تحالف اقتصادي يجمع الجزائر وموريتانيا ما دوافع التقارُب بين البلدين؟

إعداد: ريهام محمد

المقدمة:

تسعى الجزائر إلى ترقية وتوطيد علاقاتها الثنائية مع موريتانيا، وتدشين استراتيجية بنَّاءة جديدة بين البلديْن الشقيقيْن، من منطلق العلاقة التاريخية التي تجمعهما، على نحْوٍ بدا جليًّا في إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في الخميس 22 فبراير الماضي، عن إطلاق عددٍ من المشاريع الاستراتيجية المشتركة بين الدولتيْن، كان أبرزها المعبر الحدودي، وإطلاق أشغال طريق “تندوف – الزويرات”، ووضع حجر الأساس لمشروع إنشاء منطقة حرة بـ”تندوف” للتبادل التجاري والصناعي بينهما، ويأتي ذلك في ضوْء الظروف السيئة التي تمُرُّ بها علاقات الجزائر بجيرانها في المنطقة جنوب الصحراء، وبخاصَّةٍ “النيجر، ومالي”؛ الأمر الذي ترك أثرًا بالغًا على نفوذها السياسي والأمني كقوةٍ إقليميةٍ، ووفْق هذا التغيُّر الجديد، جاء لقاء “تبون” بنظيره “ولد الشيخ الغزواني”؛ ليؤكد عزْم الإرادة الجزائرية في تطوير علاقتها بالجار المغاربي، الذي يُشكِّلُ امتدادًا لبلدان الساحل.

المحور الأول: المشاريع الاستراتيجية المشتركة بين الجزائر وموريتانيا

قبل ١٠ سنوات، بدأت “الجزائر، ونواكشوط” التفكير في تعزيز التقارُب على مستوى التبادُل التجاري بينهما، عن طريق تدشين معبرٍ بريٍّ كان الأول من نوْعه على الحدود بين الجاريْن، التي ظلَّت منذ الاستقلال شِبْهَ مغلقة؛ نتيجة التحديات الأمنية، لا سيما المنظمات الإرهابية وشبكات التهريب، بجانب صعوبة تضاريس المنطقة، وبعد سنوات من العمل، شهد الخميس ٢٢ فبراير الماضي، لقاءً يجمع بين رئيس الجزائر عبد المجيد تبون، مع نظيره الموريتاني “محمد ولد الشيخ الغزواني” بولاية تندوف، افتتح خلاله الرئيسان معبرًا حدوديًّا، معروف باسم “الشهيد مصطفى بن بولعيد” بين الجاريْن الواقعيْن في شمال القارة السمراء، وخلال اللقاء، وضع الرئيسان حجر الأساس لمشروع إنجاز المنطقة الحرة للتبادل التجاري بـ”تندوف”؛ لغرض تعزيز والرَّفْع من حجم المبادلات بين الطرفيْن، وسبق أن أفصح “تبون” عن تلك الخطوة، في يناير الماضي ٢٠٢٤، وكذا أعطى الرئيسان إشارة البدْء في إطلاق أشغال المرحلة الأخيرة من مشروع الطريق الذي يربط مدينة “تندوف” الجزائرية بـ”الزويرات” الموريتانية، على مسافة ٨٤٠ كيلومترًا، قاطعًا الصحراء في شمال موريتانيا، في إطار تعزيز التجارة والعلاقات الثنائية بين البلديْن، والذي سيتم إنجازه من طرف مؤسسات جزائرية، وبعد استكماله ستحظى الجزائر بامتيازٍ للاستفادة منه لمدة ١٠ سنوات مع التجديد الضمني، ومن ثمَّ سيكون الطريق رابطًا بين عددٍ من الدول الأفريقية، التي ربما وجد أهميته في تلك الآونة الظرفية؛ لأن الطُّرُق الأخرى التي تمر بـ”النيجر، ومالي” تواجه تهديدات أمنية، والطريق الآمن الوحيد هو الذي يمُرُّ عبر موريتانيا نحو غرب أفريقيا؛ لتربطها بـ”تونس، والجزائر”، ومن ثمَّ تكون موريتانيا بوَّابةً تربط شمال القارة بغربها.

