الوجه الآخر لألمانيا.. مصير التظاهرات الحاشدة ضد العنصرية واليمين المتطرف

إعداد: جميلة حسين 

فى الثالث عشر من شهر يناير الماضى اجتاحت المدن الألمانية تظاهرات عارمة للتنديد بالتطرف اليمينى وتحديدًا بحزب “البديل من أجل ألمانيا” وذلك بعد أن كشفت منظمة (كوريكتيف) فى العاشر من يناير المنصرم تحقيقًا استقصائيًا حول اجتماع سرى ناقش خطة للترحيل الجماعى للمهاجرين حتى الألمان من ذوى الأصول المهاجرة خارج البلاد؛ وهو ما اتسق بتنامى خطر اليمين المتطرف داخل البلاد والتصاعد فى أعداد الجماعات اليمينة المتطرفة خلال الفترة الأخيرة، وتركيزها على توظيف قضايا القومية والهجرة بشكل واسع، وعليه بدأت التعبئة ضد الحزب والتى طال استمرارها لأكثر من شهر تحت عدة شعارات عديد أهمهم “نحن جدار الحماية للديمقراطية”.

احتجاجات منددة لليمين المتطرف

تتواصل الاحتجاجات والمظاهرات الحاشدة ضد الهجرة وممارسات اليمين المتطرف فى ألمانيا بصورة مستمرة كل أسبوع منذ الشهر الماضى دون توقف وفيما يلى يمكن بيان أبرزها:

السبت 13 يناير:

تجمع نحو 2000 شخص فى مدينة “هامبورغ”  أمام مقر حزب البديل من أجل ألمانيا بعد أن دعى فرع محلى لمنظمة شباب الحزب الاشتراكى الديمقراطى إليها،  كرد فعل على خطط الترحيل التى ينويها حزب البديل، وفى اليوم التالى تظاهر الآلاف ضد اليمين المتطرف فى بوابة “براندنبورغ” التى تحيط بولاية برلين وخارجها فى “بوتسدام”، ومن بين المتظاهرين مستشار ألمانيا (أولاف شولتس) ووزيرة الخارجية الألمانية (أنالينا بيربوك) التى صرحت بأنها شاركت فى تلك الاحتجاجات كواحدة من آلاف السكان المدافعين عن الديمقراطية وضد النازية القديمة والجديدة.

السبت 20 يناير:

خرج حوالى 250 ألف شخص ضد حزب “البديل من أجل ألمانيا” فى عدة مدن ألمانية متفرقة، حيث شهدت مدينة “فرانكفورت” مظاهرة شارك فيها حوالى 35 ألف شخص طبقًا لبيانات الشرطة المحلية، وقام المتظاهرون برفع شعارات تدعو للدفاع عن الديمقراطية وتنند بالحزب المتطرف، كذلك شهدت مدينة “هانوفر” مظاهرة مشابهة، ورفع المتظاهرون لافتات تدعو أعضاء الحزب بخروجهم من المشهد السياسى، بينما تظاهر فى مدينة “دورتموند” حوالى 30 ألف شخص، فى حين خرجت  مظاهرات فى مدينة “إرفورت”، و“كاسيل”، و“آخن”، وغيرها من المدن الأخرى.

السبت 10 فبراير:

تجددت الاحتجاجات وخرج حوالى 4 آلاف شخص فى مدينة “إتسهويه”، بينما شهدت مدينة “فلنسبورغ” خروج حوالى 2500 شخص فى مسيرة مناهضة لحزب البديل من أجل ألمانيا الرافض للاجئين والمهاجرين، وكذلك لم تخلو كلًا من  ولاية “بادن فورتمبيرغ”، و “شمال الراين ويستفاليا” ، و“هامبورغ”، و“سكسونيا السفلى” من المظاهرات التى شارك فيها آلاف من المواطنين الألمان الذين دافعوا عن عن حقوق ذويهم من الألمان المهاجرين ومن دون الألمان.

السبت 17 فبراير:

اندلعت فى مدينة “بوخوم” غرب ألمانيا مظاهرة شارك فيها حوالى 3500 شخص تحت مسمى (بوخوم تتضامن.. يد بيد ضد اليمين)، فى حين خرج نحو2500 شخص فى مدينة “بوردسهولم”، بينما رفع المتظاهرون البالغ عددهم حوالى 3 آلاف شخص  فى مدينة “ماجدبورج” لافتات  مثل (الاحترام بدلا من الإقصاء)- ( التنوع دون بديل).

