بعد المطالب العراقية بإنهاء الوجود الأمريكى: ماذا عن مستقبل العلاقات بين بغداد وواشنطن؟

إعداد: إسراء عادل

المقدمة:

تعيش منطقة الشرق الأوسط حلقة مفزعة من التوترات فى أعقاب العدوان الإسرائيلى على غزة، منذ أربعة أشهر، والتى امتدت أبعادها خارج حدود الأراضى الفلسطينية وأشعلت جبهات متعددة فى المنطقة، فالتطورات الأخيرة فى الشرق الأوسط وضعت العراق فى قلب التداعيات الإقليمية لهذا النزاع الدموى، حيث تتصاعد وتيرة الهجمات المتبادلة بين الجانب الأمريكى والفصائل المسلحة العراقية التى تستهدف قواعد أمريكية داخل العراق وخارجه، فى الوقت الذى تسعى فيه بغداد إلى جدولة انسحاب القوات الأمريكية من القواعد العسكرية داخل البلاد وإنهاء وجود التحالف الدولى.

فمنذ 18 أكتوبر 2023، تعرضت القواعد العسكرية الأمريكية فى العراق وسوريا لأكثر من 98 هجومًا بالصواريخ وبطائرات مسيرة من قبل مليشيات عراقية مسلحة مدعومة من إيران، وجاء ذلك ردًا على الدعم العسكرى والدبلوماسى الذى تقدمه واشنطن لإسرائيل فى حربها على غزة، وكان أبرز هذه الهجمات ضد القوات الأمريكية فى العراق، الهجوم على (قاعدة عين الأسد، وقاعدة حرير فى أربيل)، بينما فى سوريا كان أبرزها، الهجوم على (قاعدة حقل غاز كونيكو فى دير الزور، وقاعدة التنف، وقاعدة حقل العمر)، وآخرها الهجوم على “قاعدة البرج “22 شمال شرق الأردن.

الهجوم على قاعدة “البرج “22 فى الأردن: التطورات وردود الأفعال

شنت حركة “المقاومة الإسلامية فى العراق” هجومًا بطائرة مسيرة فى 28 يناير 2024 استهدف قاعدة أمريكية تُعرف بـ”البرج 22″ شمال شرقى الأردن، وهو موقع عسكرى صغير فى الأردن، يضم عددًا من القوات الأمريكية، ويقع بالقرب من قاعدة “التنف” الواقعة فى الجهة المقابلة داخل الحدود السورية، ويبعد حوالى 10 كيلومترات عن الحدود العراقية، وعلى مقربة أيضًا من مُخيم “الركبان” للاجئين السوريين، وأسفر الهجوم عن مقتل 3 أفراد من الجيش الأمريكى وإصابة 34 آخرين، وفى الوقت الذى نفت فيه إيران ضلوعها فى الهجوم، تبنته حركة “المقاومة الإسلامية فى العراق”، محذّرة من تصعيد وشيك إذا استمرت واشنطن فى دعم إسرائيل فى عدوانها على قطاع غزة، بينما أدان الرئيس الأمريكى جو بايدن الهجوم، مؤكدًا تورط ميليشيات مسلحة متطرفة مدعومة من إيران بالوقوف وراء هذا الهجوم، واعدًا بمحاسبة كل المسؤولين عن هذا الهجوم بالطريقة التى سيختارها، كما أكد وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن، أن الطائرة المُسيّرة التى نفذت الهجوم إيرانية الصُنع.

وتزامنت هذه الهجمات مع بدء فعاليات اللجنة العسكرية العليا (الأمريكية-العراقية) المعنية بمفاوضات إنهاء مهام التحالف الدولى والتى عقدت أولى جلساتها يوم 27 يناير 2024، بعد تقديم السفيرة الأمريكية “إلينا رومانسكى” إلى ووزير الخارجية العراقى “فؤاد حسين”، رسالة تفيد بموافقة واشنطن على بدء مسار المباحثات لإنهاء مهام التحالف الدولى بشكلها الحالى المتمثل فى التدريب والتسليح والمشورة والاستخبارات، واستبدالها بنمط محدد من العلاقات الثنائية يتم الاتفاق عليه من خلال المفاوضات.

