إعداد: أحمد محمد فهمي
باحث متخصص في الشؤون التركية والإقليمية
تعيش منطقة الشرق الأوسط على وقع تحولات ديناميكية، تتسارع وتعقد بفعل الأحداث والتطورات المتلاحقة. ومن بين هذه التحولات، تبرز تأثيرات عملية “طوفان الأقصى” والتداعيات التي نتجت عنها، والتي لا تزال تلقي بظلالها على الساحة الإقليمية. في هذا السياق، برزت تحديات وتهديدات متزايدة تشكل ضغطًا كبيرًا على مسار العلاقة بين الدولة التركية وحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، خاصة وان هذه العلاقة تأتي في سياق توترات إقليمية ودولية تتسارع وتتطور.
وعلى الرغم من العلاقة المميزة التي ربطت بين الحزب الحاكم في تركيا “العدالة والتنمية” وحركة “حماس”، نتيجة للخلفية الإسلامية لكلا الطرفين، إلا أنه في الوقت الحالي، تواجه تركيا ضغوطًا تتعلق بعلاقتها مع “حماس”، والتي وإن استجابت اليها تركيا، قد تترتب عليها تأثيرات على الساحة الإقليمية.
تهدف هذه الورقة إلى إلقاء الضوء على التحديات والتهديدات التي تواجه تركيا نتيجة لعلاقتها مع حركة “حماس”، وكيف تعاملت معها. كما سيتم استكشاف التوقعات المستقبلية لهذه العلاقة، وتقديم تفسيرات للتحولات المحتملة في هذا السياق.
التحديات والتهديدات المحتملة
أولاً: تحديات محتملة على السياسات التركية
تواجه مستقبل العلاقة بين تركيا وحركة “حماس” العديد من التحديات التي قد تتأثر بالأحداث ورود الأفعال وتطورات السياسات الإقليمية والدولية، لذلك أصبح هناك قلق لدى القيادة التركية حول انعكاسات هذه التحديات على سياساتها وبالأخص السياسات الداخلية، خاصة بالنسبة للوعود الانتخابية التي قدمها الرئيس الحالي أردوغان خلال الانتخابات العامة الماضية. وأبرز تلك التحديات التي قد تتأثر جراء هذه العلاقة فيما يلي:
- التحديات الاقتصادية: منذ عودة “محمد شيمشك” إلى منصب وزير الخزانة والمالية، والذي نال لقب “وزير المالية لأوروبا الناشئة لعام 2013″، وهو مُكلف بمهمة محددة تتمثل في إعطاء الأولوية للاستقرار المالي الشامل من خلال تعزيز الجودة والقدرات المؤسسية في ظل ظروف تتسم بالتحديات العالمية المتزايدة والتوترات الجيوسياسية، بالتالي أصبح “شيمشك” يُكثف الجهود لتحسين الاستقرار المالي وتبني سياسات اقتصادية تسهم في عودة الاستقرار وترسل رسائل إيجابية إلى الأسواق العالمية. ومع ذلك، تنشأ مخاوف بشأن الضغوط الاقتصادية وتحديات التنمية التي قد تؤثر على قدرة “شيمشك” على تحقيق أهداف عمله.
- إصلاح السياسة الخارجية: بتعيين “هاكان فيدان”، الذي تزامن مع مرحلة إعادة تصحيح مسار السياسة الخارجية التركية بعد سنوات من إثارة المشاكل مع العديد من الدول، وبخاصة دول الجوار، يواجه الإصلاح السياسي الخارجي تحديات بارزة، من بين هذه التحديات، عواقب ردود الفعل التركية جراء عملية “طوفان الأقصى” وعلاقتها مع حركة “حماس” وردود الفعل الدولية والإقليمية جراء هذه العلاقة، وهو ما قد يعيق المساعي التركية من خلال إصلاح سياستها الخارجية لتعزيز مكانتها وقوتها الإقليمية والدولية خلال المرحلة المقبلة.
- تعطيل مسار “تركيا الجديد”: والتي يروج اليها حزب “العدالة والتنمية” كمسار جديد للجمهورية التركية خلال المئوية الثانية، يركز هذا المسار على قضايا القيم، والنجاح، والسلام في تركيا والعالم، بدلاً من النهج السابق لـ “تركيا القديمة”، التي كانت ضعيفة وغير فعّالة وكانت مشغولة بالعديد من الأزمات الداخلية والخارجية.
