بعد زيارة عباس لبكين: هل من الممكن أن تساعد الصين فى حلحلة الصراع (الفلسطينى- الإسرائيلى)؟

إعداد: مروة سماحة

خلال الأيام الماضية التقى رئيس السلطة الفلسطينية “عباس محمود” نظيره الصينى “شى جى بينغ” فى زيارة استمرت لثلاثة أيام ابتداءً من الثلاثاء 14 يونيو ليصبح أول رئيس عربى يزور الصين هذا العام، وهى الزيارة الخامسة له، وذلك بصدد العمل على تعزيز العلاقات الثنائية وتبادل الرؤى بشأن آخر تطورات الملف (الفلسطينى –الإسرائيلى)، كذلك البحث فى القضايا الإقليمية والدولية الواقعة فى نطاق اهتماماتهم.

وفى خضم تلك الزيارة، وقعت فلسطين والصين “شراكة استراتيجية”، ولم يتضح بعد معالم تلك الشراكة، غير أن الزعيم الصينى وصفها بـ”المعلم المهم فى العلاقات الصينية الفلسطينية، الذى يبنى على إنجازات الماضى، ويبشر بمستقبل أكثر إشراقًا”.

وفى سياق متصل، تناول “عباس” و”شى” أهمية قبول السلطة الفلسطينية عضوًا كامل العضوية فى الأمم المتحدة، كما تباحثا أيضًا بشأن إمكانية إصدار رأى استشارى من محكمة العدل الدولية، فيما يتعلق بـقانونية وشكل وأهلية النظام الذى أقامته إسرائيل على أرض فلسطين، كما شدد على أن الحل الأساسى للقضية الفلسطينية يكمن فى تأسيس دولة فلسطينية مستقلة على أساس حدود عام 1967، تكون عاصمتها القدس الشرقية.

وقد طرحت تلك الزيارة تساؤلات عدة بشأن العلاقات الفلسطينية الصينية ومستقبلها، فضلًا عن مستقبل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى فى ظل تنامى العلاقات الصينية الإسرائيلية.

دلالات الزيارة

يبدو أن زيارة عباس لبكين ما هى إلا محاولة من الجانب الصينى لزيادة نفوذه فى منطقة الشرق الأوسط، كلاعب سياسى يسعى لتقويض الدور الأحادى القطبى للولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة التى تهيمن عليها أمريكا بشكل تقليدى، وذلك بزيادة موقفها العام بشأن قضايا الشرق الأوسط، ويأتى ذلك بعدما نجحت بكين فى عملية الوساطة بين المملكة العربية السعودية وإيران وتطبيع العلاقات بين الدولتين فى مارس2023، الأمر الذى كان يعتبر من المستحيلات قبل التدخل الصينى فى المشهد السياسي.

ويأتى ذلك بصدد حرص السيد “شى” على تلميع صورته كقوة من أجل السلام العالمى فى الأشهر الأخيرة، خاصة وأن الصين خرجت منذ ثلاث سنوات من العزلة التى فرضتها جائحة فيروس كورونا، وسعت إلى إعادة تأكيد مكانتها كقوة رئيسية على الساحة العالمية، وتجدر الإشارة إلى أن  السيطرة على الشرق الأوسط تعد البداية لذلك.

الزيارة أيضًا دلالة لتقاعص إدارة بايدن فيما يتعلق بالملف (الفلسطينى- الإسرائيلى)؛ وذلك على خلفية ما ينتاب الفلسطينيون من شعور بخيبة الأمل الناتج عن عدم نجاح الولايات المتحدة فى إحراز تقدم فى دفع حل للدولتين، وفشل الحكومة الأمريكية فى الوفاء بوعودها الرئيسية، ويأتى ذلك فى ضوء انتهاكات القوات الإسرائيلية وتعديها على المصلين فى المسجد الأقصى بالسلاح فى شهر رمضان أشهر الشهور قداسة بالنسبة للفلسطينيين.

الصين كوسيط فى الصراع (الفلسطينى- الإسرائيلى)

لعبت الصين دور الوسيط فى الملف (الفلسطينى- الإسرائيلى) من قبل، بما فى ذلك 2013 و2017 و2021، ولا يبدو أن خطة “شى” المكونة من ثلاثة أجزاء تختلف كثيرًا عن المقترحات التى تم طرحها من قبل، والتى شملت إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، على أساس حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، والدعوة لزيادة المساعدات الدولية للدولة الفلسطينية، وعقد “مؤتمر سلام دولى أكبر وأكثر موثوقية وأكثر نفوذًا” لتعزيز المحادثات.

