بعد الإفراج عن زعيمى المعارضة.. كيف تبدو آفاق المشهد السياسى فى السنغال؟

إعداد: دينا لملوم

باحثة فى الشؤون الأفريقية

ثمة انفراجة فى ملامح المشهد السياسى فى السنغال بعد الخطوات الجادة التى تم اتخاذها لإجراء الانتخابات الرئاسية التى سبق وتم إرجاؤها، فقد انطلقت الحملات الانتخابية على خلفية قرار الرئيس “ماكى سال” الذى أعد يوم 24 مارس الحالى موعدًا لعقد الماراثون الانتخابى، كما قام بحل الحكومة، وامتثالًا لحق بلاده فى التهدئة السياسية وامتصاص حالة الامتعاض العام تم الإفراج عن المعارض “عثمان سونكو” ونظيره “باسيرو فاي” والمرشح للانتخابات الرئاسية، فى ظل تحديات قائمة ستضع الرئيس القادم أمام اختبار حقيقى يستوجب عليه النظر فى مصالح شعبه والحفاظ على مقدرات بلاده.

تحديد موعد الانتخابات الرئاسية:

على هامش  اجتماع لمجلس الوزراء السنغالى فى السادس من مارس الجارى أعلن الرئيس “ماكى سال” تحديد موعد الانتخابات الرئاسية التى سبق تأجيلها لأجل غير مسمى لتكون يوم 24 مارس الجارى، إضافة إلى قراره بحل الحكومة وتعيين “صديقى كابا” رئيسًا جديدًا للوزراء؛ ليحل محل “أمادو با” المرشح للانتخابات الرئاسية، وقد تلى هذه الخطوة إعلان المجلس الدستورى فى السنغال 31 مارس موعدًا للسباق الانتخابى فى تحرك جعل هناك حالة من الالتباس بعد قرار رئيس البلاد، ولكن سرعان ما تراجع المجلس، حتى أصبح 24 مارس هو موعد الاقتراع المرتقب، ويأتى ذلك بعد حالة من الاضطرابات والتوترات التى سادت البلاد على خلفية تأجيل الانتخابات من قبل “سال” والتى كان من المزمع عقدها 25 فبراير الماضى، وما إن تعثر ذلك حتى شهدت “داكار” حالة من الفوضى والاحتجاجات الرافضة لهذا القرار.

قائمة مرشحى الرئاسة السنغالية:

تشتمل قائمة مرشحى الرئاسة على 19 مرشحًا أبرزهم، مرشّح المعسكر الرئاسى رئيس الوزراء “أمادو با”، ورئيسى الحكومة السابقين والمعارضين “إدريسا سيك” و”محمد بن عبد الله ديون”، إضافة إلى رئيس بلدية داكار السابق “خليفة سال”، و”باسيرو  فاي” المقدّم على أنه المرشّح البديل عن “عثمان سونكو”، وقد تم استبعاد “كريم واد” ابن الرئيس السابق “عبد الله واد”؛ نظرًا لحمله جنسية مزدوجة سنغالية وأخرى فرنسية.

إطلاق سراح زعيمى المعارضة:

أقدمت السلطات السنغالية 14 مارس 2024 على إطلاق سراح المعارض “عثمان سونكو” ونظيره “باسيرو فاي” المرشح للانتخابات، وهو ما أعقبه ردة فعل من قبل الآلاف من أنصارهما الذين خرجوا إلى شوارع العاصمة داكار للاحتفال،  وفور انتشار خبر الإفراج عن القياديين خرج حشد من الناس باتجاه سجن “كاب مانويل” جنوب العاصمة لاستقبالهما، وقد تقدمت الوفود رافعة العلم السنغالى وتعالت الهتافات من قبل أنصار المعارض بعبارات “نحن نحب سونكو”، هذا الأخير هو زعيم المعارضة ورأس حربتها فى المواجهة مع السلطة منذ 2021 وقد ترشّح للانتخابات الرئاسية لكنّ المجلس الدستورى رفض ترشّحه، وبعد استبعاده من هذا الماراثون الانتخابى رشّح حزبه “باسيرو فاي” بدلًا منه، فى خطوة باركها “سونكو” عمدة مدينة زيغنشور، الذى تم زجه فى السجن نهاية يوليو الماضى، بتهم مختلفة بينها الدعوة إلى التمرد، كما تقدم وزير السياحة فى الحكومة السابقة بشكوى ضده بتهمة التشهير، أما “فاي”، فقد اعتقل منذ 14 أبريل 2023 بتهمة ازدراء المحكمة، والتشهير، والأفعال التى من شأنها المساس بالأمن العام، ويأتى الإفراج عن هذين المعارضين، بعدما صادق البرلمان السنغالى على مشروع قانون عفو عام قدمه الرئيس “سال”، يهدف إلى التهدئة السياسية والاجتماعية، من خلال الإفراج عن معتقلى الأحداث السياسية التى شهدتها البلاد بين فبراير 2021 وفبراير 2024.

