“متعدد الأبعاد”: ملامح ومستقبل الصراع في أفريقيا الوسطى

إعداد/ حسناء تمام كمال

تعتبر حالة الصراع في  أفريقيا الوسطى واحدةً من أعْقَدِ الصراعات التي  تشهدها القارة الأفريقية؛ بسبب طُول أَمَدِ هذا الصراع، وفشل أطرافه في التوصُّل لصياغةٍ تفاهميةٍ شاملةٍ مُلْزِمةٍ، تدفع أطرافه ناحية الخروج من مأزق الصراع إلى رحابة التسوية؛ للحدِّ الذي أصبحت فيه صراعات أفريقيا الوسطى مبعث خطرٍ حقيقيٍّ على جيرانها في القارة، وحالة  جمهورية أفريقيا الوسطى تتطلب  جهودَا كبيرةً ومتواصلةً، وتكاتفًا من كافة الدول؛ للدفع نحو حلٍّ حقيقيٍّ لهذا الصراع، وفي ظلِّ أهمية هذا الصراع، تتناول هذه الورقة، أبرز الفاعلين فيه، والمحطات الزمنية الرئيسة فيه، وأسبابه، وسيناريوهاته المحتملة.

المحطات الرئيسية في الصراع

تعود حالة الصراع  في أفريقيا الوسطى إلى أسبابٍ  تاريخيةٍ مُتجذِّرةٍ، لكن أسبابه بشكلٍ رئيسيٍّ، تعود إلى عام 2012، على خلفية تمرُّدٍ أدَّى إلى انقسامٍ وارتداداتٍ متعددةٍ، نشير إلى أبرز هذه محطات الصراع، فيما يلي:

