“بين المطرقة والسندان”: مواقف الفاعلين في المشهد العراقي الحالي ومستقبله

إعداد: حسناء تمام كمال

يشهد العراق سلسلة من الإضطرابات المتواصلة خصوصا بعد أن أعلن أنصار التيار الصدري دخولهم في اعتصام مفتوح في المنطقة الخضراء وحول المؤسسات الاساسية في الدولة. فبعد  الاعتصام في البرلمان قام انصار التيار الصدري بالاعتصام حول مجلس القضاء الأعلى في خطوة تصعيدية أخرى.

استمر الاعتصام قرابة يومين انسحب بعده انصار التيار بعد توجيه زعيمهم رسالة بذلك. ليقرر مجلس القضاء الأعلى في العراق استئناف العمل في كافة المحاكم اعتباراً من يوم  الأربعاء، ضاعف هذا المستجد حالة الارتباك في المشهد العراقي ، وفي ظل كثافة التفاعلات السياسية نحاول إيضاح خريطة الفاعلين في المشهد الحالي ومستقبله.

أولًا: مواجهة بين الأطراف الداخلية

التيار الصدري وأنصاره:   مازال  رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر وأنصاره المحرك الرئيسي لاتجاه المشهد العراقي، والاعتصامات المتتالية التي يجريها أنصار الصدر تطالب  بحل البرلمان  وإعادة الانتخابات. ويقدم الصدر مطالب تياره بحل البرلمان على أنها مطلباً شعبياً وسياسياً ونخبوياً لا بديل عنه، وبحسبه يوجد ردود فعل إيجابية بشأن دعوته المتعلقة بذلك،و أن حراك تياره سيستمر حتى تحقيق جميع المطالب.

الإطار التنسيقي:  أما الإطار التنسيقي  صاحب الأغلبية في البرلمان بعد انسحاب  نواب  الصدر ، والذي يسعى لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة ويقوده رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ، فأعلن إدانته الكاملة التجاوز الخطير على المؤسسة القضائية وتهديدات التصفية الجسدية بحق رئيس المحكمة الدستورية. كما أعلن رفضه استقبال أي رسالة من التيار الصدري أو أية دعوة للحوار المباشر، الا بعد أن يعلن عن تراجعه عن احتلال مؤسسات الدولة الدستورية والعودة الى صف القوى التي تؤمن بالحلول السلمية الديمقراطية.

 رئيس الوزراء الحالي : يواصل  رئيس الوزراء  تنسيقه بين  الرئاسات الأخرى  إذ  دعت الرئاسات الأربع في العراق( رئاسة الجمهورية- رئاسة الوزراء- رئاسة البرلمان-رئاسة المجلس  الأعلى للقضاء)، إلى منع التصعيد واتخاذ كل الخطوات لاستئناف الحوار الوطني كطريق وحيد لحل الأزمة،  والذين رأوا أن الأمر يستتدعي موقفا فاعلا وجادا من الجميع لمنع التصعيد واعتماد الحوار الوطني كطريق وحيد لحل الأزمة.

 إقليم كردستان:  يواصل اقليم كردستان تمسكه بحيادية الموقف من الكتل  الشيعية المختلفة، وتعليقًا على ما الاعتصامات التي طالت مجلس  القضاء أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، أن العراق بحاجة إلى حوار وطني جاد ومسؤول بين الأطراف السياسية، في سبيل العثور على حل قائم على أساس الدستور، للخروج من الأزمة والانسداد السياسي والوصول إلى برّ الأمان.وأنه يشعر بقلق بالغ إزاء التطورات السياسية في العراق، والتي تمضي باستمرار صوب المزيد من الفرقة وتعميق الأزمات أكثر فأكثر وإبعاد آفاق الحل

 ثانيًا:  تصعيد غير محسوب

ما يقوم به الصدر من إجراءات  مختلفة يمكن اعتباره  تصعيد غير محسوب  العقوبات وذلك لعدة أسباب: أولها أنها  أدي إلي انخراط العديد من المؤسسات العراقية في  هذا الصراع الذي هو سياسي حزب بالأساس ولا مكان للمؤسسات فيه،وإدخال هذه المؤسسات على خطه يعتبر تكريس لتحجيم سلطات هذه المؤسسات وتقليص دورها ،وربما تدخل علي خط الصراع  بأخذ جانب أحد الأطراف . حصيلة هذا في غير صالح أيا من الأحزاب السياسية ولا في صالح الدولة .

كما أن مطالب الصدر بحل البرلمان  بالرغم من أنه من شرعيته ودستورية انتخابه والتمثيل الذي جرى فيه وكذلك قانونية  اختيار النواب الذين حلوا محل لنواب التيار الصدري بعد استقالتهم، يفقد العملية الانتخابية قدسيتها ويرسخ لربط البرلمانات بالضغط والتحزب السياسي أكثر من امتثالها لقواعد الانتخابات والدستور.

من ناحية أخرى فإن التهديد بعمل مفاجئ  في تصريحات للصدر لوح بـ”خطوات مفاجئة أخرى” للضغط باتجاه تنفيذ مطالبة بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكر، وخطورة الأمر في  صعوبة التنبؤ بمفاجئات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، جانب أن هذا في حد ذاته يرفع حالة الاستعداد والتحفز السياسي والأمني لدى كافة الفصائل السياسية ومؤسسات الدولة، ومن ثم فانزلاق نحو  الهاوية غير بعيد.

