إعداد: ريهام محمد
مقدمة
بعدَ حصارٍ طويلٍ فرضتهُ المجرُ، تستعدُ السويدُ أخيرًا لتجاوزِ العقبةِ الرئيسيةِ الأخيرةِ في طريقِها نحوَ عضويةِ حلفِ شمالِ الأطلسيِ، لتصبحَ العضوَ رقْمَ 32 في التحالف العسكري الغربيِ، وذلكَ بعدَ أنْ تخلتْ أنقرةُ عنْ حقِّ النقضِ ضدَّ الانضمامِ في ينايرِ الماضيِ، وتصديقِ البرلمانِ المجريِ علىَ انضمامِ ستوكهولمِ للحلفِ، وهوَ مَا كانتْ ترفضهُ بودابستُ بشدةٍ خلالَ العامينِ الماضيينِ، والتيِ مثلتْ حجرَ عثرةٍ أمامَ ستوكهولمِ للانضمامِ إلى الناتوُ، وتكونُ بذلكَ قدْ أنهتْ الخطوةَ الأخيرةَ في طريقِ توسيعِ الحلفِ العسكريِ منذُ قيامِ روسيَا بعمليتِها العسكريةِ على اوكرانَيا.
ففيِ يومِ الإثنينِ ٢٦ فبرايرِ ، أقرَّ البرلمانُ المجريُ مشروعَ قانونٍ يسمحُ للسويدِ بالانضمامِ إلى حلفِ شمالِ الأطلسيِ، حيثُ صوّتَ 188 نائباً في البرلمانِ المجريِ لصالحِ القرارِ بينَمَا عارضهُ 6 نوابٍ فقطْ، ليزيلَ بذلكَ آخرَ عقبةٍ أمامَ التحاقِ هذاَ البلدِ بالحلفِ، لتختتمَ بذلكَ فترةَ انتظارٍ طويلةٍ ومسارٍ مُتعثرٍ واجههُ السويدُ جرّاءَ مماطلةِ رئيسِ الوزراءِ المجريِ فيكتور أوربانِ، تزامنًا معَ مفاوضاتِ تركيَا التيِ انتهتْ بالتصديقِ على الطلبِ والتصويتِ الإيجابيِ في ينايرِ الماضيِ ، حيثُ إنَّ الوضعَ شهِدَ حلحلةً الأسابيعَ الماضيةَ، في ظلِّ زيارةِ رئيسِ الوزراءِ السويديِ أولفِ كريسترسن للمجرِ، يومَ الجمعةِ ٢٣ فبراير ، تلبيةً لدعوةِ نظيرهِ المجريِ فيكتور أوربان، قبلَ الموافقةِ منَ البرلمانِ المجريِ، فيمَا أشادَ أوربانُ خلالَ الجلسةِ البرلمانيةِ، بتلكَ الزيارةِ، مُعتبرًا انها خطوةٌ جديدةٌ في بناءِ علاقةٍ قائمةٍ على الاحترامِ المتبادلِ بينَ الدولتينِ تتجاوزُ فيهَا الخلافاتِ في الرأيِ، مؤكدًا أنَّ تلكَ الخطوةِ منْ شأنهِا تعزيزُ أمنِ المجرِ، ولتتويجِ هذا التعاونِ، أعلنَ كلاَ الجانبينِ عنْ شراءِ المجرِ أربعَ طائراتٍ مقاتلةٍ منَ السويدِ لتعزيزِ اسطولِها الحاليِ المكونِ من ١٤ طائرةً منْ طرازِ “جريبن”.
