انتكاسات متتالية: هل تسرّع أزمة لقاء (كوهين والمنقوش) برحيل حكومة الدبيبة الليبية؟

إعداد: رضوى الشريف

باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط

أثار إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي، ايلي كوهين، 27 أغسطس، عن اللقاء الذي كان يُعتبر سرياً، مع وزيرة خارجية الحكومة الليبية المنتهية ولايتها، نجلاء المنقوش، غضبا واستهجانا واسعا، إذ تشهد مدن الغرب الليبي أياماً عاصفة، اختلطت فيها الأوراق وعمت مظاهر الفوضى والعنف الشوارع.

ويذكر أن تصريحات كوهين جاءت في بيانه الاحتفالي في روما، ونشر موقع وزارته رسميا، وتم نشرها باللغة العربية ايضا في حسابات التواصل الاجتماعي للوزارة، وورد في البيان انّ كوهين والمنقوش تباحثا في “التعاون بين الدولتين وعن مساعدات اسرائيلية انسانية”.  ونقل الاعلام الاسرائيلي عن مصادر رفيعة المستوى وعن وكالة الانباء اسوشيتد برس بأن ما جرى كان ثمرة اللقاء بين رئيس وكالة الاستخبارات الامريكية ويليام بيرنز في مطلع يناير الماضي مع رئيس الحكومة الليبي عبد الحميد الدبيبة، حيث تم الحديث ولأول مرة عن امكانية التطبيع بين ليبيا واسرائيل وانضمام ليبيا الى دول الاتفاقات الإبراهيمية.

المفارقة ان وزارة الخارجية الاسرائيلية حذفت (النص العربي فقط) بطلب من الحكومة الليبية، في حين ابقت على النص بالعبرية والانجليزية، وكان الوقت كافيا لتداول الخبر في الاعلام العربي والدولي كما الاسرائيلي.

وفور انتشار خبر لقاء إيلي كوهين مع نجلاء المنقوش، شهدت ليبيا حركة احتجاج شعبية واسعة وبدأت اعتصامات تنظم في الشوارع وحول مباني الحكومة ورئيسها ووزيرة خارجيتها، وكان المحتجون يرفعون رايات فلسطين ويهتفون من أجل الدفاع عن الحقوق الفلسطينية ورفض التطبيع.

وكان هذا الضغط الشعبي هو الدافع وراء قرار حكومة الدبيبة بإيقاف نجلاء المنقوش عن العمل احتياطيا، وتعيين وزير الشباب، فتح الله الزني، مؤقتا بتسيير العمل بوزارة الخارجية. كما تضاربت الأنباء حول مغادرة الوزيرة لليبيا، إذ أوردت تقارير صحفية محلية أنها سافرت إلى تركيا ومنها إلى بريطانيا، في غياب تأكيدات رسمية. في تلك الأثناء، طالب مجلس النواب الليبي النائب العام بالتحقيق مع حكومة الوحدة الوطنية فيما وصفها بجريمة التواصل مع “الكيان الصهيوني”.

ثمة تساؤلات عدة ستظل مفتوحة بشأن خلفيات لقاء الوزيرين والترتيبات التي سبقته. فوفق مراقبين، اجتماع على هذا المستوى لا يتم بمحض الصدفة، كذلك فإن انفجار الغضب في الشارع بعد ساعات قليلة من كشف وسائل إعلام إسرائيلية بشكل مفاجئ عن تفاصيل الاجتماع، وتمدده إلى المدن الرئيسية في الغرب الليبي: طرابلس ومصراتة والزاوية، أظهر تماسك التيار المناهض لهذا التوجه في الغرب الليبي، وتمدد شعبيته، وطرح علامات الاستفهام حيال عدم تدخل أجهزة الأمن الرسمية وشبه الرسمية للسيطرة على الوضع، بعدما وصل الأمر إلى اقتحام منشآت حكومية، وهو ما لم يكن مسموحاً به خلال احتجاجات معيشية ومطلبية شهدتها العاصمة الليبية من قبل.

تنصل إٍسرائيلي وتوبيخ أمريكي

أما في الجانب الإسرائيلي، هاجم بيني غانتس رئيس حزب المعسكر الرسمي حكومة نتنياهو ووزير خارجيته واعتبر ان نشر خبر احتفالي حول لقاء سري هو اخفاق اخر يضاف الى الحكومة التي تخفق في كل المجالات، واعتبر تصرف وزارة الخارجية مسا بالأمن القومي الاسرائيلي. كما ربط غانتس بين الاخفاقات الاسرائيلية تحت حكومة نتنياهو بالأزمة الداخلية العاصفة في اسرائيل وبغيات اي افق استراتيجي تسعى اليه الحكومة.

