بمساعٍ حثيثة… ماذا ستكتسب دول الشرق الأوسط من انضمامها إلى مجموعة دول “البريكس”؟

إعداد: رضوى الشريف

مع اقتراب انعقاد قمة “البريكس” في جنوب أفريقيا خلال شهر أغسطس الجاري، أعربت – حتى هذه اللحظة-  22 دولة عن اهتمامها بالانضمام إلى هذا التجمع، الذي يقتصر عضويته اليوم على كل من “البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا”.

وتُعدُّ مجموعة “بريكس” (BRICS) تكتلًا اقتصاديًّا عالميًّا، بدأت فكرة تأسيسه في سبتمبر 2006، حينما عُقد أول اجتماع وزاري لوزراء خارجية “البرازيل، وروسيا، والهند، والصين”، على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ويضم هذا التكتل 5 دول، تُعدُّ صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي “البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا”، وكلمة “بريكس” (BRICS) بالإنجليزية، عبارة عن اختصار يضم الحروف الأولى لأسماء هذه الدول، وأصبحت مجموعة بريكس أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم؛ نظرًا لأرقام النمو التي باتت تحققها دول هذا التكتل مع توالي السنوات؛ ما جعلها محط اهتمام عديد من الدول الأخرى، التي ما فتئت ترغب في الانضمام إلى التكتل.

 ومن بين الدول المرشّحة للانضمام، تبرز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كل من “السعودية، ومصر، والإمارات، والجزائر، والبحرين، وإيران”، وهذا ما يطرح السؤال عن أسباب اهتمام كلّ من هذه الدول بالانضمام إلى المجموعة، وماهي نوعيّة المكاسب التي يمكن أن تحققها هذه الدول من خطوة بهذا النوع؟

في الوقت الراهن، لا يمكن فصل نشاط مجموعة بريكس عن محاولات تحدّي الهيمنة الغربيّة، وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكيّة بالتحديد، على النظام المالي العالمي، وهذا ما يسعى التكتل القيام به، من خلال إنشاء وسيلة بديلة لسداد المدفوعات التجاريّة، باستخدام عملة موحّدة بديلة عن الدولار الأمريكي؛ حيث يجدر بالذكر، أن الصين قد أعربت عندما كانت رئيسة للتكتل العام الماضي، عن دعمها لتوسيع عضوية تحالف “بريكس” في العام الماضي، وكان هذا القرار متزامنًا مع الحرب “الروسية – الأوكرانية”، في إشارة إلى رغبة تلك الدول بإصدار عملة جديدة منافسة للدولار.

ومن المفترض، أن يتم طرح هذه الفكرة في قمّة المجموعة المقبلة، التي ستعقد في جنوب أفريقيا خلال الفترة (22-24) من شهر أغسطس الجاري، وفي حال نجاح هذه الخطوة، ستكون المجموعة قد تمكّنت – ولأوّل مرّة-  من خلق أداة تداول جديدة، لا تخضع للقيود أو العقوبات الأمريكيّة، ولا تمرّ بالضرورة بالمصارف الأمريكيّة، كما هي الحال مع الدولار اليوم.

وفي الوقت عينه، يراهن التكتل على تطوير بنك التنمية الجديد، وهو بنك متعدّد الأطراف، أسسته المجموعة عينها؛ بهدف تمويل المشاريع العامّة والخاصّة، من خلال القروض والمساهمات المباشرة، مع الإشارة إلى أنّ البنك وافق عام 2021، على قبول عضوية كل من “مصر، والإمارات”، كخطوة تمهّد لقبول الدولتيْن في مجموعة بريكس، وتسعى المجموعة إلى تعزيز دور هذا البنك كبديل عن المؤسسات الماليّة الدوليّة الأخرى، التي تهيمن على قراراتها الولايات المتحدة الأمريكيّة، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وإلى جانب هذا كلّه، تسعى دول المجموعة منذ سنوات إلى تطوير نظام مالي جديد لإدارة التحويلات بين المصارف التجاريّة، كبديل عن نظام السويفت، الذي يربط اليوم بين المصارف العالميّة، وهذه الخطوة، ستمنع الدول الغربية من عزْل مصارف معيّنة عن نظام التداولات الماليّة العالميّة، مثلما فعلت مع بعض المصارف الروسيّة في بدايات الحرب في أوكرانيا.

السعوديّة والإمارات والبحرين: تنويع العلاقات الاقتصاديّة

تعد دول الخليج – خاصةً المملكة العربية السعودية – من أكثر الدول المرشحة بقوة لقبول عضويتها في قمة “البريكس” القادمة، وكما هو معلوم تسعى دول الخليج مؤخرًا إلى تنويع علاقتها الاقتصاديّة والسياسيّة، عبر البحث عن الشراكات الاستثماريّة مع الصين بالتحديد، كما تسعى السعودية بصفتها عضوًا رئيسيًّا داخل مجموعة “أوبيك+” إلى بناء تعاون وثيق مع روسيا في سوق الطاقة، من خلال تنسيق الخطوات داخل باقي أعضاء مجموعة “أوبيك+”.