والجديرُ بالذكرِ أنَّ تلكَ الموافقةُ تمتْ بعدَ ضغوطٍ عدةٍ على المجرِ، حيثُ حضرَ السفيرُ الأمريكيُ لدىَ المجرِ، ديفيد بريسمان، برفقةِ بعضِ سفراءِ الدولِ الأعضاءِ الأخرىَ في الحلفِ، ومنهَا سلوفاكياَ والدنماركُ وبولندا، جلسةَ البرلمان.ِ المجريِ في ٥ فبرايرِ ، في تكثيفٍ مفاجئٍ للضغطِ عليهَا للموافقة على طلب السويد بالانضمام للحلف، لمَا لهُ منْ تبعياتٍ مباشرةٍ على الأمنِ القوميِ للولاياتِ المتحدةِ والحلفِ ككلٍ، ومنْ هنَا يأتيِ التساؤلُ حولَ السببِ في احجامِ المجرِ عنْ دعمِ طلبِ السويدِ في الانضمامِ للناتو، ومَا تأثيرُ انضمامِها للتحالفِ العسكريِ الغربي.ِ على واقعِ الأمنِ؟
المحورُ الأولُ: التحدياتُ التي واجهتْ السويدَ في الانضمامِ للناتو
واجهتْ السويدُ تحدياتٍ مستمرةٍ منذُ إعلانِها تقديمَ طلبٍ رسميٍ للانضمامِ للتحالفِ العسكريِ “الناتو”، فجديرٌ بالذكرِ أنَّ السويدَ لطالمَا اعتمدَ سياسةَ الحيادِ في علاقاتهِ الدوليةِ، ولكنْ معَ بدايةِ العمليةِ العسكريةِ الروسيةِ على اوكرانيَا، باتَ محتمًا عليهِ السعيُ نحوَ تكريسِ تحالفاتٍ عسكريةٍ تضمنُ لهُ سلامتَه، لا سيّمَا أنْ يصبحَ لهُ دورٌ أكثرُ فاعليةً على الساحةِ الإقليميةِ، وفي إطارِ ذلكَ، اعتبرَ كثيرونَ أنَّ طلبَ السويدِ في الانضمامِ للناتو لنْ يواجهَ أيَّ عقباتٍ، بلْ ستحظىَ باهتمامٍ خاصٍ منْ جانبِ الدولِ الأعضاءِ في الحلفِ الذي تَشكلَ لمواجهةِ الاتحادِ السوفيتيِ السابقِ، لاشتراكِها بحدودٍ بريةٍ كبيرةٍ معَ روسيَا، ولكنْ ماَ حدثَ حينذاكَ خالفَ كافةَ التوقعاتِ، فعلىَ عكسِ الإجماعِ الغربيِ الواسعِ بالموافقةِ علىَ طلبِ السويدِ للانضمامِ للناتو، جاءَ الردُ التركيُ والمجريُ مخالفًا تمامًا، ويمكنُ توضيحُ ذلكَ كالتاليِ:
التحدي الأولُ: التحفظُ التركيُ
شهدتْ العلاقةُ بينَ السويدِ وتركيَا توترًا منذُ عامِ ٢٠٢١، إثرَ استدعاءِ سفيرِ السويدِ إلى الخارجيةِ التركيةِ احتجاجًا على مشاركةِ “بيتر هولتكفيست” وزيرِ الدفاعِ السويديِ، في مؤتمرٍ عبرَ الفيديوُ معَ قواتِ سوريا الديموقراطيةِ، إذْ وجهتْ أنقرةُ حينَها انتقاداتٍ لاذعةٍ إلى وزيرةِ الخارجيةِ السويديةِ “آنا ليند”، بسببِ مَا وصفتهُ باجتماعاتٍ معَ “عناصرَ إرهابيةٍ”، على خلفيةِ زيارةِ وفدٍ كرديِ منْ سوريا لستوكهولمِ، وأخذَ الخلافُ بينَ البلدينِ أبعادًا جديدةً بعدَ حرقِ المصحفِ منْ قِبلِ سياسيٍ سويديٍ متطرفٍ أمامَ السفارةِ التركيةِ في ستوكهولم، ومنْ ثمَّ أيضًا، هناكَ عدةُ أسبابٍ وراءَ هذاَ التحفظِ التركيِ لرفضهِ قبولَ انضمامِ السويدِ لعضويةِ الحلفِ:
- ضريبةُ التحالفِ التركيِ الروسيِ: فالتحالفُ بينَ أنقرةَ وموسكو منْ شأنهِ أنْ يفرضَ على أنقرةَ خياراتٍ محدودةٍ يتبعُها رفضُ توسعِ الناتو على الحدودِ القريبةِ منْ روسَيا، بالتاليِ كانتْ تركيا ترىَ أنَّ انضمامَ السويدِ قدْ يؤديِ إلى توترِ العلاقاتِ معَ موسكو خاصةً في ظلِّ تهديداتِ روسيا، ومنْ ثمَّ فإنَّ حدوثَ أيِ اختلالاتٍ ستكونُ ذاَ مردودٍ سلبيٍ على تركيَا، وجديرٌ بالذكرِ أنهُ السببُ ذاتهُ في رفضِ تركيَا لانضمامِ فنلندَا.
