بعد الاتفاق النووى الروسى مع بيلاروسيا.. هل بات العالم على شفا حرب نووية قادمة؟

إعداد/ دينا لملوم

فى ظل التحركات الأخيرة التى باتت تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لنشر الأسلحة النووية، يكتم العالم أنفاسه مع احتمالية تقويض نظام التسلح النووى العالمى، والعودة إلى مربع الصفر مرة أخرى، حيث عودة سباق التسلح التقليدى والنووى، وتوجس العالم من احتمال نشوب حرب نووية بين موسكو وواشنطن، ستؤثر تداعياتها على العالم بشكل عام وأوروبا بشكل خاص، والتى أصبحت مسرحاً لتصفية الحسابات بين المعسكر الشرقى والغربى، وقد جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتحرك المياه الراكدة، حيث أعادت طرح أهمية المنظومات التقليدية المختلفة، وضرورة تطويرها، ومن ثم سعى العديد من الدول لمضاعفة الصناعات العسكرية، الأمر الذى قد يؤول إلى نهاية نظام الحد من التسلح.

اتفاق نشر الأسلحة النووية:

وقعت روسيا ٢٦ مايو الماضى اتفاقية لنشر الأسلحة النووية التكتيكية فى بيلاروسيا؛ وذلك من أجل إضفاء الرسمية على إجراءات نشر الأسلحة النووية إلى مينسك، وسيبقى لموسكو حرية التحكم فى هذه الأسلحة؛ وبناءاً عليه بدأت عملية الانتشار النووى تجوب الأراضى البيلاروسية ولأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتى تقوم موسكو بنقل رؤوسها النووية خارج أراضيها، ومن بين تلك الأسلحة، صواريخ جوية مزودة برؤوس نووية تحملها ١٠ طائرات تابعة لسلاح الجو البيلاروسى، فضلاً عن منصات منظومة “إسكندر” العملياتية التكتيكية التى تحمل صواريخ يمكن أن يصل مداها إلى ٢٥٠٠ كيلومتر، وجاءت هذه التحركات كخطوة استباقية تمكن موسكو من مواجهة التغييرات التى ربما تشهدها الفترة القادمة، وذلك بعد سحب مجموعة فاغنر من مدينة باخموت، وقد تواجه روسيا خطر خسارة الحرب أمام أوكرانيا فى ظل التحركات الأوكرانية لحصار باخموت، ثم الانطلاق نحو شبه جزيرة القرم، وإعادة القوات الروسية إلى ما خلف حدود عام ٢٠١٤؛ لذا فقد أراد بوتين التجهيز لحرب قادمة، وتثير هذه الخطوة مخاوف الغرب؛ نظراً لإمكانية استخدام روسيا سلاحها التكتيكى لضرب أى موقع فى أى دولة عضو فى الناتو، حال تعرض موسكو أو حليفتها مينسك لأى هجوم من قبل هذه الدول.

تدريبات عسكرية مشتركة:

قامت موسكو يناير الماضى بإجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع مينسك، وقد اشتملت هذه التدريبات على كافة المطارات ومناطق التدريب الخاصة بالقوات الجوية والدفاع الجوى فى بيلاروسيا، وسبق هذه العمليات إنشاء قوات إقليمية مشتركة مع روسيا أكتوبر الماضى، انضم إليها آلاف من الجنود الروس، إذن فقد شكلت هذه العوامل مجتمعة خطراً داهماً على كييف، خاصة فى ظل إثارة الشكوك حول اتخاذ ميسنك كنقطة انطلاق للعملية العسكرية الروسية الأوكرانية فبراير ٢٠٢٢، الأمر الذى زادت حدته بعد انتشار الأسلحة النووية الروسية على الأراضى البيلاروسية، فأصبحت حلقة الشد والجذب بين موسكو وكييف يتخللها نوعاً من الفعل ورد الفعل العنيف الذى لن تؤثر تداعياته على هاتين الدولتين فحسب، وإنما ستضع العالم أمام مأزق كبير، حيث العودة إلى سباق التسلح، واشعال فتيل حرب نووية تتصارع فيها القوى الكبرى على حساب العالم بأسره.

الترسانة النووية الروسية:

أصبحت روسيا- وريث الأسلحة النووية للاتحاد السوفيتى السابق- تمتلك أكبر ترسانة نووية فى العالم، فوفقاً لاتحاد العلماء الأميركيين، فإن بوتين سيطر على نحو 5977 من الرؤوس الحربية النووية عام ٢٠٢٢، وهناك 2889 في الاحتياط، ويتم نشر 1588 كرؤوس حربية إستراتيجية، وطبقاً لمؤسسة “بولتين أوف أتومك ساينتس” يجري نشر قرابة 812 من هذه الرؤوس على صواريخ باليستية أرضية، ونحو 576 من الصواريخ الباليستية تطلق من غواصات، وما يقرب من 200 فى قواعد قاذفات ثقيلة، ومازالت أعداد الرؤوس النووية الروسية فى تزايد، فبعض الاحصائيات أشارت إلى وصولها إلى ٧٥٠٠ رأساً نووياً.[1]

روسيا بعد الاتفاق النووى الروسى مع بيلاروسيا.. هل بات العالم على شفا حرب نووية قادمة؟

الترسانة النووية فى العالم.