  • تُعزى التحديات الموجودة حاليًا في أفريقيا الوسطى، إلى  عام 2012، وذلك حين اجتاح تحالُف متمردي «سيليكا» الجديد شمال ووسط البلاد؛ استنادًا إلى مظالم سياسية لبعض جماعات المعارضة، بدأ التمرُّد في أواخر نوفمبر 2012، عندما تجمَّعت ثلاث فصائل متمردة مع بعضها تحت راية «تحالف سيليكا».
  • كردِّ فعْلٍ قامت جماعات مسيحية، بتكوين ميليشيات مسلحة؛ لحماية أنفسهم، أطلقوا عليها جماعة “مكافحة السواطير” أو “الأنتي بالاكا”، وحمَّلَتْ هذه الميليشيات بدوْرها المجتمعات المسلمة مسؤولية الانتهاكات التي ارتكبتها عناصر “سيليكا”، وبدأت في التنكيل بالمسلمين  في كُلِّ مكانٍ يصلون إليه، وذلك بدْءًا من عام 2014.
  • أُجريت انتخاب، ووصلتْ رئيسةٌ مسيحيةٌ مُؤقَّتةٌ هي «كاثرين ساميا بانزا»، فزادت سطوة الجماعات المسيحية التي صعَّدت من عمليات القتل والإبادة للمسلمين؛ لإجبارهم على مغادرة البلاد، توسَّعت سيطرة  “الأنتي بالاكا” على مساحاتٍ واسعةٍ من أفريقيا الوسطى.
  • في أبريل 2014، أذن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بنشْر قوة «حفظ سلام»، قوامها 12 ألف جندي، وتولَّت القوات «الفرنسية، والإستونية» مسؤولية الأمن في مطار «بانجي»، بموجب تفويضٍ من الاتحاد الأوروبي، من قوةٍ فرنسيةٍ سابقةٍ، وبناءً على الوساطات والتدخُّلات  الأممية، وافق متمردو «سيليكا» المسلمين وقوات “مكافحة بالاكا” المسيحية الأهلية، على وقْفٍ مُؤقَّتٍ لإطلاق النار، في المحادثات بـ«برازافيل»، وفي  سبتمبر من العام ذاته، الأمم المتحدة تتولَّى رسميًّا مهمة «حفظ السلام»، التابعة للاتحاد الأفريقي وتُعزِّزها، والتي أُعِيدت تسميتها باسم «مينوسكا».
  • يناير عام 2015، رفضت حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى وقْف إطلاق النار، الذي قد أُبرِم في كينيا بين جماعتيْن من الميليشيات؛ بهدف إنهاء أكثر من عامٍ من الاشتباكات، قائلة: إنها لم تشارك في المحادثات، وأما من جهة الأمم المتحدة، فقد اتهمت  “أنتي بالاكا” بالتطهير العِرْقي، وعلى غرار آخر، كشف بحثٌ أجراه الاتحاد الأوروبي، كيفية تزويد مقاتلي «سيليكا» – بشكلٍ غير قانونيٍّ- بأسلحةٍ مصنوعةٍ في «الصين، وإيران».
  • في فبراير عام 2017، قامت أوغندا بسحْب قواتها من جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث تقاتل «جيش الرب» للمقاومة، منذ خمس سنوات، وفي مايو، حينما تصاعدت أعمال العنف، أُلقي باللوم فيه جزئيًّا على انسحاب القوات الأجنبية، وقُتل العديد من قوات حفظ السلام، التابعة للأمم المتحدة، في عددٍ من الهجمات.
  • شهد عام 2017، انسحاب عدة وكالات إغاثية؛ بسبب العنف، كما أكَّدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن العنف المستمر؛ تسبب في أعلى مستوى من النُّزُوح منذ بداية الأزمة، في عام 2013، وقد غادر أكثر من مليون شخص منازلهم، وقبل نهاية عام 2017، مدَّد مجلس الأمن الدولي ولاية بعثة حفظ السلام «مينوسكا» لعام آخر، ويزيد حجمها إلى حوالي 13000 «جندي، وشرطي»، وتوالت تحذيرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من أن الوضع في البلاد يزداد سوءًا؛ حيث يحتاج نصف السكان إلى مساعداتٍ إنسانية.
  • 2019، وقَّعت حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى والمجموعات المسلحة التي تسيطر على غالبية مناطق البلاد اتفاق سلام، في العاصمة «بانجي»، وقال رئيس أفريقيا الوسطى، فوستان تواديرا: “إن المضامين الأولى لهذا الاتفاق، تتجلَّى في وقْف أيِّ أعمال عنف ضد المدنيين”، ولم يحضر احتفال التوقيع عددٌ واسعٌ من مملثي الجماعات المتناحرة، وعلى رأسهم؛ زعيما مجموعتيْن مسلحتيْن رئيسيتيْن، هما «علي داراسا» من “الوحدة من أجل السلام في أفريقيا الوسطى”، «ونور الدين آدم» من “الجبهة الشعبية لنهضة أفريقيا الوسطى”، إلَّا أنهما كانا قد وقَّعا بالأحرف الأُولى نصّ “اتفاق الخرطوم”.
  • 2020 ديسمبر، جرت انتخاباتٌ رئاسيةٌ، تنافس فيها الرئيس «تاديرا الذيفاز» لاحقًا، بإعادة انتخابه، على الرغم من أن خصمه الرئيسي «أنيسيت جورج دولوغويلي» اعترض على النتيجة.

من جهةٍ أُخرى، شُكِّلَ «تحالُف الوطنيين من أجل التغيير»، فقد وقَّعت الجبهة الشعبية لنهضة أفريقيا الوسطى والاتحاد من أجل السلام في أفريقيا الوسطى وفصيل آخر تابع لحركة «أنتي بلاكا» جناح «موكوم، وغيسونا»، على إعلانٍ مشتركٍ، يدين الاتفاق السياسي للسلام والمصالحة في أفريقيا الوسطى، وأعلنوا عن تشكيل «تحالُف الوطنيين للتغيير».

