بعد تفشي ظاهرة الانقلابات العسكرية.. ما هي البؤر المرشحة للانقلاب في أفريقيا؟

إعداد: منة صلاح 

تعتبر القارة الأفريقية من أكثر قارات العالم عُرْضةً للانقلابات؛ إذ شهدت غرب ووسط أفريقيا خلال السنوات الثلاث الأخيرة ثمانية انقلابات عسكرية، وذلك بدايةً من مالي في عام 2020م، وصولًا إلى الإطاحة برئيس الجابون، علي بونجو، في 4 أغسطس 2023م، وذلك بعد إزاحة رئيس النيجر، محمد بازوم، في 26 يوليو، من العام نفسه، كما شهد عام 2021م، عددًا من الانقلابات في “مالي، وغينيا، وبوركينا فاسو، وغينيا بيساو”؛ ما قد يُعيق بناء الحكم الديمقراطي المدني، ويزيد ذلك من معاناة المواطنين، ولا تزال دول القارة الأفريقية مُعرَّضةً للانقلابات والعمليات الانتقالية غير الدستورية؛ نظرًا للفقر والفساد وضعف الأداء الاقتصادي.

أسباب تفشِّي ظاهرة الانقلابات في القارة الأفريقية

تحدث الانقلابات في الدول الأفريقية ذات معدلات النمو المنخفضة، والتي بها تنافس حول الموارد والسيطرة على السلطة، فضلًا عن أنشطة الجماعات الإرهابية؛ ما يجعل القارة عُرْضةً للانقلابات العسكرية، وسنتطرق إلى الأسباب والعوامل التي تساهم في تفشِّي ظاهرة الانقلابات في القارة الأفريقية على النحو التالي:

انعدام العدالة والديمقراطية: تعاني بعض الدول الأفريقية من تفشِّي الفساد في الطبقات الحاكمة، وانعدام العدالة في التنمية وفي توزيع السلطة؛ إذ تستغل الطبقات الحاكمة الثروات لتحقيق مصالحهم مع الدول الغربية، كما تفتقد تلك الدول إلى الديمقراطية، وهو أحد أهم أسباب اندلاع الانقلابات، فلم تحظَ الشعوب الأفريقية بأي مكاسب من تداول السلطة عن طريق الانتخابات؛ ما يصُبُّ في مصلحة فرنسا التي تتبع سياسة احتواء النُّخب الحاكمة الأفريقية لتحقيق مصالحها.

هشاشة وضعف المؤسسات: هناك ضعف عام في مؤسسات الدول الأفريقية ومؤشراتها السياسية، وليس لديها قدرة للسيطرة على كل أطراف الدولة؛ ما ساهم في انتشار الفقر والبطالة؛ ما يُعزِّز من احتمالية حدوث انقلابات أفريقية؛ نتيجة فشل المؤسسات السياسية في تحقيق التنمية.

وعلى الرغم من امتلاك الدول الأفريقية الثروات النفطية التي تُمكِّنُها من تحقيق التنمية، إلا أن الدول الأوروبية تستغل هذه الثروات، وأعظم شاهدٍ على ذلك؛ النيجر التي تمتلك ثروات طبيعية هائلة، ولكنها من أفقر الدول الأفريقية؛ نظرًا لأن أوروبا هي المستفيد الأكبر من تلك الثروات، كما تُصنف الجابون ضمن أغنى 5 دول في أفريقيا، ومن أوائل منتجي الذهب الأسود في أفريقيا جنوب الصحراء، إلا أنها تعاني من الفقر؛ بسبب نهب ثرواتها.

توتر العلاقات المدنية العسكرية: تعاني معظم الدول الأفريقية من توتر في العلاقات بين المدنيين والعسكريين، حول انتقال السلطة، فضلًا عن عدم احترام المواثيق الديمقراطية، وسعْي الرؤساء الأفارقة إلى تمديد فترات حكمهم؛ ما يؤدي إلى اندلاع الانقلابات من قِبَلِ العسكريين.

البيئة الأمنية المضطربة: تتسم البيئة الأمنية في معظم الدول الأفريقية بالفوضى والاضطرابات والعنف؛ نظرًا لوجود العديد من التنظيمات الإرهابية والجرائم المنظمة، فضلًا عن وجود تنافس دولي على تلك الدول بين “الولايات المتحدة، والغرب”، خاصةً فرنسا من ناحية و”روسيا، والصين” من ناحية أخرى.

القواسم المشتركة بين الانقلابات المندلعة في القارة الأفريقية

يعتبر القاسم المشترك بين كل الدول الأفريقية التي شهدت انقلابات، أنها كانت مستعمرات فرنسية سابقة، باستثناء السودان التي كانت مستعمرة بريطانية، وتعتبر فرنسا حاضرة بقوة في السياسة الداخلية الأفريقية، وعلى الرغم من وجود بعض القواسم المشتركة، المتمثلة في عدم قدرة الحكومات على توفير الخدمات الأساسية، وضعف المؤسسات، وتفشِّي الفساد، وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، إلا أن ظروف وآليات الانقلابات متباينة.