اجتماع سرى لإعادة التهجير

اتضح من التقرير الاستقصائى السالف ذكره أن عددًا من قياديين حزب “البديل من أجل ألمانيا” اجتمعوا فى شهر نوفمبر من العام الماضى فى مدينة “بوتسدام” الألمانية على رأسهم الممثل الشخصى لزعيمة الحزب (رولاند هارتفيغ)، وكذلك النائب (غيريت هوي)، ورئيس الكتلة النيابية الإقليمية لحزب البديل فى ساكسونيا (ألريش سيغموند)، وتضمن الاجتماع شخصيات يمينية متطرفة كان من بينهم عناصر من النمسا مثل (مارتن زيلنر) زعيم حركة الهوية الاشتراكية الأوروبية اليمينية المتطرفة فى النمسا.

ونوقشت خطة “إعادة التهجيرRemigration” من أجل عودة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، بمعنى آخر  ترحيل عدد كبير من الأشخاص من ذوى الأصول المهاجرة من غير المندمجين بمن فيهم النظامين وحتى الألمان من ذوى الأصول المهاجرة وغير المرغوب فيهم وإخراجهم من ألمانيا وإجبارهم على المغادرة إلى بلد آخر، ويرى أنصار اليمين المتطرف أن مشروع إعادة التهجير الذى هو فى أصله خطة لطرد مهاجرين والترحيل الجماعى، ما هو إلا طريقة للحفاظ على القومية الألمانية والاندماج اليمينى ما ساعدهم على اتخاذ هذه الخطوة هو التمويل والدعم والقدرة على الفوز فى بعض الولايات المحلية فى العام الماضى بطريقة أصبحوا فيها أقرب من السلطة، كذلك تجرى انتخابات البرلمان الأوروبى من 6 إلى 9 يونيو المقبل وتشير بعض  من استطلاعات الرأى إلى أن الأحزاب اليمينة المتطرفة تحاول الصعود بقوة على الساحة الأوروبية بشكل واضح فى أكثر من دولة من دول الاتحاد الأوروبى.

خطر نشر الكراهية والعنصرية المضاد

يستغل اليمين المتطرف قضايا متعددة كالهجرة واللجوء من أجل دعوته للقومية الألمانية والهوية الثقافية والتجانس العرقى الأمر الذى يضفى صبغة عنصرية ويثير من مشاعر الكراهية بين أوساط الألمان ليس فقط من جانب حزب “البديل من أجل ألمانيا” ولكن من جانب الأحزاب اليمينة المتطرفة الأخرى الأمر الذى تطور ليس فقط بين السكان ولكن داخل أجهزة الدولة لاسيما الأمنية منها.

وبالحديث عن نشر الخطاب الشعبوى المتطرف فإن الخطر الأكبر تطور مع التطرف الرقمى كرد فعل التظاهرات والاحتجاجات ضدها مع تنامى قلق الكثير من الأشخاص من ذوى الأصول الأجنبية فى ألمانيا بشأن التعرض للتمييز والعنصرية تحاول بشكل أو بآخر التحريض على الكراهية من خلال منصات التواصل الاجتماعى والسعى للتحكم فى المحتوى وتطبيقات مثل “التيك توك”، بمعنى أخر إن ما يسمى بـ “اليمين المتطرف الجديد” على وجه الخصوص يحاول إدخال أيديولوجيته اللاإنسانية ونظرية المؤامرة وشبكاته الخفية إلى وسط المجتمع.

سياسات مناهضة تجاه اليمين المتطرف

المسار القانونى:

أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية (نانسى فيزر) أن الحكومة الألمانية تريد استخدام جميع أدوات سيادة القانون من أجل حماية الديمقراطية وزيادة التمويل لتعزيزها من حركات اليمين المتطرف التى قد وصفتها العام الماضى أنها أكبر تهديد متطرف لألمانيا وتفكيك الشبكات اليمينة المتطرفة من خلال حرمانها من مصادر تمويلها ومصادرة أسلحتها، كما تريد الاستمرارية فى التشريعات التى تحد من حصول المتطرفين على الأسلحة.

ووفق ما سبق يتطلب تعديل بعض القوانين الألمانية الحالية أو العمل على سن قوانين جديدة فى بعض المجالات، ولكن وفق تصريحات (فيزر) فإنه جارى العمل على تلك التعديلات وإجراء مشروعات قوانين، وسيتم تضمين قواعد المحكمة العليا الألمانية فى الدستور لتعزيز دفاعاتها ضد محاولات من جانب اليمين المتطرف، كما حدث فى دول أوروبية أخرى.

