تحالف بحري “إيراني – خليجي” محتمل… هل يتحقق؟!

إعداد: رضوى الشريف

قبل سنوات قليلة، كان الحديث عن تحالف يضم إيران ودول الخليج معًا، ضربًا من الخيال، ولكن عقب الانفتاح “السعودي – الإيراني” الأخير، يبدو أن الأمر بات محتملًا حدوثه؛ حيث أعلنت طهران منذ فترة على لسان قائد قواتها البحرية، الأدميرال شهرام إيراني؛ إن ثمة تحالفًا بحريًّا مع دول إقليمية منها “السعودية، والإمارات، وقطر، والبحرين”، وذلك بعد أن وصلت دول المنطقة إلى النقطة التي تقول: إن الحفاظ على الأمن يجب أن يتم من خلال التعاون المتبادل.

وعلى الرغم من أن بقية الدول المعنية لم تعقب، لكن هذا التحالف المحتمل سيكون بمثابة اختراق كبير نحو شرق أوسط واحد دون انقسامات سياسية وقوى خارجية، فلطالما هيمنت العلاقات المتوترة بين “إيران، والسعودية” على ديناميكيات المنطقة، وأهدافها الجيوسياسية وأيديولوجياتها المتعارضة كانت تزيد الأمور سوءًا، إلا أن التطورات الدولية والإقليمية الأخيرة أظهرت رغبة في سدِّ هذه الانقسامات ومتابعة التعاون، وبناء على ذلك؛ يأتي التحالف البحري – الذي لم يبدأ بعد – خاصة أن المناورات التي اشتركت فيها طهران مع “الصين، والهند، وروسيا” في وقت سابق، أثبتت للقوى الإقليمية، ومن بينها الخليجية، أنها تمتلك قدرات واسعة في هذا الصدد، ويمكنهم الدخول معها في تحالف.

يُذكر، أن طهران طرحت مبادرات للتعاون والأمن البحري في الخليج العربي عدة مرات، في ظل الحكومات المختلفة منذ أكبر “هاشمي رفسنجاني” وحتى “محمد خاتمي، ومحمود أحمدي نجاد، وحسن روحاني”، وتمحورت كافة المبادرات الإيرانية حول ضرورة بناء إطار شامل للثقة والتعاون في هذه المنطقة الاستراتيجية، أيْ استبعاد عدم الثقة في المستقبل والتوتر والأزمات، والتأكيد مرةً أُخرى، أن جوهر الترتيبات الإقليمية يجب أن يقتصر على الدول الخليجية الثمانية، والأهم من ذلك تعتبر إيران أن العامل الأجنبي والخارجي هو مصدر عدم الاستقرار في المنطقة؛ لاختلاف طبيعة مصالح القوى الخارجية المختلفة والمتنافسة.

وعلى الرغم من المبادرات السابقة، والتي كانت من الممكن أن تسهم في التعاون والأمن الإقليمي البحري بين إيران ودول الخليج العربي، إلا أن إيران استمرت في ممارسة سلوكيات تزعزع الثقة في النوايا الحسنة المتضمنة في مبادراتها،  فدائمًا ما تثير دول الخليج العربي مخاوفها علنًا حول ما تمثله إيران من تهديدات، تتمحور بشكل مستمر حول الرغبة الإيرانية للسيطرة على الخليج العربي، وإثارة النزاعات الحدودية والإقليمية مع جيرانها العرب، فضلًا عن محاولاتها التأثير بشكلٍ كبيرٍ في مستويات إنتاج النفط والأسعار، والتهديد الدائم بالقدرة على إغلاق مضيق هرمز.

ولكن تأتي المبادرة الأخيرة، في ظل بيئة إقليمية جديدة، تتسم بأنها أكثر انفتاحًا وتصالحيةً؛ إذ إن التطورات التي شهدتها المنطقة في السنوات الماضية من استهداف ناقلات نفط إيرانية وخليجية، دفعت دول المنطقة للتوصل إلى نتيجة، مفادها؛ أن حفظ الأمن يستوجب تحالفًا إقليميًّا، بغض النظر عن الوجود الأمريكي الذي أصبحت تراه دول المنطقة بأنه غير فعَّال في مواجهة التهديدات البحرية، فمن المثير للاهتمام، أن إعلان إيران لتحالف بحري محتمل مع دول الخليج العربي، يتزامن مع القرار الأخير لدولة الإمارات العربية المتحدة بالانسحاب من تحالف بحري، تقوده الولايات المتحدة في الخليج يسمى القوات البحرية المشتركة، بعد تقييمٍ للتعاون الأمني؛ حيث ذكرت تقارير، أن الإمارات “كانت محبطة” من عدم رد واشنطن على احتجاز طهران لناقلات نفط في مياه الخليج مؤخرًا.

