إعداد: ميار هانى
باحثة فى الشأن الدولى
بدأ التصويت فى الانتخابات الرئاسية الروسية، الجمعة 15 مارس، فى جميع أنحاء روسيا والمناطق التى تم ضمها من أوكرانيا وهى لوهانسك، ودونيتسك، وزاباروجيا، وخيرسون، وتستمر على مدى ثلاث أيام، ويتم إعلان النتائج النهائية للانتخابات بحلول الـ28 من الشهر الجارى.
ويكون المرشح فائزًا إذا حصل على أكثر من 50% +1 من إجمالى الأصوات، وفى حال عدم تحقيق أى مرشح لهذه النسبة، تعقد جولة ثانية بعد 3 أسابيع من الجولة الأولى، وتشمل المرشحين اللذين حصلا على أعلى النسب فى الجولة الأولى، وفقًا لقوانين الانتخابات الروسية.
ويتنافس أربعة مرشحين، الرئيس الحالى “فلاديمير بوتين”، مرشح الحزب الديمقراطى الليبرالى “ليونيد سلوتسكي”، ومرشح الحزب الشيوعى للاتحاد الروسى “نيكولاى خاريتونوف”، ومرشح حزب الشعب الجديد “فلاديسلاف دافانكوف”.
واعتبر الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى “الناتو” أن الانتخابات الرئاسية فى روسيا، لا يمكن اعتبارها “نزيهة” أو “ديمقراطية”، واصفين إجراء الانتخابات فى الأراضى التى احتلتها روسيا فى أوكرانيا بأنها “غير قانونية”.
مرشحو الانتخابات الرئاسية الروسية 2024
أولًا: فلاديمير بوتين – المرشح المستقل:
وُلد الرئيس الحالى، فلاديمير بوتين، فى 7 أكتوبر 1952 بمدينة لينينغراد (سانت بطرسبرغ حاليًا). وتخرج فى كلية الحقوق بجامعة لينينغراد الحكومية عام 1975، ثم أكمل دورات تأهيلية قبل الانضمام إلى لجنة أمن الدولة فى لينينغراد وموسكو، التابعة لمدرسة “الكى جى بي” العليا، وتخرج فى معهد “الكى جى بي” عام 1985.
وبدأ حياته السياسية فى سانت بطرسبرغ، حيث شغل العديد من المناصب العليا فى البلاد، ومنها رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مكتب رئيس البلدية، والنائب الأول لرئيس الإدارة الرئاسية، ومدير جهاز الأمن الفيدرالى، ثم تولى منصب رئيس الحكومة فى أغسطس 1999.
ومع استقالة الرئيس الروسى آنذاك، بوريس يلتسين، فى 31 ديسمبر 1999، تسلم بوتين مقاليد السلطة بصفة القائم بأعمال الرئيس، وفاز بولايته الرئاسية الأولى فى الانتخابات التى أجريت فى 25 مارس عام 2000، بنسبة 51.95 بالمئة من الأصوات، ثم فاز فى ثلاث ولايات رئاسية أخرى، وحصوله فى عام 2004 على 71.31 بالمئة، وعام 2012 على 63.6 بالمئة، وعام 2018 على 76.69 بالمئة. كما أتاحت التعديلات الدستورية، التى تم إقرارها عام 2020، تجديد ترشح الرئيس لفترتين إضافيتين مدة كل منهما ست سنوات بعد انتهاء ولايته الحالية، وبالتالى البقاء فى السلطة حتى عام 2036.
ثانيًا: ليونيد سلوتسكى – مرشح الحزب الليبرالى الديمقراطى:
وُلد سلوتسكى فى 4 يناير 1968 بموسكو، تخرج فى معهد موسكو للآلات عام 1990، ثم من معهد موسكو للاقتصاد والإحصاء عام 1996، وحصل على الدكتوراه فى الاقتصاد، كما شغل العديد من المناصب السياسية، منها مستشار عمدة موسكو، ورئيس أمانة مجلس الدوما، ونائب مندوب الجمعية الفيدرالية الروسية، ثم نائب الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، حتى انسحاب روسيا من المنظمة عام 2022، ويشغل الآن منصب رئيس الحزب الليبرالى الديمقراطى، المعروف تقليديًا، على الرغم من اسمه، بترشيح ناخبين يمينيين ذوى ميول قومية.
