إعداد: بسمة أنور
بحلول موعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة 2020، طفى على السطح الصراع الكامن بين الحزبين الأقوى فى الولايات المتحدة الأمريكية – الديمقراطى والجمهورى – اللذان يقتسمان السلطة ويتصارعان عليها، مشكلان السيناريو السياسى للولايات المتحدة منذ القرن التاسع عشر، وكان يبدو للعالم – الصراع – بوجه ديمقراطية تبادل الأدوار، ولكن بهزيمة ترامب فى الانتخابات الرئاسية السابقة التى لم يتقبلها أمام نظيره الديمقراطى “جو بايدن” بدا جليًا حقيقة العداء بينهما وكشف النقاب عن الوجه الآخر للولايات المتحدة، والتى دخلت فى مرحلة العنف السياسى، حيث انتفض الجمهوريون وطالبوا بإعادة فرز الأصوات متهمين منافسيهم الديمقراطيين بالغش والتزوير، هذا إلى جانب تشكيك الرئيس السابق “دونالد ترامب” فى النتائج الانتخابية، ودعا أنصاره للاحتجاج والتوجه إلى الكونجرس وباستجابتهم لمطالبه تم اقتحامه فى واقعة لم يشهدها التاريخ الأمريكى من قبل، مما أسفر عن مواجهات عنيفة بين أنصار الرئيس السابق والأمن، وصنفت هذه الأحداث بأنها امتحان عسير للديمقراطية الأمريكية، وأصبحت الانتخابات التى غيرت وجه أمريكا فلم تعد كما كانت قبل ولاية “ترامب”.
فهذا الانقسام الحزبى لم يكن وليد اللحظة وإنما هو امتداد لانقسام المجتمع الأمريكى برمته، فتصاعدت الأحداث وتأزمت المواقف، وفى هذا التقرير سنلقى الضوء على التصدعات التى أحدثها احتدام صراع الفيل والحمار بغرفتى الكونجرس – النواب والشيوخ – وكم الانشقاقات الهائلة داخل الحزب الجمهورى، والتى أدت إلى تعثر عملية انتخاب زعيم لهم والتى فى العادة تجرى بشكل روتينى، ومدى ارتدادات هذا الصراع المعلن بين الحزبين على الاستقرار الداخلى للبلاد، ومدى تأثيره على الأجندة السياسية للرئيس الحالى “جو بايدن”، وهل ستشهد الفترة المتبقية من حكم بايدن هدوءًا سياسيًا أم مزيدًا من التصعيد، خاصة بوعود “مكارثى” بفتح التحقيقات حول عدة قضايا أدارها البيت الأبيض بقيادة بايدن، وربما سيذهبون لابعد من ذلك وهو محاولات لعزله من الحكم، فهل تمكنهم السيطرة – الجمهوريون – على مجلس النواب بأغلبية ضئيلة من ذلك؟ أم سيتغلب بايدن على محاولات تقويده باستخدام سلطاته الرئاسية وإلى جانب استعانته بمجلس الشيوخ ؟
انقسام الكونجرس وتنازلات مكارثى:
تصدر المشهد السياسى فى الداخل الأمريكى، الظاهرة الترامبية والتى أحدثت انقسامًا حقيقيًا داخل المجتمع الأمريكى بين مؤيدٍ ومعارضٍ، وباحتدام الصراع بين الحزبين فى آواخر العام المنصرم 2022 الموافق موعد انتخابات التجديد النصفى بسباقهما من أجل السيطرة على الكونجرس بمجلسيه – النواب والشيوخ- والذى يعد أحد أهم مراكز صناعة القرار الأمريكى، فالديمقراطيون يأملون إبقاء سيطرتهم على الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، والجمهوريين يسعون لاستعادة الأغلبية إن لم يكن على الكونجرس بغرفتيه، فمجلس النواب على الأقل، وانتهت معركة الانتخابات النصفية بحصول الجمهوريين على أغلبية ضئيلة فى مجلس النواب مقدارها 222 مقعدًا مقابل 213 مقعدًا للديمقراطيين، من أصل 435 مقعدًا يتألف منها مجلس النواب، بينما سيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ بـ 51 سيناتور مقابل 49 سيناتور للجمهوريين من أصل 100 سيناتور يتألف منه مجلس الشيوخ.
وهذه الانتخابات النصفية أعادت “ترامب” إلى المشهد السياسى بعد عامين من تولى “جو بايدن” إدارة البلاد، بطريقته “الترامبية التى تعمل على تعزيز الانقسام الاجتماعي” وشعبويته التى استخدمها منذ حملته الانتخابية الرئاسية 2020، والتى تركت تصدعات عميقة فى السياسة والمجتمع الأمريكى، وهذه كانت ومازالت أكبر التحديات التى واجهها الرئيس “بايدن” منذ توليه الحكم.
فعلى الرغم من توافقهم فى الرؤى – الجمهورى والديمقراطى – نحو الاقتصاد والطريق الليبرالى والاقتصاد الحر، ولكنهما اختلفا فى بعض الأمور الاقتصادية “كحق العاملين والحد الأدنى للأجور ودعم النقابات والرعاية الصحية”، وهى أمور يعمل من أجلها الديمقراطيون بينما الجمهوريون يتوجهون أكثر بتمكين الشركات وأرباب العمل والمُلاك، ومن هنا بدأت الانقسامات تتوزع بين المويدين للحزبين، فظهرت تباينات جديدة بين الحزبين فى عدة مسائل كالحريات التى يدعمها الديمقراطيون أكثر مثل المثليين وحقوق الإجهاض ولكنهم يحاربون انتشار السلاح فى أيدى المدنيين الأمريكيين فى حين يضطهد الجمهوريون المثليين ويعتبرونهم خطرًا على المجتمع الأمريكى، كما يلفظ الإجهاض ويدعم قانون حيازة الأسلحة فى أيدى المدنيين كذلك فى رؤيتهم لحل النزاعات، فمن خلال تاريخ الحزبين يتضح أنهما يتبادلان المراكز الأيدولوجى.