- إرباكُ الحساباتِ التركيةِ؛ لربمَا رأتْ تركَيا انَّ دخولَ السويدِ للناتو سيؤديِ إلى ارباكِ حساباتِها ومصالحِها الإقليميةِ خاصةً في مناطقِ القوقازِ شرقِ أوروبا، فعلىَ الرغمِ منْ تبنيِ السويدِ لسياسةِ الحيادِ الاَّ انهَا دأبةْ على انتقادِ أنقرةَ خاصةً في الشأنِ الحقوقيِ وكانَ آخرُها في أكتوبر ٢٠٢١ معَ أزمةِ طردِ السفراءِ العشرةِ بعدَ إدانةِ حبسِ الناشطِ التركيِ عثمانَ كافالاَ، ومنْ ثمَّ تخشىَ تركيَا منْ زيادةِ حدةِ موقفِ ستوكهولِم تجاهَهَا بعدَ الانضمامِ وتكرارِ مَا حدثَ في اليونانِ التي عملتْ على.َ تحشيدِ الحلفِ ضدَ مصالحِ أنقرةَ.
- المواقفُ المضادةُ للسويدِ في رعاية الخصومُ؛ حيثُ تحتجُ تركيَا منذُ فترةٍ طويلةٍ علىَ نشاطِ انفصاليينَ أكرادٍ في السويدِ، وتتهمُ أنقرةُ ستوكهولم بإيواءِ متشددينَ منْ حزبِ العمالِ الكردستانيِ، الذيِ يحملُ السلاحَ في وجهِ الحكومةِ التركيةِ منذُ ١٩٨٤م، والمصنفِ ضمنَ قوائمِ التنظيمِ الإرهابيِ منْ قِبلِ دولٍ عدةٍ منْ بينِها الاتحادُ الأوروبيُ والولاياتُ المتحدةُ والسويدُ.
- توظيفُ الأزمةِ لتحقيقِ مكاسبَ؛ حيثُ اشترطتْ تركَيا تسليمَ السويدِ لاجئينَ أتراكَ لديَها، بجانبِ مساومةِ الولاياتِ المتحدةِ على بيعِها طائراتِ “اف ١٦” مقابلَ موافقَتَها على طلبِ الانضمامِ.
لمْ يتوقفْ الجدالُ السويديُ التركيُ، حتىَ أُضيفَ إليهِ اعتراضُ المجرِ على عضويةِ السويدِ في الناتو، فالأسبابُ التركيةُ أصبحتْ واضحةً للعامةِ، إنمَّا الموقفُ الغيرُ واضحٍ كانَ في احجامِ المجرِ عنْ دعمِ طلبِ السويدِ في الانضمامِ للناتو.
التحديِ الثاني: التحفظُ المجريُ
فعلىَ الرغمِ منْ أنَّ المجرَ لمْ تطالبْ بشكلٍ علنيٍ بأيِ مطالبَ للتصديقِ على طلبِ السويدِ في الانضمامِ للحلفِ، إلاَّ أنهُ كانَ منَ الواضحِ بشكلٍ متزايدٍ انَّ عمليةَ توسيعِ حلفِ الناتو كانَ يُستخدمُ كوسيلةٍ للضغطِ، لمْ يكنْ على السويدِ وحدَها، بلْ على الاتحادِ الأوروبيِ برمتهِ، فجديرٌ بالذكرِ أنَّ السويدَ تسلمتْ في يناير ٢٠٢٣ رئاسةَ مجلسِ الاتحادِ الأوروبيِ الدوريةَ من التشييكِ.