  • في يناير ٢٠٢١م، اتهمت الحكومة «بوزيزي» – رئيس سابق-  بمحاولة الانقلاب عليها، وأعلن النائب العام لمحكمة «بانجي» الابتدائية، عن فتْح تحقيقٍ جنائيٍّ ضد السيد «بوزيزي»؛ بتهمة التمرُّد وتعريض أمن الدولة للخطر، تعطَّلت الحملة الانتخابية، وتصاعدت أعمال العنف من قِبَلِ الجماعات المسلحة، وتعرَّض عددٌ من المرشحين المستقلين ومن انحازوا إلى الحزب الرئاسي للهجوم، فأعلن «تحالُف المعارضة الديمقراطية»، تعليق حملته، في ۱۹ ديسمبر؛ بسبب انعدام الأمن والمخالفات.
  • وفي النهاية، فاز «فوستين أرشينج تاديرا» بفترةٍ جديدةٍ، ويتولَّى منذ إعلان نتائج الانتخابات، في عام 2021 حتى الآن

الأطراف الرئيسية  في  الصراع:

وهنا يمكن الإِشارة إلى عددٍ من أهمِّ الأطراف الفاعلين في الصراع بأفريقيا الوسطى، وهم كالآتي:

«تحالُف سيليكا»: عبارة عن تحالُفٍ واسعٍ من الميليشيات، تشكَّلَ في المناطق الشمالية والشرقية لجمهورية أفريقيا الوسطى، وذلك بدايةً، في ديسمبر 2012، باتفاقٍ بين العديد من الجماعات المتمردة، التي قاتلت في السابق ضد الحكومة في «بانجي»، وشملت هذه المجموعات: «اتحاد القوى الديمقراطية من أجل الوحدة، واتفاقية الوطنيين من أجل العدالة والسلام، والاتفاقية الوطنية لإنقاذ “كودرو”، واتحاد القوات الجمهورية، والتحالُف من أجل إعادة الولادة وإعادة البناء»، تضمنت مظالمهم عقودًا من الاضطهاد والتهميش السياسي والاقتصادي، والإفلات من العقاب، ووعود بالتمكين لم تُحقَّق من سنوات المناوشات، وصفقات سلام سابقة.

كان هناك وجودٌ كبيرٌ من غير مواطني أفريقيا الوسطى داخل «سيليكا»؛ ما دفع الكثير من الناس إلى رفْض الجماعة، باعتبارها جهاتٍ أجنبيةً ليس لها جذور محلية، ومع ذلك، كان لدى التحالُف مظالم محلية عميقة ومشروعة من الحكومة، وقد كان معظم أعضاء «سيليكا» من المسلمين، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن الإسلام هو الدين الأكثر شعبيةً في المناطق الشمالية المُهمَّشة؛ حيث ظهرت جماعات المتمردين، ارتكب أعضاء «سيليكا» انتهاكات واسعة النطاق، بعد الاستيلاء على السلطة، في مارس 2013، بما في ذلك «القتل، والحرق العمد، والاغتصاب»، على نطاقٍ واسعٍ.

حركة «أنتي بالاكا»: كانت «أنتي بالاكا» مسؤولةً إلى حدٍّ كبيرٍّ، عن مجابهة مقاتلي «سيليكا» المُنْحلَّة من العديد من قواعدهم في غرب جمهورية أفريقيا الوسطى؛ لذا ردًّا على أعمال «سيليكا» ضد المسيحيين، استهدفت «أنتي بالاكا» المسلمين – والكثير منهم لا علاقة لهم بالمتمردين- بأعمال انتقاميةٍ من قِبَلِ «أنتي  بالاكا» والمدنيين، فقد أدَّت هذه الهجمات بعشرات الآلاف إلى مغادرة جمهورية أفريقيا الوسطى، في “نزوح جماعي ذي أبعادٍ تاريخيةٍ، وكان «لانت يبالاكا» على علاقات جيدة مع قادة الجيش.