وعلى صعيد الحزب الجمهورى، فقد كشف الانقسام الشديد بين أعضائه خلال عملية انتخاب زعيمهم، والتى جاءت مخالفة لتقاليد الحزب الفائز بالأغلبية فى مجلس النواب، فقد اعترضها الكثير من العراقيل، وعلى الرغم من فوزهم بأغلبية مقاعد المجلس فإن التصويت لصالح “كيفن مكارثى” والذى يقود الكتلة الجمهورية فى مجلس النواب فى الكونجرس منذ عام 2014، فقد عمل على تحقيق هدفه وسعى لتقديم ضمانات تفاديًا لعرقلة خطواته للوصول لرئاسة المجلس، فهذه المرة هى الـ79 لانتخابات منصب رئيس مجلس النواب، وكانت الأكثر صعوبة نتيجة لحدة التوترات بين الحزبين بل بين أعضاء الحزب الواحد، لأنها تحمل بين طياتها مخاطر مجتمعية وسياسية قبل أن تعكس انقسامًا وتشددًا سياسيًا.
فبدت العملية الانتخابية لرئيس المجلس متعسرة ذلك لأن الجمهوريين لا يزالون فى حالة فوضى وأزمة هوية حزبية خلفها الرئيس السابق “دونالد ترامب”، فقد عانى الجمهوريون من أزمة ثقة مع “مكارثى” وكانت إحدى أهم العثرات التى كانت أمام فوز “مكارثى” هى اعتقاد البعض فى الجناح اليمينى للحزب الجمهورى أن مكارثى لا يدين بالولاء بدرجة كافية لترامب الذى سيخوض سباق البيت الأبيض 2024، حيث اصطدم مكارثى مبكرًا بتجمع الحرية – أنصار ترامب اليمينيين – لعدة أسباب كان أبرزها موقفه بعد الهجوم على مبنى الكابيتول فى السادس من يناير/كانون الثانى 2021، عندما قال إن ترامب يتحمل المسؤولية، وأخبر زملاءه أن الرئيس السابق يجب أن يستقيل، وتفاقمت الأزمة بفشل قيادات الحزب الجمهورى فى المجلس المنتخب فى حشد الأصوات اللازمة لانتخاب مكارثى، واستغرق الأمر على غير العادة خمسة أيام من المفاوضات الشاقة مع 20 نائبًا من تكتل “الحرية” ذى الأيديولوجيا اليمينية المحافظة المتشددة داخل الحزب الجمهوري، وأعلنوا اعترضهم على “مكارثى” بحجة أنه لا يتوافق مع أجندتهم السياسية، فالحزب الجمهورى يحتل 222 مقعدًا فقط ويحتاج منصب رئيس المجلس 218 صوتًا لفوزه، وخلال 15 محاولة انتخابية أصر هذا الفصيل على عدم التصويت لصالح ” مكارثى” حتى يرضخ لمطالبهم مقابل التصويت له رئيسًا لمجلس النواب، فما كان أمامه – مكارثى- سوى الاستجابة لشروطهم وقدم حزمة تنازلات إجرائية تعظم نفوذهم داخل المجلس وتضعف مركزه كرئيس لمجلس النواب، فقد تسبب انشقاق الحزب الجمهورى رغم فوزه بنسبة ضئيلة إلى إحراج كبير، فقدم “مكارثى” عدة تنازلات وصفت بـ “بالمهينة”، ومكتسبات لهم:
- تقديم الولاء لترامب: حيث قدم اعتذاره للرئيس السابق “دونالد ترامب”، ولإثبات ولائه له أيّد مكارثى طرد “ليز تشينى” من القيادة والتى كانت من أشد المنتقدين لمحاولات ترامب قلب خسارته فى الانتخابات، وقام مكارثى فى وقت لاحق بحملة ضد إعادة انتخابها، وقدم كل ذلك من أجل تمهيد طريقه لمنصب مجلس النواب، وجاء دعم ترامب متاخرًا ، ففى رسالة دعمه قال إن مكارثى سيقوم بعمل رائع كرئيس لمجلس النواب وعلى الجمهوريين عدم تحويل الانتصار الكبير فى الانتخابات إلى هزيمة هائلة، وعلى الجميع التصويت لصالح مكارثى وإنهاء الامر، وعلق على غريمته الديمقراطية نانسى بلوسى بأن التصويت لمكارثى يعنى إرسال نانسى إلى منزلها فى كاليفورنيا وهى مكسورة، وبدوره وعد مكارثى الأعضاء الجمهوريين اليمنيين بإجراء سلسلة من التحقيقات تطال “بايدن” وعائلته وإدارته إضافة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالى CIA ووكالة الاستخبارات المركزيةFIP ووزارة العدل، فهذه الصعوبة التى واجهها الحزب الجمهورى فى تمرير اختيار رئيس مجلس النواب تدل على دخول الولايات المتحدة فى طور جديد من الأزمات السياسية المتعلقة بالحكم وإدارة الدولة.
- تنازل سياسي: خفض عدد الأعضاء اللازمين لتبنى قرار فرض التصويت بعزل رئيس مجلس النواب من خمسة إلى واحد، مما يضعف من سلطة مكارثى لصالح أعضاء المجلس وهو التغيير الذى كان رافضًا له، إلا أن إنفاذ هذا الإجراء يتطلب التصويت بأغلبية المجلس.
- تنازل نيابي: وهو التنازل الأكبر والذى حصل عليه “تكتل الحرية” الجمهورى بمنحهم نفوذًا كبيرًا فى كل الملفات من دون استثناء من خلال دعم تمثيلهم فى لجان مجلس النواب، والموافقة على شغلهم 3 مقاعد فى لجنة قواعد المجلس، فهذه اللجنة تسنّ قواعد العمل به وتقرر أى مشروع قانون يحظى بالتصويت، ومدة النقاش حوله وعدد الأصوات اللازمة لإقراره، وعدد التعديلات التى يمكن للنواب طرحها عبره، ولذا سيتمكنون من عرقلة تمويل المرافق الحكومية والتى طالما عارضوا المبالغ الطائلة التى تنفق لتمويل الحكومة، فاللجنة الرئيسية هى البوابة التى تصل التشريعات إلى المجلس فهى القوة المسيطرة على التشريعات لكى تصل إلى المجلس، فإذا لم تصل فلا يوجد فرص لاعتمادها، وهذه التنازلات تضمن لهذه المجموعة أن تنفذ أجندتها المتشددة فى مجال الإنفاق وهى النقطة الرئيسية لجهودهم، فضلًا عن دعم مشروعات القوانين التى تتبناها الكتلة فى تعزيز أمن الحدود والحد من الهجرة والميزانية السنوية.