وهوَ ماَ أتضحَ بعدَ أنْ وجهتْ المفوضيةُ الأوروبيةُ-الفرعَ التنفيذيَ للاتحادِ- اتهاماتٍ لرئيسِ الوزراءِ المجريِ بتفكيكِ المؤسساتِ الديموقراطيةِ وانتهاكِ حقوقِ الأقلياتِ، فضلاً عنْ السيطرةِ على وسائلِ الإعلامِ في دولتهِ، على الجانبِ الآخرِ، في ٢٠٢٠ أقرَّ الاتحادُ بتبنيِ آليةً مشروطةً تقضيِ بأحقيتهِ في إيقافِ المدفوعاتِ من ميزانيتهِ في حالةِ عدمِ التزامِ أيِّ عضوٍ بسيادةِ القانونِ، وهذهِ الآليةُ أُستخدمتْ ضدَ المجرِ خلالَ رئاسةِ السويدِ للاتحادِ، حيثُ قامَ الاتحادُ بتجميدِ أموالٍ مخصصةٍ للمجرِ بقيمةِ 5,8 مليارَ يورو منْ صندوقِ التعافيِ منْ تداعياتِ كورونا، مُعتبرًا انَّ حكومةَ أوربانِ تقومُ بتقويضِ حكمِ القانونِ واستخدامِ أموالِ الاتحادِ لإثراءِ دائرتهِ المقربةِ، وفي هذاَ السياقِ أبدتْ المجرُ استعدادَهَا على التعاونِ، وأنشأتْ هيئةً مستقلةً لمكافحةِ الفسادِ وتحقيقِ الشفافيةِ، إلاَّ أنَّ المفوضيةَ الأوروبيةَ بعدَ تحليلِها التغييراتِ التيِ أجرتْهَا الدولةُ خلصتْ إلى أنهَا لمْ تستوفِ جميعَ المتطلباتِ بعدْ بالرغمِ منْ سيرِها على الطريقِ الصحيحِ.
فمنْ ناحيتهِ كانَ “أوربان” يحاولُ الضغطَ على الاتحادِ الأوروبيِ قدرُ المستطاعِ للحصولِ على الأموالِ المخصصةِ لبلادهِ، اذْ قامَ بمنعِ قرضٍ مشتركٍ لدعمِ اوكرانيَا، كمَا استخدمَ الطلباتِ المقدمةَ منْ السويدِ وفنلنداَ اداةً أخرىَ للضغطِ على الاتحادِ الأوروبيِ، فرغمَ إعلانهِ في نوفمبر ٢٠٢٢م، انَّ البرلمانَ المجريَ سوفَ يصدقُ على عضويةِ الناتو لكلاَ الدولتينِ في أوائلِ ٢٠٢٣ الاَّ انَّ ذلكَ لمْ يحدثْ نتيجةَ مماطلةِ الحكومةِ المجربةِ في الأمرِ.
أيضًا، في يوليو الماضيِ ٢٠٢٣، وافقتْ المجرُ على المضيُّ قدمًا نحوَ التصديقِ على عضويةِ السويدِ في التحالفِ العسكريِ، لتعودَ في منتصفِ سبتمبر الماضي ٢٠٢٣ للتهديدِ بوقفِ توسعِ الحلفِ، بسببِ فيديو اتخذتهُ ذريعةً اخرىَ للمماطلةِ، حيثُ احتجتْ على فيديو تعليميٍ سويديٍ، وصفهُ أحدُ مستشاريِ رئيسِ الوزراءِ “أوربان” بأنهُ فيديو تعليميٌ صادمٌ يهاجمُ المجرَ بموافقةِ الحكومةِ السويديةِ، وجديرٌ بالذكرِ أنَّ الفيديو أنتجتهُ هيئةُُ تربويةٌ سويديةٌ، كانَ منَ المقررِ أنٍ يُعرضَ في المدارسِ حولَ تراجعِ الديموقراطيةِ في المجرِ مؤخراً، تحديدًا منذُ توليَ رئيسُ الوزراءِ الحاليِ فيكتور أوربان الحكمَ.
