انضمام الصومال إلى مجموعة شرق أفريقيا: الفرص والتحديات

إعداد: منة صلاح

باحثة في الشؤون الأفريقية

انضمت جمهورية الصومال الفيدرالية رسميًّا إلى مجموعة دول شرق أفريقيا، وذلك في 24 نوفمبر 2023م؛ لتصبح العضو الثامن في تلك المجموعة، وتمَّت الموافقة على هذا الانضمام، خلال القمة العادية الثالثة والعشرين، لرؤساء الدول التي عُقدت في تنزانيا، وبعد مفاوضات استمرت حوالي عام، فضلًا عن مساعي الصومال للانضمام لأكثر من عقْد، تراوحت خلالها الجهود ما بين التفعيل والتراجُع؛ لذا يُعدُّ هذا الانضمام بمثابة خُطْوةٍ توسُّعيةٍ للتكامل والتعاون على الصعيد الإقليمي، بالإضافة إلى أنه قد يساهم في تحقيق التقدُّم الاقتصادي والتجاري لدول شرق أفريقيا.

نبْذة عن مجموعة شرق أفريقيا

تُعتبر مجموعة شرق أفريقيا (EAC)، من أبرز التكتلات الإقليمية الأفريقية وأسرعها نُموًّا، وتأسست عام 2000م، ويقع مقرُّها الرئيس في أروشا بتنزانيا، وتضم حاليًّا ثماني دول “بوروندي، وكينيا، ورواندا، وجنوب السودان، وتنزانيا، وأوغندا، والكونغو الديمقراطية، والصومال”، وتهدف إلى تسهيل التجارة عبْر الحدود، من خلال إلغاء الرسوم الجُمْركية بيْن الدول الأعضاء، ويساهم أعضاؤها بقواتٍ في قوة الاتحاد المنتشرة في الصومال؛ لمكافحة حركة الشباب الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة.

وقد حقَّقت منذ تأسيسها الكثير من الإنجازات؛ لتحقيق التكامُل الإقليمي بيْن الدول الأعضاء، على كافَّةِ الأصْعِدَة، وخاصَّةً الصعيد التجاري؛ إذ تمَّ توقيع (بروتوكول الاتحاد الجُمْركي في 2005م، وبروتوكول السُّوق المشتركة في 2010م، وبروتوكول إنشاء الاتحاد النقدي لتوحيد العُمْلة في 2013م)، والذي تسعى المجموعة لتطبيقه خلال الفترة من 2022م إلى 2026م، إضافةً إلى عِدَّة بروتوكولات أُخرى؛ لتعزيز الأمن والسِّلْم الإقليمي، ومواجهة التحديات والتهديدات الأمنية، كما تطْمَحُ تلك المجموعة إلى تكوين دولةٍ عُظْمَى، وِفْق نظامٍ فيدراليٍّ، في إطار سياسةٍ خارجيةٍ مُوحَّدة.

مساعي الصومال للانضمام إلى مجموعة شرق أفريقيا

سعى الصومال لأوَّلِ مرَّةٍ إلى الانضمام إلى مجموعة شرق أفريقيا في عام 2012م، ولكن تمَّ رفْضُه؛ نظرًا لما يعانيه من مشاكل داخلية مع حركة الشباب الإرهابية، فضلًا عن عدم وجود بيئةٍ سياسيةٍ وقانونيةٍ مُستقرةٍ حينها، ولكن تجدَّدت رغبة الصومال في الانضمام، عندما تمَّ قبول جنوب السودان، مع ما كان يعانيه من اضطرابات مشابهة في عام 2016م، ومن ثمَّ جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تعاني من الصراعات الداخلية أيضًا في عام 2022م.