ويعتبر العامل الأمني من القواسم المشتركة بين كل انقلابات القارة الأفريقية؛ إذ إن هناك أزمة أمنية في دول وسط وغرب أفريقيا؛ بسبب التطرُّف الإسلامي؛ ما يؤدي إلى عجز الرؤساء عن توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، ما يخلق أرضًا خصبة للانقلابات العسكرية، وتمثَّلت القواسم المشتركة أيضًا، في رفْض المواطنين الهيمنة الغربية على النُّظُم الحاكمة، وتلاعب الرؤساء بالشروط الدستورية للبقاء لفترة أطول في السلطة.

الدول الأفريقية المهددة بالانقلابات العسكرية

هناك توقعات باستمرار الانقلابات العسكرية في القارة الأفريقية؛ للقضاء على أنظمة الحكم الفاسدة والمدعومة من الدول الأوروبية؛ ما يُضْفِي غموضًا حول مستقبل الوجود الفرنسي في المنطقة، خاصةً بعد طرد قواتها من “مالي، وبوركينا فاسو”، وسنتطرق إلى أبرز البُؤَر والدول المهددة والمُعرَّضة للانقلابات العسكرية على النحو التالي:

الكاميرون: تعتبر الكاميرون من أكثر الدول الأفريقية عُرْضة للانقلاب، ويعود ذلك إلى عدة دلالات، يتمثل أبرزها؛ في استمرار رئيسها في الحكم لعقود طويلة دون تحقيق الديمقراطية والعدالة والتنمية المنتظرة لدى المواطنين؛ لذا يقوم بتغييرات في الجيش لتجنُّب أي انقلابات ضده مستقبلًا، ولكن من المرجح أن تشهد الكاميرون انقلابًا، في ظل استمراره في الحكم، خاصةً مع عدم معرفة نيته للترشح لولاية جديدة في الانتخابات، المقرر عقْدُها في عام 2025م.

وتشير دلالات الأحداث الجارية في الكاميرون إلى احتمالية اندلاع انقلاب؛ إذ تتنامى مخاوف القيادة السياسية من وجود تحركات ضدها، خاصةً أن هناك جدلًا حول مسألة خلافة الرئيس الحالي، الذي تُعدُّ ولايته الرئاسية الحالية (2018-2025) هي الولاية السابعة والأخيرة له، إضافةً إلى ذلك، تعاني الكاميرون من الفقر والتضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية وما يتصل بذلك من حركات انفصالية؛ ما جعلها من أكثر الدول هشاشةً على الصعيد العالمي.

رواندا: قد تشهد رواندا انقلابًا عسكريًّا؛ نظرًا لإعلان رئيس رواندا، بول كاجامه، ترشحه لولاية رابعة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، المقرر عقْدُها في 2024م، والذي يحكم رواندا منذ عام 2000م، وخوفًا من سيناريو الجابون، قام بإعادة تشكيل المناصب العسكرية.

تشاد: كانت هناك محاولة انقلاب عسكري على نظام الحكم في تشاد، في بداية العام الجاري، ولكن تم اعتقال مُنفِّذيه، وخرجت حينها تظاهرات رافضة لمُخْرَجات الحوار الوطني، باعتباره سيطرةً للجيش على السلطة، وحدثت صدامات مع قوات الأمن؛ ما تسبب في وقوع قتلى ومصابين، ويقوم ائتلاف “وقت تما” بمظاهرات ضد حكم محمد إدريس ديبي، الذي يتلقى الدعم من باريس؛ ما يعتبره الشعب امتدادًا لاحتلالها السابق لها؛ لذا من المرجح أن تشهد تشاد أيضًا انقلابًا عسكريًّا.

السنغال: قد يحدث انقلاب في السنغال؛ نظرًا لما تشهده من توترات، قُرابة إجراء الانتخابات الرئاسية في عام 2024م، ولم يساهم إعلان الرئيس السنغالي عدم ترشحه لولاية رئاسية ثالثة في تهدئة التوتر السياسي؛ إذ إن هناك احتمالية لترشح المعارض السياسي، عثمان سونكو، للرئاسة؛ ما قد يدفع للعنف وعدم الاستقرار؛ إذ يتبني خطاب المواجهة والتحدي؛ ما يفقده فُرَص نجاح الحوار بينه وبين أجهزة الدولة.

