بمفترق طرق: سيناريوهات العملية الانتخابية في العراق

إعداد : حسناء كمال تمام

في 17 أكتوبر، أعلنت المفوضية العليا للانتخابات العراقية، أن نسبة المشاركة بالانتخابات البرلمانية بلغت 43%، وأن مجموع من أدلوا بأصواتهم بالانتخابات تجاوز 9.6 ملايين ناخب، وأن النتائج قابلة للطعن، حازت الكتلة الصدرية على 73 مقعدًا بالبرلمان، بفارق كبير عن أقرب منافسيها كتلة “تقدم”، الحاصلة على 37 مقعدًا، وتضع النتائج العراق بمفترق طرق؛ لذا نسلط الضوء على المشهد السياسي بالعراق، وأبرز ما جاء بالنتائج، وخيارات إتمام العملية الانتخابية بشكل آمن.

أولًا:  تفاعل الداخل العراقي بإعلان النتائج وإعادة الفرز

 بعد إعلان النتائج، أصدر تحالف “الفتح” و”دولة القانون” و”عصائب أهل الحق” وكتائب “حزب الله” وتيارات أُخرى، بيانًا يُحمِل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات “المسؤولية الكاملة عن فشل الاستحقاق الانتخابي” حسب وصفهم، كما أعلن العديد من القيادات الشيعية رفضهم النتائج الأولية، ومنهم هادي العامري قائد تحالف الفتح الذي يعد مظلة سياسية لقوات الحشد الشعبي.

 حاولت الحكومة العراقية تفهم الغضب الذي تمثل بالفصائل؛ وردًا على الطعون، أعلنت عمليات العد والفرز اليدوي لمحطات الاقتراع، التي تجاوزت 14 ألف محطة انتخابية من أصل 55 ألفًا بمدن العراق، مع طعن القوى الخاسرة بنزاهة الانتخابات والتأكيد بعدم قبولها.

واتمام العملية الإنتخابية يأتي بعد المصادقة على نتائج الانتخابات بعد أخذ مداها من الهيئة القضائية للانتخابات، والتي من حقها النقض لمجلس مفوضين، ومن الممكن أن تصادق عليها جميعًا، وهي ليست مقيدة بوقت معين، وبعدها تعلن الانتهاء وختام كل الطعون المقدمة، و لا توجد مدة محددة للمصادقة على نتائج الانتخابات، إلى أن تستنزف كل الطعون.

ثانيًا: ملامح المشهد الانتخابي

 تحفز أمني: منذ إعلان النتائج تشهد شوارع العاصمة العراقية، انتشارًا أمنيًّا مكثفًا تزامنًا مع رفض بعض القوى السياسية نتائج الانتخابات التشريعية المعلنة من المفوضية العليا للانتخابات، ويخشى مراقبون احتجاجات القوى الرافضة للخريطة السياسية الجديدة للبرلمان بالعراق .

وفي31 أكتوبر، واجهت المنطقة الخضراء التي تضم السفارة الأمريكية ومقرات حكومية بالعاصمة العراقية (بغداد)، 3 صواريخ من نوع كاتيوشا، فجر الأحد، هو الأول منذ نحو 4 أشهر قرب هذه المنطقة؛ حيث اقتصرت أضراره على الماديات ولم يوقع إصابات، من ناحية ثالثة هناك تخوفات من أن تزداد عمليات التنظيمات الإرهابية في العراق، ومحاولة الاستفادة من الأوضاع السياسية لصالحها.

 تشكيك مستمر: نتج عن النتائج المعلنة لانتخابات النواب، اتهامات متبادلة بين الفصائل العراقية المختلفة، فاتُهمِت التحالفات ذات التكتلات الشيعية، والتحالفات الكردية الفائزة، بالتزوير والمحاباة، فيما ينقسم التيار الكردي على ذاته، وما زال الانقسام قائمًا بين جناحيه.

من ناحية أخرى أكد الاتحاد الوطني الكردستاني، رسميًّا، على لسان أمين بابا شيخ، المتحدث باسمه، تسمم ملا بختيار، القيادي بالاتحاد، وأكد أعضاء الحزب أن حالة التسمم تلك ليست الأولى من نوعها، فقد سبقها تعرض بعض قادة الحزب لهذا فالأمر، مؤكدين أن الأمر خلفه اعتبارات سياسية

يبقى التشكيك المتبادل بين الأطراف، من مسببات التوتر الكبير بين الفصائل العراقية، ويفتح بابًا آخر للانقسام ليس فقط المرتبط بنتائج الانتخابات التشريعية، لكن أيضًا المرتبط بزيادة الفجوة بين الفصائل السياسية العراقية عمومًا.