كما يعكس مشاركة رئيسيْ البلديْن، مدى الأهمية التي تُولِيها الجزائر لتعزيز التقارب مع موريتانيا بمختلف أبعاده، في الوقت الذي يحرص فيها “تبون” على تسريع وتيرة تدشين المشاريع الاستراتيجية المشتركة مع “نواكشوط” على أرض الواقع، كما تُمثِّلُ المشاركة الفعلية والتنقُّل الشخصي لرئيس الجمهورية “تبون” بولاية “تندوف” للإشراف على انطلاق المشاريع المشتركة مع “نواكشوط”، ترجمةً حقيقيةً للإرادة النابعة من الجزائر؛ لاستحداث إطارٍ جديدٍ مع الجوار، وبخاصة دول الساحل التي تطمح الجزائر في الوصول للعُمْق الأفريقي خلالها، في إطار علاقات الشراكة، ومن هذا المنطلق، تعتبر الجزائر موريتانيا عُمْقها الاستراتيجي نحْو المحيط الأطلسي، في الوقت نفسه، تُعدُّ الجزائر مَمَرًّا لموريتانيا نحو أوروبا؛ ما يعكس المصالح الحيوية المربحة التي يعمل في إطارها البلدان، ففي حين ترتكز رُؤْية الجزائر على الوصول للسوق الموريتاني، ودول غرب أفريقيا المُطِلّة على المحيط الأطلسي؛ بهدف التجارة والشراكة الاقتصادية، قبْل بلوغ سوق منطقة “إيكواس”، من جانبها تستهدف نواكشوط” الاستفادة من السوق الجزائرية والمساعدات المُقدمة لها من خلالها، لا سيما ما يتعلق بزيادة حركة التجارة عبْر المنافذ البرية وتطوير المناطق الحدودية.

ترحيب “جزائري – موريتاني”:

احتفى الجزائريون بالمشروعات التي أُطلقت لتعزيز التبادل التجاري مع موريتانيا؛ حيث رحّبت حركة البناء الوطني بالتطور الواضح الذي تشهده العلاقات “الجزائرية – الموريتانية”، وباركت خطوة تدشين المشاريع الاستراتيجية المشتركة التي ستُعزِّزُ من التقارُب بين الجاريْن، بما يشير إلى ترقية العلاقات الثنائية بينهما إلى مستوى جديد من التكامل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فضلًا عن تأكيد مجلس الاستثمار والتعاون الدولي، على الإرادة السياسية لرئيسيْ “الجزائر، وموريتانيا” في تطوير وتعميق آفاق التعاون بين البلديْن، في خطوةٍ من شأنها تجسيد شراكةٍ اقتصاديةٍ وتجاريةٍ نوْعيةٍ ومتعددة الأوْجُه، تخدم مصالح الطرفيْن على المدى البعيد، ويُحقِّق تكامُلًا اقتصاديًّا.

موريتانيا: احتفى الموريتانيون بتلك المشروعات التي عرضها الجار الجزائري الشقيق، خصوصًا مشروع الطريق البري، الذي من شأنه أن يفُكَّ في نظرهم العُزْلة، ويُعيد الحياة لمنطقةٍ نائيةٍ ظلَّت لعقودٍ مهجورةٍ، ومسرحًا لمطاردات الجيش الموريتاني مع شبكات التهريب.

المحور الثاني: دوافع تعزيز التعاون الاقتصادي بين موريتانيا والجزائر

يمكن القول: إن الجزائر تعتبر موريتانيا هي بوَّابة العبور نحو العديد من الدول الأفريقية، التي تأمل الجزائر في الوصول إليها مؤخرًا؛ لذلك فإن تدشين هذه المشاريع الاستراتيجية المشتركة بين البلديْن في هذا التوقيت، تعكس سعيهما في تحقيق عدة أهداف، أبرزها:

