تحت رعاية مصرية.. توافق في ليبيا على إجراء انتخابات “رئاسية وبرلمانية” ما فرص نجاح هذا الاتفاق؟

إعداد: رضوى الشريف

كشف خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، عن شكل السلطتيْن “التنفيذية والتشريعية” في البلاد، حسبما نصَّت عليهما الوثيقة الدستورية، بعدما تمَّ التوافُق عليها مع مجلس النواب الليبي، برئاسة عقيلة صالح، وقال “المشري” في تصريحات تليفزيونية، مساء الأحد 8 يناير: إن الوثيقة الدستورية تتضمن أن تكون السلطة التشريعية من غرفتيْن: وهما مجلس النواب ومقرُّه بنغازي، ومجلس الشيوخ ومقرُّه طرابلس؛ لإحداث توازنٍ سياسيٍّ.

وأضح أن مجلس النواب سيتم انتخابه بالنظام “الفردي والقائمة”، أمَّا انتخاب مجلس الشيوخ فسيكون بالنظام الفردي فقط، وسيكون على كل مُترشح في انتخابات مجلس الشيوخ، أن يحصل على أكثر من (50 % +1) من الأصوات.

وذكر أن الوثيقة الدستورية تنصُّ على أن تتكون السلطة التنفيذية من “رئيس وحكومة”، والرئيس هو من يُعيِّنُ الوزراء.

وتنتظر ليبيا انفراجةً سياسية، بعد توافُق رئيس مجلس النواب الليبي، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، يوم الخميس الماضي، على وضْع خارطة طريقٍ؛ لإتمام العملية الانتخابية، وذلك خلال الاجتماع في القاهرة، بحضور رئيس مجلس النواب المصري، حنفي جبالي.

ولكن ما فرص نجاح هذا الاتفاق؟

معضلة رئيسية تقف في الطريق

تحدَّث “المشري” عن شروط الترشح لرئاسة الجمهورية، التي تم الاتفاق عليها مع مجلس النواب، في الوثيقة الدستورية، وقال: إنه سيكون على أيِّ عسكريٍّ أو مسؤولٍ آخر، تقديم استقالته قبل الترشُّح لرئاسة البلاد، كما يشترط ألَّا يكون قد صدر بحقِّ المترشح حكمٌ قضائيٌّ، وإن لم يكن باتًّا.

إلَّا أن المعضلة الرئيسية القائمة والمتبقية بين المجلسيْن، هي ترشح مزدوجي الجنسية؛ حيث يرى “المشري” عدم أحقيّتهم في الترشُّح، فيما يرى مجلس النواب خلاف ذلك.

وتكْمُنُ صعوبة تجاوز هذه المعضلة؛ لأنها متعلقة بإصرار المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني»، على الترشُّح للرئاسة، دون التنازل عن جنسيته الأمريكية.

ويمارس “حفتر” ضغوطًا شديدةً على عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب؛ لعدم التنازل أمام اشتراط خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، بعدم ترشُّح مزدوجي الجنسية، كما هو معمول بها في كل دساتير العالم، وأيضًا تحفُّظه على ترشُّح العسكريين.

ودافع “حفتر” خلال خطاباتٍ ألقاها “شرق وجنوب” البلاد، عن ترشُّح العسكريين، وفي ديسمبر الماضي، شدَّد على أنه “لا يمكن لأحد منْع العسكريين من حقوقهم الطبيعية، والمشاركة في العملية الانتخابية”.

ترحيل الخلاف

رغم أن المجلسيْن يقفان على أرضيةٍ مشتركةٍ، ألا وهي ضرورة إجراء الانتخابات، وموافقة “المشري” على الإطاحة بحكومة “الدبيبة” في طرابلس؛ لعدم قدرتها على تأمين الانتخابات في كامل البلاد، إلَّا أن “عقيلة” ظلَّ متمسكًا بأحقيّة “حفتر” بالترشُّح للرئاسة، ورفض أيَّ تنازلٍ بهذا الشأن.

وأمام استمرار هذا الانسداد، اتفق “المشري وعقيلة” على ترحيل الخلاف إلى مرحلة إعداد قوانين الانتخابات، التي سيعُدُّها مجلسا “النواب والدولة”.

وأقرّ “المشري” ذاته، أن مجلسيْ “النواب والدولة” لن يحلَّا هذا الخلاف، حتى بعد ترحيله للجان إعداد قوانين الانتخابات في المجلسيْن.

لذلك تمَّ الاتفاق على حلٍّ منطقيٍّ، لكنه ليس عمليًّا، في ظلِّ الظروف الليبية؛ بعرض المواد الخلافية على الاستفتاء الشعبي لحسْمها، والتعهُّد بقبول أيِّ نتيجةٍ يقرُّرها الشعب.