وتم انتخابه رئيسًا لمجلس النواب ثالث أعلى المناصب فى الولايات المتحدة الأمريكية بعد منصبى الرئيس ونائبه، فى ظل تخوف عدد من الجمهوريين الداعمين له من نوعية هذه التنازلات والتى أدت إلى تقليص حاد فى سلطاته عما كان عليه الوضع أيام “بيلوسى”، وعبّروا عن قلقهم من أن تؤدى إلى عرقلة أجندة المجلس التشريعى الطموحة، التى وضعها الحزب بعد فوزه بالأغلبية فى المجلس فى الانتخابات النصفية، فهذه التنازلات ستقيد سلطة مكتب مكارثى وتوسع نفوذ أعضاء اليمين المتطرف من الحزب الجمهورى فى مجلس النواب.
وتلقى “مكارثى” التهنئة من الرئيس “بايدن” بعد فوزه برئاسة مجلس النواب ودعاه إلى الحكم بشكل مسؤول ولصالح الأمريكيين، وأعلن استعداده للعمل مع الجمهوريين عندما يكون ذلك ممكنًا، وقال إن الناخبين أشاروا بشكل واضح إلى أنهم ينتظرون من الجمهوريين أن يكونوا مستعدين للعمل معه، وبدوره – مكارثى – عقب أداؤه اليمين وتنصيبه خلفًا للديمقراطية “نانسى بيلوسى”، قال :”لقد حان الوقت لممارسة رقابة على سياسة الرئيس بايدن”، هذا إلى جانب تعهداته بإطلاق سلسلة من التحقيقات البرلمانية من شأنها تقويض البيت الأبيض خلال العامين المتبقيين من ولاية بايدن، وذلك مع بدء عمل المجلس، وهذه التحقيقات من شأنها أن تعرقل وتجمد أى آمال فى تمرير المزيد من تشريعات تدعم أجندة الرئيس الطموحة.
قررات “بايدن” فى مصفاة مجلس النواب الجمهورى:
يعمل الجمهوريون على استغلال أغلبيتهم فى مجلس النواب، من أجل تفعيل أجندتهم لإعاقة خطط “بايدن” وإدارته فى عدد من الملفات التى يعتقدون أنها غير ملائمة لإستراتيجية الأمن القومى الأمريكى ولا إستراتيجيات الولايات المتحدة فيما يتعلق بحلفائها خاصة فى الأقاليم المهمة “كمنطقة الشرق الأوسط ومناطق جنوب آسيا”، هذا إلى جانب الملفات الشائكة “كالصين وأوكرانيا وإيران” ، ولذا فهم يسعون إلى عرقلة تمرير مشاريع القوانين الخاصة بهذه الملفات.
فقد مرت الفترة الأولى للرئيس الديمقراطى “بايدن” قبل الانتخابات النصفية ولم يجد خلالها أى صعوبة فى تنفيذ أجندته، ولكن بنتيجة الانتخابات النصفية والتى جاءت بكونجرس منقسم غرفتيه بين الحزبين- الديمقراطى والجمهورى- مما وضع بايدن فى حالة اضطرار للتعامل مع الواقع الجديد الموصم بالصعوبة وملاحقة الجمهوريون له، وهذا الوضع المستجد وصفته “بيلوسى” أنه أمر بات أشبه بشوكة فى خاصرة بايدن، فلن يتمكن الرئيس الديمقراطى من تمرير مشاريع كبرى جديدة، فالهدف الجمهورى الأول هو محاولات تقويض إدارة بايدن، بفتح وابل من التحقيقات ويأتى على رأسها عدد من قضايا يروى الجمهوريون أنها أثرت بشكل كبير على الداخل الأمريكى، ويأتى أهمها فيما يلى:
- التحقيق فى الانسحاب الفوضوى للقوات الأمريكية من أفغانستان والذى وصفته وسائل الإعلام الأمريكية “بالكارثى” والفشل فى إجلاء المدنيين المتعددين الجنسيات فى كابل، فقد حمل النائب الجمهورى حينذاك “مايكل ماكول” – والذى تولى رئاسة لجنة الشؤون الخارجية فى مجلس النواب – إدارة بايدن مسؤولية الفشل فى تنفيذ اتفاق الانسحاب الذى تم فى عهد الرئيس السابق، وطلب من وزارة الخارجية عددًا كبيرًا من الوثائق المتعلقة بقرار انسحاب إدارة بايدن من أفغانستان، وذلك فى إشارة إلى البدء الرسمى للتحقيق الذى تجريه اللجنة التى يقودها الجمهوريون فى الانسحاب الفوضوى للقوات الأمريكية، ومن بين هذه المستندات برقية دبلوماسية سرية تخص انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وهى صادرة عن مسؤولين عملوا فى السفارة الأمريكية بأفغانستان، وتحذر من تداعيات انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان فى 2021.
ووقع “ماكول” مذكرة استدعاء لتسليمها لوزير الخارجية “أنتونى بلينكن”، ورفض الأخير تقديم البرقية مما اضطر “ماكول” إلى إصدار أول مذكرة استدعاء بصفته رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس، وفى هذا الشأن قالت “بوليسى” إن مسؤوليين إدارة مرحلة “بايدن” الذين أفلتوا من الاستجواب حول “الانسحاب من أفغانستان” خلال سيطرة الديمقراطيون على الكونجرس سيخضعون الآن لجلسات استماع طويلة، ويرى الجمهوريون أن قرار الانسحاب من أفغانستان بعد 20 عامًا من احتلالها، والذى تم بصورة فوضوية أدى إلى تراجع كبير فى صورة أمريكا العالمية، وترك تأثيرات سلبية على مصداقيتها بين حلفائها العسكريين، هذا إلى جانب مقتل 13 جنديًا أمريكيًا كانوا يقومون بمهام حراسة مطار كابل، كما يتهمون إدارة بايدن بأنها من ساعدت طالبان للوصول للحكم لتركها الجيش الأفغانى رهينة فى يديهم، وهو ما سمح له بالسيطرة عليه وعلى معداته العسكرية الأمريكية، والتراجع الأمريكى الكبير فى مجال حقوق المرأة فى أفغانستان، كما يعتقد الجمهوريون بأن سياسة بايدن تجاه أفغانستان أضرّت بالأمن القومى للولايات المتحدة.
- يتهم الجمهوريون إدارة بايدن بالفشل فى مواجهة الوباء وضياع مليارات الدولارات خلال خطة الإغاثة لمواجهة تداعيات وباء كوفيد-19، وعلى الرغم من انحسار الوباء وإعادة فتح العديد من الولايات، تضغطت إدارته من أجل المزيد من الإنفاق الحكومى الذى يحفّز التضخم.