ويحدد برنامج “سلوتسكى” الانتخابى هدفًا رئيسيًا فى تحقيق نصر نهائى وسريع فى حرب بلاده مع أوكرانيا، حيث كان من مؤيدين انضمام القرم إلى روسيا فى عام 2014، فضلًا عن كونه من أوائل السياسيين الروس الذين تعرضوا لعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وكندا بعد استفتاء انضمام القرم.
ويركز برنامجه على عدد من الجوانب الاقتصادية، كدعم الأقاليم الروسية بتركيز حملته على شعار “روسيا أكبر من موسكو”، وذلك من خلال مراجعة النظام الضريبى والعلاقات المالية بين المناطق والمركز، إلى جانب برامج الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر ضعفًا، من خلال الإعفاءات الضريبية لذوى الدخول المنخفضة، والترويج لقانون فيدرالى يقدم معدل ضريبة صفر للمواطنين الذين يكسبون أقل من 30 ألف روبل (320 دولارًا)، وتوسيع فرص الإسكان، ومكافحة تضخم الأسعار، وخفض أسعار الفائدة على القروض.
ثالثًا: نيكولاى خاريتونوف – مرشح الحزب الشيوعى:
وُلد “خاريتونوف” عام 1948 فى مقاطعة نوفوسيبيرسك، وتخرج فى معهد نوفوسيبيرسك الزراعى عام 1972، ومن أكاديمية الاقتصاد الوطنى الروسية فى عام 1995، وحصل على الدكتوراه فى الاقتصاد.
خلال السنوات السوفيتية، تم انتخابه نائبًا لمجالس محلية وإقليمية، ثم نائبًا فى برلمان جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفيتية عام 1990، وانتخابه لعضوية مجلس الدوما عام 1993، ودخوله مجلس النواب لأول مرة عن قائمة الحزب الشيوعى عام 1999، وأصبح عضوًا فى اللجنة المركزية للحزب الشيوعى عام 2008، وفى 2021، ترأس اللجنة البرلمانية لتنمية مناطق الشرق الأقصى والقطب الشمالى الروسية، ويُجدر الإشارة إلى أنه خاض السباق الرئاسى للمرة الأولى، عام 2004، واحتل المركز الثانى بحصوله على 13.69 بالمئة من الأصوات.
ويؤكد “خاريتونوف” دعمه للعملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، والحاجة إلى التحول نحو الاشتراكية، من خلال تأميم الموارد الطبيعية الروسية، وإدخال نظام الضرائب التصاعدية، وزيادة الرواتب والمعاشات التقاعدية والمنح الدراسية، بالإضافة إلى ترسيخ العادات والتقاليد الروسية والحفاظ عليها.
رابعًا: فلاديسلاف دافانكوف – مرشح حزب الناس الجدد:
وُلد “دافانكوف” عام 1984 فى سمولينسك، وتخرج فى كلية التاريخ بجامعة موسكو الحكومية عام 2006، وحصل على درجة الدكتوراه فى العلوم الاجتماعية، وأطلق 5 مشروعات تجارية كبيرة، خلال 20 عامًا، فى مجالات الإنتاج والتمويل وتكنولوجيا المعلومات والطيران.
بدأ مسيرته السياسية عام 2020، بمشاركته تشكيل حزب “الناس الجدد”، وأصبح عضوًا فى مجلس الدوما بتقلده منصب نائب رئيس المجلس فى عام 2021. ومثل حزبه، فى سبتمبر من العام الماضى، بانتخابات رئاسة بلدية موسكو، وحل فى المركز الرابع بحصوله على 5.35 بالمئة من الأصوات، ويعد “دافانكوف” أول مرشح رئاسى فى تاريخ الحزب.
وتركز حملته الانتخابية على شعارات أكثر انفتاحًا كـ”نعم للتغيير” و”حان الوقت لشيء جديد”، ويدعو لإصلاحات ديمقراطية للنظام السياسى وتوسيع الحريات المدنية وضرورة ضمان حرية التعبير والرأى، إلى جانب تعزيز الحرية الاقتصادية وزيادة دور القطاع الخاص، ويدعم “دافانكوف” الحرب فى أوكرانيا مع تأكيد ضرورة إحلال “السلام والتفاوض بشروط روسيا”.
