إعداد/ جميلة حسين محمد
فى إطار زيارة مرتقبة للرئيس المصرى (عبد الفتاح السيسى) لأنقرة أعقبت الإعلان عن عودة التمثيل الدبلوماسى بين البلدين، سيبحث خلالها مع نظيره التركى (رجب طيب أردوغان) تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات الإقليمية، تصاعدت اجراءات الحكومة التركية ضد جماعة الإخوان المسلمين والتى بدأت فى الأونة الأخيرة تزامناً مع التقارب المصرى-التركى من خلال وقف الدعم المقدم ضدهم وترحيل بعضهم من البلاد ورفض تجنيس البعض الأخر ومداهمة مقرات الإخوان. وقد انقطعت العلاقات بين أنقرة والقاهرة فى أعقاب ثورة 30 يونيو 2013 والإطاحة بالرئيس الإخوانى الراحل(محمد مرسى) ودعم الرئيس التركى للجماعة وللرئيس المعزول، ولكن بدأت العلاقات تنذر بعودتها عقب مصافحة الرئيسين المصري والتركي على هامش افتتاح كأس العالم لكرة القدم بقطر في نوفمبر الماضي، كذلك بعد الزلزال المدمر الذي تعرضت له تركيا في فبراير المنصرم هاتف السيسي أردوغان وتبادل وزيرا خارجية البلدين الزيارات، كما أرسلت القاهرة مساعدات لأنقرة من أجل تجاوز الأزمة. ومؤخراً تمت عدد من الزيارات المتبادلة على مستوى وزراء الخارجية بين الوزير المصرى (سامح شكرى) ونظيره التركى السابق (مولود جاويش أوغلو) لبحث تعزيز العلاقات الثنائية والتشاور حول عد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك على رأسها ملف الإسلام السياسى وإبعاد جماعة الإخوان عن الأراضي التركية، وإغلاق وسائل الإعلام التابعة لهم التي تبث من البلاد.
أبرز التحركات التركية
اتخذت تركيا عدد من الإجراءات التشددية تجاه الجماعة بشكل تصاعدى خلال الفترة الحالية يمكن إيضاحها فيما يلى:
احتجاز 60 عنصر من عناصر جماعة الإخوان:
وذلك مما لا يحملون جنسيات ولا إقامات أو هويات وتم احتجاز هؤلاء فى سجن “غازى عنتاب”، ويجدر القول أن غالبية هؤلاء صدرت بشأنهم أحكام جنائية من قبل القضاء المصرى مرتبطة أما بقضايا عنف أو بتحريض على عمليات لها علاقة بالارهاب الذى شهدته الدولة.
حملات على مقرات الإخوان:
قامت السلطات التركية بتنفيذ حملة مداهمات على أروقة ومقرات ومناطق يقيم فيها عناصر للاخوان مثل “باشاك شهير” و”شيرين ايفلر” فى اسطنبول وتم إغلاق تلك المقرات.
ترحيل المقيمين غير الشرعيين:
بالتزامن مع القوانين التركية الأخيرة بشأن ترحيل المهاجرين غير الشرعيين فى ولاية اسطنبول بشكل خاص وباقى الولايات التركية بشكل عام، تم ضبط وترحيل عناصر إلى 7 دول مجاورة مما يقيمون بطريقة غير شرعية بحيث لا يحملوا أوراق هوية أو جنسية.
إيقاف نشاطات الجماعة:
فرضت السلطات التركية قيود مشددة على أنشطة وعناصر جماعة الإخوان وطالبت بعدم نشر أى من المنشورات او التغريدات التى قد تسئ أو تنتقد النظام المصرى داخل الاراضى التركية ومن العناصر المدانة بالإعدام والتابعة للجماعة التى فرضت قيود على تحركاتهم (نصر الدين فرج الغزلاني)،و(مجدي سالم)،و(محمد عبدالمقصود).
مغادرة الأراضى التركية:
أعطت الحكومة التركية مهلة 5 أشهر لعناصر الجماعة لمغادرة البلاد، بعض تلك العناصر مطلوبين لدى الجهات المصرية منهم (محمد عبد المقصود)، و(مجدي سالم) الموجود على قوائم الإرهاب، و(مصعب السماليجي) و(إسلام أشرف).
وقف عملية التجنيس:
قررت السلطات التركية وقف منح الجنسية لأى عناصر جديدة من الإخوان المسلمين مثل (محمد إلهامى) المسؤول عن إدارة مركز التوثيق والتأريخ التابع للجماعة، كذلك تفكر السلطات فى امكانية سحب الجنسية من عناصر أخرى مثل (نصر الدين غزلانى)، و(مجدى سالم) الذين سبق أن أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية إدراجهما بقوائم الإرهاب لصلاتهما بتنظيم القاعدة.