وكان الرد الأمريكى بقيام قوات الولايات المتحدة فى الثالث من فبراير الجارى، بشن غارات جوية بكل من العراق وسوريا على أكثر من 85 هدفًا مرتبطًا بالحرس الثورى الإيرانى والفصائل التى تدعمها طهران، وأسفرت هذه الضربات عن مقتل 18 عنصرًا موالين لإيران، كما أعلنت الحكومة العراقية أن الهجمات الأمريكية أدت إلى مقتل 16 شخصًا من بينهم مدنيون، إضافة إلى 25 جريحًا، فضلًا عن وجود خسائر وأضرار بالمبانى السكنية وممتلكات المواطنين، كما أعلنت “كتائب حزب الله” مقتل القيادى البارز “أبو باقر الساعدى” بمسيرة أمريكية استهدفت سيارته فى منطقة المشتل شرق العاصمة بغداد، واتهمت واشنطن القيادى بالتورط فى التخطيط لهجمات ضد القوات الأمريكية بما فيها الهجوم الذى استهدف إحدى قواعدها بالأراضى الأردنية، كما استهدف هجوم آخر بطائرة مسيرة مخزنًا للعتاد العسكرى والصواريخ فى منطقة العبيدى شرقى مدينة بغداد.

وعليه فإن الهجمات الأمريكية الأخيرة كانت بمثابة خطوة تصعيدية خطيرة، بل ستتبعها خطوات جادة من واشنطن تتعلق بضرورة تقويض النفوذ الإيرانى وشّل نشاطه وتحركاته العدوانية، وفيما يبدو أن الإدارة الأمريكية لن تتجه إلى مواجهة مباشرة يترتب عليها اتساع نطاق الصراع فى المنطقة، ولكن ستنحصر خطواتها نحو إستراتيجية مفادها شل قدرة الميليشيات الولائية وتخفيض طاقتها بالدرجة التى تحول دون تكرار الاستهداف فى مناطق أخرى، لاسيما تلك القواعد الأقل تأمينا مثل “قاعدة البرج 22”.

من جانبهما، عبرت الحكومتان العراقية والسورية عن غضبهما، بسبب الهجمات الأمريكية، حيث أدانت الحكومة العراقية الضربات الأمريكية، واعتبرتها انتهاكًا للسيادة العراقية وتهديدًا يجر العراق إلى ما لا تُحمد عقباه، ونتائجه ستكون وخيمة على الأمن والاستقرار فى المنطقة، كما استدعت الخارجية العراقية القائم بأعمال السفارة الأمريكية ببغداد، لتسليمه مذكرة احتجاج رسمية بشأن بالاعتداء الأمريكى على مواقع عسكرية ومدنية فى منطقتى “عكاشات والقائم”، وأكدت أن الهجمات الأمريكية ستقوِّض فرص نجاح المفاوضات الجارية لتنظيم عمل قوات التحالف الدولى.

ومن طرفها، أدانت الخارجية السورية الهجوم الأمريكى على أراضيها، موضحة أنه اعتداء آخر على الأراضى السورية يُضاف إلى سجل انتهاكاتها بحق سيادة سوريا ووحدة أراضيها وسلامة شعبها، فضلًا عن اتهامها واشنطن بأنها المصدر الرئيسى لحالة عدم الاستقرار العالمى، وأن قواتها العسكرية تهدد الأمن والسلم الدوليين عبر اعتداءاتها المتكررة ضد الدول وشعوبها وسيادتها، وأن ما ارتكبته يُصب فى تأجيج الصراع بمنطقة الشرق الأوسط على نحو خطير للغاية.

إنهاء مهام التحالف الدولى فى العراق:

فى سياقات ردود الفعل على الهجمات الأمريكية، خرجت المطالبات العراقية بانسحاب القوات الأمريكية من العراق، وذلك فى ظل لحظة إقليمية فارقة يشهد فيها الشرق الأوسط مرحلة مضطربة، نتيجة لما فرضه العدوان الإسرائيلى على غزة من تأثيرات على العلاقات (العراقية – الأمريكية) مؤخرًا.

وكان رئيس الوزراء العراقى “محمد شياع السودانى” أعلن فى 5 يناير 2024 أن حكومته بصدد تشكيل لجنة ثنائية لجدولة انسحاب قوات التحالف الدولى المناهض لتنظيم “داعش” الإرهابى، من العراق بصورة نهائية، وبالفعل بدأت اللجنة العسكرية العليا المشتركة أعمالها فى 27 يناير، وتوقفت أعمال هذه اللجنة لفترة بفعل التطورات فى الشرق الأوسط، ثم عادت للاجتماع بناءً على طلب الحكومة العراقية وموافقة واشنطن، وجاء ذلك بالتزامن مع الاستهدافات والعمليات المتبادلة بين المليشيات العراقية والقوات الأمريكية، الأمر الذى وضع حكومة “السودانى” فى مأزق كبير يتلخص فى صعوبة الحفاظ على معادلة التوازن فى إدارة علاقات العراق بكل من الولايات المتحدة وإيران فى ظل التغيرات الإقليمية المتسارعة وموقف الدولتين منها.