الآثار المحتملة للتحالف البحري على المنطقة

الآثار المحتملة لمثل هذا التحالف يمكن وصفها بشكل مجمل بأنها “معقدة”، فيمكن أن يساعد التحالف تعزيز الاستقرار الإقليمي، وعلى وجه النقيض، يمكن أن يُفضي ذلك إلى زيادة التوتر والصراع.

الأمن والازدهار الاقتصادي

سيكون للتحالف البحري “الإيراني – الخليجي” تأثير كبير على أمن المنطقة؛ حيث سيعتزم على التحالف التعامل مع القضايا الأمنية، مثل “التهديدات البحرية، وعدم الاستقرار في ’الخليج العربي، وخليج عمان’”، من خلال تعزيز التعاون بين هذه الأنظمة المتنافسة تقليديًّا، ويمكن للجبهة الموحدة أن تُعزِّز قدرة المنطقة على صدِّ الهجمات الخارجية، وتضمن أمن الطرق الاقتصادية الرئيسية.

وإلى جانب ذلك، يُعدُّ التكامل الاقتصادي والتعاون من الفوائد المحتملة للتحالف البحري “الإيراني – الخليجي”، خاصةً أن المنطقة تحتوي على بعض أهم طرق الشحن في العالم، مثل “قناة السويس، ومضيق هرمز”، الأهم من ذلك، أن الشرق الأوسط لديه أكبر احتياطيات من النفط والغاز، وتدرك الدول المشاركة المزايا المحتملة لزيادة الاستثمار والتجارة ومشاريع البنية التحتية التعاونية، كما يمكن لهذه البلدان إطلاق العنان للإمكانات الاقتصادية للمنطقة، وتحسين نوعية الحياة لمواطنيها، من خلال الجمع بين مواردهم ومعرفتهم.

التداعيات الدبلوماسية

هناك تداعيات دبلوماسية كبيرة من إنشاء التحالف البحري، فيمكن قراءته بأنه يتحدى هيمنة القوى الخارجية، ويعيد تنظيم العلاقات التقليدية في الشرق الأوسط، وفي إطار ذلك، هناك نوعان من الديناميكيات الهامة هنا.

أولاً، يبدو أن “إيران، والدول الخليجية” بدأت تدرك أن صراعها الإقليمي يؤثر سلبًا على تنميتها.

ثانياً، قلصت الولايات المتحدة تدريجيًّا مشاركتها في الشرق الأوسط، وحوَّلت تركيزها نحو شرق آسيا؛ نتيجةً لذلك، لم يعد يُنظر إلى واشنطن كمزود حل للقضايا الإقليمية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن ملاحظة أن القوى الخارجية منقسمة بالفعل في دعمها أو معارضتها لهذا التحالف المعلن عنه حديثًا، على سبيل المثال، تجاهلت الولايات المتحدة مزاعم إيران، واتهمت إيران بأنها المصدر الرئيسي لـ “عدم الاستقرار الإقليمي”،  فرفض “تيم هوكينز”، المتحدث باسم الأسطول الخامس الأمريكي، التصريحات الإيرانية بإنشاء تحالف بحري، وذكر أن الولايات المتحدة تُعزِّز دفاعها حول مضيق هرمز، وفي المقابل، تبنت الصين المبادرة وأعربت عن دعمها، مؤكدة أنها تدعم الدول الإقليمية في متابعة التنمية من خلال الوحدة والسيطرة على مستقبلها.

إجمالًا:

لا شك بأن إنشاء تحالف البحري بين “إيران، ودول الخليج” – في حال حدوثه – سيكون تطورًا مهمًا في الشرق الأوسط، فهو سوف يشير إلى تحوُّل في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط، من خلال تسليط الضوء على التفاهم المتزايد بين دول المنطقة، بأن التعاون والوحدة ضروريان للاستقرار والتنمية على المدى الطويل، ولكن لايزال هناك حاجة إلى مزيدٍ من الدراسة لتقييم نتائج هذا التعاون؛ لأن نجاحه وتأثيره النهائي لا يزالان مجهولين؛ حيث قد تعيق قضايا، مثل المصالح المتنافسة واستياء القوى الخارجية تطور تلك الفكرة، ولكن كل هذا مرهون بمدى جهوزية إيران في إبداء حسن نواياها تجاه المنطقة، فلفترة طويلة، انقسمت هذه البلدان؛ بسبب الريبة وعدم الثقة.

كلمات مفتاحية