«الحكومة»: أما الحكومة، فقد شهدت تعاقبات مختلفة، وكان أغلبها حكومات انتقالية، ورغم تعاقبها لم تنجح في احتواء الصراع، وفي أوائل الحرب الأهلية، كانت متحالفة مع جماعة الـ«سيليكا»،غير أن الوضع الآن متغيرٌ، ومازالت الـ«سيليكا» جماعة معارضة، والوضْع  توافقي مع «أنتى بالاكا»، وصراع بين الـ«سيليكا، وأنتي بالاكا»، وبجانب الحكومة يُوجد الجيش وعدد من القوات الأُخرى، وهذا الشكل المرفق، يوضح  الحكومات المختلفة، التي تعاقبت على المشهد في أفريقيا الوسطى، وهي كالآتي:

أسباب الصراع

الأسباب الاقتصادية

لقد أدَّى ضعْف اقتصاد الدولة، ووهن الجهاز الأمني في الوقت ذاته، إلى تهيئة الظروف لنُشُوب الأزمة الأمنية التي عصفت بالبلاد، في نهاية عام 2012، كما أن وصول «سيليكا» إلى أبواب «بانجي»، واستيلاءها على المدينة، في مارس 2013، قد مهّد له انحطاط تدريجيّ جليّ للنظام، وقد كانت مطالب «سيليكا» في جزء كبير منها، في  بدايتها اقتصادي؛ لذا بدا التمرُّد في السيطرة على عددٍ من المدن منها «Bria» مركز استخراج الألماس، و«بامباري، وسيبوت» القريبة من العاصمة «بانجي».

إقصاء الفصائل السياسية:

فتحرُّكات «سيليكا» بالأساس، قام على  خلفية عدم تنفيذ الرئيس الأسبق، فرانسوا بوزيريه، لبنود اتفاق السلام، الموقَّع مع الجماعات المعارضة، في عام 2007، والذي كان ينُصُّ على مشاركة عناصر من هذه الجماعات في الحكومة، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتنمية المناطق الشمالية، بدأ التمرُّد في أواخر نوفمبر 2012؛ الأمر كذلك في اتفاق السلام، الذي عقد عام 2019، والذي أُقصي منه  فصائل رئيسية في الصراع، أسفرت عن تشكيل «تحالُف الوطنيين للتغيير (CPC)»، والذي وافق عليه «بوزيزيه»؛ لمناهضة الاتفاق الموقَّع.

صبغة الصراع بصبغة دينية

الصراع في أفريقيا بالأساس مرتبط بتحرُّكات ومطالب «سياسية، واقتصادية»، غير أن تحوُّله إلى صراعاتٍ دينيةٍ بين المسلمين والمسيحيين، أسفر عن عمليات إبادةٍ جماعيةٍ، قائمة على أساس الديانة، ففي عام 2013، بدأت «سيليكا» في الانتقام من المجتمعات المسيحية، داخل العاصمة «بانجي»؛ ما أسفر عن مقتل المئات، وفي المقابل، قامت جماعات مسيحية بتكوين ميليشيات مسلحة “الأنتي بالاكا”، وحمَّلت هذه الميليشيات بدوْرها المجتمعات المسلمة مسؤولية الانتهاكات التي ارتكبتها عناصر “سيليكا”، وبدأت في التنكيل بالمسلمين  في كل مكانٍ يصلون إليه.

عدم استقرار في الحكومات الانتقالية

بالنظر إلى حالة الحكومات الانتقالية، منذ عام 2012، نجد أنه منذ 2012 وحتى 2022، تناقل الحكم 5 رؤساء، كان من بينهم انقلاب، ذلك بالإضافة إلى عددٍ من محاولات الانقلاب الفاشلة، في أفريقيا الوسطى لم تُحقِّقْ الاستقرار السياسي؛ لعدم التزامها بتفعيل الإطار القانوني، الذي يُحقِّق الأهداف المرْجُوَّة من الانتخابات، وليس توافره فحسب، بل مراقبة تنفيذه من كلا الطرفيْن؛ النظام الحاكم والأجهزة المعنية بتطبيق القانون.