المسار الثورى والميدانى:

إن الحركة الاحتجاجية طويلة المدى لها دور إيجابى وإشارة قوية لصالح الديمقراطية، وقد أعربت وزيرة الداخلية  “نانسى فيزر” عن إعجابها بالمظاهرات الحاشدة  قائلة “بالنسبة لى، فإن حقيقة خروج الكثير من الناس إلى الشوارع  ضد الكراهية وضد الإقصاء بمثابة تشجيع وبنفس الوقت تكليف، لأن الأمر يتعلق بالدفاع عن المجتمع المنفتح ضد أعدائه، وأكدت أن المتطرفين اليمينيين لديهم إستراتيجية ويتحركون بطريقة شبكية”.

وفى استطلاع للرأى أجراه معهد إينزا (INSA) فى مطلع الشهر الحالى حول التظاهرات فى ألمانيا كشفت النتائج أن (55%) من الألمان يؤيدون الاحتجاجات، بينما (26%) اعترضوا عليها فى حين (12%) لم يبدوا فيها رأيًا، وتضمن الاستطلاع سؤالًا ما إذا كانت الديمقراطية فى بلادهم معرضة للخطر، واعتقد (61%) من الألمان الديمقراطية فى بلادهم عرضة للخطر، مقابل (33%) لا يعتبرون الديمقراطية فى بلادهم عرضة للخطر.

إجراءات مشددة ضد حزب البديل من أجل ألمانيا:

تتنامى أصوات المطالبة بتشديد قبضة السلطات الألمانية على حزب “البديل من أجل ألمانيا” أو تحجيم أنشطته بعد تزايد تطرفه ومساهمته فى عدم استقرار فى البلاد ناهيك عن المشاكل المختلفة السياسية والاقتصادية التى تمر بها، وحقيقة الأمر أنه بعد الاحتجاجات التى اجتاحت الولايات الألمانية بدأ التفكير جديا فى  اتخاذ حزمة من الإجراءات ضد الحزب والأحزاب اليمينة المتطرفة بشكل عام وملاحقة شبكات التمويل الخاصة به وتضييق الخناق عليه وكذلك وملاحقة ممولى اليمين التطرف بمساعدة مؤسسات الدولة المعنية وأجهزة الاستخبارات التى وضعت فروع الحزب المحلية تحت المراقبة.

تصريحات كبار المسؤولين ضد اليمين المتطرف:

انضم مستشار ألمانيا (أولاف شولتس) إلى أول مسيرة احتجاجية فى “بوتسدام” مع انطلاق المظاهرات فى يناير الماضى ودعم السكان المحليين وأظهر الغضب تجاه اليمين المتطرف وظهر فى خطاب متلفز فى التاسع عشر من يناير المنصرم قائلًا “هناك الكثير من المظاهرات المخطط لها ضد أعداء ديمقراطيتنا اليمينيين المتطرفين، وأجد أن هذا صحيح وجيد، إذا كان هناك شيء فى ألمانيا يجب ألا يجد مكانًا له مرة أخرى أبدًا، فهو الأيديولوجية العرقية الوطنية للنازيين، إن خطط النقل المثيرة للاشمئزاز التى وضعها هؤلاء المتطرفون هى مجرد وهم”، وفى موضع آخر شدد على أن أى خطة لطرد أشخاص من أصول أجنبية، تعتبر هجومًا على الديموقراطية، بينما صرح زعيم حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى المحافظ (فريدريش ميرز) عن مدى تشجيعه لتظاهر العديد من الآلاف سلميًا ضد التطرف والترحيل الجماعى، فى حين أوضحت وزيرة الداخلية الألمانية (نانسى فيزر) ورئيس هيئة حماية الدستور (توماس هالدينفانغ) فى مؤتمر صحفى فى برلين عن تدابير سيتم تطبيقها ضد التطرف اليمينى.

ختامًا:

يأتى زخم الاحتجاجات الألمانية المتوقع تحولها إلى حركة احتجاجية طويلة الأمد وسط حالة من الغضب الشعبى، وتعرض العديد من ذوى الأصول الأجنبية للتمييز والعنصرية تجاه خطط اليمين المتطرف المتنامى والمرتبط بأسوأ حقب التاريخ الألمانى المعاصر، وما يزيد من القلق تجاه هذا الأمر هو استغلال حزب البديل من أجل ألمانيا المتطرف لتكتيك ملف الهجرة واللجوء الدائم ضد السلطة الحاكم، فضلًا عن التغييرات التى يريد بها تغيير ألمانيا رأسًا على عقب مثل رغبته فى تنظيم استفتاء على عضوية ألمانيا فى الاتحاد الأوروبى فى حال وصوله إلى السلطة، وهو ما يدفع بنوع من الخطر وعدم الاستقرار ويمثل تهديدًا معقدًا للنظام الألمانى على وجه الخصوص وللنظام الأوروبى بشكل عام.

كلمات مفتاحية