ذلك بجانب توبيخ الولايات المتحدة الأمريكية للحكومة الإسرائيلية، حيث نقلت تقارير عبرية، إن رسائل شديدة اللهجة تم توجيهها إلى وزير الخارجية إيلي كوهين وكبار المسؤولين في وزارة الخارجية، مفادها أن الكشف عن اللقاء من قبل إسرائيل أضر بالجهود الأمريكية لتعزيز التطبيع بين إسرائيل وليبيا ودول عربية أخرى، بل وتسبب في زعزعة الاستقرار في ليبيا والإضرار بالمصالح الأمنية الأمريكية.

لذا فهناك قلق أمريكي من أن الكشف الرسمي من قبل إسرائيل عن الاجتماع، والأحداث التي وقعت بعده، ستخلق تأثيرا مخيفا للدول الأخرى للانضمام إلى عمليات التطبيع، بل سيجعلها أي جهود لتعزيز التطبيع مع الدول الأخرى أكثر صعوبة بكثير.

توظيف سياسي للأزمة

أجج لقاء المنقوش وكوهين الأزمة السياسية في ليبيا، وأعطى معارضي رئيس حكومة طرابلس عبد الحميد الدبيبة فرصة لانتقاده في وقت تثار فيه التساؤلات حول مستقبل حكومته، حيث دعا مجلس النواب عقب جلسة طارئة في بنغازي ليلة الاثنين 28 أغسطس، إلى تشكيل لجنة من مجلسي النواب والأعلى للدولة للعمل على تشكيل حكومة مصغرة بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة. وأوصى بيان المجلس لجنة “6+6” المشتركة بمنع من ثبت تورطه بالتعامل مع إسرائيل من الترشح، وتضمين ذلك في شروط الانتخابات.

وهناك شخصيات عامة تستنكر ما حدث من جهة أخرى، حيث طالب 26 من الشخصيات العامة -في بيان مشترك- بفتح تحقيق قضائي لمحاسبة المسؤولين عن ترتيب هذا اللقاء. وأدان الموقعون على البيان، اللقاء الذي عقد الأسبوع الماضي “بأشد العبارات، استنادا للدين والقيم والأخلاق والقوانين الوطنية”. وأضافوا أن هذه اللقاءات تمنعها التشريعات والقوانين التي تعتبر أن التواصل السري والعلني مع إسرائيل مجرّم أخلاقيا وقانونيا بموجب القانون رقم 57 لسنة 1962″. ومن بين الموقعين على البيان أعضاء بمجلس الدولة الليبي، كما وقع البيان أعضاء بمجلس النواب، ومرشحون رئاسيون محتملون. وطالب الموقعون برفع دعوى لدى النائب العام ضد “كل من رتب ونسق ونفذ هذا اللقاء المشؤوم كونه يعتبر انتهاكا لمواد القانون الليبي”.

هل تكفي إقالة المنقوش من منصبها لتهدئة الشارع الليبي؟

بينما كانت بيانات التنديد والاستنكار تتوالى من الخصوم والحلفاء، في مشهد قلما يجتمع عليه الفرقاء في ليبيا، كان جدل التفسيرات يحتدم حيال خلفيات اللقاء الذي لم يُعلن عن تاريخه، لكن ترجيحات تُشير إلى أنه تم ترتيبه خلال زيارة قام بها الدبيبة الشهر الماضي إلى العاصمة الإيطالية.

وإذ يوحي قرار الدبيبة بإيقاف المنقوش إلى أنه لم يكن على علم بالاجتماع، قال اثنان من كبار المسؤولين في الحكومة الليبية لوكالة “أسوشيتد برس” إن رئيس الوزراء كان على علم بالمحادثات بين وزيرة خارجيته وكبير الدبلوماسيين الإسرائيليين. وقال أحد المسؤولين إن الدبيبة أعطى الضوء الأخضر للاجتماع الشهر الماضي عندما كان في زيارة لروما. وأضاف أن مكتب رئيس الوزراء رتب اللقاء بالتنسيق مع المنقوش.