- الحدود الجنوبية “الأزمة الخطرة”: يؤمن الجمهوريون بأن إدارة بايدن تتبنى سياسة هجرة “راديكالية”، تسبّبت فى أسوأ أزمة حدودية فى تاريخ الولايات المتحدة، ويتهم الجمهوريون “بايدن” بإلغاء سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب، التى نجحت فى كبح جماع طوفان المهاجرين غير النظاميين عن طريق بناء سور حديدى خفّض أعدادهم لمستويات مقبولة، قبل أن يوقف بايدن بناءه، وهو ما أدى إلى تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين بمعدلات مرتفعة قياسيًا، ويتهمه الجمهوريون بغض الطرف أمام التدفق التاريخى للمهاجرين الذين يحاولون دخول الولايات المتحدة بشكل غير شرعى، وفى مطلع يناير الماضى زار الرئيس بايدن الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك للمرة الأولى منذ توليه الرئاسة لزيارة نقطة العبور فى ولاية تكساس، والتى تشكل محور الجدل حول الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات، وذلك لبحث “عمليات مراقبة الحدود” مع مسؤولين محليين، قبل أن يتوجه إلى العاصمة المكسيكية لعقد قمة مع نظيره المكسيكى “أندريس مانويل لوبيز أوبرادور” ورد “مكارثى” على هذه الزيارة أن “بايدن” سيحاسب هو ووزير داخليته.
- ويرى الجمهوريون أن سوء إدارة بايدن أدت إلى ارتفاع أسعار الغاز والطاقة، ونتيجة لرفضه السماح بالتوسع فى إنتاج الطاقة داخل الولايات المتحدة، لجأ بايدن إلى عدة أنظمة لطلب ضخ المزيد من النفط فى الأسواق العالمية، وأنه من أهان منصب الرئيس لفشله فى زيارة المملكة السعودية والضغط عليها لضخ المزيد من النفط فى الأسواق العالمية.
- هذا إلى جانب، ادعاء الجمهوريين امتلاك أدلة تؤكد فساد بايدن ونجله، وأن الرئيس الديمقراطى كذب على الشعب الأمريكى عندما قال “لم أتحدث قط مع ابنى عن تعاملاته التجارية فى الخارج”، ويعتقدون أن نجله “هانتر بايدن” استفاد واستغل اسم عائلته للحصول على صفقات وأتعاب ضخمة من عملاء وشركات فى الصين وأوكرانيا، على الرغم من عدم امتلاكه أى مؤهلات أو خبرات تبرر ذلك، ورغم مخاطر ذلك على الأمن القومى الأمريكى، يتغاضى بايدن عن فساد نجله، ويرى النائب “جيمس كومر”، وهو الرئيس الجمهورى الجديد للجنة الرقابة والإصلاح بمجلس النواب، أن الرئيس بايدن متورط فى صفقات ابنه “هانتر” التجارية الدولية، ومن حق الشعب الأمريكى معرفة تفاصيل الأعمال الدولية لعائلته، ودوره فيها.
فلم يعد لبايدن أن يأمل فى تمرير تشريعات رئيسية بعد فشله فى السيطرة على مجلسى الكونغرس كما كان الحال فى الفترة الأولى من ولايته فى يناير (كانون الثاني) 2021، على الرغم من سيطرته على مجلس الشيوخ وباتت وعوده بقانون فيدرالى يكرس الحق فى الإجهاض وحظر البنادق الهجومية وإصلاح انتخابى واسع لحماية مصالح الأقليات فى التصويت، بعيدة المنال، وبسيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ، فلن يكون أيضًا فى وسع الجمهوريين المساس بتدابير اعتمدت فى عهد بايدن تعهدوا بنسفها، ولكن الصراع الجارى فى الفترة الراهنة بين أعضاء الكونجرس هو قضية سقف الدين الأمريكى، وهناك مخاوف كبرى من دخول الولايات المتحدة فى حالة شلل أو إغلاق حكومي.
معضلة “رفع سقف الدين العام”:
أضحت أشرس معارك الكونجرس بين أعضائه الجدد من الحزبين – الديمقراطى والجمهورى – تدور حول “رفع سقف الدين العام” والذى يهدد الولايات المتحده بشلل أو إغلاق تاريخى، لبلوغه الحد الأقصى المسموح به 31 .4 تريليون دولار، فعادة يصادق الكونجرس على زيادته كل عام، ولكن المجلس الجمهورى الحالى يرفض رفع سقف الدين العام ويرى أنه مقابل السماح لادارة بايدن بالاقتراض يتعين أولًا على البيت الأبيض خفض سقف الإنفاق الحكومى، وأن يتخلى عن الكثير من المشروعات التى يعتقد الديمقراطيون أنها ضرورية، وفى المقابل يشترط البيت الأبيض ألا يمس الخفض الذى يطالب به الجمهوريون ” برامج الصحة والضمان الاجتماعى والإنفاق العسكرى”، وألا يؤثر خفض النفقات على قضية تمويل الحرب الأوكرانية، ولذا فإن رفض الجمهوريون بالموافقة على زيادة سقف الاقتراض يهدد بتعطل أكبر اقتصاد فى العالم، وذلك من شأنه دفع الولايات المتحدة الأمريكية للتخلف عن السداد، الأمر الذى يثير الزعر فى الأسواق المالية ومن ثم فى الاقتصاد العالمى فى وقت تحاول فيه الولايات المتحدة تخطى فترة اقتصادية حرجة بعد “جائحة كوفيد –19” من دون الوقوع فى الركود.
- معركة رفع سقف الدين العام “بلا حسم”:
أصبحت قضية رفع سقف الدين العام الأمريكى روتينية، تتكرر بشكل تقليدى، فقد تم رفع المديونية أو تعليق الحد الأقصى لها 78 مرة منذ عام 1970، من دون صعوبة فى أغلب الأحيان ولكن فى المرة الـ79 فى ديسمبر 2021 جاءت بتوترات تحمل مخاطر مجتمعية وسياسية قبل أن تعكس انقسام و تشدد سياسى أو حزبى أو مجتمعى.
