إعداد: جميلة حسين محمد
بالتزامن مع تصاعد الضربات الموجهة لحركة الملاحة الدولية فى البحر الأحمر واختطاف السفن الإسرائيلية من جانب الحوثيين ردًا على الحرب فى قطاع غزة فى ظل سيطرته على سواحل عدة من اليمن، جاء الكشف عن احتمالات التقارب والتنسيق بين الحوثيين وتنظيم القاعدة المرتكز فى الجنوب اليمنى لتدعيم الهجمات البحرية الموجهة إلى سواحل البحر الأحمر ضد المصالح الغربية، وفى هذا السياق كشفت بعض المصادر النقاب عن عدة لقاءات عقدت بين الطرفين فى صنعاء والحديدة، وعلى الرغم من أن هذا التنسيق ليس بجديد بينهم إلا أنه يحمل العديد من الدلالات المهمة وبإمكانه مفاقمة الأزمة لمستويات غير مسبوقة.
دلالات التحالف المحتمل
تعاون مشترك بين الطرفين:
يأتى التعاون المحتمل بين الحوثى والقاعدة فى إطار استفادة كل منهما من الأخرى لاسيما فى ظل وجود عدو مشترك للطرفين سواء كان يمنيًا أم دوليًا، والتنسيق بين الجانبين ليس وليد اللحظة، إنما مرت العلاقة بينهما فى إطار من التعاون تارة، والخلافات البينة تارة أخرى خاصة وأن لكل منهما خلفية عقائدية مختلفة إحداها شيعية والأخرى سنية، ومؤخرًا نمى التنسيق الخفى بين الجانبين منذ فبراير العام الماضى من خلال الإفراج عن عناصر من تنظيم القاعدة فى سجون الحوثى وتم خروجهم على 4 دفعات، تم استكمال الدفعة الرابعة فى أكتوبر الماضى ليشمل إجمالى المفرج عنهم هذا العام 32 عنصرًا إرهابيًا.
على صعيد آخر، استخدم الحوثيين تنظيم القاعدة فى عدد من المهام فى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية فى عدن و”شبوة أبين” و”حضر موت” وغيرها من أجل إحداث توترات أمنية واستهداف قادة ومسؤولين لا سيما من قوات الأمن، كما سهل الحوثيون إقامة بعض قيادات تنظيم القاعدة فى المناطق الخاضعة لسيطرتهم خاصة فى البيضاء، ووفقًا لما صرحت به بعض المصادر من عقد جماعة الحوثى اجتماعات فى العاصمة صنعاء مع قيادات رفيعة من تنظيم القاعدة المتواجدين فى محافظتى أبين والبيضاء للتنسيق بين الجانبين فيما يخص التحركات داخل بعض المحافظات اليمنية أخرى متعلقة بالتنسيق الاستخباراتى والمعلوماتى عن بعض الأهداف المفترض استهدافها بالصواريخ والطائرات المسيرة.
سياسة سيف العدل:
بعد تولى “سيف العدل” المقيم فى إيران قيادة تنظيم القاعدة خلف “أيمن الظواهرى”، اختلفت توجهات التنظيم المركزى بشكل ما فى الأبعاد الأمنية والتنظيمية والمالية، لتأسيس مرحلة جديدة من العمل الجهادى لاسيما فى اليمن تكون مع إعطاء الأولوية للعمليات الخارجية ضد المصالح الغربية، وتزامن مع توليه إبرام صفقة تبادل الأسرى مع الحوثى فى إطار توجهات سيف العدل بالتعاون مع أذرع إيران فى دولهم ومن ثم تعاون فرع القاعدة الموجود فى اليمن مع الحوثى، ولم يقف الأمر عند الصفقة سالفة الذكر وإنما تطورت مع عدم تنفيذ أى عملية إرهابية فى مناطق وجود جماعة الحوثى وتجنب استهدافهم، ووجود عمليات مشتركة بينهم، مع تنفيذ العمليات ضد المصالح الغربية والقوات المناهضة للحوثيين من ناحية، ومن ناحية أخرى ضد المجلس الانتقالى الجنوبى.
تعقد الضربات فى البحر الأحمر:
ردًا على الممارسات الإسرائيلية فى حربها على قطاع غزة ومساندة الدول الغربية لها، عزم الحوثيون فى الفترة الماضية على تصعيد هجماتهم ضد السفن التجارية والحربية فى ممرات الملاحة الدولية فى البحر الأحمر، وأطلقوا طائرات مسيرة استهدفت عدة سفن تابعة لأمريكا وعطلت حركة الملاحة فى مضيق باب المندب، مما ترتب عليه تشكيل الولايات المتحدة الأمريكية تحالفًا دوليًا بالاشتراك مع بريطانيا فى البحر الأحمر من أجل مواجهة التصعيد الحوثى، إلى جانب إعادة تصنيف الحوثيين ككيان إرهابى بعدما أسقطت هذا التصنيف بعد فترة من تولى الرئيس “جو بايدن” الرئاسة الأمريكية.
وعلى الرغم من عدم قدرة عمليات التحالف على تحييد التحرك الحوثى، إلا أن جماعة الحوثى تعلم مدى صعوبة تحركاتها والتداعيات المترتبة عليها لاسيما من جانب أمريكا والدول الغربية مما يتطلب استخدامها لعدد من الأدوات لاستكمال عملياتها فى البحر الأحمر، ويأتى التعاون بينها وبين تنظيم القاعدة فى هذا السياق وتوظيف التنظيم لما لديه من خبرات قتالية نوعية فضلًا عن استعداد التنظيم لتنفيذ أعمال انتحارية باعتباره عملًا جهاديًا وواجبًا شرعيًا ضد العدو الغربى.