وتجدر الإشارة إلى أنه بعد انهيار مفاوضات السلام فى عام 2014، أصبحت فرصة حلحلة الصراع (الفلسطينى- الإسرائيلى) ضئيلة جدًا لاستئنافها، ولاسيما فى المستقبل القريب فى ضوء البيئة الداخلية والخارجية، سواء بمشاركة صينية أو دونها؛ فكل من الإسرائيليين والفلسطينيين منقسمون بشدة ولا يمكنهم الاتفاق فيما بينهما حول كيفية التعامل مع الصراع، ناهيك عن إيجاد أرضية مشتركة بالجانب الآخر، كما أن حكومة إسرائيل الحالية هى الأكثر يمينية على الإطلاق، وقلة من أعضائها يدعمون مفهوم السيادة الفلسطينية، ومن غير المرجح أن يغير التدخل الصينى ذلك.

العلاقات الصينية الإسرائيلية

وعلى الرغم من تأخر اعتراف الصين  بإسرائيل حتى عام1992، بعد توقيع اتفاق مدريد للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، فإن علاقاتها التجارية معها تعود إلى 1979، حين زودت تل أبيب بكين بالتكنولوجيا العسكرية، وبناء على الإحصائيات الحديثة فتعد الصين ثانى أكبر شريك تجارى لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، حيث بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين فى عام 2022 نحو 24.45 مليار دولار بزيادة 11 فى المئة على العام السابق، وفى محاولة لتنويع احتياطياتها الأجنبية، أضافت إسرائيل أيضًا اليوان الصينى إلى احتياطيات البنك المركزى لأول مرة فى أبريل 2022، ما قلَّل من حيازاتها من الدولار الأمريكى واليورو، ومن المتوقع أن يبرم البلدان اتفاقية للتجارة الحرة بينهما بعد سلسلة من جولات المفاوضات بدأت فى عام 2016.

من الجدير بالإشارة أن الصين زاد تمركزها فى القطاع الإستراتيجى، ويأتى ذلك مع إعطاء إسرائيل الأولوية لتطوير قطاع البنية التحتية؛ بما فى ذلك بناء المطارات والموانئ وخطوط السكك الحديدية والطرق والأنفاق، كذلك وجدت الشركات الحكومية الصينية أرضية جديدة للاستثمارات بإسرائيل. وتقوم الشركات الصينية بأعمال فى مشروعات البنية التحتية فى تل أبيب؛ بما فى ذلك الحصول على عقود لبناء موانئ جديدة فى مدينتَى أشدود وحيفا جنوب إسرائيل، كذلك نظام النقل الجماعى فى منطقة تل أبيب الحضرية، وحفر أنفاق الكرمل فى حيفا، وحفر أنفاق على طول خط قطار (عكا- كرميئيل).

علاوة على ذلك، منحت الحكومة الإسرائيلية “مجموعة ميناء شنغهاى الدولى” امتيازًا لمدة 25 عامًا لتشغيل ميناء جديد فى خليج حيفا، الذى تم بناؤه كميناء حاويات آلى، ويمكن للميناء مناولة 1.86 مليون وحدة مكافئة 20 قدمًا سنويًا بتكلفة 1.7 مليار دولار أمريكى، وحيفا هى مركز الصناعة والنقل فى إسرائيل، ويقع الميناء بالقرب من البحرية الإسرائيلية.

وفى سياق متصل، استثمرت الصين فى المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، مثل التخنيون (معهد إسرائيل للتكنولوجيا) وجامعة تل أبيب، وفى عام 2015، وافق المجلس الإسرائيلى للتعليم العالى ووزارة التعليم الصينية على إنشاء تحالف جامعى بحثى (إسرائيلى- صينى)، يُطلق عليه (7+7)؛ لتعزيز التعاون البحثى والأكاديمى بين الجامعات البحثية فى إسرائيل والصين.

ختامًا

من خلال الاطلاع على ما تم تناوله فى السطور السابقة، يمكن القول إن الصين تسعى لتكون قوة رئيسية فى منطقة الشرق الأوسط رغبة منها فى إزالة  القبضة الأمريكية عليه، وبخصوص الآمال المطروحة من قبل الإعلام الصينى وبعض العربى بأن الصين يمكن أن تساعد فى تمهيد الطريق لمحادثات سلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، فهى غير خاضعة للمنطق ولا لطبيعة السياسة الصينية القائمة بالأساس على المصالح الاقتصادية، كما أن البيئة الداخلية فى إسرائيل وفلسطين غير ناضجة بشكل كافٍ لكى تكون هناك فرصة استجابة لتلك الخطوات، ومن منظور آخر فمن الممكن أن يقف التحالف الإسرائيلى الأمريكى عقبة أمام مساعى الصين، بألا تسمح إسرائيل لها بالتدخل من الأساس، وفى تلك الحالة لن تقوم الصين بتصعيد الأمور مع إسرائيل؛ حيث تربطهما مصالح واهتمامات اقتصادية شتى.

من ذلك المنطلق، فإن لقاء عباس مع شى لم يكن يتعلق بالتحرك نحو حل الصراع بقدر ما كان يتعلق بإظهار نية الصين أن تكون حاضرة  بشكل أكبر فى الشرق الأوسط.

كلمات مفتاحية