الدوافع العراقية للمطالبة بالانسحاب الأمريكى:

وفى ضوء ما سبق تتحدد أبرز الدوافع العراقية للمطالبة بإنهاء مهام التحالف الدولى فيما يلى:

نجاح القوات العراقية فى تطويق نشاط داعش، فقد حققت قوات الأمن العراقية بالتعاون مع قوات التحالف الدولى نجاحًا فى تحرير كافة أراضيها من قبضة تنظيم داعش عام2017، واستمرت الجهود العراقية فى ملاحقة نشاط داعش وخلاياه مما أسهم فى تراجع مؤشرات الإرهاب، وأصبح العراق من أكثر الدول نجاحًا فى هزيمة الجماعات الإرهابية خلال عام 2023، وبناءً عليه صرح السودانى بأنه لم يعد هناك ضرورة لوجود التحالف الدولى المناهض لتنظيم داعش فى العراق، مؤكدًا ضرورة إنهاء مهمة التحالف الدولى لأمن واستقرار العراق.

التصعيد العسكرى المتبادل بين الميليشيات العراقية والقوات الأمريكية، فعلى الرغم من أن مطالبة العراق بانسحاب قوات التحالف الدولى ليست الأولى من نوعها، إلا أن الدعوات الأخيرة للمطالبة برحيل القوات الأمريكية تأتى فى سياق إقليمى مغاير عن سابقتها، إذ تأتى فى إطار تصاعد الاشتباكات العسكرية بين وكلاء إيران والقوات الأمريكية على خلفية الحرب فى غزة، وسط تخوفات دولية من أن تتحول الحرب إلى صراع إقليمى يمتد فى الشرق الأوسط، ففى ظل الضغوط الداخلية التى تتعرض لها الحكومة العراقية لإجلاء قوات التحالف الدولى، وعجزها عن خفض حالة التصعيد الجارى، فإنها لا تتمكن من منع هذه الفصائل من هجماتها المتكررة لاستهداف القواعد الأمريكية العسكرية فى سوريا والعراق، ردًا على استمرار دعم واشنطن لإسرائيل فى الحرب على غزة، كما لا تستطيع الحكومة العراقية أيضًا منع واشنطن من الرد على تلك الهجمات.

معارضة الوجود الأمريكى فى الداخل العراقى، حيث تسود العراق حالة من الجدل المتصاعد حول الوجود العسكرى الأمريكى فى البلاد منذ عام 2017، وتنامى معارضة هذا الوجود من قبل الأحزاب السياسية والمليشيات الشيعية الموالية لإيران، ودعواتهم المتكررة للمطالبة بإجلاء القوات الأمريكية من العراق، لا سيما بعد مقتل قائد الحرس الثورى الإيرانى “قاسم سليمانى”، والقائدين البارزين “أبو مهدى المهندس، وأبو باقر الساعدى” على يد القوات الأمريكية، كما طالب رئيس البرلمان العراقى الحكومة العراقية بتطبيق القرار التشريعى رقم (18) لسنة 2020 الصادر عن مجلس النواب، والقاضى بإخراج قوات التحالف الدولى من الأراضى العراقية، وقد بلغت مطالبة البرلمان ذروتها حيث أعلن عدد من أعضاء مجلس النواب العراقى عن جمع ما يقرب من 100توقيع لتشريع قانون ملزم لإخراج القوات الأجنبية من العراق، لما باتت تشكله من تهديد على السلم والأمن فى البلاد.

التداعيات المحتملة للانسحاب الأمريكى من العراق:

فى ظل الضغوط التى تتعرض لها العراق لإنهاء مهام قوات التحالف الدولى، تتصاعد المخاوف بشأن التداعيات الأمنية المُحتملة لهذه الخطوة، ويمكن استعراض أبرز هذه التداعيات فيما يلى

عودة نشاط داعش: ربما ينتج عن خروج قوات التحالف الدولى من العراق حالة من الفراغ الأمنى يتم استغلاله من قبل التنظيمات الإرهابية، ولا سيما تنظيم داعش، الذى ما زال يسيطر على مساحات للحركة والمناورة وخاصة فى العراق، مما يتيح فرصة لتعزيز نشاطه وحرية حركته وتوسع نفوذه مرة أخرى. وفى هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى تكرار سيناريو تمدد التنظيمات الإرهابية بعد الانسحاب الأمريكى من أفغانستان عام 2021، وما ترتب عليه من خلق فراغ أمنى نتج عنه صعود تنظيم داعش، وتهديده للسلم والأمن الإقليمى والدولى.