المحورُ الثاني: أهميةُ عضويةِ السويدِ بالنسبةِ للناتو
تتميزُ السويدُ بموقعٍ استراتيجيٍ مهمٍ في شمالِ القارةِ الأوروبيةِ، فهيَ مُحاطةٌ ببحرِ البلطيقِ شرقًا وغربًا، ويعتبرُ البلطيقُ ممرًا رئيسيًا للصادراتِ الروسيةِ -لا سيَّما النفطيةَ منهَا- في أسواقها الخارجية، وممرًا رئيسيًا لخطوط الغازُ الطبيعيُ الروسيُ وتحديداَ خطا “نوردِ-ستريم1” و “نوردِ-ستريم2” اللذانِ تمَّ تفجيرهُما في سبتمبرِ ٢٠٢٢ بسببِ نقلهِما الغازُ الطبيعيُ لأوروبا بأسعارٍ تنافسيةٍ، كمَا أنَّ ٨٠ بالمئةِ منْ خطوطِ الانترنتِ الروسيةِ تمرُ عبرَ البلطيقِ، فضلًا عنْ تمكينِ الناتو منْ فرصةِ حصارِ روسيا عسكريًا في أيِّ وقتٍ، كونُها من الدولِ المشتركةِ في حدودِها البحريةِ معَها، بجانبِ سيطرتِها المشتركةِ مع الدنماركِ في السيطرةِ على مضيقِ أوريسندِ الاستراتيجيِ الذيِ يصلُ بحرَ البلطيقِ بالعالمِ الخارجيِ.
ومنَ الناحيةِ العسكريةِ، تتمتعُ السويدُ بمكانةٍ متقدمةٍ في مجالِ تصنيعِ الأسلحةِ الخفيفةِ، تحديدًا الذكيةَ منها، وبالتاليِ لحلفِ الناتو مصلحةّ كُبرى في الاستفادةِ منْ تلكَ الأسلحةِ لزيادةِ ترسانتهِ في الحروبِ التقليديةِ.
علاوةً على ذلكَ؛ ضمُّ السويدِ للحلفِ، يُمكنهُ منْ فرضِ الحصارِ البحريِ على روسيا، ممَا يضمنُ استكمالهَ لحلقاتِ التعاونِ التي أقامَها معَ حُلفائهِ في أقصىَ الشرقِ، وبخاصةٍ اليابانَ وكوريا الجنوبيةَ، وهذاَ منْ شأنهِ أنْ يقوضَ القدراتِ البحريةِ لروسيا إلى حدودِها الدنيا، نظرًا لتجمدِ المياهِ في الشمالِ من حولِها، ومنْ ثمَّ تعودُ روسيا حينَها إلى قوتِها البريةِ دونَ أنْ يكونَ لهَا وزنٌ في البحورِ والمحيطاتِ.
كَما أنَّ انضمامَ السويدِ وفنلنداَ إلى التحالفِ العسكريِ الغربيِ، يمكنُها منْ إنشاءِ وإيجادِ قواعدَ عسكريةٍ أمريكيةٍ في الشمالِ، على غرارِ الموجودةِ في الدولِ الكبرى مثلُ ألمانيا، أو التعزيزاتُ التي تمَ توجيهُها الى بولندا والتيِ تربطُها حدودٌ جغرافيةٌ معَ روسيا، على الجانبِ الاخرِ؛ ستكونُ الوحداتُ العسكريةُ السويديةُ تحتَ إمرةِ الناتو.