الدافع الأول: تقليص مسارات التصعيد في منطقة الساحل

حيث تصر كُلٌّ من “مالي، والنيجر” على تعزيز علاقاتهما مع المغرب؛ لذا فقد اتخذت كلاهما عددًا من الإجراءات لتحييد تأثير الضغوط الجزائرية على السياسة الداخلية، خاصَّةً فيما يتعلق بالمفاوضات الثنائية الجارية بين الحكومة المالية والجماعات المسلحة في شمال مالي، وهي النقطة التي باتت بمثابة رسائل موجهة للجزائر التي لطالما كانت تمتاز بدورٍ بارزٍ في رعاية اتفاق السلام بين الطرفيْن، بعد قبول الحكومة الانتقالية لـ”مالي” لتلك الوساطة الجزائرية من قبْل؛ ليكون ذلك بمثابة إعلانٍ من الجانب المالي، عن سعيها لإقصاء وتقليص دور الجزائر في رعاية المفاوضات، ومن ثمَّ تحجيم نفوذها في الدولة، تزامنًا مع كثرة الاتهامات الموجهة للجزائر من جانب “مالي”، عن استضافة الجزائر للجماعات المالية دون حضور ممثلين عن الحكومة؛ ما اعتبرته الحكومة الانتقالية تحريضًا ضدها، وعلى الجانب الآخر، فـ”النيجر” سلكت المنحى ذاته في تحييد سياسة الجزائر داخل أراضيها؛ حيث رفضت “النيجر” الاقتراحات الجزائرية حول حلِّ الأزمة مع التكتُّل الإقليمي، الذي يضم دولًا عديدةً في الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد، في ٢٦ يوليو الماضي، والذي نتج عنه الإطاحة بنظام الرئيس السابق “محمد بازوم”، ومن ثمَّ انسحاب “النيجر” من هذا التكتُّل الإقليمي، برفقة دول تحالف الساحل، في ٢٨ يناير الماضي ٢٠٢٤؛ الأمر الذي دفع “النيجر” لمحاولة توسيع نطاق شراكتها الإقليمية مع بعض دول الشمال الأفريقي، وخاصَّةً المغرب، التي اتخذت موقفًا محايدًا، ولم تتأثر علاقتها مع “النيجر” بعد الانقلاب، فضلًا عن الاستثمارات المغربية الضخمة في نيامي؛ الأمر الذي يجعل استقرار “النيجر” هدفًا استراتيجيًّا مُهمًا للمغرب، وقد دفعت تلك التطورات الجزائر للاتجاه نحو تعزيز علاقاتها الثنائية مع موريتانيا، والحفاظ على آخر أوراق الضغط المتبقية في المنطقة.

الدافع الثاني: موازنة الضغوط المغربية على دول الساحل

يتزامن توقيت الإعلان عن المشاريع الاستراتيجية بين البلديْن مع زيارة “علي لمين زين”، رئيس وزراء النيجر، إلى المغرب في ١٢ فبراير الماضي؛ الأمر الذي يشير إلى توجُّه “النيجر” بالمضي قُدُمًا نحْو تعزيز علاقاتها الدبلوماسية والأمنية مع الرباط، لا سيما بعد انضمام “النيجر” إلى المبادرة الأطلسية، بالتزامن مع انضمام “بوركينافاسو، وتشاد، ومالي” إلى المبادرة، التي أطلقها العاهل المغربي محمد السادس، والجدير بالذكر، أن المغرب تتقاسم مع الدول سالفة الذكر -دول تحالف الساحل- اهتمامًا خاصًّا في محاولات تحييد مساعي الجزائر في تعزيز دورها في عملية صياغة الترتيبات السياسية التي تتم في المنطقة، وبعد انضمام تلك الدول للمبادرة الأطلسية، أعلنت الجزائر عن فرْض عقوبات اقتصادية بإلغاء القروض التي وعدت بتقديمها لدول المنطقة؛ الأمر الذي ربما يعكس آثار قلق الجزائر من تمدُّد النفوذ المغربي في منطقة الساحل على حسابها.

وعليه، أصبح تعزيز العلاقات الجزائرية مع موريتانيا من خلال تدشين المشاريع الاستراتيجية، يمكن أن يُمثِّلَ بديلًا عن المبادرة الأطلسية، والذي يأتي بعد إعلان الجزائر منذ فترةٍ وجيزةٍ عن تحديد منطقة حرة جنوب البلاد للتبادل التجاري لصالح “النيجر، وموريتانيا، ومالي”، وذلك لموازاة عمليات الاستقطاب المغربية لدول الساحل الأفريقي عبْر المبادرات الأمنية والاقتصادية التي تطرحها.