وفى جملة المسائل المطروحة منذ بداية الدورات التشريعية لمجلس النواب الجديد، مفاوضات رفع سقف الدين العام الأمريكى وتمويل الدولة الفيدرالية، وربما الإفراج عن حزم مالية إضافية للحرب فى أوكرانيا، فقد جرت العادة أن تغطى حكومات الولايات المتحدة العجز بين الإيرادات والنفقات، من خلال الاقتراض- والذى فى الغالب يكون فى صورة أوراق مالية قابلة للتداول، وأذونات خزانة، وأحيانًا سندات تضمنها الحكومة الفيدرالية، ولا تتأثر بالتضخم، حيث تستثمر فيها دول وحكومات وصناديق كبرى – سواء من الأسواق الخارجية، وغالبها دول وحكومات، أو من الداخل المتمثل فى البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية الكبرى، ويكون الاقتراض المسموح به فى الولايات المتحدة الأمريكية 31.4 تريليون دولار، ولكنه تخطى 31.38 تريليون دولار، بحسب آخر البيانات على موقع وزارة الخزانة الأمريكية.
وهذا يعنى أن الدين العام يقارب 130% من الناتج الإجمالى لأمريكا، وبات كل مواطن أمريكى محملًا بأعباء هذا الدين، وقد حذرت وزيرة الخزانة الأمريكية، “جانيت بلين” الكونغرس إذا لم يقم برفع سقف الدين العام، ليتجاوز مبلغ 31.4 تريليون دولار، فإن البلاد ستدخل فى إجراءات استثنائية، ستكون لها نتائج مريرة على الأمريكيين فى الداخل، كما ستنعكس على مقدرة واشنطن على سداد ديونها، وبتأثيرها على الجانب الداخلى، سوف يتم تعليق المساهمات فى صناديق التقاعد، والصناديق السيادية، وهو أمر لا يمكن بحال من الأحوال أن يستمر لأكثر من ستة أشهر، وبتفكيك أكثر، سوف تتأثر عمليات الرعاية الصحية، والعديد من الخدمات الطبية التى تقدمها الحكومة الاتحادية لمواطنيها، كما ستعانى العديد من الأعمال الصغيرة والمتوسطة التى تعتمد على قروض فيدرالية، وسيتوقف دفع رواتب الموظفين الفيدراليين، وبالنتيجة سوف تغلق الكثير من الشركات أبوابها، وهذا يفسر أن الاقتصاد الأمريكى الداخلى والذى تأثر بشكل كبير من تداعيات «كوفيد – 19»، وزادته سواء تبعات الحرب الأوكرانية، فإنه سيواجه المزيد من الركود والتضخم والكساد، عطفًا على زيادة الأسعار، ما يعنى عدم قدرة المواطن الأمريكى على تلبية احتياجاته اليومية بالشكل الذى اعتاده.
وفى حالة استمرار المعركة بين الحزبين وتمسك كل جانب برأيه وتم عرقله عملية رفع سقف الدين العام ، فالنتيجة الحاسمة هى تخلف الولايات المتحدة عن سداد الديون الخارجية وفوائدها، الأمر الذى لا يمكن إصلاحه باعتراف “بلين “نفسها، وهو ما قد يدفع بتخفيض التصنيف الائتمانى السيادى لأمريكا، وبالتالى لن يتم النظر إليها بوصفها أفضل مكان للاستثمار حول العالم، وسيتأزم الوضع ويزداد سوءًا فى حال طالبت دول العالم والمستثمرين الأممين بودائعهم، أو محاولة تسييل أذونات الخزانة التى يحوزونها، فالجمهوريون يحمَّلون حزب الديمقراطيين المسؤولية كاملة نظرًا لأنهم كانت لهم اليد الطولى فى ذلك الوقت وقد أسرفوا أكثر من اللازم، وفى هذا النطاق يستغل الجمهوريون عامل الوقت لمحاولة إجبار الديمقراطيين على التخلى عن بعض النفقات التى أقروها عندما كانت لهم غالبية مقاعد المجلس، ومن بين النفقات التى يرى الديمقراطيون إن الجمهوريين يريدون إلغائها تلك المتعلقة بالتأمين الصحى خصوصا للمتقاعدين، وكذلك المساعدات الغذائية للفقراء، وأكدت يلين على أن رفع السقف أو تعليقه “لا يعنى السماح بإنفاق جديد” ولكن ببساطة “السماح للحكومة بتمويل الالتزامات القانونية التى تعهّد بها الكونغرس ورئيس كلّ من الحزبين فى الماضى”.
وقد صرح مكارثى بأن “الإنفاق خارج عن السيطرة وليس هناك رقابة ولا يمكن أن يستمر على هذا النحو”، وأضاف “نحتاج إلى تغيير الطريقة التى ننفق بها الأموال بتهور فى هذا البلد وسنحرص على أن ذلك ما سيحدث، وبدورها دعت إدارة بايدن الكونغرس إلى رفع سقف ديون البلاد، مشيرًا إلى أنه ليس لديه نية للتفاوض مع الغالبية الجمهورية حول ذلك، واعتبر الديمقراطيون أن رفع الحد غرضه سداد الأموال المقترضة، بما فى ذلك مليارات أنفقت فى عهد الرئيس دونالد ترامب.
وقالت “كارين جان بيار” المتحدثة باسم الرئاسة الأميركية إن المشرّعين الجمهوريين والديمقراطيين يتعاونون عادة بشأن الموضوع “وذلك هو المطلوب”، وأنه لا ينبغى تسييس مسألة الديون، وقال مساعدها أندرو بيتس إن “الجمهوريون فى مجلس النواب يقولون للأميركيين حرفيًا إنهم مستعدون لإحداث أفظع انهيار فى التاريخ الحديث إذا لم يتمكنوا من خفض الإنفاق على البرامج الأكثر شعبية”.
- لقاء بايدن ومكارثى:
جرت مباحثات بين “جو بايدن ومكارثى” خلال لقاءهما الأول والذى لم تسفر عنه أى تسوية للخلاف بشأن الدين الأمريكى، فعدم الاتفاق بشأن رفع سقف الدين الأمريكى يهدد بتعثر الولايات المتحدة فى سداد ديونها، وعقب اللقاء أعلن “مكارثى” أنه لا يوجد أى اتفاق، ولا وعود باستثناء مواصلة النقاش، وذكر أنه أوضح لبايدن أنه لن يوافق على رفع سقف الدين الأمريكى دون تقديم البيت الأبيض تنازلات بشأن خطة الإنفاق هذا العام فيجب ألا يتجاوز مستوى الإنفاق عما كان عليه العام الماضى.