وكذاَ؛ بعدَ ضمِّ السويدِ للحلفِ، منْ شأنِ دفاعِها الجويِ العسكريِ وبراعةِ غواصاتِها انْ تعززَ من قدرةِ الناتو على مواجهةِ التهديدِ الروسيِ في القطبِ الشماليِ وبحرِ البلطيقِ، والمشاركةِ بسرعةٍ في مراقبةِ المجالِ الجويِ للحلفِ، والقدرةِ على توزيعِ التكاليفِ طويلةِ الأجلِ بمَا يساعدُ في الحفاظِ على الأمنِ الأوروبيِ، فضلاً عنْ المساهمةِ في القواتِ البحريةِ الدائمةِ للحلفِ، معَ إرسالِ قواتٍ بريةٍ لتعزيزِ وجودِ الحلفِ في دولِ البلطيقِ.
المحورُ الثالثُ: تداعياتُ انضمامِ السويدِ لحلفِ شمالِ الأطلسيِ
منْ ناحيةِِ السويدِِ:
تضعُ السويدُ بانضمامِها للناتو حدًا لمئتيِ عامٍ منْ سياسةِ الحيادِ العسكريِ التي كانتْ تنتهجُها، وهوَ ما يمثلُ تحولًا جذريًا في هويتِها الوطنيةِ، وفي المقابلِ؛ توفرُ عضويةُ الناتو لستوكهولمِ ضماناتٍ أمنيةً وقوةَ ردعٍ لأيِ تهديدٍ وشيكٍ على أمنِها القوميِ، من بينِهم التهديدُ الروسيُ، وذلكَ عملًا بالمادةِ الخامسةِ منَ اتفاقيةِ الحلفِ الاطلسيِ الخاصةِ باعتبارِ ايِّ هجومٍ على أيِ دولةٍ عضوٍ بمثابةِ هجومٍ على كافةِ الأعضاءِ الآخرينَ، علاوةً على ذلكَ، يُتاحُ للسويدِ فرصةٌ لتعزيزِ قدرتهِا على مواجهةِ التحدياتِ الأمنيةِ المشتركةِ، وذلكَ منْ خلالِ التعاونِ الأمنيِ بينَ دولِ الحلفِ، جراءَ تبادلِ المعلوماتِ والخبراتِ في مجالاتِ الدفاعِ الجويِ، ومكافحةِ الإرهابِ، والتهديداتِ السيبرانيةِ، وجديرٌ بالذكرِ أنَ جهازَ الأمنِ السويديِ يعتبرُ روسيَا هيَ الفاعلَ المنفردَ الأكبرَ الذيِ يهددُ أمنَ الدولةِ، ومنْ ثمَّ فاللجوءُ لعضويةِ الناتو كانَ بمثابةِ الفرصةِ الأكبرِ لتفاديِ الخطرَ الروسيَ الوشيكَ.
منْ ناحيةِ حلفِ الناتو:
يعدُ انضمامُ الجيوشِ السويديةِ للحلفِ بمثابةِ دفعةٍ قويةٍ لقوةِ الناتو الدفاعيةِ في شمالِ القارةِ الأوروبيةِ، اذْ إنَّ القواتِ الروسيةَ تفوقُ قواتِ حلفِ الناتو في شمالِ أوروبا منْ حيثُ العددِ بشكلٍ واضحٍ، كذلكَ سوفَ يستلزمُ زيادةً فيِ ميزانيةِ الإنفاقِ العسكريِ، أيضأ تعززُ تلكَ الخطوةُ الشركاتِ الاستراتيجيةَ معَ الدولِ الأعضاءِ في الحلفِ، وتوفيرِ فرصٍ مختلفةٍ لتعزيزِ التعاونِ العسكريِ والأمنيِ والسياسيِ والاقتصاديِ في كافةِ المجالاتِ، وسوفَ تسمحُ للناتو كذلكَ باستخدامِ الأراضيِ السويديةِ كمركزُ خدماتٍ لوجستيةٍ كنقلِ الأفرادِ والمعداتِ على أيِ جهةِ قتالٌ محتملةٍ، كمَا أنَّ انضمامَ السويدِ وفنلندا يملأُ الفجوةَ الكبيرةَ في دفاعِ الحلفِ، كونهُ يكتسبُ حدودًا أطولَ معَ روسيا، فقدْ أصبحَ الطريقُ ممهدًا أمامَ الناتو للوصولِ إلى بحرِ البلطيقِ الذيِ أصبحَ بذلكَ محاطًا بعددٍ كبيرٍ منَ الدولِ الأعضاءِ، وهذاَ منْ شأنهِ أنْ يضيفَ في تماسكِ الدفاعِ الغربيِ المتبادلِ، ويقلّلُ منْ مخاطرِ نشوبِ نزاعٍ في منطقةِ بحرِ البلطيقِ، ومنٍ ثمَّ سيكونُ لها تأثيرٌ رادعٌ في شمالِ أوروبا ، والذي منْ شأنهِ أنْ يزيدَ منَ الاستقرارِ الإقليميِ في المنطقةِ، كمَا أنهَا خطوةٌ تُعد بمثابةِ رسالةٌ قويةٍ لبوتين مَفادُاها أنَ أوروبَا بغالبيتِها أصبحتْ متحدةً ضدَ ايِ عمليةٍ عسكريةٍ لأيِ دولةٍ ذاتِ سيادةٍ.
