إعداد : جميلة حسين
فى ظل انتظار عودة التيار الصدرى إلى المشهد السياسى العراقى من جديد صدر القرار بتجميد أنشطته لمدة عام وغلق مقرات له وإلغاء الاعتكاف فى مسجد الكوفة مع استثناء فعاليات إقامة صلاة الجمعة الموحدة وهيئة التراث الخاصة بالتيار، وجاءت تلك الخطوة عقب تداول مقطع فيديو لجماعة تدعى “أصحاب القضية” يبدون فيه رغبتهم فى إعلان “مقتدى الصدر” المهدى المنتظر. فمن هى تلك الجماعة؟ وما خلفية انسحاب التيار الصدرى من الساحة السياسية؟ وما دلالات قرار التجميد؟ وأخيرًا ما تداعيات هذا القرار؟.
جماعة أصحاب القضية
أصحاب القضية أو أهل القضية هم جماعة دينية ظهرت بين عامى 2007 و2008 خلال فترة العنف الطائفى فى العراق، وتتكون من أتباع “التيار الصدرى” وتقوم على أساس أن “مقتدى الصدر” هو “المهدى المنتظر” الإمام الثانى عشر للمذهب الشيعى الإثنى عشرية، مستندين على بعض الروايات الشيعية القديمة التى تقوم على إمكانية حلول روح شخص فى جسد شخص آخر ” الحلول فى القضية”.
وتظهر تلك الجماعة بين كل فترة وأخرى على الساحة الشيعية وتعتبر امتدادًا للحركات المهدوية المغالية، وعلى الرغم من صغرها مقارنة بالجماعات الأخرى إلا أنها تأخذ منحنى خطيرًا كونها لا تؤمن إلا بالعنف كوسيلة لتحقيق أهدافها، وفى هذا الإطار علق “أحمد رسول” أحد الأكاديميين فى العراق عن أصحاب القضية قائلًا: “إن أصحاب القضية يشكلون أحد الانحرافات الفكرية والعقائدية التى تهدد السلم المجتمعى فى العراق”.
وعلى إثر إعلان زعيم الجماعة مبايعة “مقتدى الصدر” حيث ظهر عبر مقطع فيديو قائلًا “سنبايعه ونعلن أنّه هو الإمام المنتظر ونكون تحت ركابه وفى نصرته، فلا تخذلوا إمام زمانكم”، وعليه أصدرت السلطة القضائية فى العراق قرارًا قضائيًا باعتقال 65 متهمًا من المجموعة بسبب إثارتهم للفتن والإخلال بالأمن المجتمعى، فما تطرحه تلك المجموعة يتعارض مع العقيدة الإسلامية بشكل عام وعقيدة الشيعة بشكل خاص، ويتعارض مع مضمون “التيار الصدرى” الذى يعانى بالأساس من وجود آراء متطرفة داخله، وفسر بعض الخبراء ذلك الأمر بأنه نتيجة غياب الدور الأساسى للصدر بسبب عمليات التجميد التى تطول شخصيات بارزة فيه باستمرار.
دلالات تجميد النشاط
جاء تصريح “مقتدى الصدر” قائلًا “أن أكون مصلحًا للعراق ولا أستطيع أن أصلح التيار الصدرى فهذه خطيئة، وأن استمر فى قيادة التيار الصدرى وفيه أهل القضية وبعض الفاسدين وفيه بعض الموبقات فهذا أمر جلل، فلذا أجد من المصلحة تجميد التيار أجمع ما عدا صلاة الجمعة وهيئة التراث وبرانى السيد الشهيد لمدة لا تقل عن سنة لأعلن براءة من كل ذلك أمام ربى أولًا وأمام والدى ثانيًا، كما يغلق مرقد السيد الوالد قدس إلى ما بعد عيد الفطر، على أن تنفذ هذه القرارات من هذه الليلة المباركة فورًا، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا فوالله قد سئمهم وسئمونى”، وعليه توجد عدة دلالات لهذا القرار والتى يمكن استنباطها فيما يلى:
محاربة أشكال الفساد والتطرف: فقد أكد “مقتدى الصدر” أن تجميد نشاط التيار جاء للتنصل من تلك المجموعة، ومحاربة المفسدين والمنحرفين داخل التيار الصدرى على المستوى السياسى أو العقائدى، وذلك للتخوف من انحراف وتطرف تلك المجموعة بتصريحاتها وتهديدها للمكون الشيعى.
رد التدخلات الخارجية: توجد بعض الآراء التى تزعم بأن هناك أيدى خفية تدعم جماعة “أصحاب القضية” لزعزعة التيار الصدرى داخل المجتمع الشيعى عبر دعوى دينية متطرفة.
إعادة هيكلة التيار: هناك احتمالات أخرى بأن خطوة التجميد جاءت من أجل البعد عن العملية السياسية والحكومة لإعادة تنظيم صفوف التيار وترتيب أوراقه وتمهيدًا لعودته للمشهد السياسى مرة أخرى، خاصة مع وجود ضغوط ممارسه ضده لإعادته مرة أخرى للعملية السياسية، بالإضافة إلى إعادة هيكلته من الناحية العقائدية.