وفى المقابل فإن البيت البيض يرى أن الجمهوريين يمنعون الموافقة التى تكون روتينية عادة على رفع الحد الائتمانى للبلاد لكى يتم الضغط على الديمقراطيين للموافقة أولًا على تخفيضات كبيرة فى الميزانية مستقبلًا.
وفى هذا الشأن، يتّهم البيت الأبيض الجمهوريين بأخذ الاقتصاد “رهينة” لانتزاع تنازلات فى الموازنة مدفوعة سياسيًا، ولكنه أكد – البيت الأبيض – أنه لن يسمح بأن يكون سقف الدين الحالى جزءًا من أى مفاوضات بشأن إنفاق الحكومة مستقبلًا، نظرًا إلى أن مبلغ 31.4 تريليون دولار هو رقم تم فى الأساس الاتفاق عليه فى الكونجرس، واصفًا رفض رفع سقف الدين بأنه أشبه بـ”رفض دفع فاتورة بطاقة ائتمانية ينبغى سدادها”.
وحذرت وزارة الخزانة من عواقب الفشل فى رفع سقف الدين بحلول يونيو القادم، مما سينتج عنه تخلّف الولايات المتحدة عن سداد ديونها البالغ قيمتها 31.4 تريليون دولار، والتى بدورها ستجعل الحكومة عاجزة عن سداد قيمة فواتيرها وتقوّض سمعة الاقتصاد الأمريكى وتثير على الأرجح الذعر فى أوساط المستثمرين.
وخلال مارس الماضى، عرض “بايدن” مقترح الميزانية الفدرالية للعام المالى 2024 الذى يبدأ فى الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وينتهى فى 30 سبتمبر/أيلول 2024، حيث بلغ إجمالى حجم الموازنة 6.8 تريليونات دولار، واقترح فيها “بايدن” زيادة الإنفاق على الجيش ومجموعة واسعة من البرامج الاجتماعية الجديدة مع خفض العجز بالميزانية فى المستقبل.
ولكن هذه الميزانية ستمر عبر مصفاة الكونغرس وهو الهيئة المفوضة دستوريًا بإقرار الميزانية الفيدرالية، وبعد أن يمر مشروع الميزانية فى مجلسى النواب والشيوخ بأغلبية بسيطة يتم إرسال المقترح التشريعى المعدل إلى الرئيس للتوقيع عليه، وللرئيس حق رفض التوقيع واستخدام حق الفيتو الرئاسى، وهو ما يمكن التغلب عليه بأغلبية الثلثين فى الكونغرس، ولذا فقد جاءت ميزانية “بايدن” متوسعة وطموحة خاصة فى القضايا والمجالات الداخلية، ولأنه يعلم أنه سيواجه تحديات كبرى لتمرير الميزانية فى الكونجرس، والتى ستقلص حتما من حجمها، حيث جاء تعليق مكارثى على الميزانية، بقوله: “لا يمكن أن يكون بايدن جادًا فيما عرضه!”، وتحتوى الميزانية على حوالى 5 تريليونات دولار من الزيادات الضريبية المقترحة على أصحاب الدخول المرتفعة والشركات على مدار عقد من الزمان، معظمها لتعويض برامج الإنفاق الجديدة التى تهدف إلى مساعدة الطبقة الوسطى والفقراء، وكرر”بايدن” دعوته بفرض ضرائب أعلى على شركات النفط والغاز، والتى يبلغ مجموعها 31 مليار دولار.
وتقترح الميزانية أيضًا توسيع نطاق التأمين الصحى التجارى، وفى تشريعات المناخ والرعاية الصحية وخصصت الميزانية لوزارة الخارجية 70.5 مليار دولار أى بزيادة مقدارها 11% على العام الماضى.
وتؤكد الميزانية دعم أوكرانيا من خلال تخصيص 1.7 مليار دولار إضافية كمساعدة فى مواجهة روسيا، وقد أكدت “بلين” فى أواخر فبراير الماضى أثناء تواجدها فى “كييف” أن المساعدات الاقتصادية لأوكرانيا أمر حيوى، وأضافت قائلة “دعمنا مدفوع، أولًا وقبل كل شيء، بواجب أخلاقى لتقديم مساعدة شعب يتعرض للهجوم، نعلم أيضًا إن مساعدتنا ليست صدقة، كما قال الرئيس زيلينسكى إنه استثمار فى “الأمن العالمى والديمقراطية”.
هذا إلى جانب، تخصيص 4.2 مليارات دولار لأزمة المناخ، 1.2 مليار دولار لانعدام الأمن الغذائى، 10.9 مليارات دولار لبرامج الصحة العالمية، أكثر من 10.5 مليارات دولار لدعم الاحتياجات الإنسانية العالمية، بما فى ذلك الموارد اللازمة لإعادة بناء برنامج قبول اللاجئين فى الولايات المتحدة وإعادة توطين 125 ألف لاجئ.
كما طالب بايدن بتخصيص 3.4 مليارات دولار لتعزيز الديمقراطية حول العالم، من خلال دعم الديمقراطيات الجديدة، وبناء القدرة على الصمود ضد جهود النظم المستبدة.
كما ترفع الميزانية الإنفاق العسكرى (ميزانية البنتاغون) إلى أكثر من 842 مليار دولار، بزيادة مقدارها 3.5% على ميزانية العام الماضى، وهو ما يجعلها من بين أكبر النفقات فى وقت السلم فى تاريخ الولايات المتحدة، وهدف بايدن لإعادة تأكيد التزام الولايات المتحدة بالأمن القومى فى ضوء المنافسات الإستراتيجية المتصاعدة مع كل من روسيا والصين.
وبعرض ميزانية “بايدن” بدأت سلسلة من المواجهات والجدال حول سقف الدين الفيدرالى، (المبلغ الذى يسمح لوزارة الخزانة باقتراضه لدفع الفواتير التى تكبدتها الحكومة بالفعل)، ويتعين على الكونغرس رفع أو تعليق الحد لتجنب التخلف عن السداد، لكن الجمهوريين يريدون خفض الإنفاق فى المستقبل قبل الموافقة على القيام بذلك.