- الرؤية التركية لحل الأزمات: وفقًا للرؤية الجديدة التي ظهرت مع إعادة انتخاب أردوغان والتحولات التي شهدتها السياسة الخارجية، ترى تركيا أن تعزيز العلاقات مع مختلف الدول والجهات الدولية، وتعزيز وتسهيل التعاون والتفاهم والتواصل مع الفاعلين الإقليميين والدوليين، يسهل من حل النزاعات وتحقيق الاستقرار في المنطقة. وهذا يثير تساؤلًا حول مدى قدرة تركيا على دعم رؤيتها أمام التحديات التي تواجه علاقاتها مع حركة “حماس”.
ثانيًا: الديناميات الداخلية لحركة “حماس”:
ترى تركيا أن الديناميات الداخلية لحركة “حماس” لا تزال تؤثر بشكل كبير على سلوكها السياسي والعسكري، مما يطرح تساؤلاً حول احتمالات قيام الحركة على تغير استراتيجيتها بناء على نتائج وسياسات هذه الديناميات، نظرًا لأن بعضها أصبحت تشكل عوائق للرؤية التركية تجاه القضية الفلسطينية، وأبرزها ما يلي:
- الخلفية الإيديولوجية لحركة “حماس”: على الرغم من التأييد الكامل الذي قدمته تركيا لجماعات الإسلام السياسي في مرحلة سابقة، إلا أنه وطبقًا لمحددات راهنة، خفضت تركيا مستوى دعمها لجماعة الإخوان المسلمين بسبب العناد في سلوكها السياسي. وبينما تستمر “حماس” في تمسكها بتوجهاتها الفكرية دون تحول أو تطوير يتكيف مع التحولات والمواقف السياسية الإقليمية والدولية، يشكل هذا التوجه تحديًا متوقعًا تجاه العلاقة بينها وبين تركيا.
- نهج العمل المسلح كحلاً للقضية الفلسطينية: بينما تستمر تركيا في دعمها السياسي والدعائي لمشروع المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن تركيا ترى أن استمرار العمل المسلح كاستراتيجية وحيدة لحل القضية الفلسطينية هو مسار خاطئ. ذلك لأنه يتجاهل التفاعلات الإقليمية والدولية، ولا يأخذ في اعتباره عواقب قراراتها وسلوكها، وهو ما يتعارض مع الأسس الفكرية التي قامت عليها حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.
- صعوبة التحول والتكيف: جمود وتشدد حركة “حماس” في عقيدتها الفكرية منذ تأسيسها وحتى المرحلة الراهنة، يجعلها غير قابلة للتحول والتكيف وإدراك أبعاد وتطورات السياسة الدولية، ودعم تركيا في إدارة المشهد إزاء مسارات حل القضية الفلسطينية. وهذا على عكس التغيرات التي طرأت على هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقًا”، التي كانت تابعة فكريًا لتنظيم “القاعدة”، وقامت بتغيير نهجها وسياستها. وعلى الرغم من أن “تحول” الهيئة لا يعني انفكاكها فكريًا عن المنهج الإرهابي، إلا أن هذا التحول من خلال تنسيقها مع أنقرة، ساعد السياسة التركية على الترويج للهيئة وجعلها مقبولا لدى المجتمع الدولي لتعزيز موقعها في إدارة مدينة “أدلب” السورية.
- العلاقة مع إيران: العلاقة الوطيدة بين “حماس” وطهران، والتأثير القوي الذي تقوده إيران في حركة “حماس” مع دعمها الثابت لحركة المقاومة الإسلامية، ترى فيه تركيا أنه يمثل معضلة أمام أي وعود أو التزامات تركية تجاه قدرتها على التحكم في سياسات الحركة ومساراتها المستقبلية.
- موقف “حماس” من السياسة التركية: بسبب الموقف الرسمي التركي تجاه تطورات الأوضاع في قطاع غزة، وكونه لم يخرج خارج المسارات الغير فاعلة – بالنسبة للمقاومة – مثل اقتصاره على إرسال المساعدات الإنسانية دون ممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل لوقف عدوانها المستمر، تراه “حماس” مسارًا غير موفقًا للسياسة التركية، وأن بها تغيرًا واتجاهًا نحو الاندماج قليلا في المواقف الإقليمية والدولية دون تصعيد الموقف على غرار المواقف التركية السابقة في العدد من المحطات التصعيدية المتعلقة بالقضية الفلسطينية بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص.