وجدَّد الصومال رغبته في الانضمام، بعد عودة الرئيس حسن شيخ محمود، الذي بدأ المحاولة الأولى للانضمام، خلال فترة ولايته الأولى عام 2012م، وخلال شهر يناير من العام الجاري، تمَّ إرسال بعثة تحقيق؛ لبحث استعداد الصومال للانضمام، وقد تمَّ إجراء مفاوضات بين الصومال ومسؤولي مجموعة شرق أفريقيا، ونتج عنها صياغة تقريرٍ وإرساله إلى مجلس الوزراء؛ لمناقشته قبْل إحالته إلى قِمَّة رؤساء الدول.

وتُشكِّلُ مساعي الصومال للانضمام إلى مجموعة شرق أفريقيا أساس جهود البلاد إلى تحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي، وبالنسبة لبلدٍ واجهت عقودًا من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ فإن هذه الخطوة تُمثِّلُ فُرْصةً لتعميق علاقاتها الإقليمية، وتعزيز التجارة، وتبنِّي مستقبلٍ مُفْعَمٍ بالأمن والاستقرار.

إمكانات الصومال للانضمام إلى مجموعة شرق أفريقيا

على الصعيد السياسي: نجاح الصومال في الانتقال السلمي الأخير للسلطة، ووصول حسن شيخ محمود للحكم؛ لما يتمتع به من علاقاتٍ واسعةٍ، خاصَّةً مع الجوار الإقليمي وزعماء مجموعة شرق أفريقيا؛ إذ يبْذُل جهودًا في سبيل تحقيق المصلحة الوطنية، وتطبيع الأوضاع الداخلية، وتعزيز العلاقات الخارجية، وذلك على النقيض من سلفه محمد عبد الله فرماجو، فقد تمكَّن من تحقيق عِدَّة نجاحاتٍ، وفي مقدمتها؛ تطبيع العلاقات مع “الإمارات، وكينيا”.

على الصعيد الاقتصادي: تتمتع دولة الصومال بسواحل طويلة على طول المحيط الهندي، وموارد زراعية ومعدنية غير مستغلة، فضلًا عن موقعها الاستراتيجي؛ لذا سيُعزِّزُ انضمام الصومال الامتداد الجغرافي والسوق المشتركة للمجموعة؛ إذ سيصل إجمالي مساحتها إلى حوالي 5.45 مليون كم2؛ ما قد يمنحها وصولًا أكبر إلى المحيط الهندي، وخليج عدن، وباب المندب جنوبي البحر الأحمر، والذي يمُرُّ عبْره حوالي 25% من صادرات التجارة العالمية، ومن ثمَّ الاستفادة من موقع الصومال الاستراتيجي وموانئه البحرية، التي سوف تُعزِّزُ التجارة وخدمات النقل والإمداد اللوجستي.

المكاسب الصومالية من الانضمام إلى مجموعة شرق أفريقيا

قد يُساهم انضمام الصومال إلى مجموعة شرق أفريقيا في تمهيد الطريق لقبول عضوية “إريتريا، وجيبوتي” في تلك المجموعة، بحيث يتمُّ تحقيق خُطَّة شمول منطقة القرن الأفريقي كاملة، بما في ذلك إثيوبيا، وربما السودان، وتتعدَّد مكاسب انضمام الصومال إلى تلك المجموعة، لا سيما أن أغلب الدول الأعضاء تشارك بنشاطٍ في بعثة حفظ السلام، التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال (أتميس)، والتي أدَّت دوْرًا بارزًا في جهود استقرار البلاد، كما قد يتمكن الصومال من تنفيذ مشاريع البِنْية التحتيّة، وتطوير الطُّرُق والسِّكَك الحديدة ومبادرات الطاقة.