منْ ناحيةِ روسيا:
يمثلُ انضمامُ السويدِ لحلفِ الناتو عاملاً سلبياً واستفزازياً لاندلاعِ الحربِ بينَ روسيا والغربِ، وخاصةً أنَّ موسكو تعتبرُ انضمامَ السويدِ وفنلندا من قبلِها، بمثابةِ تطورٍ سلبيٍ على أمنِها القوميِ، ويعززُ منْ مخاوفِها الأمنيةِ نتيجةَ زيادةِ الإجراءاتِ العسكريةِ حولَ حدودِ شمالِ أوروبا المشتركةِ مع روسيا، وبخاصةٍ انَ روسيَا تنظرُ إلى حلفِ الناتو كتهديدٍ وجوديٍ لأمنِها، لذلكَ فيرىَ بوتين انَ هذاَ الانضمامَ لا يُلبيِ مصالحَ السويدِ وفنلندا، ولا مصالحَ الاستقرارِ الأوروبيِ والإقليميِ، انمَا يسعىَ لجعلِ الشمالِ منطقةً عسكريةً، الذي كانَ بمثابةِ منطقةٍ آمنةٍ لتصبحَ منطقةً للتنافسِ في المجالِ العسكريِ، ومنْ ثمَّ فإنَّ الردَ الروسيَ على توسعِ الناتو في السنواتِ المقبلةِ سيكونُ بناءً على الكيفيةِ التي سينقلُ بهَا الحلفُ عتادَه العسكريَ تجاهَ روسَيا والبنيةَ التحتيةَ التي ينشرُها في تلكَ المنطقةِ والتي استثمرتْ فيها روسيا بكثافةٍ في البنيةِ التحتيةِ العسكريةِ والتجاريةِ.
منْ ناحيةِ القارة ِالأوروبيةِ:
إنَّ عضويةَ السويدِ في الناتو من شأنِها انْ تُصعدَ من حجمِ المخاطرِ والتهديدِ للقارةِ الأوروبيةِ، معَ زيادةِ الإنفاقِ العسكريِ، وهوَ ما يعنيِ أنَّ انضمامَها ربمَّا لا يصبُّ في صالحِ أوروبا، لكنْ بدونِ شكٍ يصبُّ في صالحِ الناتو والولاياتِ المتحدةِ، إثرَ تمددِ الحلفِ في أوروبا عندَ حدودِ موسكو وفتحِ حدودٍ طويلةٍ معهَا بما يخلُ بمبدأِ توازنِ القوىَ العسكريِ والاستراتيجيِ في أوروبا لصالحِ الولاياتِ المتحدةِ، ومنْ ثمَّ تحولُ أوروبا إلى آليةٍ لتحقيقِ أهدافِ أمريكاَ ومصالحِها، وهوَ مَا يضعُ القارةَ على المحكِ في حمايةِ أمنهِا القوميِ من جهةٍ، ومنْ جهةٌ أخرىَ قدرتهِا بإيجادِ توازناتٌ فيَما بينَ الناتو وعلاقتِها مع روسيا، على الجانبِ الآخرِ، فضمُ السويدِ وفنلندا بمَا تمتلكانُ منْ مقدراتٍ اقتصاديةٍ وعسكريةٍ يمكنُ أنْ تضيفَ إلى بنيةِ منظومةِ الدفاعِ الأوروبيِ، لكنٍ في الوقتِ نفسهِ سوفَ تجعلُ المنطقةَ برمتهِا مهددةً نوويًا، والذي يمثلُ التهديدَ الأمنيَ الأكبرَ الذي يمكنُ أنْ يواجهَ الاتحادَ الأوروبيَ.