وجميع هذه الخطوات، تعكس سعْي “السعوديّة، والإمارات”، ومعهما البحريْن، إلى تقليص اعتمادهم المالي والاقتصادي وحتّى السياسي لدول الغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة.

هذا المشهد، يتكامل اليوم مع سعي الدول الثلاث بالانضمام إلى مجموعة بريكس، ومن المعلوم أن الدول الثلاث ستتمكّن من إيجاد فرص استثماريّة مغرية في دول المجموعة، في حين أن دول الخليج تنعم اليوم بفوائض ماليّة، تفرض البحث عن فرص من هذا النوع، بعد ارتفاع أسعار النفط.

إيران: تلافي العقوبات الغربيّة

بالنسبة إلى إيران، تمثّل العقوبات الغربيّة الهاجس الاقتصادي الأساسي، الذي يحول دون اتصالها ماليًّا بشكلٍ طبيعيٍّ مع النظام المالي العالمي، كما يحول هذا العامل دون تلقّي إيران الاستثمارات الأجنبيّة التي تحتاجها، وخصوصًا في مجال الطاقة، وللالتفاف على العقوبات الغربيّة، تضطر طهران اليوم إلى تكبّد خسائر من قيمة النفط والغاز الذي تبيعه، عبر عرضه في السوق السوداء، وبأسعار تقل عن الأسعار الرائجة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ فرض العقوبات على روسيا، واضطرار الشركات الروسيّة لعرض خصومات مقابل بيع نفطها في السوق السوداء، فرض على الإيرانيين تقديم خصومات أكبر لمنافسة النفط الروسي؛ ما زاد من كلفة العقوبات على إيران.

هكذا، تمثّل مشاريع مجموعة بريكس فرصةً لا تثمّن لإيران، وخصوصًا إذا نجحت هذه المشاريع بتكوين وسائط دفع بديلة وشرعيّة لبيع النفط، من دون المرور بالمصارف الغربيّة، ولا تقييد التداول بالدولار الأمريكي، كما سيسمح هذا النوع من المشاريع باستقدام الاستثمار الأجنبي الذي تحتاجه إيران بشدّة في مشاريع الطاقة.

إذ ستمكّن أنظمة الدفع البديلة شركات دول مجموعة الـ”بريكس” من العمل داخل إيران، من دون تمرير عمليّاتها الماليّة بالأنظمة الماليّة الغربيّة، مع الإشارة إلى أنّ العقبة الأساسيّة التي تمنع دخول هذه الشركات حاليًّا إلى إيران، تكمن في عدم وجود عملة دوليّة ونظام دفع عالمي يسمحان بإجراء العمليّات مع إيران، في ظل العقوبات المفروضة عليها.

أمّا إذا انضمّت “السعوديّة، والإمارات” إلى المجموعة، فتراهن إيران على الاستفادة من استثمارات هذه الدول، الباحثة أساسًا عن أسواق مغرية للاستثمار، ورغم وجود العقوبات الغربيّة، ستحاول إيران الحصول على رؤوس أموال لرجال الأعمال الخليجيين، من خلال وسائل الدفع والعملة البديلة، غير الخاضعين للرقابة الغربيّة، بخلاف الحال اليوم مع الدولار، مع الإشارة إلى أنّ هذا الرهان يتزامن بلا شك مع تطبيع العلاقات ما بين “إيران، والسعوديّة”، برعاية صينيّة لافتة للانتباه.

مصر: تنويع مصادر التمويل والاقتراض

وبالنسبة لمصر، فهي تواجه حاليًّا عقبات ومشاكل اقتصاديّة؛ نتيجة ارتفاع حجم الدين الخارجي للدولة، مقارنة بحجم الاقتصاد، بالإضافة إلى محدوديّة احتياطات العملات الأجنبيّة المتوفّرة، لتمويل سداد الديون الخارجيّة مع الفوائد خلال السنوات المقبلة، وفي هذا الوقت، تعاني مصر من تزايد الضغوطات على ميزان مدفوعاتها؛ جرّاء ارتفاع الفوائد في الدول الغربيّة، وتزايد معدّلات التضخّم العالميّة التي ترفع فاتورة الاستيراد.

وهذا ما فرض على الدولة المصريّة اللجوء إلى صندوق النقد مرّة أخرى؛ للحصول على تمويل جديد عام 2023، وبشروط صارمة، شملت خفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، وخصخصة مجموعة من الشركات المملوكة من الدولة، كما تسعى مصر في الوقت الراهن إلى استقدام المزيد من الاستثمارات الأجنبيّة، وخصوصًا الخليجيّة؛ لضخ المزيد من السيولة بالعملات الأجنبيّة داخل السوق المصريّة.