ثالثًا: التهديدات الإقليمية والدولية:
في ضوء الموقف التركي إزاء الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، وعلاقتها مع حركة “حماس”، بالإضافة إلى رفضها تصنيف الحركة كمنظمة إرهابية، أثار هذا الموقف ردود أفعال إقليمية ودولية لتشكل تحديًا آخر للعلاقة بين تركيا و”حماس”، يمكن استعراض هذه الردود كما يلي:
- التهديد الإسرائيلي: في تطور إزاء الخطط الإسرائيلية للقضاء على حركة “حماس”، كشفت عدة وسائل إعلامية إسرائيلية ودولية عن فحوى خطط تشير الى رغبة أجهزة أمنية إسرائيلية في تعقب وتصفية قيادات الحركة والمتواجدة بالخارج وعلى رأسها تركيا، وهو ما صرح به رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار، والذي شدد قال في تسجيل بثته هيئة البث العامة الإسرائيلية بإن إسرائيل ستلاحق حركة حماس في لبنان وقطر وتركيا حتى لو استغرق الأمر سنوات، وأضاف “أن المجلس الوزاري المصغر حدد أهدافا للمخابرات وهي القضاء على حماس وأن هناك تصميمًا على تحقيق هذا الهدف.
- الإنذار الأمريكي: نتيجةً للموقف التركي تجاه عدم تصنيف حركة “حماس” كمنظمة إرهابية، على عكس الموقف الأمريكي وعدة دول أوروبية، واستمرار موقف أنقرة في تصنيفها كحركة مقاومة، إلى جانب وجود الحركة في الأراضي التركية، قام بريان نيلسون، وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بزيارة إلى تركيا. عبر فيها عن قلق واشنطن “العميق” إزاء علاقات أنقرة مع حركة “حماس”، وبالرغم من تاكيده أن الولايات المتحدة لم ترصد أي تحويل للأموال عبر تركيا إلى الحركة الفلسطينية منذ بداية الحرب بين إسرائيل و”حماس” في السابع من أكتوبر، إلا أنه أشار إلى أن أنقرة ساعدت “حماس” في تلقي تمويل في السابق ودعاها إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد التحويلات المستقبلية المحتملة للأموال. كما يشار الى أن وسائل إعلام أمريكية قد أشارت الى تقديم تركيا لدعم استشاري وعسكري لـ”حماس” من خلال شركة الأمن الخاصة “سادات” التركية.
- الضغط الأوروبي: جاء التقرير السنوي للمفوضية الأوروبية حول مسعى تركيا للانضمام إلى عضوية الإتحاد الأوروبي، والذي يهدف إلى تقديم إفادة محدثة بما أحرزته تركيا نحو الوفاء بمعايير عضوية الاتحاد الأوروبي، منتقدًا لتركيا بسبب معارضتها الموقف الأوروبي حول غزة وبسبب موقفها من الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة، وأعرب نائب رئيس المفوضية الأوروبية مارغاريتيس سخيناس، إنه منذ أول لحظة تصعيد النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي اعترفت جميع الدول الـ 27 في الاتحاد الأوروبي بالإجماع بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ودانت الهجوم الإرهابي وأكدت بشكل علني أن الإرهاب لا يوجد أي مبرر له، وأضاف أنه يتعين على تركيا أن تختار الجانب الذي تريد أن تكون عليه في التاريخ، إما مع الاتحاد الأوروبي والناتو وقيمهم وأخلاق الغرب، أو مع موسكو وطهران و”حماس” و”حزب الله”، وشدد أن الرد يجب أن يكون واضحا للغاية.