عدم قدرة “مقتدى الصدر” فى حملته إضعاف الفصائل الشيعية الأخرى فى العراق كقوات الدعم الشعبى وتحالف الإطار التنسيقى، ومن ثم إخفاق احتواء النفوذ الإيرانى فى العراق، والسيطرة على ترتيب تقاسم السلطة فى الدولة.
تاريخ من الانسحابات
فى خطوة ليست الأولى من نوعها جاء إعلان التيار الصدرى بتجميد أنشطته بعدما أعلن انسحابه من المشهد السياسى فى أغسطس العام الماضى لتكون المرة التاسعة التى يعتزل فيها مقتدى الصدر العمل السياسى خلال 9 سنوات، على الرغم من جماهيرية التيار العريضة حيث شارك فى معظم الانتخابات البرلمانية العراقية منذ عام 2005 وحتى انتخابات 2021 ودومًا ما كان يحصل على جزء كبير من مقاعد البرلمان.
وجاء الانسحاب الأخير بعد شهور من المحاولات التى باءت بالفشل لتشكيل حكومة جديدة، وعلى إثر اعتصام أنصاره داخل البرلمان العراقى واقتحامهم القصر الجمهورى، وكذلك الاشتباكات وأعمال العنف التى شهدتها المنطقة الخضراء مع فصائل تابعة لقوات الحشد الشعبى، الأمر الذى انتهى بتكليف مرشح تحالف الإطار التنسيقى “محمد شياع السودانى” بتشكيل الحكومة التى نالت ثقة البرلمان فى نهاية الأمر.
وجاء قرار التجميد خلافًا لتوقعات بعض الخبراء السياسيين الذين تحدثوا عن ضرورة عودة التيار الصدرى للساحة السياسية بسبب تمرير البرلمان العراقى قانون الانتخابات الجديد وفق آلية “سانت ليغو” والتى يعترض عليها التيار الصدرى، وكذلك مع اقتراب إجراء انتخابات لمجالس المحافظات نهاية العام الحالي.
ولكن لم يكن قرار “الصدر” هذه المرة نابع من موقف سياسى أو خلافات بين القوى السياسية إنما مواقف عقائدية وصلاحية حيث محاولة التنصل من ادعاءات جماعة أصحاب القضية، مع التأكيد على وجود أخطاء داخل التيار بحاجة إلى إصلاح فورى.
التداعيات المحتملة
يأتى تجميد التيار الصدرى لمدة عام فى مصلحة منافسه الأكبر من الشيعة فى العراق أى تحالف الإطار التنسيقى، الذى تصدر المشهد السياسى بعد نجاحه فى تشكيل حكومة برئاسة “محمد شياع السودانى” من خلال شراكة بين السنة والأكراد.
تعرض القوى المدنية المعارضة للحكومة وكذلك ائتلاف إدارة الدولة والرافضة لقانون الانتخابات إلى خيبة أمل بعد مراهنتهم على إمكانية عودة الصدر إلى المشهد السياسى من جديد فى القريب العاجل .
قيام التيار بعملية إصلاحية حقيقية لما يتمتع به من القدرة على التعافى من الأخطاء والانتكاسات السياسية التى تحدث له، والتى تتم عن طريق التجميد أو إيقاف العمل السياسى داخل التيار، وهو ما يطلق عليه بعض الخبراء “العودة الهادئة”.
إمكانية عودة التيار قبل نهاية العام مرة أخرى بقوة بحسب التحديات السياسية التى قد يواجهها، وكذلك وفقا لطبيعة أداء الإطار التنسيقى فى الحكم من ناحية، ومن ناحية أخرى طبقًا لاستحالة التنبؤ بقرارات التيار سواء للعودة للمشهد السياسى أو البقاء على حالة التجميد.
ختامًا؛ يعتبر تجميد التيار الصدرى لأنشطته لمدة عام ليس بالتطور الجديد على التيار الذى كلما عجز عن مواجهة أزمة سياسية أو دينية قام بالانسحاب من المشهد السياسى والشعبى، وعلى الرغم من أن القرار جاء نتيجة لدعوى “أصحاب القضية” المتطرفة بمهدوية مقتدى الصدر، إلا أن هذا القرار لا يمكنه من القضاء عليهم بل إمكانية كبحهم بعض الشيء إلى حين قدرته على التصدى لأشكال الانحراف والفساد التى طالت بعض عناصر التيار الصدرى، ومن ثم العودة مرة أخرى إلى النشاط السياسى.
ومع تجميد نشاط التيار ستبقى له جماهيرية واسعة يستطيع من خلالها حشد الآلاف من أتباعه وتوجيههم، وسيظل زعيمه “مقتدى الصدر” لاعب سياسى ذو قاعدة شعبية كبيرة ومؤيدة له، حيث دومًا ما يستخدم نسبه الدينى “انتمائه لإحدى أشهر العائلات الدينية الشيعية فى العالم ” فى تعزيز قوته السياسية.