الدافع الثالث: استقطاب الدعم الموريتاني لصالحها في قضية الصحراء الغربية

حيث تكشف كافَّة التحرُّكات التي تتخذها الجزائر على كافَّة الأصعدة السياسية والأمنية والعسكرية في المنطقة، عن مساعيها نحو استقطاب الموقف الموريتاني في ملف الصحراء الغربية، والتي لطالما حافظت على موقفها المحايد وعدم الانزلاق بالانحياز نحْو أيٍّ من الجارتيْن -الجزائر والمغرب- تجاه هذا الملف، وربما يرجع ذلك أيضًا إلى توظيف موريتانيا لموقفها الحيادي؛ لتحقيق أقصى استفادةٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ من الطرفيْن، لا سيما أن المغرب مستمرةٌ في الإعلان عن مبادراتها الاقتصادية والأمنية؛ لتعزيز العلاقات مع “نواكشوط”، كما تشهد الأخيرة زيارات متكررة من جانب الدبلوماسيين والعسكريين المغاربة.

وربما يعكس أيضًا سعي الجزائر إلى استهداف معبر الكراكرات بين “الصحراء الغربية، وموريتانيا”، الذي يُشكِّلُ الشُّرْيان الحيوي للتجارة بين “نواكشوط، والرباط” ممتدًا نحو العُمْق الأفريقي.

ختامًا:

بلا شَكٍّ أن مساعي الطرفيْن للارتقاء بالشراكة بمختلف أبعادها ودوافعها تُعدُّ – بالكثير – في إطار مصالح حيوية مُرْبِحَة للجانبيْن، اللذيْن تواجههما تهديدات داخلية وخارجية كثيرة، سيصُبُّ التعاون الثنائي بينهما في حلِّها، والتخفيف من حِدَّتِها، في الوقت الذي وضعت فيه الجزائر الشراكة الأفريقية ضمن أهدافها، ومن هذا المنطلق، سيُسَاهِمُ تدشين رئيسيْ “الجزائر، وموريتانيا” من تلك المشاريع التكاملية في الدَّفْع بالعلاقة الثنائية بين البلديْن، في الوقت الذي ظلَّت فيه المشاريع المشتركة مجرد حِبْرٍ على ورقٍ لسنوات طويلة، وعليه، فمن المتوقع أن يكون لهذه التطورات التي طَرَأَتْ على صعيد العلاقات بين “نواكشوط” من جهةٍ، وكُلٍّ من “الجزائر، والرباط” من جهةٍ أُخرى، صدى بالغ الأَثَرِ في منطقة الساحل الأفريقي، وكذا من  الممكن أن يُحدِثَ التنافُس “الجزائري – المغربي” في المنطقة حالةً من الاستقطابات والصراعات السياسية، في ضوْء اصطفاف بعض الدول مع المغرب، واصطفاف البعض الآخر مع الجزائر، منها احتمالية تأثير الحوافز الاقتصادية التي تقدمها الجزائر لـ”نواكشوط”، في خروج الأخيرة عن حيادها واعترافها بحق تقرير المصير في الصحراء؛ ما يعني توجُّهها إلى الانحياز والاصطفاف مع الجزائر، وعلى ضوْء ذلك، فيمكن القول في النهاية: إن قضية الصحراء سوف تبقى المتغيِّر الأساسي الذي سيكون له دورٌ رئيسيٌّ في تحديد اتجاهات العلاقات بين “الرباط، والجزائر” من جهة، ودول الساحل من جهةٍ أُخرى، لا سيما في ظِلِّ المصالح المتقاطعة وحالة السيولة التي تتسم بها أنماط التفاعلات التي تجري بين هذه الدول.

المراجع:

سفيان حشيفة، “طريق تندوف-الزويرات.. شريان اقتصادي محوري بين الجزائر وموريتانيا”، جريدة افريكا، ٢٧ فبراير ٢٠٢٤.

https://africanews.dz/213/

الشيخ محمد، هل تتحول موريتانيا إلى «بوابة تجارية» للجزائر نحو دول غرب أفريقيا؟، صحيفة الشرق الأوسط، ٢٤ فبراير ٢٠٢٤

https://rb.gy/dis4il

كلمات مفتاحية