محاولات الصعود من جديد:
يعانى تنظيم القاعدة المركزى من تصدعات داخلية تؤثر بشكل كبير على الفرع المحلى له فى اليمن “القاعدة فى جزيرة العرب” ويحتاج إلى العودة إلى المشهد العملياتى لاسيما فى ظل الجهو المبذولة من القوات الجنوبية لمكافحة التنظيم والقضاء على عناصره وقياداته، وكذلك تدمير أهدافه ومعاقله الرئيسية التى ينشط فيها.
وبطبيعة الحال يأتى هذا التحالف والتفاهم فى إطار تقديم جماعة الحوثى دعمًا للتنظيم من أجل تجاوز أزماته خاصة على المستوى المادى لإعادة زخمه فى الجنوب ضد القوات الجنوبية خاصة فى محافظتى أبين وشبوة، إلى جانب دعم الحوثى بالأدوات العملياتية للتنظيم والعبوات الناسفة، وكذلك بالطائرات المسيرة، فسبق أن أعلن تنظيم القاعدة فى مايو الماضى عن مسؤوليته عن هجوم بطائرة مسيرة استهدفت إحدى مواقع قوات دفاع شبوة فى منطقة المصينعة بالمحافظة، وقد أشار ذلك الهجوم إلى أن التنظيم لديه حلفاء جدد يدعموه على المستوى المادى والعملياتى تأتى فى مقدمتهم جماعة الحوثى.
موقف داعم للعمليات فى البحر الأحمر:
ساهمت الأحداث المتصاعدة فى غزة من التقارب بين جماعة الحوثى والقاعدة خاصة مع تأييد الأخير للعمليات الحوثية فى البحر الأحمر تزامنًا مع رؤية تنظيم القاعدة المركزى للقضية الفلسطينية وتحرير الأقصى كعنصر أساسى فى خطابات التنظيم، التى اعتبرت أن عملية طوفان الأقصى فى الأصل هى الرد الأنسب للعدوان الإسرائيلى المدعوم من أمريكا وغالبية الدول الأوروبية، والدفع نحو التنسيق بين الطرفين لشن مزيد من الهجمات فى ضوء الهجمات المضادة من الجانب الأمريكى والغربى ضد الأهداف الحوثية.
تداعيات خطرة
تطرح احتمالات التنسيق المشترك بين تنظيم القاعدة وجماعة الحوثى عواقب وخيمة لاسيما على الداخل اليمنى وخطوط الملاحة الدولية، مستغلين الأحداث فى غزة لتنفيذ حملات ضد المصالح الإقليمية والدولية، وكذلك تنفيذ أجندة من أجل تحقيق مكاسب إقليمية والسيطرة على الملاحة الدولية فى البحر الأحمر وباب المندب، الأمر الذى يمثل تهديدًا مباشرًا لقوات التحالف ضد الحوثيين، فضلًا عن الضغط على قوات المكافحة الجنوبية وقوات الحزام الأمنى ضد تنظيم القاعدة المدفوع بالدعم الخفى من الحوثى، وما يترتب عليه من تصاعد الاغتيالات والعمليات الإرهابية والتفجيرات الانتحارية من جديد.
ومن ناحية أخرى، احتمالات تصاعد الضرر الواقع على مصالح الدول فى خطوط الملاحة فى البحر الأحمر وتوسيع دائرة الصراع، وما ينتج عنه من ضرورة الرد على الهجمات من أجل ضمان أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر وطرق التجارة الدولية، مع تأكيد جماعة الحوثى عدم التراجع عن توجهاتها وعملياتها المستهدفة للسفن لاكتساب مزيد من الشعبية فى الأوساط اليمنية والإقليمية خاصة وأنها ليست فقط مع القضية الفلسطينية وتكافح الممارسات الإسرائيلية بل أنها ضد الدول الغربية المساندة لإسرائيل، هذا إلى جانب إضفاء الشرعية لإدعاءات كل من الحوثيين وتنظيم القاعدة المتركزة على محاربة “العدوان الأمريكى”.
مما سبق؛ عمقت الحرب فى غزة من التوجهات المناهضة ووصلت إلى حد طرح إمكانية التحالف بين جماعة الحوثى وتنظيم القاعدة لخدمة مصالح كل منهما فى المنطقة، فبالنسبة لجماعة الحوثى استكمال أجندتها ومخططاتها لاسيما فى البحر الأحمر وبالنسبة للقاعدة إعادة إحياء لنشاطه بعد فترة من التراجع على الساحة اليمنية فى الجنوب بفضل العمليات الأمنية للقوات الجنوبية، وبوجود زعيم جديد للتنظيم “سيف العدل” تميل توجهاته ناحية التعاون مع جماعة الحوثى، ولما يفرضه هذا الأمر من عواقب وخيمة على الداخل اليمنى وخارجه خاصة فى منطقة البحر الأحمر بذريعة جهادية، يتطلب الوقوف أمام تلك التهديدات الخطرة خاصة وأن الأمر ليس معنى فقط بمواجهة دولة إقليمية فى المنطقة بل تطور ليشمل تهديد لمصالح دول كبرى تمثل منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لهم محور إستراتيجى.