مذكرة بودابست:

اثناء حقبة الاتحاد السوفيتى كانت أوكرانيا تمتلك ثالث أكبر ترسانة نووية فى العالم، حيث كانت تمتلك ما يقرب من ١٨٠٠ رأساً نووياً استراتيجياً، ولكن بعد انهيار الاتحاد وقعت كييف اتفاقية بودابست المتعلقة بنزع الأسلحة النووية عام ١٩٩٤، وبموجب هذا الاتفاق قامت أوكرانيا بنقل كافة أسلحتها إلى روسيا عام ١٩٩٦، إلا أن العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا جاءت لتضع البلاد فى مأزق كبير، وباتت الحكومة الأوكرانية مكتوفة الأيدى أمام القدرة النووية الروسية الهائلة، فى حين أن بلادها تخلت عن  ترسانتها النووية التى لو لم تقم بتسليمها لربما لم تجرؤ روسيا على شن حربها على كييف ولما آلت الأحداث لهذا الدمار الذى تمخض عن هذه الحرب، ولربما لم تتعاظم قوة موسكو إلى هذا الحد.

تفجير سد كاخوفكا:

فى ظل إعلان أوكرانيا مراراً وتكراراً عن تخطيطها للقيام بهجوم مضاد على القوات الروسية، نجد أن هذا المخطط قد يتم تجميده مؤقتاً؛ نظراً لقوة موسكو الردعية النووية فى الوقت الذى لا تمتلك فيه أوكرانيا أسلحة نووية حسبما أشارت التقارير، أيضاً تتسارع وتيرة الأحداث التى تشكل حجرة عثرة أمام تنفيذ كييف لخططها، فقد جاء تفجير سد كاخوفكا ليعيد ترتيب الأوراق ثانية وسط تبادل اتهامات بين موسكو وكييف عن تحمل مسئولية هذا الحادث، فمن المحتمل أن تكون روسيا وراء ذلك؛ رغبة فى تعطيل مخططات أوكرانيا للهجوم عليها، وربما تكون كييف هى الفاعل؛ لكى تجعل روسيا تنشغل بهذا الحادث عن عملية الانتشار النووى الذى باتت تجريه فى جارتها روسيا البيضاء، الأمر الذى أثار ذعر أوكرانيا؛ لاحتمالية اتخاذ موسكو لمينسك حديقة خلفية لضرب كييف منها، ومازالت الأحداث تتشابك وتتعقد، ولا يزال أمد الصراع الأوكرانى يزداد، فى وقت يصعب معه إيجاد مخرج لهذه المعضلة.

خطوات استباقية:

بالنظر إلى الاتفاق النووى الروسى البيلاروسى، والذى سبقه عدة خطوات ربما تشير إلى خطوات استباقية محسوبة من قبل الجانب الروسى، حيث تعليق معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية “ستارت” فبراير الماضى، وبعد مرور أسابيع على هذا التعليق أعلن بوتين عن انسحابه من معاهدة الأسلحة التقليدية فى أوروبا، مما يعنى أن كافة الوثائق التى تحكم آليات التعامل مع ملفات الأسلحة سواء التقليدية أو الاستراتيجية النووية باتت ملغاة؛ لتفسح المجال لبوتين لنشر الأسلحة بنوعيها، الأمر الذى يشير بانزلاق الوضع نحو مواجهات أكثر حدة، ويزيد من وتيرة سباق التسلح، فمن المرجح أن تقوم موسكو بتوسيع قاعدة الانتشار النووى، وهو ما سيقابله رد فعل مضاد من قبل واشنطن، ومن ثم اتساع هوة الخلاف بين المعسكر الشرقى والغربى، الأمر الذى سيصعب معه حلحلة الأزمة الأوكرانية.

رسائل ضمنية موجهة:

أرجأت موسكو تحركاتها لنشر الأسلحة النووية فى مينسك إلى محاولة الرد على التحركات المماثلة التى اتخذتها واشنطن فى أوروبا، حيث قامت بتخزين ١٠٠ سلاح نووي أمريكى فى ست قواعد عسكرية أمريكية فى خمس دول  أوروبية أعضاء فى حلف الناتو، (ألمانيا، وبلجيكا، وإيطاليا، وهولندا، وتركيا)[2]، فباتت سياسة الند بالند واضحة، ففى الوقت الذى تدعم فيه واشنطن حلفائها الأوروبيين تقوم موسكو باتخاذ خطوات مماثلة، ليصبح العالم أمام معضلة جديدة، تتمثل فى إحياء سباق التسلح من جديد.