على الجانب الآخر، قامت الدولة التركية، من خلال مؤسساتها الرئاسية، ووزارة الخارجية، وجهاز الاستخبارات، وكذلك حزب العدالة والتنمية الحاكم، بإصدار سلسلة من التصريحات واتخاذ مجموعة من الخطوات للرد على التهديدات الإقليمية والدولية:
- فيما يتعلق بالتهديد الإسرائيلي، كان رد الفعل التركي سريعًا وقاطعًا، حيث وجه العديد من المسؤولين تحذيرات مباشرة إلى إسرائيل بشأن “عواقب وخيمة” إذا ما حاولت مطاردة مسؤولين من حركة “حماس” على الأراضي التركية. وأبرز هذه التحذيرات كانت خلال تصريحات الرئيس التركي أردوغان، الذي أكد أنه إذا تجرأت إسرائيل على اتخاذ مثل هذه الخطوة ضد تركيا، فإنها ستدفع الثمن بصورة لن يمكنها التعافي منها. كما أعلن وزير الداخلية التركي “علي يرلي قايا” أن بلاده لن تسمح لأحد بتنفيذ أي عمل غير قانوني، وأكد أن ذلك يُعتبر “مهمتهم الكبرى”، وشدد على أن الداخلية التركية تتشاور وتتعاون مع الوزارات المعنية وجهاز الاستخبارات. فيما أفادت وسائل الإعلام التركية، نقلاً عن مصادر في جهاز الاستخبارات التركية، أنه تم تحذير الجانب الإسرائيلي من عواقب وخيمة لأي عمل أو نشاط قد يقوم به جهاز استخباراتها داخل الأراضي التركية، وأكد مسؤولو الاستخبارات التركية أنهم لن يسمحوا لأي جهاز استخبارات بتنفيذ عمليات أو أنشطة داخل الأراضي التركية.
- أما في مواجهة الإنذار الأمريكي، فقد رفض الرئيس أردوغان دعوات الولايات المتحدة لقطع العلاقات مع حركة “حماس”، خاصة في ظل الحرب الجارية بين الحركة وإسرائيل في قطاع غزة، وأكد أن واشنطن تدرك بأن تركيا، على عكس الولايات المتحدة، لا تصنف حماس كمنظمة “إرهابية”، وشدد على أن “حماس” أمر واقع في فلسطين، فهي حزب سياسي هناك، خاص الانتخابات وفاز بها، وأضاف أن أنقرة تتطور وتصمم سياستها الخارجية بناءً على مصالحها وتوقعات شعبها، مع تأكيده على أن المتحاورين يدركون الجهود المستمرة والمتوازنة للسياسة الخارجية التركية في مثل هذه الأزمات والصراعات الإنسانية.
- وفيما يتعلق بالضغط الأوروبي، كان الرد التركي رافضًا لما رأته ادعاءات وانتقادات غير عادلة قد وردت في التقرير الأوروبي، وشددت وزارة الخارجية التركية، بالإضافة إلى بيان المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي عمر جليك، على أن انتقاد التقرير الأوروبي لموقف أنقرة تجاه الحرب بين “حماس” وإسرائيل والمتعارض تمامًا مع موقف الاتحاد الأوروبي، هو بمثابة إشادة بالموقف التركي.
السيناريوهات المحتملة
بناءً على ما تم ذكره، يُمكن توقع عدة سيناريوهات للتقديرات المستقبلية للعلاقة بين تركيا وحركة “حماس”، وهي على النحو التالي:
السيناريو الأول: لجوء تركيا إلى تكتيكات دبلوماسية لتهدئة التوتر على الصعيدين الإقليمي والدولي تجاه موقفها من جهة، مع الحفاظ على علاقاتها الحالية مع حركة “حماس” من جهة أخرى، ويعتبر هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا.
وبالرغم من أن هذا السيناريو يحتاج إلى تحركات دبلوماسية معقدة لتحقيقه، إلا أن وجود “هاكان فيدان” على رأس وزارة الخارجية، الذي قاد جهاز المخابرات التركي لمدة 13 عامًا، وشارك في إدارة العديد من المفاوضات والمسارات خلف الأبواب المغلقة، بالإضافة إلى خلفيته الواسعة في المجالات العسكرية والاستخباراتية والسياسية، يجعله العامل الرئيسي والأهم في تنفيذ هذا السيناريو، وضمان فرص نجاحه.
يتوقع السيناريو بقيام “فيدان” بإجراء مباحثات واسعة ومعمقة لتوضيح ملابسات علاقة بلاده بحركة “حماس”، مع الدفع بجهوده من أجل عدم تعرض تركيا لتأثيرات سلبية جراء هذه العلاقة، مع إبراز عدم قيام تركيا بتقديم مساعدات مالية للحركة لدعم مشروع “العمل المسلح” لحركات المقاومة الفلسطينية، وهذا التحرك يأتي بالتزامن مع استمرار الدعم التركي لحركة “حماس” لضمان استمرار أنقرة في تأثيرها على الساحة الفلسطينية، مع استمرار الدفع بالمساعدات الإغاثية المقدمة الى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإعلانها عن استعدادها للمشاركة في إعادة إعمار القطاع في حالة الوصول الى هذه المرحلة.