فلا يرون إلا ضرورة انتزاع تخفيضات فى الإنفاق من البيت الأبيض كشرط لرفع سقف الدين، فيكتفون بالتعليق بأن الإنفاق خارج عن السيطرة، وجاء تعليق مكارثى على مشروع الميزانية بالقول “لا أعتقد أن زيادة الضرائب هى الحل، نحلل ميزانيته، وبعد ذلك سنبدأ العمل على ميزانيتنا”.
ووصف مكارثى الميزانية المقترحة لبايدن بأنها “غير جادة على الإطلاق”، وكرر مخاوفه بشأن الإنفاق الحكومى، وهناك توقعات بأن يصدم الحزب الجمهورى اقتراحًا بديلًا للميزانية يشمل تدابير، مثل خفض المساعدات الخارجية بنسبة 45%، وخفض تمويل مكتب التحقيقات الفيدرالي.
وإجمالًا:
فى نهاية المطاف رغم حصول الجمهوريين على أغلبية ضئيلة بمجلس النواب واعتلاء زعيمهم لرئاسة المجلس، إلا أن مثول ترامب أمام القضاء لاتهامه بجرائم جنائية، جعلت الديمقراطيون فى حالة تخبط بين توقع بنهاية ترامب السياسية بمثوله أمام القضاء لاتهامه بتهم جنائية وقعت قبل انتخابات 2016 وهذه سابقة من نوعها فى التاريخ الأمريكى باعتباره أول رئيس أمريكى سابق يحاكم جنائيًا، وإن هزيمته فى 3 انتخابات متتالية جاءت مخيبة لآمال حزبه ولتياره الأوسع المعروف باسم “ماغا”، ولترامب نفسه “الانتخابات النصفية للكونغرس 2018 والانتخابات الرئاسية 2020، والانتخابات النصفية للكونغرس 2022” خاصة وأنه متورط فى مؤامرة لتقويض نزاهة انتخابات عام 2016، فى حين يرى البعض الآخر أنه قد يستغل ذلك لصالحه فقد أكد خلال محاكمته أنه “غير مذنب” واصفًا الإجراءات التى اتخذت ضده بأنها ملاحقة سياسية وتدخل فى الانتخابات، وفى هذا الاتجاه قد يضغط فريقه القانونى لتقديم الطعون لالغاء القضية أو قمع أجزاء مختلفة من الأدلة، وخلال هذه الإجراءات يقوم ترامب بنشاطه المعتاد والاستعداد للانتخابات الرئاسية التمهيدية 2024 وسياسيًا قد تستغل حملته هذه المحاكمة فى تزويد نسبة تصويت الحزب الجمهورى لصالحه، فقد صرح “جيسون ميلر” المستشار الأول لحملته بأن الحملة جمعت أكثر من مليون دولار منذ إعلان إدانة ترامب للعامة وعلق ترامب على ادانته بـ 34 تهمة بأن الولايات المتحدة “ذاهبة إلى الجحيم” إشارة إلى أن ما يحدث الآن تدخل غير مسبوق فى الانتخابات، وفى محاولة لتبرئة نفسه قال إن الجريمة الوحيدة التى ارتكبها هى الدفاع بلا خوف عن الأمة الأمريكية من أولئك الذين يسعون إلى تدميرها، وعلى الرغم من أن التهم الموجه إليه ساعدت فى رفع نسبة تاييده، لدى ناخبى الحزب الجمهورى إلا ان استطلاعات لشبكة CNN الأمريكية أظهرت أن معظم الأمريكيين يؤيدون محاكمة ترامب وبنسبة تتخطى الـ 60%.
وفى المقابل فإن “ترامب” خلال فترة ولايته نحج فى كبح جماح روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية دون إضرار بالولايات المتحدة وهذه نقطة تحسب له، بينما فشل بايدن فى ذلك الأمر مما أدى إلى تصاعد الأوضاع على شتى الطرق ووقوع أزمات بعضها وصل إلى حرب فعلية والبعض الآخر فى طريقها لإشعال الحرب وهذا الأمر الذى يستغله الجمهوريون لشحن واستفزاز الشعب الأمريكى ضد الرئيس بايدن ويوكدون لهم ان الديمقراطيون يسرفون أكثر من اللازم فى مجال دعم أوكرانيا ولا يهتمونا بجانب المواطن الأمريكى ويعملون على وتيرة الدعم الأمريكى للحرب الأوكرانية بلا حدود، وأنها لم تخدم الأمن القومى الأمريكى بل أضرته داخليًا وخارجيًا، ويتوجب التوقف عن ذلك الإنفاق الزائد عن اللازم والبحث فى الحلول السلمية.
ويرى الجمهوريون أنه لابد من تخفيض الإنفاق وإنهاء عقيدة بايدن الخاصة بسياسات الاستدانة، وهذا الأمر لن يقبله الديمقراطيون، ذلك لأنه يعنى تخفيض النفقات أو زيادة الضرائب، وكلاهما يقود إلى فقدان الديمقراطيين حضورهم وشعبيتهم بين مؤيديهم، لصالح الجمهوريين، وفى حالة تخفيض النفقات، سيؤثر الأمر على واحدة من أهم قضايا الشد والجذب فى الكونغرس وهى قضية تمويل الحرب فى أوكرانيا، وفى هذا الشأن ينقسم الجمهوريون حول ما إذا كان ينبغى الاستمرار فى توفير الأسلحة وغيرها من أشكال المساعدات العسكرية لأوكرانيا وإلى متى، وسبق وصرح “مكارثى” أنه يدعم أوكرانيا، ولكنه يرفض تقديم “شيكات على بياض”، فالأمريكيون يعانون من الركود أثر صعود المساعدات العسكرية والانسانية لاوكرانيا والتى تقدر بحوالى 100 مليار دولار، واليوم يلاحظ أن هناك معاناة عسكرية أمريكية بسبب تاثر المخزون الأمريكى الذى استنزف كثيرًا بالعمليات العسكرية فى أوكرانيا بسبب تقديم الدعم العسكرى لها، حيث قامت “واشنطن” باعادة شراء أسلحة قامت ببيعها سابقًا لكوريا الجنوبية لتعيد إرسالها إلى أوكرانيا.
وقال رئيس الأركان الأمريكى الجنرال “مارك ميلى” إنه ينبغى على واشنطن أن تبدأ فى محاولة إيجاد منافذ دبلوماسية لإنهاء الحوار العسكرى بين أوكرانيا وروسيا، فيبدو أن هناك معاناة عسكرية فى تقديم الدعم اللامنتاهى الذى تسعى إدارة بايدن دائما إليه، وفى هذا الشأن يتلاعب الجمهوريون بمشاعر الأمريكيين ويثرونها ضد بايدن .