تحديات قائمة:

سيكون على الرئيس المقبل الذى سيتولى مقاليد الحكم فى السنغال أن يتعامل مع بعض القضايا الشائكة التى تؤرق الداخل السنغالى على الرغم من حالة الاستقرار النسبى الذى يعيشه هذا البلد مقارنة بنطاقه الجغرافى  الذى يعج بالصراعات والانقلابات، ويمكن إجمال هذه التحديات على النحو التالى:

البطالة:

تعد البطالة قضية ملحة بين الشباب السنغالى ظلت الإدارات المتعاقبة تكافح للحد من هذه الآفة، إلا أن أعداد السكان ظلت فى نمو متزايد حتى ارتفعت نسبة الشباب خارج سوق العمل والتدريب والتعليم، كما أن التداعيات التى سببتها جائحة كورونا أدت إلى زيادة الضغط على سوق العمل، تلك العوامل ساعدت على بروز المعارضة واستحواذها على دعم الشباب، كما أن الحرب الروسية الأوكرانية من ضمن العوامل الخارجية التى سببت تصدعًا للوضع الاقتصادى وارتفاع تكلفة المعيشة فى بلد يعانى من معدلات كبيرة من الفقر، وقد تمخض عن هذه التعثرات تقليص شعبية الحكومة، وتتابع اتهامات السنغاليين بأن الحكومة فشلت فى إدارة الاقتصاد.

الهجرة غير الشرعية:

فى ظل الأوضاع الاقتصادية المذرية يظهر تحدٍ جديد يكمن فى الهجرة غير الشرعية، حيث يضطر الشباب إلى المخاطرة بحياتهم من أجل مستقبل أفضل يطمحون فى الوصول إليه فى الخارج، عبر قوارب خشبية تسير على مياه المحيط الأطلسى، منهم من يسلك طريق النجاة ومنهم من يفقد حياته.

النفط والغاز:

يأمل السنغاليون أن يساعد مخزون النفط والغاز على تعزيز اقتصاد البلاد، وتوظيف هذه الثروات الطبيعية لخلق فرص عمل بما يسهم فى نهاية المطاف إلى تحقيق الرخاء والازدهار، إلا أن الاحتجاجات التى شهدتها السنغال وإثارة حالة من القلق الدولى والإقليمى إزاء ذلك يثير التخوفات بشأن اكتشافات الغاز الهائلة فى “داكار “، والمزمع تصديرها خلال العام الجارى، وبالطبع فإن هذا المورد يكون أكثر جذبًا للمستثمر  الأجنبى الذى يعول على ديمومة الاستقرار السياسى الذى تميزت به “داكار” طيلة العقود الماضية.

آفاق المشهد السياسى فى السنغال:

بعدما بدأ مرشحو الرئاسة فى السنغال حملاتهم الانتخابية 9 مارس الحالى، يبدو أن “داكار” شرعت فى العبور من محنتها التى عصفت بالبلاد على مدار الفترة الماضية، وبناءً عليه فإن مسار هذه العملية يمكن بشكل كبير أن تستكمل طريقها نحو الديمقراطية التى عهدت عليها منذ سنوات طويلة، ويحتمل أن نرى المعارض “باسيرو فاي” أحد زعماء حزب باستيف متربعًا على عرش الرئاسة السنغالية، خاصة وأنه بذلك يحقق رغبة “سونكو” الذى استبعد من هذه العملية الانتخابية، علاوة على مدى الترحاب الشعبى بهذا الفصيل بعد إطلاق سراحهم من السجن، وقد لا يحالف الحظ “فاى”، ويؤول المقعد الرئاسى إلى “أمادو با” رئيس الحكومة السابق، وربما نرى مرشحًا آخر، الأمر عندئذ يتوقف على مدى النزاهة والشفافية التى ستمر بها العملية الانتخابية، وهل سيتم استكمالها أم ستشهد حلقة أخرى من التعثرات.

ختامًا:

إن مآلات الوضع الحالى فى الدولة السنغالية تظل رهينة التطبيق الجاد والحاسم لمبادئ الديمقراطية، بمعنى  استكمال مراحل الانتخابات بنزاهة وشفافية والسير على خطى الديمقراطية المعهودة بما يمكنها من اختيار مرشح يراعى الشواغل والمصالح الوطنية، وامتصاص حالة الغضب التى سادت الشوارع السنغالية خلال الفترة الماضية، مع مراعاة تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، واستنادًا إلى التاريخ الحافل بالاستقرار الذى تمتعت به “داكار” فإنه وبشكل كبير ستمر المرحلة الحالية بسلام، ولكن إذا حدثت أى مراوغات من قبل الرئيس “سال”، فإن النتائج حينذاك يمكن أن تعيد البلاد إلى مربع الصفر مرة أخرى.

كلمات مفتاحية