ولم تشهد السنغال انقلابات عسكرية من قبل، ولكن حاليًا أصبحت تواجه أزمات سياسية متعددة؛ جرَّاء الخلاقات المتصاعدة بين السلطة والمعارضة؛ إذ إن هناك تظاهرات مستمرة من قِبَلِ المعارضة السنغالية، والتي كان آخرها؛ مسيرة زعيم المعارضة، عثمان سونكو، التي جرت في 28 مايو 2023م، وانتهت بتدخُّل الشرطة وحدوث الاشتباكات، ويقترن ذلك بقُرْب الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي ترتبط بتوتر العلاقات بين النظام الحاكم والمعارضة السياسية.

الكونغو برازافيل: هناك أنباء عن محاولة انقلاب عسكري في الكونغو برازافيل، في 17 سبتمبر 2023م، من قِبَلِ قائد الحرس الرئاسي، سيرج أوبوا، ضد الرئيس دينيس ساسو نغيسو، الذي يحكم البلاد منذ 26 عامًا؛ ما يشير إلى احتمالية حدوث انقلابات أُخرى، خاصةً في ظل ما تشهده القارة الأفريقية من انقلابات.

زيمبابوي: تعاني زيمبابوي من أزمات اقتصادية وأمنية وارتفاع معدلات التضخم، وأصبح بها أزمة بعد الانتخابات الرئاسية، وفوز رئيس زيمبابوي إيمرسون منانجاجوا، بولاية رئاسية ثانية، وإعلان المعارضة رفضها لنتائج الانتخابات، ما يثير مخاوف بشأن حدوث انقسام، ويُنْذِر بحدوث انقلاب أيضًا.

الإجراءات الاستباقية للحدِّ من تفشِّي ظاهرة الانقلابات الأفريقية

تحدث الانقلابات العسكرية في ظروف دينامية متغيرة، ولتجنُّبها في المستقبل، يجب أن يكون هناك تغيير جذري، ويجب على الدول الأفريقية معالجة أوجه القصور في الحكم، وقامت العديد من الدول بإجراءات استباقية لمنع تفشِّي ظاهرة الانقلابات، وسنتطرق إلى إجراءات بعض الدول الأفريقية على النحو التالي:

سيراليون: قامت سيراليون باعتقال مجموعةٍ كبيرةٍ من ضباط الجيش المتهمين بالتخطيط للانقلاب على النظام الحاكم، وتم إجراء توقيفات بمن اتُّهِمَ باستغلال التظاهرات السلمية على نتائج الانتخابات، التي فاز فيها الرئيس جوليوس مادا بيو، بولاية رئاسية ثانية.

الكاميرون: قام رئيس الكاميرون الحاكم، منذ عام 1982م، والذي من المفترص انتهاء ولايته عام 2025م، بتعديلات في وزارة الدفاع، وقام بتغييرات مناصب عسكرية حسَّاسة؛ تحسُّبًا لأي انقلاب عسكري ضده.

غينيا: قام رئيس غينيا إمبالو بتغييرات أمنية بالقصر الرئاسي لتعزيز حمايته؛ إذ عيَّن الجنرال توماس دجاسي، رئيسًا للأمن الرئاسي، والجنرال هورتا إنتا، رئيسًا لمكتبه.

رواندا: قام الرئيس الرواندي الذي حصل على تفويض للحكم حتى عام 2034م، بعدة إجراءات استباقية؛ إذ قام بإقالة حوالي 12 جنرالًا عسكريًّا وأكثر من ألف ضابط إلى التقاعُد وتعيين ضباط آخرين.

السنغال: نظرًا لقرب انتهاء الولاية الرئاسية الثانية، للرئيس السنغالي ماكي سال، ولكثرة الاضطرابات الرافضة لحكمه، قام بإلاعلان عن عدم ترشحه لولاية رئاسية ثالثة في العام المقبل.

ختامًا:

تشكل الانقلابات العسكرية الأفريقية حالةً من عدم الاستقرار السياسي، وانتشار التنظيمات الإرهابية، واستغلال الموارد الاقتصادية الأفريقية، من قِبَلِ الدول الأوروبية، ولا سيما فرنسا؛ ما يتطلب عقْد شراكات تسمح لدول وشعوب القارة بالاستفادة من عوائد الموارد؛ لتجنُّب الانقلابات، ولكن من المتوقع أن تشهد بعض دول القارة الأفريقية انقلابات عسكرية مستقبلًا، خاصةً في ظل نجاح الانقلابين في كل من “النيجر، والجابون”، في تغيير رأس السلطة؛ ما دفع بعض الدول الأفريقية التي تشهد اضطرابات سياسية، إلى تبنِّي إجراءات تُجنِّبُها الانقلابات العسكرية، مثل “الكاميرون، ورواندا”؛ إذ قاموا بتغييرات كبيرة في القوات الأمنية والعسكرية، باعتبار أن رئيسيْ البلديْن ظلَّا في السلطة لعقود طويلة، ولقُرْب الانتخابات الرئاسية في البلديْن.

كلمات مفتاحية