انفراجة في العلاقات “السعودية – الإيرانية”: عودة العلاقات من حالة التوتر إلى التعاون الإقليمي

إعداد: شيماء ماهر

تعتبر إيران والمملكة العربية السعودية من أهم وأبرز القوى الفاعلة في منطقة الخليج العربي، ولكنهما يختلفان في معظم الملفات الإقليمية، وربما يؤدي التقارب بينهما في إحداث تغييرات إقليمية، وعلى الرغم من هذا الخلاف، شهدت العلاقات “السعودية – الإيرانية” انفراجةً جديدةً، على أثر اتفاقٍ تاريخيٍّ برعايةٍ صينيةٍ، في مارس الماضي، وبموجبه تم إنهاء حالة التوتر والقطيعة بين البلديْن إلى حالة تهدئة تؤسس لتوسيع مجالات التعاون، والعمل لبناء الثقة على أساس المصالح المشتركة في منطقة الشرق الأوسط.

لقاء تاريخي لولي عهد المملكة العربية السعودية مع وزير الخارجية الإيراني

على هامش اجتماع وزير الخارجية السعودي، مع نظيره الإيراني، استقبل ولي عهد المملكة العربية السعودية، الأمير محمد بن سلمان، الجمعة 18 أغسطس 2023م، وزير الخارجية الإيراني، حسين عبداللهيان، في لقاء دام لمدة تسعين دقيقة في مدينة جدة، وناقش الطرفان العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، والفرص المستقبلية للتعاون بين البلديْن وتطويرها، بالإضافة إلى تناول تطورات الأوضاع على الساحتيْن الإقليمية والدولية، والجهود المبذولة بشأن ذلك، وتكْمُنُ أهمية هذا اللقاء، في كونه أول لقاء لولي العهد السعودي مع مسؤولين إيرانيين، منذ استئناف العلاقات بين الخصميْن الإقليمييْن، في مارس الماضي.

استئناف العلاقات “السعودية – الإيرانية” بعد انقطاع دام لسنوات

التقى وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، الخميس 17 أغسطس 2023م، بوزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، في مقر الخارجية بالرياض، في أول زيارة له للمملكة العربية السعودية، بعد مرور عدة سنوات من العداء بين البلديْن، وعقدت جلسة ثنائية بين الطرفيْن، وتم التطرُّق فيها لبعض الملفات، من أهمها؛ المصالحة وعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلديْن، وتأتي أهمية هذه الزيارة في كونها الأولى من نوعها، بعد اتفاق عودة العلاقات “السعودية – الإيرانية” إلى طبيعتها، بعد انقطاعٍ استمر لمدة سبع سنوات من العداء بين البلديْن.

وتكْمُنُ أهمية هذه الزيارة في الوقت الراهن، في سعي كُلٍّ من المملكة العربية السعودية وإيران إلى تهدئة التوترات بين البلديْن، التي شابت علاقتهما في السنوات الماضية، في ظل وجود العديد من التحديات التي تقف حائلًا أمام تحوُّل العلاقات بين البلديْن إلى مستوى الشراكة، لا سيما فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني وحرب المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين في اليمن، والأمن عبر الممرات المائية في المنطقة.

والجدير بالذكر، أن المملكة العربية السعودية قطعت علاقاتها مع إيران ذات الغالبية الشيعية، في عام 2016م، بعد قيام متظاهرين بشنِّ هجوم على سفارتها وقنصليتها في طهران؛ احتجاجًا على قيام الرياض بإعدام رجل الدين الشيعي السعودي، نمر النمر، وأعقب الإعدام هجوم شنَّه إيرانيون على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران؛ ما نتج عن ذلك قطْع العلاقات الدبلوماسية بين البلديْن، وتوتر الخطاب السياسي والإعلامي بين الجانبيْن، وعلى الرغم من ذلك، اتفق البلدان على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيْهما، بعد اتفاقٍ تمَّ التوصُّل  إليه برعايةٍ صينيةٍ، في مارس الماضي، وأعقب هذا الاتفاق إعلان إيران في يونيو الماضي، فتح سفارتها في الرياض، وبعثة منظمة التعاون الإسلامي في مدينة جدة.