دلالات التحركات التركية
إحلال التراضى لعودة العلاقات:
يعتبر ملف الإسلام السياسى بالنسبة للعلاقات المصرية التركية فى هذه الفترة أقل الملفات صعوبة بين الطرفين ويخص الجانب المصرى دون غيره، عكس الملفات الأخرى التى تتدخل فيها أطراف أخرى وتحمل قدر كبير من التعقيدات كالملف الليبى وشرق المتوسط وملف العلاقات التركية اليونانية والأزمة القبرصية.
محاصرة الإخوان وإضعافهم:
فى إطار تحسين العلاقات التركية المصرية يسعى الجانب التركى اتخاذ نهج أكثر تشددية مع جماعة الإخوان المسلمين للتأثير عليهم وسحب البساط التركى من وراءهم ومحاولة التضييق على أنشطتهم، ليصب الأمر فى النهاية إلى مزيد من التشتيت والفوضى وتضليل تواجدهم فى الداخل التركى.
التخلى عن دعم التنظيم:
فى خضم السياسة التركية المتبعة بعد الانتخابات الرئاسية لتقديم مصالحها وتصفير خلافاتها مع مصر جاءت تحركاتها لتعبر عن مدى تخليها عن مساندتها للجماعة، وستسمح لهم بالرحيل إلى دولة أخرى ولكنه غير مطروح أن تسلمهم إلى القاهرة، حيث يمنع القانون التركي تسليم المعارضين ومن بينهم نشطاء جماعة الإخوان المسلمين.
العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية:
واقع الأمر أن الحكومة التركية تعانى من أزمة اقتصادية و وتحاول الاتجاه نحو الدول العربية وتخليها عن دعم حركات الإسلام السياسي، من أجل تطبيع علاقاتها مع كل من مصر والسعودية والإمارات، وعلاقتها مع مصر متعددة فالقيادة التركية تريد رفع التبادل التجاري مع مصر من 10 إلى 20 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، والطريق لا بد أن يمر عبر تفعيل اتفاقية تجارية بحرية مشابهة لاتفاقية “الرورو”، ونقل البضائع التركية عبر الموانىء المصرية، وهو ما ستكون له ارتداداته الإيجابية على دول الخليج، وتأثير إيجابي على ملفات التنسيق والتعاون في مجال الصناعات والتكنولوجيا العسكرية المشتركة بين الجانبين.
تشرذم إخوانى
كان الإخوان المسلمون من قبل يحصلون على الجنسية التركية فضلا عن ما يسمى بالإقامة الإنسانية والدعم السياسى من الجانب التركى وذلك بعد سقوط الإخوان فى مصر، وتعرضت للتحفظ على الكثير من شركاتها وأموالها وهروب قياداتها لخارج بلدانهم فيما تم سجن آخرين، لتصبح تركيا البيئة الحاضنة والملاذ الأمن للإخوان، ولكن بعد الإجراءات الأخيرة التى اتبعتها خاصة بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية التركية تحولت أوضاع الإخوان بشكل جذرى مما تسبب بحالة من التشويش والقلق لدى جبهة الجماعة فى اسطنبول التى تحاول بقدر ما احتواء خلافاتها مع جبها لندن فى هذه الفترة وتقوم بإعداد مشروع جديد من اجل حماية مبادئها الجماعة وقواعدها التنظيمية وأطلقت عليه مشروع “رسوخ” ويرتكز وفقاً لتعليمات قادة الجبهة على الحفاظ على ثوابت الجماعة وأصولها وأركانها من كل أشكال تغيير هويتها أو محاولات تحويل مسارها، ونشر رسالة طمأنة لعناصرها على رسوخ الجماعة ومؤسساتها ورفع روح عناصرها المعنوية وسد الثغرات التي أفرزتها الأزمة الحالية والظروف التي مرت بها منذ 2011 لحماية المنظومة الإخوانية. وبعد رفض السلطات تجنيس العديد من عنصر الجماعة أو منحهم الإقامة وترحيلهم، بدأت الجماعة تدرك ضرورة البحث عن ملاذات بديلة وآمنة فى دول شرق أوروبا وتحديدا البوسنة، وكذلك بعض الدول الأفريقية مثل جنوب أفريقيا وكينيا، فضلا عن دول فى شرق أسيا كماليزيا وإندونيسيا.
مما سبق؛ تزامن عودة العلاقات المصرية-التركية وسعى الطرفان لإتمام تطبيع علاقاتهما بعد 10 سنوات من القطيعة الدبلوماسية، مجموعة من الاجراءات التشددية التى لم تصب فى مصلحة تنظيم الإخوان المسلمين هدفت إلى اعلاء مصلحة تركيا أولاً، ومحاصرة الإخوان والتخلى عن دعم الإخوان وابعادهم عن الداخل التركى ليكون الاتجاه العام تركيا خالية من المتشددين من الإخوان ضد الدولة المصرية، ومن ناحية أخرى تصفير القضايا المشتركة مع بين القاهرة وأنقرة بما يخدم مصلحة الطرفين للتوسع فى مناقشة ملفات أكثر تعقيدًا من ملف الأسلام السياسى.