والمنطقيُّ في هذا الحل، أن الشعب مصدر كل السلطات، وإذا أخفق ممثلو الشعب في التوصُّل إلى حسْم خلافاتهم، فتُعاد السلطة إلى الشعب؛ للفصل فيها عن طريق الاستفتاء.

غير أن هذا الخيار غير عملي؛ لأن مشروع الدستور جاهز منذ 2017، ولا ينْقُصُ سوى عرضه على الاستفتاء الشعبي، بعد صدور قانون الاستفتاء، ومع ذلك لم يُعرض؛ لأن هناك أطرافًا ترفُضُه، خاصةً أنه يمنع صراحةً ترشُّح مزدوجي الجنسية للرئاسة.

لذلك فاتفاق “المشري وعقيلة” لم يحُل جوهر الخلاف بين “الغرب والشرق” الليبي، وما لم يتم حسْم مسألة ترشُّح “حفتر” للرئاسة، سيظلُّ الجميع يدور في دائرةٍ مُفْرَغَةٍ.

ملامح الفترة القادمة

كان أهم ما تحقَّق في لقاء القاهرة، أنه “وضع العربة على سكة الانتخابات” على حدِّ قول “المشري”؛ أيْ لم يتم وضع خارطة طريق للانتخابات، ولكن تم تحديد معالم هذا الطريق.

المرحلة الأولي

أُولى هذه المعالم، اجتماعٌ ثانٍ لـ”المشري وعقيلة” داخل ليبيا، بحضور المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي، والذي يفترض أن يتم خلاله، تحديد موعدٍ جديدٍ للانتخابات، كما شدَّد عليه المبعوث الأمريكي إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند.

والأهم من ذلك، الاتفاق على آخر التفاصيل المتعلقة بالقاعدة الدستورية؛ لعرضها على مجلسيْ “النواب والدولة”؛ لاعتمادها رسميًّا.

المرحلة الثانية

بعد الانتهاء من اعتماد القاعدة الدستورية، تأتي مرحلة أخرى لا تقل صعوبةً عن الأُولى، تتمثل في إعداد القوانين الانتخابية، والتي تتضمن عدة نقاط خلافية، فهناك مادتان أو ثلاثة مُرَحَلَّة من القاعدة الدستورية، بالإضافة إلى توزيع الدوائر الانتخابية.

المرحلة الثالثة:

تتمثل في الاستفتاء الشعبي على المواد الخلافية، والذي من الصعب على “حفتر” السماح بتنظيمه في مناطق سيطرته بـ”الشرق والجنوب”، خاصةً وأن ثلثيْ الناخبين يتركزون في المناطق الغربية المناوئة له، إلَّا إذا ضَمِنَ بنسبةٍ كبيرةٍ أنه سيصُبُّ لفائدة ترشُّحه للرئاسة.

المرحلة الرابعة:

ويتم خلال تلك المرحلة، تشكيل حكومةٍ جديدةٍ، بالتوافق بين مجلسيْ “النواب والدولة”، مع احتمال تغيير تشكيلة المجلس الرئاسي؛ لتضم “المشري وعقيلة”، بدلًا من محمد المنفي، ونائبيْه “عبد اللافي وموسى الكوني”.

ومن المتوقع، أن يرفض عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، إنهاء حكومته، وأن يقاوم أيَّ اتفاقٍ في هذا السياق، مع تمسُّكه بأحقيّة حكومته في تنظيم الانتخابات، رغم عدم خضوع المناطق “الشرقية والجنوبية” لسلطته.

وخلال هذه المراحل، سيواصل “المشري وعقيلة” تنفيذ اتفاقهما، بخصوص توزيع المناصب السيادية، وبالأخص محافظ البنك المركزي (من نصيب الشرق)، ورئيس مفوضية الانتخابات (من نصيب الغرب).

وإذا نجح “المشري وعقيلة” في تجاوز كل هذه المراحل، حينها فقط يمكن الحديث عن إجراء الانتخابات، ولا يبقى عندها سوى توفير الوسائل “اللوجيستية والأمنية” لإجرائها.

حيث تم الاتفاق أن تُجرى انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) بالتزامن مع الدور الأول للانتخابات الرئاسية، بينما تُجرى انتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) بالتزامن مع الدور الثاني للرئاسة.

لكن حتى ولو أُجريت الانتخابات بسلاسةٍ، فلا تُوجد ضمانات، بأن الطرف الخاسر سيقبل بنتائجها، خاصةً إذا أدَّت إلى وصول شخصية جدلية إلى السلطة، فحينها سيكون هناك مخاوف من أن يتكرر سيناريو انتخابات 2014، بعنف أكثر.

فمسار الانتخابات الليبية مزدحمٌ بالعقبات والمطبَّات “السياسية والأمنية”، ويحتاج إلى إرادةٍ قويةٍ من الأطراف الداخلية، ودعمًا من الجهات الخارجية؛ للوصول إلى المحطة النهائية بسلام.

كلمات مفتاحية