هذا مع الإشارة الى أن تداعيات التهديدات الإقليمية والدولية، لن تصل الى ذروتها لعدة فرضيات، وهي:
- الفرضية الأولى: صعوبة قيام واشنطن بفرض عقوبات على أنقرة، على الأقل في المرحلة الراهنة، حتى في حال توفر عدد من العوامل والذرائع الكافية لاتخاذ هذه الخطوة، وذلك لعدة عوامل، منها:
- عدم مصادقة البرلمان التركي على انضمام السويد إلى حلف “الناتو”، حتى الآن.
- بالرغم من التأثيرات السلبية للعقوبات الأمريكية السابقة على تركيا بالأخص على الأوضاع الاقتصادية، وذلك بسبب شراء الأخيرة لصفقة منظومة صواريخ “إس-400” الروسية، إلا أن أنقرة بالنهاية لم ترضخ للعقوبات.
- رغبة أمريكية في منع أي تصعيد تركي في المنطقة، خاصة في الملفات المشتركة سواء على صعيد أزمة الحرب في غزة، والأزمات المتعلقة بالحرب الروسية في أوكرانيا مثل أزمة الطاقة، وملف الأزمة السورية وغيرها.
- الفرضية الثانية: ظهور تململ واسع في تركيا إزاء استمرار مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما ألمح إليه أردوغان بخصوص احتمالية تخلي تركيا عن مسار الانضمام “إذا لزم الأمر”، وذلك في ظل استمرار صدور التقارير الأوروبية المنتقدة لتركيا على عدة أصعدة، مما أثر في مساعي تركيا في هذا السياق.
- الفرضية الثالثة: من المستبعد أن تقوم إسرائيل بتنفيذ تهديداتها بتصفية قادة حركة “حماس” على الأراضي التركية، وذلك لعدة أسباب، من بينها قوة جهاز الاستخبارات التركي الذي كشف مؤخرًا عن شبكات تجسس داخل وخارج الأراضي التركية تعمل لصالح إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، هناك رغبة مشتركة بعدم التصعيد في العلاقات بين البلدين الى مستوى أعلى وذلك على الرغم من التوتر الحالي بينهما.
السيناريو الثاني: التصعيد المحدود الغير مؤثر والغير فعال لتحقيق مكاسب لأغراض انتخابية ودعائية، ويعد هذا السيناريو الأقل ترجيحًا.
يدعم هذا السيناريو عدة عوامل أبرزها:
– أن تركيا لن تستطيع تحديد أو تخفيض مستوى علاقاتها مع حركة “حماس”، نظرًا لرغبتها في استمرار تواجدها على الساحة الفلسطينية ومسارات الحل المستقبلي لقطاع غزة، وعدم رغبتها في خسارة المكتسبات التي حققتها نتيجة لمواقفها التضامنية مع الشعب الفلسطيني، كما أن علاقتها مع “حماس” تضمن لها جزء من فاعليتها وريادتها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
– أمريكا قد تلجأ جراء ذلك إلى فرض عقوبات محدودة وغير فعّالة على تركيا لتحقيق عدد من الأهداف، أبرزها: إرضاء قطاعات من الداخل الأمريكي، وبالأخص المؤيدة لإسرائيل التي ترفض السياسات التركية وتستنكر موقفها من الحرب في قطاع غزة، وخاصةً مع اقتراب انتخابات الرئاسة الأمريكية. وكذلك لإرضاء حليفتها إسرائيل، بمعاقبة تركيا إزاء تصعيدها الأخير مع إسرائيل، وموقفها من حركة “حماس”.
– استغلال أردوغان هذه التهديدات وعمليات التصعيد التي تواجهها تركيا لصالحه في العملية الانتخابية المقبلة في مارس المقبل، لجذب الناخب التركي والأصوات المحافظة لصالح حزبه، وتحقيق مكاسب داخلية من خلال استعادة السيطرة على البلديات الكبرى من قبضة المعارضة، كما يسعى أيضًا إلى استعادة شعبيته بين مناصري القضية الفلسطينية بسبب ردود فعله الأولية بعد شن عملية “طوفان الأقصى”.