أبرز مخرجات اجتماع وزير الخارجية الإيراني ونظيره السعودي

تطرَّقَ الوزيران خلال هذا الاجتماع إلى العديد من القضايا المشتركة، منها؛ تطورات الملف النووي الإيراني، والاتفاق من أجل إحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي تم إبرامه في عام 2015م، بالإضافة إلى تناول التوترات التي تشهدها المنطقة، المتمثلة في الأزمات في “سوريا، واليمن، ولبنان، والعراق”، والتعاون في مختلف المجالات، مثل “التجارة، والطاقة، والثقافة، والرياضة”.

وفي السياق ذاته، اتفق الوزيران على عقد لقاء ثنائي بينهما قريبًا؛ لبحث كيفية إعادة فتح السفارات والقنصليات بين السعودية وإيران، بالإضافة إلى العمل على تشكيل لجنة مشتركة، يتم من خلالها متابعة تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصُّل إليها في بكين، وقد حرصت المملكة العربية السعودية على بحث سُبُل تفعيل الاتفاقيات المتعلقة بالجوانب الأمنية، والتشاور والتنسيق مع إيران.

وتم التأكيد على أهمية تحسين العلاقات بين البلديْن على أساس من احترام المصالح المشتركة، وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة، ومن المتوقع أن يتبع هذا الاجتماع عدة اجتماعات على مستوى قادة الدولتيْن؛ من أجل بحث سبل تعزيز التعاون والثقة والتفاهم بين الجانبين، بجانب حرص وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، على أهمية الوحدة والتعاون والحوار بين البلديْن.

تداعيات التقارب “السعودي – الإيراني” على الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط

كان للمصالحة “الإيرانية – السعودية” تأثيرٌ كبيرٌ على تغيُّر المشهد الدبلوماسي في منطقة الشرق الأوسط، فقد أعادت المملكة العربية السعودية علاقاتها مع دمشق، بعدما استأنفت نشاطها الكامل في جامعة الدول العربية، على الجانب الآخر، قامت إيران بتعزيز علاقاتها مع دول عربية أخرى؛ من أجل الحدِّ من عُزْلتها وتقوية اقتصادها، وقد يساهم خفْض التوتر بين جدة وطهران في الانخراط في آليات التعاون الإقليمي؛ ما يؤدي إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

ومن المحتمل أن تلعب المصالحة “السعودية – الإيرانية” دورًا إيجابيًّا؛ من أجل تهدئة التوترات، والسعي لإيجاد حلولٍ لأزمات المنطقة، مثل “لبنان، والعراق”، والتحرُّك من أجل إيجاد تسويات سياسية لبُؤَر الصراعات النشطة، التي تدعم فيها الدولتان الأطراف المتعارضة بالحوار والوسائل الدبلوماسية كاليمن وسوريا.

وقد يساهم التقارب “السعودي – الإيراني” في تأمين الممرات الملاحية؛ إذ إن تأمين خطوط الإمداد ومنْع الميليشيات المسلحة من استهداف مواقع النفط في ساحل الخليج العربي ليس مجرد مصدر قلق للمملكة العربية السعودية وجيرانها، وإنما مصدر قلق كبير للأسواق العالمية.

كما أن نجاح المصالحة بين الخصميْن الكبيريْن في منطقة الشرق الأوسط، يدفع بعض الدول الأخرى، مثل “البحرين”، باستئناف علاقاتها مع طهران؛ إذ إن البحرين الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي ليس لديها أيّ علاقات مع طهران، وبالفعل أخذت البحرين تخطو خطوات دبلوماسية نحو استئناف علاقاتها مع إيران، فقد استقبل رئيس مجلس النواب البحريني وفدًا برلمانيًّا إيرانيًّا، برئاسة رئيس مجلس الشورى، مجبتي رزاخة، ودعا إلى توسيع العلاقات بين البلديْن على مختلف المستويات الحكومية والبرلمانية، وهذا التقارب الإقليمي مع إيران يساعد على التقليل من حدة التوترات والنزاعات في المنطقة، وتسوية القضايا الإقليمية المشتعلة.