كما قد يساهم هذا الانضمام، في تسهيل حركة الأفراد والبضائع داخل وخارج الصومال؛ ما يعمل على تعزيز الاقتصاد والتبادُل التجاري، وسوف يخلُق فُرصًا لتعزيز الاستثمار وحركة رأس المال، إذ تُعتبر منطقة شرق أفريقية بمثابة سوقٍ لتجارة السلع والخدمات، ومع انضمام الصومال، قامت الكتلة بتوسيع سوقها، واكتسبت خطًّا ساحليًّا جديدًا، يمتدُّ على مدى أكثر من ثلاثة آلاف كيلومترًا، ويحمل إمكانات للموارد الطبيعية؛ مثل النفط والغاز، ويُشكِّلُ هذا العدد الكبير من سكان الكتلة والاتحاد الجُمْركي والسُّوق المشتركة عامِلَ جذْبٍ للمستثمرين، الذين يُمْكِن للصومال الاستفادة منهم حاليًّا.

ويهدف الصومال من خلال هذا الانضمام إلى التعلُّم من تجارُب دول تلك المجموعة، في تحقيق الديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة القانون، وأعربت دول المجموعة عن تضامنها مع الرئيس حسن شيخ محمود، في حربه ضد الإرهاب، ولا سيما حركة الشباب الإرهابية، وفي المقابل، يجب على الصومال الالتزام بدعم سيادة القانون والحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان، وتعزيز إمكاناته للعمل على تعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة، ومن المتوقع، أن يعود انضمام الصومال إلى تلك المجموعة بفوائد عِدَّة على القارة الأفريقية، بشكلٍ عامٍ، وعلى منطقة شرق أفريقيا والصومال، بشكلٍ خاصٍّ.

التحديات التي قد تواجه الصومال جرَّاء الانضمام لمجموعة شرق أفريقيا

سوف يجلب قرار الصومال بالانضمام إلى مجموعة شرق أفريقيا مجموعةً من التحديات، بدْءًا من مساعي تعزيز النموّ الاقتصادي إلى تنسيق السياسات التجارية، وبعد الانضمام، يجب على الصومال تضمين عناصر المعاهدة في القانون، خلال ستة أشهر من التوقيع على الوثيقة، ولكن نظرًا لصعوبة التنفيذ، فقد يعيق الصومال من أن تصبح عضوًا فعَّالًا في المجموعة، وهذا يعود إلى تاريخ الصومال الضعيف في مجال سيادة القانون، ومن دون قضاء مستقل قد لا يستطيع الصومال الاستفادة من قرارات الكتلة المُلْزِمة؛ لذا يجب على الحكومة الصومالية، إنشاء سلطةٍ قضائيةٍ مستقلةٍ؛ حتى يتثنَّى وجود فُرْصةٍ في تشكيل حكومةٍ كاملةٍ، وتمثَّلت أحد أبرز التحديات أيضًا حول افتقار الصومال إلى البِنْية التحتيّة، والذي سوف يؤدي إلى تأخير التكامُل.

ختامًا:

جاء انضمام الصومال إلى مجموعة شرق أفريقيا، بعد نجاحه في تجربة الانتقال السلمي للسلطة، وعودة الرئيس شيخ محمود للحكم؛ نظرًا لما يتمتع به من خبرةٍ سياسيةٍ، وعلاقاتٍ جيّدةٍ مع رؤساء دول المنطقة، وسوف يعمل هذا الانضمام على تعزيز مكانة الصومال كلاعبٍ نَشِطٍ في شؤون شرق أفريقيا، وسوف يكون لها دوْرٌ دبلوماسيٌّ أكثر تأثيرًا في معالجة التحديات الإقليمية، وبالإضافة إلى ذلك، سوف يُعزِّزُ هذا الانضمام فُرص الصومال للاستثمار والتجارة والتنمية وتحقيق الاستفادة من ثرواته وموارده، بما فيها أراضيه الصالحة للزراعة، وموقعه الجغرافي، باعتباره بوَّابةً لشرق أفريقيا، فضلًا عن تعزيز مواجهة التهديدات الصادرة من قِبَلِ حركة الشباب، ولكن هذا لا يمنع وجود بعض التحديات التي قد تواجه الصومال؛ جرَّاء هذا الانضمام.

كلمات مفتاحية