فقدان الدعم الاستخباراتى الأمريكى فى الحرب ضد داعش: فقد يؤدى الانسحاب الأمريكى من العراق إلى فقدان الجهود الاستخباراتية والمعلومات المتقدمة التى توفرها تلك القوات لدعم عمليات الجيش العراقى ضد تنظيم داعش، لاسيما الضربات الجوية التى ينفذها سلاح الجو ضد معاقل التنظيم بالمناطق الجبلية الوعرة. 

توتر العلاقات بين واشنطن وبغداد: فربما يتسبب خروج قوات التحالف الدولى من العراق إلى زيادة التوترات فى واشنطن بشأن هيمنة النفوذ الإيرانى على السلطات العراقية الحاكمة، فأغلب المليشيات التى تهاجم القوات الأمريكية موالية لإيران، الأمر الذى يجعل العراق يقترب فى مواقفه من السياسات الإيرانية المعادية للوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة.

تعرض الاقتصاد العراقى لأزمة حادة: فالضغط العراقى المُتكرر باتجاه خروج القوات الأمريكية بشكل إجبارى ودون صيغة مُرضية للطرفين ربما يدفع واشنطن إلى إيقاف المساعدات الأمنية والمالية لبغداد، فضلًا عن التلويح بفرض عقوبات اقتصادية واحتجاز المليارات من عائدات النفط العراقى التى تذهب إلى بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك، وفى هذا السياق، يمكن الإشارة إلى تداعيات تهديدات الرئيس الأمريكى السابق “دونالد ترامب” بفرض عقوبات كبيرة على العراق نتيجة لتصويت البرلمان العراقى عام 2020 على مغادرة القوات الأمريكية، لذلك من المحتمل دخول الحكومة العراقية فى أزمة اقتصادية كبيرة، إلى جانب المخاطر الأمنية المتمثلة فى تنظيم داعش.

إمكانية انسحاب القوات الأمريكية فى الوقت الراهن:

أثار إعلان الحكومة العراقية عن مساعيها لإنهاء مهام قوات التحالف الدولى المناهض لداعش، فى العراق جدلًا كبيرًا حول إمكانية تطبيقه فى الوقت الراهن، فسيناريو تطبيق خروج تلك القوات يُعد أمرًا صعبًا، كونه يخضع لحسابات مُعقدة ترتبط بالمصالح الإستراتيجية لواشنطن وحلفائها فى الشرق الأوسط، والتى تتجاوز مهام محاربة الإرهاب، وتمتد إلى ردع خصوم واشنطن الإقليميين والدوليين وتأمين مصالحها فى المنطقة، حيث يُعد العراق بالنسبة لواشنطن ساحة محورية لمواجهة نفوذ طهران وتقليص خطوط التعاون الإقليمى بين ميليشياتها، إلى جانب احتواء التهديدات الصينية والروسية الناشئة.

وبناءً على ما سبق، فإن مهام الانسحاب الأمريكى من العراق ربما تستغرق وقتًا طويلًا؛ نظرًا لترتيب الملفات الأمريكية المرتبطة بشبكة المصالح الضخمة فى العراق، والتى تبدأ بالمصالح الأمنية والعسكرية، وتنتهى بالمصالح الاقتصادية وأبرزها سياسات الربط المالى بالدولار الأمريكى لاسيما عوائد النفط العراقى.

مستقبل العلاقات (العراقية – الأمريكية):

شهدت العلاقات (الأمريكية – العراقية) تحولات كبيرة فى السنوات الأخيرة، ففى أعقاب الغزو الأمريكى للعراق عام 2003، كانت العلاقات متوترة للغاية، لكن بعد عام 2014 عندما سيطر تنظيم داعش على مساحات واسعة من العراق، ازداد التعاون بين البلدين فى مكافحة الإرهاب، وفى عام 2021 أعلن الرئيس الأمريكى “جو بايدن” انتهاء المهمة القتالية الأمريكية فى العراق لكن واشنطن ما زالت تحتفظ بوجود عسكرى محدود فى العراق، وتستمر فى تقديم الدعم للجيش العراقى فى مكافحة الإرهاب.