الانضمام إلى مجموعة بريكس، سيسمح لمصر بتنويع مصادر القروض التي تحتاج إليها بشدّة في الوقت الراهن، بدل التقييد لشروط وموافقات صندوق النقد الدولي وحده، وهذا ما يفترض أن يؤمّنه بنك التنمية الجديد، الذي حرصت مصر على الانضمام إليه قبل الانضمام إلى مجموعة بريكس عينها، كما سيسمح وجود هذه الخيارات البديلة لمصر بفرض شروطها بشكل أفضل، وبقدرة تفاوضية أقوى، عند طلب أيِّ رُزَمٍ تمويليّة من صندوق النقد أو البنك الدولي في المستقبل.

وبالنسبة إلى الاستثمارات الأجنبيّة، فستتمكّن مصر من استقدام المزيد من الاستثمارات من دول المجموعة، وخصوصًا إذا ما تم إنشاء أدوات دفع جديدة، تسهّل إجراءات التحويلات الماليّة ما بين مصر ودول المجموعة، ومن المعلوم أن مصر سعت في العديد من المحطّات إلى تقديم التسهيلات الكفيلة باستقطاب الرساميل الصينيّة بالتحديد؛ لاستثمارها في مشاريع البنية التحتيّة.

الجزائر: بوابة استراتيجية لأفريقيا

توجهت الأنظار كذلك إلى الجزائر، التي أعلنت إيداع ملف رسمي لطلب الانضمام إلى المجموعة، وسبق للرئيس “تبون” أن أكد للصحافة الجزائرية، أن بلاده مهتمة كثيرًا بالانضمام لمجموعة بريكس؛ لأنه “سيبعدها عن تجاذب القطبين”، وفي الزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس الجزائري إلى الصين، يوم الإثنين 17 يوليو، تم التوقيع على 19 وثيقة ما بين اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلديْن، تخص العديد من القطاعات الاقتصادية.

ولانضمام الجزائر إلى تكتل بريكس مكاسب متعدّدة، يمكن أن تستفيد منها الجزائر مباشرة، خاصة أن الاقتصاد الجزائري يحاول ترميم الاختلالات التي حدثت في الأعوام الماضية، وذلك من خلال تهيئة الأرضية القانونية، عبر إصدار قانون مشجع على الاستثمار في البلاد، وأيضًا من خلال الإجراءات التي اتخذتها الحكومة؛ من أجل جلب الاستثمارات الأجنبية إلى الجزائر.

وتعول الجزائر اليوم على انطلاقة اقتصادية مهمة، بحيث تمتلك سوقًا مهمة في شمال أفريقيا، تضمّ نحو 45 مليون نسمة، بالإضافة إلى موقع استراتيجي مهم، وبنية تحتية موجودة حاليًّا، وتحتاج إلى تطوير مع أعضاء بريكس، كما تنظر دول بريكس إلى الجزائر كدولة تمتلك إمكانات اقتصادية كبيرة، وموقعًا استراتيجيًّا، ولكن تنقصها الخبرة والكفاءة العلمية لإدارة المشاريع، وتحتاج في المرحلة الحالية إلى تحسين قدرتها للاندماج في الاقتصاد العالمي، ورغم أن الجزائر تعاني من ضعف في الاندماج الاقتصادي في العالم، إلا أنه من مصلحة دول بريكس أن تكون معهم؛ لأنها بوابة استراتيجية لأفريقيا.

ختامًا:

لا يوجد شروط محددة ومعلنة مفروضة بشكلٍ مباشرٍ على كل دولة ترغب في الانضمام إلى مجموعة “بريكس”؛ حيث إن الموضوع مرتبط بالعلاقات الدولية والحسابات الاستراتيجية والتحالفات بالنظر إلى ما يشهده العالم من تحولات جيوسياسية؛ حيث تسعى هذه المجموعة لخلْق توازنات جديدة في العالم، عبر تعزيز التعاون الاقتصادي؛ لذا يمكن القول: إن دول مجموعة بريكس تحاول الانتقال إلى نظام اقتصادي دولي بديل، عبر توفير بدائل، عمّا تعتبره هذه الدول أدوات للهيمنة الماليّة الغربيّة، وهذا الهدف، يتقاطع اليوم – ولأسباب مختلفة – مع أهداف دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تحاول الانضمام إلى مجموعة بريكس.

وللتأكيد، فإن كل ما سبق ذكره، يبقى في خانة الرهانات والتمنيات، بانتظار قمة مجموعة الـ”بريكس” في شهر أغسطس الجاري، والتي يفترض أن يتبيّن خلالها مدى استعداد المجموعة لقبول عضويّة كل هذه الدول، كما ستبقى كل هذه التوقّعات رهينة نجاح مجموعة الـ”بريكس” بإطلاق عملتها الخاصّة، ونظام التحويلات الجديد؛ الأمر الذي لم يحصل بعد حتّى اللحظة، لكنّ الأكيد هو أن جميع دول مجموعة بريكس، ودول الشرق الأوسط التي طلبت الانضمام إلى المجموعة، تتشارك هدف خلق نظام مالي عالمي متعدّد الأقطاب.

كلمات مفتاحية