اليمن: الهدنة الأممية تترنح

 رضوى رمضان الشريف

يشارف الشهر الخامس للهدنة الأممية التي دخلت حيز التنفيذ منذ شهر إبريل الماضي على الانتهاء، دون تنفيذ بنودها من قِبل الحوثيين، حيث الهدنة التي شملت في بنودها التخفيف من المعاناة الإنسانية ووقف نزيف الدم اليمني، إلا أنه يوجد خروقات للهدنة واضحة من جانب الحوثيين.

فمن جانب تنفيذ الحكومة الشرعية لبنود الهدنة، وافقت الحكومة على استئناف رحلات الطيران من مطار صنعاء إلا أن الحوثي منع المسافرين من السفر. ذلك بجانب سماح الحكومة بدخول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، لكن الحوثي من جانبه قام بالسطو على إيرادات تلك السفن.

ومن جانب الحوثيين أيضا، شهدت الهدنة خروقات خطيرة حيث لايزال الحوثيون متعنتين في فك الحصار عن تعز والذي هو شرط أساسي في بنود الهدنة الأممية. ذلك وبالذكر أيضا عن وضع المعتقلين والأسرى من قبل الحوثي الذي لا يزال متمسكا بالسرديات التعجيزية لعرقلة التوصل إلى اتفاق يقضي بالإفراج عن جميع الاسرى والمختطفين.

 منحة لإعادة ترتيب الصفوف

يبدو أن وقف إطلاق النار الذي طبقته الأمم المتحدة في أبريل من هذا العام والذي تم تمديده حتى أكتوبر معيب بشكل أساسي في استراتيجيته وأهدافه، حيث أمِنت مليشيا الحوثي في ظل الهدنة عدم وجود أي طيران أو استهداف لتجمعاتها ومواقعها العسكرية، وبالتالي يبدو أن الحوثي لا يعترف بوقف إطلاق النار، بل يعتبرها منحة لإعادة الحشد وترتيب الصفوف، وتصب الهدنة بتلك الطريقة في صالح الحوثيين ومن خلفها إيران، فقد تم فتح مطار صنعاء وتم السماح للسفن النفط بالوصول إلى ميناء الحديدة فيما لم ينفذ الحوثي شيئا من بنودها، والتي أهمها فك الحصار عن تعز.

انتهاكات موثَّقة

ذكرت رئيسة دائرة المنظمات والشؤون الإنسانية في المكتب السياسي للمقاومة الوطنية اليمنية “فتحية المعمري” بمقتل 81 شخصا جراء خروقات الحوثي، فيما أصيب اكثر من 331 جراء القصف على المدن السكنية خلال فترة الهدنة، وذكرت في حديثها عن خروقات الحوثي للهدنة بأن محافظة تعز سجلت 3769 خرقا للحوثيين منذ بدء سريان الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة، حيث أسفرت عن استشهاد 18 شخصا، وإصابة 110 آخرين، وهذه فقط خلال فترتين من تمديد الهدنة، وفيما يتعلق بخروقات الهدنة خلال التمديد الثالث فقد بلغت تلك الخروقات 306 خروقات، وتنوعت بين استهداف مواقع عسكرية وأعيان مدنية بالمدافع والطيران المسير وغيرها من الأسلحة، وبينت ” فتحية المعمري” بأن الميليشيا لازالت تماطل في تنفيذ أهم هدف من بنود الهدنة وهو فك الحصار عن مدينة تعز، فيما سمحت الحكومة باستئناف الرحلات الجوية من مطار صنعاء، وكذلك وصول المشتقات النفطية إلي ميناء الحديدة.

أما محافظة الحديدة ارتكبت الميليشيا خلال الهدنة أكثر من 178 خرقا تصيب مديرية حيس، منها 121 خرقا اسفرت عن إصابة العديد من المواطنين، كما أعلنت “فتحية المعمري” عن تجاوز خروقات الحوثي في محافظة الحديدة أكثر من 4000 آلاف خرق حسب إحصائية فريق الرصد الحكومية سقط على أثرها العديد من المواطنين.

قضية تعز شرط أساسي لنجاح الهدنة

تشترط الحكومة اليمنية حل قضية مدينة تعز المحاصرة من قِبل مليشيا الحوثي قبل نقاش أي ملفات أخرى، وهو الملف الذي تحرص المليشيات على استخدامه ورقة مساومة سياسية.

وشدد وزير الخارجية اليمني، أحمد عوض بن مبارك، -خلال لقاء سابق له بالمبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ-على أن قضية تعز من أكبر القضايا الإنسانية التي يجب التعامل معها قبل الانتقال إلى أي بنود أخرى. وأكد بن مبارك على أهمية تنفيذ بنود الهدنة كافة، وضرورة فتح الطرقات في مدينة تعز وبقية المحافظات.

لماذا يرفض الحوثيون فك الحصار عن محافظة تعز؟

لا شك بأن الحوثي لا يريد خسارة أي تقدم عسكري تم إحرازه، ويتم استخدام ورقة حصار تعز لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية أكبر؛ كالتفاوض على مطالب تتعلق بحرية أكبر في التنقل الخارجي، لاسيما البحري والجوي، والذي يرتبط بعمليات تهريب الأسلحة والخبراء من إيران لتعزيز قدراتهم العسكرية.

ويتمثل حصار تعز في منع حركة التنقلات بين مركز المحافظة وأريافها والمحافظات الأخرى، بإغلاق الطرقات والمنافذ الرئيسية والفرعية المباشرة، وبناء المتاريس والحواجز وحفر الخنادق فيها، وتحويل مساراتها إلى طرقات وعرة وبعيدة.