تدخُّل القوى الخارجية

تعتمد الحكومة على القوى الأجنبية، التي تلعب دوْر الضامن العسكري للسلطة، بدلًا من كسْب دعْم غالبية السكان؛ لذلك اعتمدت على التدخُّل الروسي؛ لتسوية الصراع «سياسيًّا وعسكريًّا»، عن طريق تقديم الأسلحة وتدريب القوات المسلحة «الأفرو وسطية»، وصولًا إلى مشاركتهم في محاربة المتمردين، كما استفادت من التراجُع النسبي لبعض القوى الغربية والأوروبية، كما حصلت بعض الشركات الروسية على تصريح الاعتراف؛ بهدف تحديد رواسب الذهب والماس المحتملة، وإنشاء القاعدة العسكرية الروسية في أفريقيا الوسطى، وأكدت تطهير الدولة من المتمردين، وإنشاء القاعدة العسكرية الروسية في أفريقيا الوسطى.

كذلك تواجُد «تشادي، وفرنسي»، فلم ينقطع الحضور العسكري الفرنسي في البلاد منذ الاستقلال، وإن اختلف حجمه من فترة لأُخرى، كذلك كان لفرنسا وجود، فقد فرنسا نشرت قواتها؛ لتأمين مطار «بانجي» أثناء انتصار «سيليكا»، ثم قرَّرت بعد ذلك تنفيذ عملية لنزْع السلاح، بدأت في أوائل ديسمبر، وضمّت في 2013، 2000 جندي، في صيف عام 2021، قرَّرت باريس تعليق تعاونها العسكري مع «بانجي» التي عدّتها “متواطئة” في حملةٍ مناهضةٍ لفرنسا، تقودها روسيا، وبدأت في عام 2022، و قد أتى الانسحاب من جمهورية أفريقيا الوسطى بعد أسابيع من إتمام سحْب القوات الفرنسية من مالي، عقب تردّي العلاقات بين «باريس، والمجلس العسكري الحاكم» في «باماكو»، الذي اختار أيضًا الاستعانة بخدمات مُدرِّبين رُوس؛ لتأمين البلاد، وقد أكدت «باريس» أنهم من مرتزقة «فاغنر»، أما حضور تشاد العسكري، فيعود إلى أواخر التسعينات، وكان حضور تشاد ضمن عملية الاتحاد الأفريقي.

الوضع الآن

استمرار حالة الصراع بين الأطراف: مازال هناك اشتباكات بين الحكومة وحركة «سيليكا»، وتسعى «سيليكا» لتغيير حكومة أفريقيا الوسطى الحالية، وهذا على المستوى السياسي، ومن ناحيةٍ أُخرى، تجدَّد التوتُّر في خواتيم نوفمبر 2022، عندما احتشد عددٌ كبيرٌ من المسلحين، الذين ينتمي بعضهم إلى جماعة «تمازح» المسلحة، والتي يُعتقد – على نطاقٍ واسعٍ- أنها قريبة من الجيش، والبعض الآخر، ينتمي إلى قوات «حرس الحدود» التي دُمجت في الدعم السريع، إضافةً إلى مسلحين قَبَليِّين؛ في مناطق تقع بالقُرْبِ من الحدود مع أفريقيا الوسطى، يتجمعون من أجل دعْم تحالُف جماعة «سيليكا» المناوئة لحكومة أفريقيا الوسطى.

تقارب «روسي  – أفرو وسطي»:  ترحيبٌ واسعٌ تلْقاه روسيا في أفريقيا الوسطى، خصوصًا بعد الانسحاب الفرنسي؛ فجمهورية أفريقيا الوسطى أرسلت طلبًا إلى مجلس الأمن الدولي؛ لزيادة عدد المدربين العسكريين الرُّوس، وتتوسع في إسناد المهام الأمنية لروسيا في أفريقيا الوسطى.