السيناريو الثالث: تخفيض مستوى العلاقة مع “حماس”، وهو سيناريو ضعيف.
يدعم هذا السيناريو دوافع تركية بالبحث عن مصالحها لتحقيق التنمية الداخلية والاستقرار الخارجي على صعيد سياستها الخارجية، وذلك بعد سنوات من التأثيرات السلبية للسياسات التركية التصعيدية، خاصة فيما يتعلق بدعمها لحركات المقاومة الفلسطينية، والتي في محصلتها لم تؤدي الى تحقيق نتائج إيجابية لصالح القضية الفلسطينية، حتى الآن.
كما أن تركيا بدأت بالفعل بتقليص دعمها السياسي والإعلامي لجماعات الإسلام السياسي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، وقد وصلت هذه الجهود إلى مرحلة إغلاق بعض المؤسسات الإعلامية، وطرد قيادات، واعتقال بعض الأفراد التابعين للجماعة داخل الأراضي التركية، وذلك في إطار جهود المصالحة والتقارب مع الدولة المصرية، ولتأكيد التزام تركيا بعمليات إعادة هيكلة سياستها تجاه الاندماج مع المجتمع الدولي ومواقفه.
كما أصبحت هناك قناعة تركية بأن جماعات الإسلام السياسي، وبخاصة جماعة الإخوان المسلمين، وتنظيماتها وحركاتها الفرعية، فشلت بالفعل في تحقيق مشروعها في العديد من الدول، كما فقدت هذه الجماعات رصيدها الإقليمي والدولي، وأصبحت مطاردة في العديد من الدول نتيجة لمواقفها وأفعالها، وعلى الرغم من وصف تركيا لحماس بأنها حركة “مقاومة”، لكن هذا لا ينفي وعي أنقرة بخلفيتها الفكرية وما يشكله من تحديات وعوائق أمام تحقيق أي انجاز للقضية الفلسطينية سواء على صعيد المصالحة مع حركة “فتح”، أو على صعيد عملية السلام المتوقفة مع إسرائيل.
كما لا تزال هناك غموض حول القدرات العسكرية التي اكتسبتها حركات المقاومة الفلسطينية خاصة خلال عملية “طوفان الأقصى” ومدى دعم إيران لتطوير تلك القدرات، وهذا يجعل احتمال خروج “حماس” من الفلك الإيراني أمرًا مستحيلاً، مما يشكل عائقًا أمام قدرة تركيا على جذب حركة “حماس” لدعم رؤيتها تجاه حل القضية الفلسطينية ومشروعها الإقليمي.
وختامًا:
تداعيات عملية “طوفان الأقصى” لا تزال تعكس تأثيراتها على الساحة الدولية، وقد ألقت بظلالها على العلاقة بين تركيا وحركة “حماس”، فالمشهد السياسي الحالي يظهر تعقيدات كبيرة، حيث تتشابك المصالح الإقليمية والدولية مع الديناميات الداخلية والسياسات الخارجية التي تتبناها تركيا.
تبدو تركيا ملتزمة بالابتعاد عن التصعيد، وتفضل استخدام الدبلوماسية والتفاوض كوسيلة للتحكم في الأزمات، وهو ما يعكسه طموح السيناريو الأول في الحفاظ على علاقتها مع حركة “حماس” كأحد الأدوات الفاعلة في يد تركيا لاستكمال دورها المؤثر في القضية الفلسطينية، وضمان تواجدها في مسارات الحل كأحد أبرز الدول الإقليمية المؤثرة في المنطقة، بجانب تجنب التوترات الكبيرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وعدم وقوع القيادة التركية أسيرة للضغوطات والتحديات التي تواجهها.
إن تركيا تستطيع الحفاظ على توازنها في المشهد الإقليمي والدولي، وتعزيز مكانتها كلاعب رئيسي، خاصة في الملف الفلسطيني، إذا ما استطاعت إدارة الأزمات والتفاوض بحكمة وتحقيق التوازن بين سياستها ومصالحها، خاصةً بوجود “هاكان فيدان”، والذي يُعتبر مفتاحًا رئيسيًا لنجاح هذه الجهود وضمان استمرار تأثير تركيا في المشهد الإقليمي.