الخاتمة:
بمَا لا يدعُ مجالًا للشكِ، انَّ سعيَ دولةٍ محايدةٍ في أوربا مثلُ السويدِ للانضمامِ إلى الناتو، يُظهرُ مدىَ عمقِ الحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ في تغييرِ المشهدِ الأمنيِ في أوروبا، ومدىَ اسهامِها في تغييرِ مواقفَ وسياساتِ الدولِ، فباتَ واضحًا تأثرُها القوي في تغييرِ موقفِ الرأيِ العامِ والأحزابِ السياسيةِ في السويدِ، لقبولِ ذلكَ التحولِ الجذْريُ في الهويةِ الوطنيةِ والذي تمثلَ في انضمامِ السويدِ للناتو، وكذاَ؛ فإنَّ تلك الخطوةُ تحملُ في طياِتها الكثيرَ منَ المتغيراتِ في الاستراتيجياتِ والديناميكياتِ الأمنيةِ في شمالِ أوروبا ، فمنْ جهةٍ يمكنُها انْ تعززَ منَ الأمنِ الوطنيِ لستوكهولم، ومنحَها فرصةَ لعبِ دورٍ أكبرَ في قضاياَ الأمنِ والدفاعِ وتعزيزِ الاستقرارِ على مستوىً إقليميٍ ودوليٍ، لكنْ منْ جهةٍ أخرىَ قد تؤديِ إلى إثارةِ المزيدِ منَ التوتراتِ معَ روسيا، فخسارتُها لمبدأِ الحيادِ الدائمِ يعنيِ وجودَ روسيا على حدودِها بالتوازيِ معَ وجودِ الناتو على خطوطِ التماسِ مع روسيا، والذيِ منْ شأنهِ تعزيزُ فرضيةِ المواجهةِ العسكريةِ المحتملةِ بينَ الجانبينِ حالَ حدوثِ أيِّ خطأٍ عسكريٍ، فيتمثلُ الخطرُ في أنَّ روسياَ من المتوقعِ أنهَا ستردُ بشكلٍ عدوانيٍ على توسعِ الناتو، وربمَا منْ خلالِ نشرِ أسلحةٍ نوويةٍ إضافيةٍ في منطقةِ البلطيقِ والشمالِ الأوروبيِ، الأمرُ الذي منْ شأنهِ أنْ يؤديَ بلاَ شكٍ إلى تصعيدِ التوتراتِ، وبخاصةٍ انَّ روسيَا كمَا ذكرنا سلفًا، لا تعتبرُ حلفَ الناتو بمثابةِ تحالفٌ دفاعيٍ، بلْ على العكسِ تمامًا، هوَ بمثابةِ تهديدٍ وجوديٍ لأمنِها.
المراجع:
”روسيا وأوكرانيا: هل يشكل انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو تهديدا لأمن أوروبا أم دعما للسلام في القارة؟”، بي بي سي. 2022. https://bit.ly/43uBtqy
شوقي الريس، هل يعزز انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف الأطلسي أمن أوروبا؟، صحيفة الشرق الأوسط، مايو ٢٠٢٢.
هل يعزز انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف الأطلسي أمن أوروبا؟، صحيفة DW، أبريل ٢٠٢٢.