توتُّر مع جيرانه «السودان وليبيا وتشاد»: تعاني الأوضاع مع «السودان، وأفريقيا الوسطى» حالةً من التوتُّر بين الطرفيْن، فمن ناحية السودان، أعلن نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق أول محمد حمدان دقلو، قيام السودان بقفْل وتأمين حدودها مع جمهورية أفريقيا الوسطى، وذلك في يناير من العام الجاري، كما  تتكررت التصريحات بشأن محاولات إفشال انقلابات تستهدف أفريقيا الوسطى، وهذا السيناريو تكرر في أكتوبر 2022، بتخطيطٍ من شخصياتٍ كبيرةٍ، وبعد ذلك، تحركت السودان بغلْق الحدود؛ بهدف الحفاظ على حُسْن الجوار مع جمهورية أفريقيا الوسطى.

ومن ناحية تشاد، تُوجد هشاشةٌ أمنيةٌ قد تؤدي إلى توتُّرات في المناطق الحدودية، التي تربط بين «تشاد، وأفريقيا الوسطى»؛ ما قد يدفع إلى التأثير على العلاقات بين «السودان، وتشاد»، وربما تكون هذه الملفات من الدوافع الرئيسية للتباحث بين المسؤولين في البلديْن، بضرورة التوافُق على حسْمها.

ومن ناحية ليبيا، فأتت إلى الواجهة أزمةٌ جديدةٌ، على خلفية إعلان أفريقيا الوسطى، بيْع أصولٍ ليبيةٍ في المزاد العلني، وقد ردَّ البرلمان الليبي بإصدار بيانٍ، رفض فيه عرْض ممتلكاتٍ ليبيةٍ تابعةٍ للشركة الليبية للاستثمارات الأفريقية (لايكو) في العاصمة «بانجي» بدولة أفريقيا الوسطى، للبيع في المزاد العلني، وقالت لجنة الاقتصاد والاستثمار، بمجلس النواب الليبي: إن عملية البيْع بهذه الطريقة، وفي هذا الوقت، انتهاكٌ قانونيٌّ وأخلاقيٌّ، ونهْبٌ لمُقدَّرات الشعب الليبي، وطالبت بوقْف المزاد فورًا، واتخاذ جميع الإجراءات المطلوبة؛ لمحاسبة المسؤولين عنه، وبحماية الاستثمارات الليبية في أفريقيا الوسطى وغيرها من دول العالم.

حساسيات يجب أن تُؤخذ في الاعتبار بشأن أفريقيا الوسطى

الصراع المصبوغ بصبغة دينية:  كما ذكرنا آنفًا، فإن الصراع في أفريقيا، صُبِغ بصبغةٍ دينيةٍ، لكن ما يجْدُرُ أخْذُه في الاعتبار، فيما يخُصُّ الصراع، أن سياق الصراع خاص، بين ديانتيْ «مسلمين، ومسيحيين»، وذلك على عكس عددٍ من دول الجوار، التي يُمثِّلُ تعقيدَ الصراع فيها ظهورُ بُعْدٍ إسلاميٍّ جهاديٍّ؛ لذا عادةً ما  يتم تديين الصراع، وإصباغ نوْع من التقسيم على أساسٍ دينيٍّ، حتى على الأطراف المتدخلة، التي تحاول حلحلة الصراع.