أيضاً من بين الأهداف المعلنة لبوتين هى تقديم الدعم لجارة حليفة لموسكو، ونشر الأسلحة النووية فى روسيا البيضاء بناءاً على طلب رئيسها؛ بهدف حفظ الأمن لبيلاروسيا ومواجهة الضغوط الغربية التى تمارس عليها، حسبما صرّح.

تداعيات محتملة:

لن تتحمل روسيا وحدها عواقب القرار الذى اتخذته، بل ستنتقل عدواه إلى العالم بأسره، فمن المحتمل أن يؤدى إلى:

١-تصعيد نووى محتمل: يرجح أن تؤدى هذه الخطوات إلى ابتزاز الغرب واتخاذ إجراءات مضادة بتلك التحركات، فقد قامت الولايات المتحدة مارس الماضى بحجب بعض البيانات عن قوتها النووية عن روسيا؛ كنتيجة لتعليق الأخيرة مشاركتها فى معاهدة ستارت، ومن ثم فمن المتوقع أن تزداد حجم الترسانة النووية فى العالم وانهيار نظام الحد من التسلح، والعودة إلى حقبة ما قبل انهيار الاتحاد السوفيتى.

٢-تهديد الأمن الأوروبى: بالنظر إلى قرب بيلاروسيا من وسط أوروبا وأوكرانيا، نجد أن وضع أسلحة نووية فى مينسك يشكل تهديداً جسيماً لأمن أوروبا، وبالتالى يمكن أن يتم ضرب العمق الأوروبى حتى من خلال الصواريخ والطائرات قصيرة المدى، علاوة على ذلك يمكن لموسكو اتخاذ الأراضي البيلاروسية كنقطة انطلاق لضرب أوكرانيا، وبالتالى إطالة أمد الحرب التى قاربت على العام ونصف.

ختاماً:

يشير القرار الروسى بنشر الأسلحة النووية إلى توجيه رسائل ضمنية مفادها استعراض قوة موسكو النووية والتى تمكنها من ضرب أي أهداف فى أى منطقة عبر العالم،  ولكن فعلياً قد يكون من الصعب استخدام روسيا للسلاح النووى بشكل واضح وصريح؛ نظراً لما سيقابله من رد فعل مضاهى؛ لذا فقد تكتفى بالتلويح باستخدامه وردع أى تحركات مضادة لها، كما أن سعى موسكو بناء مواقع شرق روسيا تضم غواصات نووية روسية فى المحيط الهادئ، حمّل رسائل ترهيب موجهة لليابان التى تتخذ خطوات داعمة للغرب على حساب روسيا، وتقديم الدعم لأوكرانيا، إذن فالتحركات التى اتخذتها موسكو عملت على تحريك المياه الراكدة، وأعادت ترتيب المشهد من جديد، حيث تسارع وتيرة التسابق النووى المحموم، وانهيار عقيدة الحد من التسلح وسط تجميد واختراقات دائمة لمعاهدات الحد من انتشار الأسلحة؛ ليصبح العالم على أعتاب  حرب نووية محتملة، إذا تحولت قوة الردع إلى تهديد حقيقى وملموس عبر استخدام الأسلحة النووية، أيضاً لابد من ضرورة إعادة النظر فى المعاهدات التى تنظم سير الأسلحة النووية، مع حتمية الالتزام بها؛ لأن العواقب وخيمة لن يتحملها العالم، خاصة فى ظل التصعيدات المستمرة فى الخطاب النووى بين موسكو وواشنطن، والتى من المرجح أن تزداد حدتها الفترة القادمة، ومواصلة التنصل من الالتزامات التى تفرضها معاهدات الحد من انتشار الأسلحة النووية، أيضاً يحتمل أن تتفاقم الأزمة بين الصين والولايات المتحدة، فى ظل سعى الأولى لتعزيز علاقاتها مع نظيرتها روسيا، ناهيك عن الأزمة التايوانية والتى تشهد على إسرها بكين وواشنطن تدهور علاقاتى حاد تزداد وتيرته بشكل مستمر، ومن هنا نلاحظ أن العالم أصبح متعدد الأقطاب ينقسم على نفسه بين المعسكر الشرقى بقيادة روسيا والصين وحلفائها، والمعسكر الغربى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وبينهما حلقة من الدول النامية التى تعد الخاسر الأكبر فى هذه اللعبة، ومن هنا قد يكون الانفلات النووى أحد سمات النظام العالمى الجديد، إذا لم يتم ضبط عملية التسلح النووى التى كادت تصل إلى حافة الهاوية.

المصادر:

[1] https://cutt.us/OlPDQ

[2] https://cutt.us/otzna

كلمات مفتاحية