ثالثًا: شركاء الأطراف المتصارعة

  إيران : هناك صمت إيراني مستغرب من موقفها من الأحداث في العراق، ولا شك أن الرغبة في عدم الارتباط بإيران يسبب قلقًا واسع النطاق لديها، ويبدو أن إيران تحاول التدخل على خط الأزمة بالوساطة بين الأطرف وفي مطلع أغسطس الجاري زار اسماعيل قاني بغداد  في زيارة تداولتها  وسائل الإعلام الإيرانية  ، لكن لم  يُدلى بأي تصريحات علنية ، ولم يتحدث ممثلو القوى الشيعية الذين التقوه شيئًا علنًا عن هذه الاجتماعات، وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال أن الصدر رفض مقابلة قاني.

إيران في موضع يحتم عليها  التحرك على مستوى دبلوماسي بحساسية وبترقب وذلك لعدة أسباب أهمها  حالة الثورة التي يمر بها الشارع العراقي والتي اصبح التواجد الإيراني بمثابة  سُبة  يتقاذفها التيارات السياسية ، بجانب عدم القدرة على توقع حدود  تصعيد التيار الصدري ومداه.

بعثة الأمم المتحدة في العراق:  أما البعثة الأممية فقالت إن المجتمع الدولي لن يقف مكتوف الأيدي أمام تحركات أنصار التيار الصدري ضد القضاء العراقي، ووصفت التحركات بأنها تعدٍّ على العملية الديمقراطية في العراق، وستجر البلاد إلى وضع أسوأ مما هو عليه الآن.

الولايات المتحدة: قال قائد قوات القيادة الوسطى الأمريكية “سنتكوم” الجنرال مايكل “إريك” كوريلا ، إنه تم وضع القوات الأميركية في سوريا والعراق في حال تأهب تحسبا لهجمات متزايدة من قبل “جماعات إيران الإرهابية”. وأوضح قائد “سنتكوم” أن القوات الأميركية في العراق وسوريا تراقب الوضع عن كثب” وأن “لديها مجموعة كاملة من القدرات للتخفيف من التهديدات في جميع أنحاء المنطقة، والثقة الكاملة في حماية قواتنا وشركائنا في التحالف من الهجمات.

لكن على مستوى رئيس الولايات المتحدة فلم يصدر تفاعل يعبر عن  رؤيته للوضع في العراق، غير تلك التصريحات التي صدرت له قبل أسابيع عن الوضع في الشرق الأوسط و أن  الهجمات الصاروخية ضد القوات والدبلوماسيين الأميركيين شهدت تراجعا ملحوظا، في حين لم ينخرط في التفاعل حول الأزمة الحقيقة المتعلقة بتشكيل الحكومة.

في الوقت الذي يزداد فيه التصعيد السياسي  بين الأطراف الداخلية في العراق يغيب التفاعل المؤثر الحقيقي للقوى الإقليمية  والدولية المتنافسة والمألوف تواجدها وبالتحديد الولايات المتحدة وإيران . لكن يبدو مع ذلك أن السياق  يخدم  الجانب الأمريكي أكثر من غيره؛  فضعف إيران في العراق – حتى ولو بشكل مؤقت- يمكن أن يشجع منافستها الدولية  الولايات  المتحدة لتعزيز نفوذها بالرغم من غياب التفاعل الأمريكي المؤثر حتى الآن.

 رابعًا: السيناريوهات المستقبلية

حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة: ويتوقع هذه السيناريو  أن يتم الامتثال لرغبة الصدر في  حل البرلمان ،وهذا السيناريو غير مرجح فحل البرلمان ليس بالقرار الهين لأنه بدون خارطة طريق للمرحلة القادمة سيذهب  العراق إلى منزلقات خطيرة ، خصوصا أن  الإطار التنسيقي  يبطل دعوى الصدر ، بالقول أنه 90 بالمئة  من النواب ضد أي مسار لحل البرلمان بالوقت الراهن.

الامتثال للحوار: وهذا السيناريو يتوقع ان يتم الامتثال  لطرح رئيس  الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي بإجراء حوار الوطني وهذا السيناريو مرجح ،  وإن كان يتوقع ألا يتم الوصول إليه سريعًا أو بسهولة، لكنه يبدو الأكثر ملائمة لإعادة صياغة المواقف والتوافق حول المطالب خصوصا أن  الصدر كشف  عن تقديم مقترح للأمم المتحدة لمناظرة علنية مع الأطراف السياسية، لكن الأخيرة تجاهلت مقترحه دون أن توضح موقفها بشكل حاسم.

 استمرار الوضع كما هو عليه: وهذا السيناريو يتوقع استمرار تمسك التيار الصدري بمطالبة مع عدم الامتثال لدعوات الحوار ، ومنها استمرار حالة الانقسام السياسي وتفاقمها بين الأطراف  وهذا السيناريوغير مستبعد في ظل حالة الاحتقان والتحفز السياسي وغياب القدرة على التنبؤ بالممارسات التصعيدية التي يلجأ إلي التيار الصدري.

كلمات مفتاحية