بعد تعليق الحركات الأزوادية التزاماتها باتفاق السلام في مالي .. ما هى السيناريوهات المحتملة؟

إعداد: ميار هانى

دخلت مالي مرحلة تصعيد جديدة بإعلان “تنسيقية حركات الأزواد” وغالبية المجموعات المسلحة بشمال مالي تعليق مشاركتها باتفاق السلام الموقع في الجزائر عام 2015، وسط اتهامات السلطات الانتقالية في باماكو بافتقارها للإرادة السياسية المطلوبة لتطبيق بنود اتفاق السلام والمصالحة، مشترطةً عقد اجتماع دولي على أرض محايدة لبحث مستقبل الاتفاق، وهو الأمر الذي يثير تخوفات عدة بشأن مستقبل هذا الاتفاق.

وتتشكل “تنسيقية حركات الأزواد” من تحالف للطوارق والقوميين العرب بشمال مالي، وقد خاضت الحركات الأزوادية صراعًا مسلحًا ضد الحكومة لسنوات عديدة، مطالبة بصلاحيات تقربها من الاستقلال بحكم الإقليم، في حين تصر الحكومة على وحدة البلاد، وانتهت تلك المعارك بتوقيع اتفاق السلام والمصالحة بوساطة جزائرية عام 2015، والذي نص على عدة نقاط رئيسية، أبرزها إعادة بناء الوحدة الوطنية لمالي على قواعد تحترم وحدة أراضيها، وتأخذ في الاعتبار تنوعها الإثنى، واستعادة السلام من خلال منح الحكم الذاتي لإقليم الأزواد، ودمج المقاتلين في ما يسمى بالجيش “المعاد تشكيله” تحت سلطة الدولة، ودعم اقتصاد الشمال؛ إلا أن التقدم لا يزال بطيئًا، فلم تتحقق اللامركزية، وأدى العنف المتواصل إلى عرقلة جهود نزع السلاح وتدمير الاقتصاد المحلي.

وبرر المجلس العسكري الحاكم في مالي عدم التزامه باتفاق الجزائر أن أولويته الحالية تتمثل في مكافحة الإرهاب في شمال البلاد، لاسيما تنظيمي القاعدة وداعش، فيما عزت تقديرات أخرى أن تجميد اتفاق الجزائر يرجع إلى رفض عناصر من النخبة الحاكمة الحالية في البلاد لفكرة توسيع الحكم الذاتي لإقليم الأزواد.

دلالة التوقيت:

أشارت تقديرات إلى أن إعادة الزخم لاتفاق الجزائر يعود إلى عدة أسباب منها:

  • التدهور المستمر للأوضاع الأمنية في المنطقة، وتحديدًا إقليم أزواد، والتى تفاقمت في أعقاب نهاية عملية برخان والانسحاب الفرنسي الكامل من البلاد، وقد انعكس ذلك في الزيادة الملحوظة بمعدلات القتل للمدنيين من أبناء الإقليم، والدمار الكامل للقرى بولايات «جاو وميناكا وتمبكتو»، والذي نتج عنه نزوح جماعي.
  • الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في إقليم أزواد من قبل عناصر من “الجيش الوطنى” و مرتزقة “فاغنر” الروسية.
  • المماطلة المستمرة في عدم فتح ملفات الاتفاق الرئيسية المتمثلة في البنود الأمنية والسياسية والاقتصادية، وذلك على الرغم من إجراء الوساطة الدولية بقيادة الجزائر لعدة مباحثات في الفترة الأخيرة من أجل التنفيذ، ولعل أبرزها اجتماع وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة”، بنظيره المالي “عبد الله ديوب”، مطلع سبتمبر من العام الماضي، وذلك على هامش اجتماعات الدورة الـ18 من اللجنة الاستراتيجية الثنائية الجزائرية – المالية.

ويقول ممثل الحركة الوطنية لتحرير أزواد في موريتانيا “السيد بن بيلا” بشأن توقيت الدعوة لاجتماع طارئ: “مرت 8 سنوات ولم ينفذ الاتفاق، مما يدعو لتحرك الوساطة الدولية، في ظل تصاعد هجمات الجماعات الإرهابية على مناطق الأزواد، وعدم قيام المجلس العسكري في باماكو بردعها، وكان لا بد من توجيه الرسالة”، مضيفًا: “بعد كل تفاوض، نفاجأ بالمجلس العسكري يضع عراقيل لتأجيل التنفيذ”.

سيناريوهات محتملة:

يثير التصعيد الأخير لحركة تحرير أزواد تخوفات عدة بشأن مستقبل اتفاق الجزائر، وذلك على النحو التالي:

  • قد نشهد تحركات جزائرية بدرجة أكبر لتجنب انهيار اتفاق السلام، خاصةً مع قلق الجزائر من تفاقم الأوضاع الأمنية على تخوم حدودها الجنوبية، فضلًا عن تلويح الحركات الأزوادية بضرورة بذل الجزائر المزيد من الجهود كونها قائدة الوساطة الدولية المرتبطة بأزمة الإقليم وإلا سيتم اتخاذ خيارات منها البحث عن وسيط آخر محايد؛ وعليه قد تسعى الجزائر لإعادة إحياء اتفاق السلام خلال الفترة المقبلة.
  • إمكانية حدوث انهيار لاتفاق الجزائر نتيجة لعدم وجود أي تقدم ملحوظ في تنفيذ بنوده منذ توقيعه قبل نحو 8 سنوات، إذ انتقدت الحركات الأزوادية بشدة البيان الأخير الصادر عن الوساطة الدولية في 15 ديسمبر، والذى تم من خلاله التشديد على أطراف جميع الصراع تجنب اتخاذ أي خطوات تصعيدية من شأنها تقويض جهود بناء الثقة، حيث اعتبرته بيان ضعيف لا يلبى مطالبهم.
  • قد يفتح التصعيد الأخير أبواب عودة المطالب الانفصالية في الدولة الإفريقية مرة أخرى، إذ لوحت الحركة بذلك، وجاء على لسان العضو المؤسس في الحركة الوطنية لتحرير أزواد “بكاى أغ أحمد” بشأن الخطوات المقبلة للحركات الأزوادية، إنه “مع استمرار عدم تنفيذ الاتفاق، قد تذهب الحركات الأزوادية للتصعيد بخيارات منها إعلان دولة مستقلة في الإقليم”؛ في حين رأت تقديرات أخرى أن التصعيد الأخير هدفه الضغط على المجلس العسكري في مالي لتنفيذ بنود اتفاق السلام.

وأخيرًا، يشكل إعادة إحياء اتفاق الجزائر للسلام أهمية قصوى لتجنب أسوء السيناريوهات المحتملة، كعودة المطالب الانفصالية إلي الواجهة مرة أخرى أو احتمالية حدوث مواجهات مسلحة بين حركات الأزواد والمجموعات المسلحة في شمال مالي والحكومة المركزية في باماكو، خاصة مع إدراك حركات الأزواد أن فرنسا لن تتدخل هذه المرة لدعم الحكومة المالية، إذ يوفر الاتفاق درجة من الاستقرار ويعد بمثابة الركيزة التي يمكن البناء عليها في أي توافقات لاحقة، وبالتالي يُجدر إيلاء اهتمام لعودة إحياء اتفاق السلام من خلال استئناف الحوار بين الحكومة المالية وحركات الأزواد والمجموعات المسلحة، وتجديد الالتزامات المبنثقة عنه، وتحديد آليات واضحة لتنفيذها.

كلمات مفتاحية