تأثير الاتفاق “السعودي – الإيراني” على علاقة إيران بحزب الله والحوثيين وسوريا

تضمن الاتفاق “السعودي – الإيراني” محادثات بشأن اليمن؛ إذ نصَّ الاتفاق على وقف إطلاق النار، ورفع الحصار المفروض على الشعب اليمني، وبموجب الاتفاق، وافقت إيران على وقْف تمويل الأسلحة للحوثيين، وحتى الآن لا يوجد تطور ايجابي في مواقف الحوثي باليمن؛ نتيجةً للتقارب “السعودي – الإيراني”، وظل الوضع كما هو عليه في اليمن، فبعد أيام قليلة من توقيع الاتفاق “السعودي – الإيراني”، أطلق الحوثيون طائرةً مسيرةً إلى الجنوب؛ لاغتيال وزير دفاع حكومة عدن، محسن الداعري، ويشُنُّ الحوثيون حربًا اقتصادية ضد حلفاء المملكة العربية السعودية، وجمَّدُوا جميع الحسابات المصرفية المُدارة في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.

بالنظر إلى تأثير التقارُب “السعودي – الإيراني” على لبنان، لا يزال تأثير هذا التقارب بين الرياض وطهران غير واضح على حزب الله اللبناني الموالي لإيران، وتموضعه في التركيبة الإقليمية الجديدة؛ إذ زاد نشاط حزب الله خلال فترة التوترات “الإيرانية – السعودية”، وما نتج عنها من عدم استقرار سياسي في لبنان؛ ليصبح الفاعل السياسي الأكثر هيمنة في البلاد، ومن المرجح عدم استخدام الحزب لبنان كمنطلقٍ لتهديد المملكة العربية السعودية.

في الوقت الحالي، لا يبدو أن بيروت على رأس قائمة أولويات الرياض أو طهران، وربما قد يساعد الاتفاق بين إيران والسعودية – بمرور الوقت- في تخفيف بعض الأعباء عن لبنان، وقد كان من المتوقع، أن تثمر نتائج الاتفاق “السعودي – الإيراني” على لبنان، في الدفع نحو المصالحة السياسية ومعالجة الانقسام السياسي، ووضْع حدٍّ لأزمة الانهيار المالي في لبنان، ولكن في نفس الوقت، لم يصدر أي تحرك بشأن ذلك.

وقد رحَّب النظام السوري بالاتفاق بين السعودية وإيران، والذي ساعد على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وعودة العلاقات مع المملكة العربية السعودية ومعظم الدول العربية، واتفقت الرياض مع المملكة العربية السعودية على معاودة فتْح سفارتيْهما، بعد قطْع العلاقات الدبلوماسية منذ أكثر من عقْد؛ ليصبح هذا هو التطور الأهم في تحركات الدول العربية لتطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد.

وهناك حالة من التجميد لواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا، ومن المرجح أن الميليشيات الإيرانية لن تخفض وجودها في سوريا، وسيكون – بالتالي- الاعتماد الرئيس على إمكانية الحضور العربي بالتنسيق وبضمانة من روسيا؛ لتخفيف الوجود الإيراني، في ظل حرص إيران على بناء علاقات قوية مع دول المنطقة العربية.

ختامًا

تمثل زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى المملكة العربية السعودية نقطة تحوُّلٍ مفصليةٍ في العلاقات “السعودية – الإيرانية” والعلاقات الإيرانية مع دول منطقة الخليج العربي بشكلٍ عامٍ، ومن المحتمل أن تفتح الطريق لمناقشة مشروع مجلس الحوار والتعاون الإقليمي؛ إذ تسعى إيران لتشكيل هذا المجلس من أجل توقيع العديد من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية المشتركة، وكذلك الاقتصادية والتنموية، وتشكيل قوة عسكرية مشتركة تتولَّى مهمة أمن المنطقة؛ للتخلِّي عن أي قوات أجنبية في المنطقة كالقوات الأمريكية أو القوات التابعة لحلف الناتو.

ولا شكَّ بأن التطورات التي حدثت على المستوى الإقليمي، بدايةً من اتفاق بكين بين الرياض وطهران، والمتغيرات التي ترتبت عليه، أدَّت إلى إنهاء عقود من التوتر وتراكم الأزمات، سوف تكون قادرة على تأسيس مرحلة جديدة تنقل المنطقة إلى مستويات من التعاون والشراكة الاقتصادية والتجارية، وبالتالي تفعيل الاتفاق الدبلوماسي، والبحث عن حلولٍ سياسيةٍ للأزمات التي تتعرض لها المنطقة، كالأزمة السورية واليمنية.

كلمات مفتاحية