السياق الراهن
تأتى الانتخابات الرئاسية الروسية، التى تعد الأولى فى البلاد منذ بدء الحرب على أوكرانيا قبل عامين، فى خضم سياق خارجى مضطرب، نتيجة سياسة تطويق روسيا من خلال العقوبات الغربية التى فرضت عليها فى مختلف قطاعات الإنتاج، ومع ذلك، استطاع النظام الروسى الحفاظ على استقرار أوضاع البلاد، مع تحقيق الكثير من الإنجازات فى ظل الحرب؛ إذ نما الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 3.6 فى المئة، بمعدل أعلى من العام الماضى، متفوقًا على أى من دول مجموعة السبع التى شنت حربًا اقتصادية على موسكو لغزوها كييف، وكانت نسبة التضخم هى الأقل مقارنةً بدول أوروبا، وزادت الثقة بالجهاز الحكومى بتوقع صندوق النقد الدولى ارتفاع وتيرة النمو الاقتصادى للبلاد لعام 2024 من 1.1 فى المئة إلى 2.6 فى المئة.
كما شهد معدل البطالة تراجعًا ليصل إلى 3.7 فى المئة، وانخفض عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر البالغ 14339 روبل (156.57 دولار) شهريا فى عام 2023 إلى 9.3 فى المئة من 12.9 فى المئة فى نهاية عام 2017، وفى حين تسببت العقوبات الغربية فى خسارة روسيا لسوق الغاز الطبيعى فى أوروبا، إلا أنها استطاعت ملئ هذا الفراغ بانتقال صادرات النفط إلى الصين والهند، فضلًا عن ارتفاع إنتاجية محاصيل الحبوب الروسية لأكثر من 150 مليون طن، وهو ما ترتب عليه تحسن الأداء الاقتصادى للبلاد، كما انعكس خلال استطلاع رأى تم إجراؤه من قبل مركز عموم روسيا لدراسة الرأى العام “فتسيوم”، بأن: “نحو 80% تقريبًا من الشعب الروسى يؤيدون الرئيس بوتين، ويثقون به”.
وخلاصة القول:
ستمدد الانتخابات الرئاسية حكم الرئيس فلاديمير بوتين لولاية خامسة، وذلك يعود لعدد من العوامل والمحددات، يمكن حصرها فى ممارسة النظام الروسى نوعًا من الديمقراطية يطلق عليها مصطلح “الديمقراطية السيادية”، من خلال السماح “بالمعارضة” المنظمة والمسيطر عليها، وغياب منافسيين حقيقيين على الرغم من ما قد يظهر من قوة برامج المرشحين الأربعة، فضلًا عن شعبية بوتين الكبيرة، والتى يعززها سياق التصعيد الحالى مع الغرب، وبالتالى تصوير دور بوتين بوصفه زعيمًا يحمى مصالح بلاده ويقف ضد المؤامرات الخارجية، وقد عكست استطلاعات الرأى المُختلفة ارتفاع نسبه تأييده، إلى جانب العامل الاقتصادى باعتباره أحد أهم العوامل التى يراهن عليها بوتين، لتحقيقه نجاحًا فى عزل روسيا عن العقوبات الدولية التى فرضت عليها عقب اجتياح أوكرانيا.
وعليه، تُكمن أهمية الانتخابات كونها مؤشر على درجة تدعيم سياسات الرئيس بوتين وإضفاء الشرعية على الحرب الروسية فى أوكرانيا من خلال نسبة المشاركة كمقياس للدعم الشعبى، فضلًا عن إرسال رسالة ضمنية للخارج كون غالبية الروس متحدون حول رئيسهم ويؤيدون الحرب الجارية الآن، إلى جانب رسالة للنخب الروسية بأنه لا ما زال يسيطر بقوة على البلاد، على الرغم من الانتفاضة الفاشلة لزعيم فاغنر، والتى اعتبرت أحد أكبر أزمات نظام بوتين منذ توليه السلطة فى البلاد.