ومع توقع صندوق النقد الدولى بركود اقتصادى كبير فى 2023 وارتفاع تكلفة المعيشة كان من السهل جدًا اقناع الأمريكيين ان الادارة الامريكية الحالية هى السبب الأول فى هذه المعاناة، مما يوثر سلبًا على مستقبل بايدن والحضور الديمقراطى وخاصة أنه أعلن نيته لخوض الانتخابات الرئاسية ولكنه لم يعلنها بصورة رسمية ويوثر على حضور الديمقراطيون فى الفوز بالانتخابات المقبلة، ولكن قد يتغير وضع الاقتصاد ويكون فى حالة أفضل ووضع جيد وينمو بقدوم موعد السباق الرئاسى 2024 ويكون بايدن فى وضع جيد، فقد توقع صندوق النقد الدولى خلال الشهر الجارى أن ينمو الاقتصاد العالمى هذا العام بنسبة 2,8 بالمئة، بانخفاض طفيف عن تقديراته السابقة فى كانون الثاني/يناير (-0,1 نقطة مئوية)، ورفع الصندوق توقعاته بالنسبة للولايات المتحدة خلال العامين 2023 و2024، مقدّراً أن يشهد اقتصادها نمواً بنسبة 1,6 بالمئة فى 2023 بزيادة 0,2 نقطة عن تقديراته السابقة، و1,1 بالمئة فى 2024 (+0,1 نقطة).
فهناك استعداد كبير داخل الحزب الديمقراطى لخوض السباق الرئاسى أمام ترامب، بدخول مرشح صغير السن من حزب الأخير وهو حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس “45 عاما”، الذى سيظهر تنافسه مع بايدن البالغ 80 عامًا، كما يهدف اليمين المتطرف لمعارضة خطط الإدارة الديمقراطية فى رفع سقف الدين وربطها بإجراءات مقابلة لتخفيض النفقات الحكومية وخفض رواتب المسؤولين الفيدراليين، ولذا يستخدم “مكارثى” ورقه التهديد بالتخلف عن سداد الدين على مائدة التفاوض للضغط على بايدن فى هذ الشأن، فقد لا يتمكن بايدن والديمقراطيون من تمرير مشاريع كبرى جديدة ولكن بسيطرة الديمقراطيون على مجلس الشيوخ لن يتمكن خصومهم من القيام بذلك أيضًا.
واستكمالًا للمشهدية، فتنحصر قدرة الجمهورين فى التعطيل أو حجب تمرير مشاريع أجندة بايدن فهم لا يملكون سوى غرفة مجلس النواب، بينما الديمقراطيون يملكون صلاحيات الرئيس إلى جانب مجلس النواب، وهذا يعنى أن الإطاحة ببايدن أو محاولة خلعه متعثرة لأنها تحتاج إلى غرفتى الكونجرس ولكن المجال الوحيد الذى سيتمكن منه الجمهوريون هو عرقلة بايدن إلى حد كبير فى موضوع الموازنة إلى جانب ملف رفع سقف الدين العام ولكن عدا هذا مازال “بايدن” لديه سيطرة واسعة خاصةً السياسة الخارجية وعادة يمكنه الحكم بمراسيم اشتراعية، إلى جانب امتلاكه الفيتو الرئاسى والذى استخدمه فعليا فى أواخر مارس الماضى لإبطال قرارًا مشحونًا سياسيًا أقره مجلس الشيوخ فى وقت سابق من ذات الشهر يلغى قاعدة تسمح لمديرى صناديق التقاعد بتقييم الجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة والتغير المناخى عند اتخاذ قراراتهم بشأن استثمار أموال الصناديق، وبرر بايدن للشعب الأمريكى استخدامه للفيتو، قائلا: “إن هذا القانون يعرض للخطر مدخرات تقاعدكم بجعل دراسة الأبعاد البيئية والاجتماعية والحوكمة فى القرار الاستثمارى غير قانونية، لأن الأعضاء الجمهوريين فى مجلس النواب لا يحبون هذه الأبعاد”، ولكى يتجاوز الجمهوريون الفيتو الرئاسى يجب الحصول على تأييد أغلبية ثلثى أعضاء الكونجرس.
والنتيجة النهائية تشير إلى أن مسألة عزل “بايدن” أصبحت صعبة للغاية أمام الجمهوريون، ولكنه من الممكن أن تحدث مناورات سياسية عدة بتقديم الجمهوريون مطالبات لبايدن كنوع من انواع المبادلات السياسية للتنازل عن عدة نفقات فى الميزانية.
فقد تكون هناك مساحة للتفاوض على تغييرات فى الموازنات المستقبلية، وأشار “مكارثى” إلى أنه أبلغ بايدن بأنه ضد التخلف عن سداد الدين الحالى لكنه يريد بأن يتم خفض الإنفاق المستقبلى، نظرًا إلى أن “مسارنا الحالى غير قابل للاستدامة”، فى انتظار الوصول إلى طاولة المفاوضات ولكن بايدن لا يعتقد أنه أمر مهم، واتهم بايدن بأنه يعرض الأسواق المالية الأمريكية للخطر من خلال تأخير المفاوضات مع الكونجرس بشأن رفع سقف الديون، مضيفا أن “الاقتصاد الأمريكى أهم من أن نلعب معه”.
وحتى إن كان “مكارثى” يسعى لإبداء المرونة، فإن سلطته فى الكونغرس تعتمد بالكامل تقريبًا على رغبات مجموعة يمينية متشددة من الجمهوريين الذين سيفضلون التحدى على الأرجح بغض النظر عن التداعيات المالية العالمية، وفى المقابل أوضح بايدن أنه يريد أن يكشف خداع “مكارثي” عبر الإصرار على أن يحدد الجمهوريون بشكل دقيق المجالات التى يمكن أن يتم خفض تمويلها، ويراهن على بروز الانقسامات الداخلية إلى السطح فى ظل مطالبة الجمهوريين الأكثر يمينية بخفض الإنفاق على برامج تحظى بشعبية.
فالاستقطاب ليس بين الحزبين فقط ولكن الاستقطاب داخل الحزب الجمهورى أيضًا، والذى ظهر جليًا فى عملية انتخاب زعيم لهم، والتى عرقلتها الانفسامات العميقة داخل الحزب، مما يضعف موقفهم بالمجلس.