وقال المسؤول الثاني إن الاجتماع استمر نحو ساعتين، وأطلعت المنقوش رئيس الوزراء على الأمر مباشرة بعد عودتها إلى طرابلس. وقال المسؤول إن الاجتماع توج الجهود التي توسطت فيها الولايات المتحدة لجعل ليبيا تنضم إلى سلسلة من الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

انتكاسات متتالية للدبيبة

جاءت أزمة لقاء (المنقوش وكوهين) كالقشة التي قسمت ظهر البعير، حيث يعيش الشارع الليبي حالة احتقان شديدة منذ بداية شهر أغسطس، نتيجة تطورات متلاحقة كشفت بأن الدبيبة قد فقد كثيراً من أوراقه، وهو ما يمكن عرضها على النحو التالي:

  • عودة الاشتباكات المسلحة في طرابلس:

هناك حالة من الترقب بين ميلشيات طرابلس بتعبئة عناصرها، وهو ما قد ينذر بدخولها في اشتباكات مسلحة ضد بعضها البعض مرة أخرى، خاصةً بعدما شهدت العاصمة الليبية طرابلس في 15 أغسطس نشوب اشتباكات بين أقوى فصيلين من الفصائل المسلحة بعدة أحياء، في أسوأ أعمال عنف شهدتها المدينة هذا العام. ووقعت الاشتباكات التي أسفرت عن مقتل حوالي 60 شخصا بين اللواء 444 وقوة الردع الخاصة، وهما القوتان العسكريتان الأكثر نفوذا في طرابلس، في مشهد أعاد حالة عدم الاستقرار إلى العاصمة التي تتنافس فيها مجموعات مسلحة موالية بشكل عام لـ “حكومة الوحدة الوطنية”، لكن من دون قيادة موحدة، حيث أظهرت تلك الاشتباكات -التي من المرجح أن تتكرر مرة أخرى- أن حكومة الدبيبة ضعيفة وغير قادرة على احكام سيطرتها على الأراضي الليبية.

  • تغيير في الموقف الأممي:

أثارت إحاطة المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي في جلسة مجلس الأمن منذ أسبوع، بشأن ضرورة تشكيل حكومة جديدة لإجراء الانتخابات – في تغيير لافت لموقفه-، التساؤلات بشأن الآليات التي سيضغط بها مجلس الأمن على رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة. وهناك ترجيحات بأن يلجأ مجلس الأمن إلى تخويف الفريق الحكومي للدبيبة بعقوبات تتعلق بتجميد الأرصدة والمنع من السفر.

ويأتي تغيير الموقف الأممي تجاه الدبيبة عقب اشتباكات طرابلس التي كشفت مدى هشاشة الوضع الأمني في العاصمة. وأفقدت الاشتباكات الدبيبة ورقة الاستقرار التي احتفظ بها طويلا وكشفت أن المجموعات المسلحة، التي توصف بالقوى الفاعلة على الأرض، هي المتحكم الفعلي في الوضع بطرابلس.

  • تسريبات عن تشييد قاعدة عسكرية بحرية تركية:

أثارت بعض القرارات والإجراءات الصادرة من الحكومة بشأن ميناء الخمس منذ بداية شهر أغسطس، إشاعات حول رغبتها في تأجيره إلى تركيا لمدة قرن كامل، أججتها أنباء في وسائل إعلام تركية تؤكد حقيقة هذه الصفقة. ولكن بعد موجة غضب واسعة، سارعت الحكومة من جانبها إلى نفي الخبر، في محاولة لإطفاء الغضب الشعبي، وتجنب استغلال خصومها لهذه الورقة ضدها، خصوصاً في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها على خلفية اشتباكات طرابلس الدامية الأخيرة. وعلى رغم هذا النفي الحكومي، إلا أن هذه القضية ستشعل الساحة الليبية في الفترة المقبلة، لأن الإشاعات التي سربت من أنقرة، تعلقت بميناء أجريت فيه جل التدريبات العسكرية التركية لقوات من الجيش والشرطة في الغرب الليبي، طيلة السنوات الماضية، وسعت حكومة الدبيبة لضم جزء من مرساه التجاري للقاعدة العسكرية المجاورة له، قبل أيام قليلة.

خلاصة

تعكس المعطيات السابقة عن تراجع فرص الدبيبة في البقاء في الحكم، حيث أصبح يواجه تحديات كثيرة من كافة الاتجاهات سواء (داخليا – إقليميا – دوليا) وتنذر تلك التحديات بقرب رحيله، خاصة بعد اللقاء الأخير بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، والجنرال خليفة حفتر في بنغازي، وانقلاب الموقف الأممي ضده، وهذا ما جعله يستغل أخر أوراقه ألا وهي ورقة التطبيع مع إسرائيل، على الرغم من مخاطرها، وذلك لتأمين الدعم السياسي والدبلوماسي من جانب الولايات المتحدة، ضد محاولة تنحيته عن منصبه.

كلمات مفتاحية