولًا مصحوب بالتنفيذ يستند هذا السيناريو على ترحيب متوقع من المجلس السيادي بالوثيقة، والقوة العددية للأحزاب الموقعة والمبادرات الأخرى المتوافقة علي الوثيقة، وهذا السيناريو قد يُطرأ تعديلات على اتفاق جوبا، وهذا السيناريو يحمل بداخله سيناريوهان الأول أن يتم العمل بها في ظل توافق تام بين كل المكونات، وهذا يعني أن مجهود سيبذل لإقناع تحالف الحرية والتغيير، ولجان المقاومة بها، أما السيناريو الآخر فيرجح قبول الوثيقة والعمل بها بالرغم من وجود اعتراضات عليها كالمذكورة، وهذا ما يجر السودان لحلقة أخرى مفرغة من الخلافات، وهذا السيناريو بطريقيه مرجح.

الرفض: ويتوقع هذا السيناريو أن ترفض هذه الوثيقة، وهذا بالاستناد إلى الانسحابات التي شهدتها القوى الموقعة على الوثيقة وإعلان عدم انضمامها للوثيقة، بجانب اعتراض لفصائل المعارضة الرئيسية، وهذا السيناريو يعني أن الموقعين على الوثيقة فشلوا في إقناع الجميع بها، وهو ما يؤدي إلى رفضها بشكل قطعي، وهذا السيناريو غير مستبعد.

التجاهل: وهذا السيناريو يرجح أن يكون مصير المبادرة النسيان والتجاهل على غرار عددمن المبادرات السابقة، ولا يؤخذ إي إجراء حيالها، وهذا السيناريو يعني أن ردًا وخطوات غير حاسمة من المجلس السيادي حيال المبادرة، وألا  تتجاوز الوثيقة الطرح إعلاميا ومن بعض الاحزاب، وهذا السيناريو مستبعد.

 

كلمات مفتاحية