س بالجهة الأُخرى من  التشكيك، يبحث التيار الصدري، بعد إعلان النتائج المبدئية، عن التحالفات الأُخرى لتشكيل الحكومة، كما يبحث التيار السني كذلك سبل التعاون، فالبحث عن تعاون مرتبطٌ بالتيارات ذات النتائج المبدئية المرضية، لكن بالوقت ذاته، لا يستبعد أن يكون بظل ظهور أحزاب جديدة ومستقلة تتوجه نحو المعارضة، وقد يكون صحيًّا ولصالح المشهد السياسي برمته، نقل المشهد من حالة التشكيك لحالة تنظيم المجهودات للتعبير عن المطالب، ويرجح ظهور هذه التحالفات بظل الميل بقبول نتائج الانتخابات.

ثالثًا: تحديات تواجه الداخل العراقي

 إحياء الروح الوطنية والسير نحو القومية: يظل التحدي الأكبر أمام الحكومة العراقية، هو إحياء الروح الوطنية واستعادة مفهوم المواطنة لدى العراقيين، بمقابل الولاءات الطائفية، وهو تحدٍ قائم منذ وضع قانون الانتخاب، والآن تدرج بحكم المرحلة، فبعد أن كان الهدف الرئيسي، إقامة تحالفات انتخابية متنوعة ليست ذا أساس طائفي.

فبعد التخلي عن نظام سانت ليجو القائم على تقسيم الطوائف لكتل انتخابية مختلفة، وتبني نظام الانتخاب المطلق، والسماح بالانتخاب الفردي، كان هناك تحدٍ بتشكيل تحالفات انتخابية منسجمة معًا، وليس على أساس طائفي، يتطور هذا التحدي بتطور العملية الانتخابية ومراحلها المختلفة، فبعد حسم مرحلة القانون الانتخابي، والتحالفات، أصبحنا في حاجة لأن تعمل تلك التحالفات فيما بينها بشكل متجانس قائم على وحدة الرؤية بعيدًا عن الاعتبارات الطائفية، ومن ناحية أخرى تحتاج التحالفات المختلفة لأن تكون متقبلة بعضها البعض كفصائل سياسية مشاركة في التمثيل النيابي.

 تحجيم الأدوار الخارجية: وبالرغم من أن الدور الخارجي بالعراق، واحد من التحديات الدائمة بالساسية العراقية، لكن تزداد حساسيته بهذه الأوقات، فتلك البيئة قائمة ومحتفظة بخصائصها، بغض النظر عن الانتخابات العراقية، إلا أن نتائج الانتخابات جعلت من الأدوار الخارجية أكثر من مجرّد تحدٍّ دائم، وحوّلته لمؤثر ومحدّد رئيسي لمستقبل العراق القريب، وقد تفاجأت إيران بانقسام القوى الموالية لها على نفسها قبل الانتخابات وانتكاسها بالنتائج، وستحاول بشتى السبل، استعادة نفوذها المعرض للتهديد بقوة داخل العراق، لذا كانت نتائج الانتخابات في غير صالح تطلعاتها.

رابعًا: بمفترق الطرق.. ماذا يجب على الحكومة أن تفعل؟

 يقف العراق الآن بمفترق الطرق، بمرحلة تشكلها – بشكل جذري – التفاعلات التي تجري بين الأنسجة المختلفة، وقرارات الحكومة بالتعامل مع هذه الفصائل؛ لاحتواء المشهد،  وفيما يلي بعض المحاور التي يمكن أن تساعد في إتمام وإنهاء المرحلة الانتخابية بأفضل شكل ممكن:

 التعامل بشكل حذر ودقيق مع الطعون: يمثل التعامل مع الطعون المقدمة على بعض النتائج بعدد من الدوائر الأكثر حساسية بسياق العملية الانتخابية والداخل العراقي، وتعقيب الرئيس العراقي على الطعون بأنها حق دستوري، كان متزنًا، والمطلوب هو السير وفقًا له، والتعامل مع الطعون بطريقة دقيقة، وإعلان النتائج التي ثبت تزويرها- حال ثبوتها- ومحاسبة مرتكبي التزوير، والتعامل مع الطعون بدقة، بما يضمن سلامة الفرز؛ أو مد فترة الطعون علي لإكساب العملية الانتخابية قدرًا عاليًا من المصداقية، وهو أمر لصالح الحكومة، ولصالح أي إجراء سياسي سيُتخذ بوقت لاحق.

 ويمكن القول أن النظام الحاكم للعملية الانتخابية في العراق ينطوي على فرصة تتيح له إحتواء أزمة الطعون، هذه الفرصة تتمثل في عدم وجود مدة محددة للمصادقة على نتائج الانتخابات والأمر مرتبط بانتهاء الهيئة القضائية من كل الطعون المقدمة وختمها، وبالتالي فإن هناك مساحة لإتخاذ ما يلزم من إجراءات للتأكد من سلامة الانتخابات، دون الوقوع تحت ضغط الوقت.