وفى الوقت الراهن قد تكون العلاقات بين واشنطن وبغداد على أعتاب مرحلة جديدة فى ظل التوترات بين القوات الأمريكية والميليشيات العراقية المدعومة من إيران، بالإضافة إلى مطالبة الحكومة العراقية بإنهاء الوجود الأمريكى فى العراق، ومن ثم يرتبط مستقبل العلاقات (العراقية – الأمريكية) بمحددين، الأول يتعلق بتأثير الدور الإيرانى على مستقبل العلاقات بين البلدين، والثانى يرتبط بطبيعة المتغيرات الإستراتيجية فى منطقة الشرق الأوسط فى ظل توازنات القوى الإقليمية والدولية الراهنة والمحتملة مستقبلًا، وفى ضوء ما سبق، فإن استشراف مستقبل العلاقات (العراقية-الأمريكية) يشير إلى تبلور السيناريوهين التاليين:

السيناريو الأول: تطور العلاقات (العراقية – الأمريكية) وتعاظم الدور الأمريكى فى العراق:

يفترض هذا السيناريو نجاح الحكومة العراقية فى الاستفادة من الدعم الأمريكى الممنوح لها فى تعزيز التعاون الاقتصادى مع واشنطن إلى جانب تشجيع التعاون الاقتصادى بين العراق والدول الإقليمية، لا سيما الأردن ودول الخليج العربى، وبالنسبة للتعاون الأمنى والذى يعد من أهم جوانب العلاقات (العراقية – الأمريكية) والمرتبطة بالوجود العسكرى الأمريكى فى العراق، فإن مؤشرات تحقق هذا السيناريو تفترض استمرار بقاء القوات الأمريكية لمرحلة قادمة من أجل توفير الدعم الأمنى والاستخبارى واللوجستى للقوات العراقية، لا سيما فى مرحلة ما بعد “داعش”، وبالتالى من المحتمل أن يتفق العراق والولايات المتحدة على تخفيض عدد القوات دون الاتفاق على سحبها بشكل كامل.

السيناريو الثانى: سيناريو تصدع العلاقات بين بغداد وواشنطن:

فانهيار العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق بشكل لا يمكن إصلاحه هو السيناريو الأكثر تطرفًا، فقطع العلاقات يُعد سيناريو يخسر فيه كلا البلدين، وقد لا يكون البقاء فى العراق بمثابة انتصار لواشنطن، لكن المغادرة أيضًا ستُحدث خسائر كبيرة من حيث المصالح والسلطة، فإذا انسحبت الولايات المتحدة، سرعان ما ستتولى الميليشيات المدعومة من إيران السيطرة على الدولة بالكامل، كما ستبرز الانشقاقات الداخلية، الأمر الذى قد يؤدى إلى نشوب العنف سواء داخل صفوف المقاومة أو ضد كردستان العراق، ولا شك أن هذه الفوضى ستشكل أرضًا خصبة لعودة تنظيم داعش، خاصة فى ظل غياب تبادل المعلومات الاستخبارية حول التنظيم بين بغداد وواشنطن.

خلاصة القول

إن العلاقة بين بغداد وواشنطن أخذت منحنى آخر غير الذى رسمته الوثيقة الإستراتيجية التى وقعها الطرفان بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق، فبعد عام من الاستقرار بدأت العلاقات (العراقية – الأمريكية) تتخذ منعطفًا نحو الأسوأ فى الشهرين الماضيين، خاصة بعد التصعيد غير المسبوق الذى ألقى بظلاله على المشهد السياسى العراقى بتأثير طوفان الأقصى وما يتعرض له الشعب الفلسطينى من إبادة على أيدى العدوان الصهيونى.

فالعلاقات (العراقية – الأمريكية) اقتربت كثيرًا من خارطة العلاقة فى عهد الرئيس الأمريكى السابق “ترامب” 2020، عندما رفضت بغداد التجاوز على سيادتها سواء من الجانب الأمريكى أو من أى طرف آخر، وأن العراق لن يكون ساحة لتصفية الحسابات بين القوى المتصارعة، وعلى الرغم من التصريحات القوية من حكومة العراق إلا أن رئيس الوزراء أرسل رسائل تهدئة إلى واشنطن من خلال الإشارة إلى أن إنهاء الوجود الأمريكى سيعنى بداية لعلاقة جديدة بينهما ستتسع مع حجم المصالح المتبادلة بين الطرفين فى مختلف المجالات وتفعيل “الاتفاقية الإستراتيجية” والانتقال إلى العلاقات الثنائية بين الجانبين، وعليه، فإن الحكومة العراقية حرصت على أن تكون من أشد المؤيدين للعمل بشكل وثيق مع الجهات الفاعلة دوليًا وتحديدًا الولايات المتحدة والتى تمثل الشريك الرئيسى للعراق الذى استطاع أن يكون لاعبًا إقليميًا بنّاء وعامل استقرار فى المنطقة.

كلمات مفتاحية