استهدافات واتهامات لـ«حفظ السلام»: من ناحية أُخرى، ولكونها طرفًا رئيسيًّا في الداخل، في أفريقيا الوسطى، وبحسب تقريرٍ أُممي، صدر في ديسمبر 2020، كانت  واحدةً من ثلاث دول، بجانب «جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومالي»، حدثت فيهم  84% من الوفيات، عبْر عمليات «حفظ السلام»، منذ بداية عام 2013 حتى نهاية 2022، كانت هناك زيادة في عدد الجُنَاة المزعومين، الذين تمَّ تحديدهم واحتجازهم، وزيادة في نسبة الحالات مع التحقيقات الوطنية المؤكدة، ومن جهةٍ أُخرى، في بعثة «حفظ السلام» في أفريقيا الوسطى، واحدةٌ من الدول التي وجّهت لأفرادها اتهامات بارتكاب جرائم جنسية على أيدي الأشخاص أنفسهم المُكلَّفِين بحماية السكان المحليين من التعرُّض للأذى، وصفها البعض، بأنها ممارسات ممنهجة؛ ما جعل عمل قوات «حفظ السلام» ذا حساسيةٍ مؤخرًا.

صراعات الموارد: تأتي الاشتباكات وسط تفاقُم حالة عدم الاستقرار في هذه الدولة الغنية بالموارد، التي أصبحت في السنوات الأخيرة، واحدةً من مراكز النفوذ الرئيسية لروسيا في أفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، فعلى سبيل المثال؛ تكبّد المرتزقة الرُّوس من مجموعة «فاغنر» خسائر فادحة، في صدامٍ جديدٍ بين القوات الحكومية والمتمردين؛ للسيطرة على مناجم الذهب المُرْبِحة، في جمهورية أفريقيا الوسطى، وصراعات الموارد، وخصوصًا المواد الخام الثمينة، فهي من أقوى الأسباب التي  يجري بشأنها اشتباكات داخلية في الفترة الراهنة.

توتُّرات حدودية: تشهد أفريقيا الوسطى حالةً من التوتُّرات الحدودية مع جيرانها، خصوصًا «السودان، وتشاد»، اللذان يتخوَّفان من الأعمال التي تُجريها الجماعات المسلحة على الحدود، بجانب  تحوُّل جماعة «سيليكا» لجماعةٍ جاذبةٍ لراغبي التسلُّح، وتحوُّل الحدود إلى منافذ للهجرة أو الاتّجار بالبشر، وكذلك التجارات غير المشروعة، وهو ما يسبب دائمًا هاجسًا أمنيًّا لكُلِّ دول جوار أفريقيا الوسطى، خصوصًا «السودان، وتشاد».

مستقبل الصراع :

سيناريو تفاؤلي: يتوقع هذا السيناريو، تنفيذ قرار الأمم المتحدة، بطلب انسحاب التواجُد الرُّوسي من أفريقيا الوسطى، واستمرار الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة «إيكاس»، مع إتمامه بحوارات مصالحة بين الأطراف المتناحرة، يترتب عليها، الوصول إلى تسويةٍ مختلفةٍ، تتضمن إشراكهم سياسيًّا، والنظر في عدالة توزيع الموارد.

فتكون هناك مفاوضات بين النُّخب؛ للبحث عن حلِّ المشكلات الأساسية، مثل؛ مسألة هوية «الأفرو وسطية»، أو العقْد الاجتماعي، لكن هذا السيناريو تغِيبُ الشواهد على احتمالية وجوده.

سيناريو تشاؤمي: ويتوقع، أن تتفاقم الأزمة؛ لأن لبعض الدول مصلحةً في استمرار أزمة أفريقيا الوسطى، ومعه يتوقع استمرار ترتيب المتمردين للقيام بعمليات انقلاب، والتي عجزت الأمم المتحدة عن تسويتها من قبْل، وبالتالي، تعود المشكلة من جديدٍ، وهذا السيناريو حاضرٌ بقوةٍ، خصوصًا مع استمرار توزيع مناصب السلطة بين القادة الذين يجلسون حول الطاولة، وأغلبية المواطنين غير الرَّاضين عنها؛ ما يُمهِّد لدورات تالية من العنف، وهذا السيناريو أقرب إلى مايشهده الوضع الحالي، والمرشح للاستمرار على المدى القريب.

كلمات مفتاحية