التعامل مع الفئات المشككة في الانتخابات: احتواء الفصائل الرافضة لنتائج الانتخابات، يضمن إزالة مصدر القلق أو أي تهديد قائم؛ لذا فالحكومة العراقية بحاجة للتفهُّم الدقيق لرؤى الأطراف المشككة ورؤية المشهد، ومعرفة حدود رد الفعل، الذي قد تأخذه بحال فشل التفاهمات؛ للتحرك بشكل مسبق للتأكد من عدم وجود أعمال عنف.

اللجوء لإجراءات استثنائية: والمقصود بالإجراءات الاستثنائية التي قد تلجأ إليها الحكومة قبل الإعلان النهائي للطعون؛ الوقوف على مسببات التوتر الداخلي، وإجراءات جلسات حوار مع كافة الفصائل السياسية، والتوافق ببدء مرحلة ما بعد الانتخابات، والالتزام بتعهدات ومطالب احتجاجات عام 2019.

 تحسين الأوضاع الاقتصادية: إن استمرار التركيز على الأوضاع الاقتصادية، وتحسينها، والعمل بدفع هذه الإصلاحات ليستشعرها المواطن العراقي، قد يكون الخيار الرابح والمضمون بالنسبة للحكومة العراقية، وقد تحدُّ من أثر التوتر، وحصر ما يدور بين المنخرطين بالعملية الانتخابية وخصوصًا التيارات السياسية-، وعدم تسربها للشارع العراقي، ويمكن أن يتحق ذلك بمواصلة التركيز على الإصلاحات الهيكلية، والاعتماد بشكل رئيسي على خلْق الوظائف الضرورية للشباب والمرأة، واستعادة التوازن الاقتصادي لحياة المواطنين العراقيين.

خامسًا: السيناريوهات

خلال الأيام الجارية، يجري رسم مستقبل الفترة القادمة بالعراق، ونبقى أمام سيناريوهات متعددة، ينفتح المشهد عليها جميعًا.

 رفض نتائج الانتخابات واندلاع العنف: ويبني هذا السيناريو، عدم قبول الأطراف المتقدمة بالطعن  للنتائج النهائية، واستمرار التشكيك بنزاهة العملية الانتخابية، واللجوء للشارع، ويدعم هذا السيناريو التشكيك بنتائج الطعون على نتائج بعض اللجان، وسقوط صواريخ كتيوشا بوسط بغداد، وهذا السيناريو قد يجرُّ العراق للعنف، وخطوات أبعد عن المسار السياسي المرسوم.

 وهذا السيناريو على صعوبته ليس مستبعدًا، خصوصًا بوجود الجانب الإيراني الذي يدعمه لعدم رضاه عن نتائج تمثيل موالية بالانتخابات، إضافةً لتربص التنظيمات الإرهابية التي قد تستخدم هذه التوترات لصالحها، وقد يجر هذا الموقف العراق للفوضى مجددًا.

 الإقرار بنتائج الانتخابات: ويتوقع هذا السيناريو إعلان الحكومة بنتائج الطعون، وإعلان النتائج النهائية، وانتهاء العملية الانتخابية، وهذا مرجح، لكن بحدوثه تتفاقم حالة التوترات بين الفصائل المختلفة حاليًّا، والتوترات ومداها مرتبط بمدى التغيرات التي تطرأ على  النتائج بعد الطعون، وقد يتقاطع هذا السيناريو مع السيناريو السابق.

إعادة الانتخابات: ويرى البعض أن الحكومة قد تلجأ لإعادة الانتخابات بالكامل؛ لضمان الخروج من العملية الانتخابية بالتوافق بين أطراف الداخل العراقي؛ تفاديًا لحالة انقسام قد تطرأ مجددًا بين الأطراف المختلفة، لكن هذا السيناريو غير مرجح، فلا تُوجد أي ضمانات بعدم تدخل القوى السياسية بالعملية، ومحاولة التشكيك حال خروج نتائج مقاربة، إضافةً قد يكون عدم الإعادة لصالح الحكومة الحالية التي تعهدت بالالتزام بالخطة الزمنية المعلنة سابقًا، ويجنبها فتح  الباب المماطلات ودعوات تأجيل أي خطى قائمة.

 بالأخير.. لاشك أن الشعب العراقي – وحكومته التي نجحت حكومته مؤخرًا في العودة للساحة العربية-، نجح في مواجهة الكثير من التحديات على مر تاريخه ويخرج دائما منتصرا ،الأمر الهام خلال المرحلة المقبلة هو الحفاظ على عروبة العراق وهذا يتطلب مساندة عربية مطلقة للدولة العراقية، لما تمر بها في التحول الديموقراطي، بدءا من دعم خطواته في الانتقال السياسي، مرورا بكافة أشكال الدعم اللوجيستي، والخبراتي، والاقتصادي من الدول العربية التي نجحت في تجارب التحول الديموقراطي، وصولًا إلى المساعدة في دعم استقراره من أي تدخلات خارجية.

كلمات مفتاحية