وحول السيطرة العسكرية على تعز، فقوات الحكومة الشرعية حالياً تسيطر على معظم مدينة تعز وجبل صبر المطل عليها، بينما قوات الحوثيين يحيطون بها من الشرق في جهة منطقة الحوبان والشمال في الخطوط الدائرية لها ومن الغرب في منطقة مفرق شرعب ومحيطها.

وللمدينة منفذ واحد يتمثل في الطريق الذي يمر عبر وادي الضباب وصولاً الى مدينة التربة مركز قضاء الحجرية، ثم إلى منطقة طور الباحة في محافظة لحج، ثم الوصول إلى مدينة عدن وتعتبر الطريق الوحيدة التي تربط مدينة تعز ومنطقة الحجرية بمدينة عدن ولكنها طريق وعرة.

وبالنسبة لأهمية تعز الاستراتيجية بالنسبة للحوثيين، فحين فشل الحوثيين في السيطرة على المدينة، لجأوا لفرض الحصار عليها، بهدف إخضاع أبناء المدينة بغية استسلام التشكيلات العسكرية هناك، وفقدان الشرعية للمدينة الإستراتيجية، التي بإمكانها قطع الإمداد العسكري عن الحوثيين في مناطق التماس بين المحافظات الجنوبية والشمالية، إضافة إلى أنّ رفع الحصار يمكن القوات المشتركة من الوصول بسهولة إلى إب ومن ثم ذمار وصولاً إلى صنعاء.

وفي السياق ذاته، لتعز موقع إستراتيجي مهم، سواء بالنسبة للملاحة الدولية والتواصل بين الشمال والجنوب. كما أنّها ثاني المدن من حيث عدد السكان، ويهدف الحوثي من السيطرة على تعز إلى الاستعانة بكتلتها السكانية الكبيرة لتجنيد المقاتلين.  ولهذا البعد أيضا أهمية كبرى نظراً لانتشار أهل تعز في أرجاء الدولة كافة، وهي أيضاً حاضرة الثقافة اليمنية، وموطن قوة سياسية على مر تاريخ البلاد، وهي المركز السني الشافعي الأكبر، ولهذا تحررها من الحصار، واشتراكها في الحرب هو ما يقلق الحوثيين.

تحفظات على الجهود الأممية

يتحرك المجتمع الدولي لفرض الهدنة من منطلقات مخادعة تقفز على حقيقة الصراع في اليمن، فيبدو أن المجتمع الدولي لا ينطلق من رغبة حقيقية لإنهاء الصراع في اليمن بل من أجل رعاية مصالحه في المنطقة، وظهر فشل الهدنة منذ اللحظة الأولى لإعلانها بعد أن مارست الأمم المتحدة الضغط على طرف واحد وهو الحكومة الشرعية في حين لم تمارس أي ضغوطات على الجانب الاخر بحجة أنها ميليشيا ولا قدرة للمجتمع الدولي عليها.

‎كما أنه يوجد غياب واضح عن ذكر أرقام الخروقات والانتهاكات السابق ذكرها من بيانات المبعوث الأممي وإحاطاته بها أمام مجلس الأمن؛ فالتهاون من قِبل الحكومة ليس في إيصال المعلومة، كونها باتت في متناول الجميع، وإنما في ممارسة ضغوط لقراءتها وطرحها أثناء وجود أي عملية مشاورات أو مفاوضات، إضافة إلى أن هناك نوعا من الإغفال، وعدم التطرق للانتهاكات من قِبل المبعوث الأممي.

مستقبل الهدنة

تواجه الهدنة الأممية حالة من الترنح، خاصة أنها اثبتت فشلها في أول فترة لها بعدم القدرة على فرض الضغوط اللازمة على الحوثيين لفتح طريق إلى محافظة تعز المحاصرة منذ ثمان سنوات.

وخيب الحوثيون آمال اليمنيين واثبتوا عدم جديتهم في العمل على إحلال سلام دائم، حيث يعتبروا الهدنة محطة تزويد لاستمرارهم في حربهم ضد اليمنين، والمتاجرة بالملف الإنساني وابتزاز المجتمع الدولي بذلك. ومن ذلك المنطلق، فإن تعنت الحوثي في الانتهاكات بحق المواطنين هو تحدي واضح للمواثيق الدولية، بالإضافة إلى ما يقوم به من تجنيد للأطفال، لذلك يبدو أن الحوثي هو أكبر المستفيدين من الهدنة الأممية، لأنها منحتهم التفرغ الكامل للتحشيد من أجل العودة مرة أخرى.

ما هو المتاح الآن لإنقاذ الهدنة؟

المتاح أمام الحكومة الشرعية هو ممارسة الكثير من الضغوط لتنفيذ الهدنة بكافة بنودها، وعلى رأسها رفع الحصار عن مدينة تعز، حيث إن لم يتم رفع الحصار عن تعز، فمن الممكن أن ما تم إنجازه في طريق مسار السلام الشامل ينتهي عند هذه النقطة.

لذلك يجب أن يخضع ملف تعز لمقاربة مختلفة تماما، وليس لها علاقة بالهدنة بشكل عام، حيث تقديمها ضمن مجموعة أزمات من ضمنها فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة وملف الرواتب، وعائدات النفط والغاز، وإيقاف الضربات على السعودية يجعل قضيتها وحلها معقدا. لذلك ينبغي في الأساس حل قضية تعز ضمن أطر داخلية بالتفاهمات التي من المفترض أن تخضع للعسكريين أكثر من خضوعها للسياسيين، لأن الموضوع فيه جانب عسكري، وهو ما يعقّد المسألة.

 

كلمات مفتاحية