إعداد: مصطفى مقلد
مقدمة
مع اشتعال الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة، باتت إدارة بايدن فى اختبار صعب، تحاول خلاله التأكيد على دعم إسرائيل المطلق فى الدفاع عن نفسها، وهو ما ظهر فى تردد كبار المسئولين الأمريكيين على تل أبيب وتصريحاتهم التى شددت على وقوف الولايات المتحدة بجانب إسرائيل، وحتى الدعم المادى والعسكرى ونشر قوات أمريكية بالمنطقة، لكن ذلك صاحبه تحديات ليست هينة، مثل الحفاظ على الاستقرار بالمنطقة ومنع تمدد الصراع، والحفاظ على العلاقات مع الحلفاء العرب دون أن يشوبها توترات، والحيلولة دون منح إيران فرصة التمدد فى المنطقة انطلاقا من استثمار “طوفان الأقصى”، وقد حددت الإدارة الأمريكية تلك النقاط كتعهدات ظهرت فى تصريحات بايدن وبلينكن، لكن الأحداث تشير الى أن الأمور تذهب فى غير ما أرادت الإدارة الأمريكية.
تمدد الصراع بالمنطقة
يستغل المستوطنون فى الضفة الغربية الحرب وحالة التطرف الناتجة عنها لفرض سيطرتهم عبر تعزيز الاستيطان والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وطرد سكانها، ويشمل النشاط الاستيطاني إقامة بؤر استيطانية تمهيداً لتحويلها إلى مستوطنات دائمة، وشق الطرق الموصلة إليها، إضافة إلى إنشاء أسوار حول أراضي الفلسطينيين ونصب حواجز على شوارعهم، وقد أقام المستوطنون منذ اندلاع الحرب أكثر من 10 بؤر استيطانية وفق مراقبين.
مثلت عملية اغتيال “العارورى” فى بيروت تحول نوعى فى الحرب بين إسرائيل وحماس، باعتبارها بداية المرحلة الثالثة من الاستراتيجية الإسرائيلية المرتكزة على شن غارات وهجمات عن بعد بناء على معلومات استخباراتية لاستهداف قادة حماس، والبنية التحتية للحركة، وهو ما يأتى نتيجة ضغوط أمريكية تجاه إسرائيل بعد سقوط زهاء 23 ألف شهيد من المدنيين، غير أن تلك العملية كان لها تداعيات، حيث أبلغت مصر إسرائيل تعليق دورها كوسيط، كما واصل حزب الله تهديداته ورغم أن الرد جاء متواضعا وغير متسق مع نبرة خطاب حسن نصر الله، إلا أن الجبهة اللبنانية مع إسرائيل أصبحت الآن متوترة أكثر مما مضى منذ بدء الحرب، حيث صرح رئيس الأركان الإسرائيلي مؤخرا بأن إسرائيل ستعيد السكان إلى المناطق الشمالية المحاذية للحدود الجنوبية مع لبنان، إما بالضغط على جماعة “حزب الله”، أو من خلال شن حرب أخرى.
فى سياق مواز، أغارت الولايات المتحدة على “حركة النجباء” العراقية -المدعومة من إيران- داخل “أحد المقار الأمنية”، بعد أحصت واشنطن حتى الآن 103 هجمات ضد قواتها في العراق وسوريا منذ 17 أكتوبر، حسب حصيلة نقلتها فرانس برس عن مسؤول عسكري أميركي، لكن كان لذلك ارتدادات على علاقات الولايات المتحدة مع العراق، حيث أدانت الرئاسة العراقية الهجوم ووصفته بأنه «خرق وتجاوز» لسيادة العراق، وأشار رئيس وزراء العراق “السودانى” -المدعوم من إيران- إلى أن الحكومة العراقية “ماضية” باتجاه إنهاء وجود التحالف الدولي
في البلاد، فى وقت يغلب على النخبة الحاكمة الموالاة لإيران أى التوجه أكثر ناحية الصين وروسيا، ويدلل على ذلك تسلم شركة SNBC”” الصينية -الرائدة في إنتاج النفط والغاز- مهمة المشغل الرئيسي لحقل غرب القرنة/1 جنوبي العراق – وهو أحد أهم وأكبر حقول النفط العراقية- من شركة “اكسون موبيل” الأمريكية فى الأول من يناير هذا العام.
حارس الإزدهار فى البحر الأحمر
أعلنت الولايات المتحدة تشكيل تحالف دولى لتأمين ممرات التجارة الدولية فى البحر الأحمر وخليج عدن ضد هجمات جماعة الحوثى، وقد جاء الإعلان عقب اجتماع افتراضي لـ”أوستن” مع وزراء ومسؤولين لأكثر من 40 دولة، فضلا عن ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، لكن أصدقاء الولايات المتحدة أظهروا التلكؤ وعدم الحماسة لمثل هذا التحالف، باعتباره يدعم إسرائيل عمليا وهو ما لا تريده تلك الدول خوفا من تحولها الى دول مستهدفة، ومع ذلك تشكل تحالف من حوالى 12 دولة، لكن فعاليتها ما تزال موضع تساؤل، فهجمات الحوثيين على السفن دفعت شركات الشحن للابتعاد عن البحر الأحمر وهو ما تسبب فى ارتفاع أسعار شحن الحاويات 173%، وأوقفت بعض الشركات عمليات العبور عبر البحر الأحمر موقتاً وأعادت توجيه سفنها نحو طريق رأس لرجاء الصالح، تلك المؤشرات السلبية على المدى القصير، قد تتغير على المدى المتوسط والطويل، لكنها ستحتاج جهود جادة من الولايات المتحدة لإحتواء تلك التطورات، وهو ما يعنى مزيد من الضغط على تل أبيب، ورغم تصريح البيت الأبيض بأن “على نتنياهو أن يسير وفق أسلوب بن غفير وسموتريش فى الحكم أو السير وفق ما يرضينا”، إلا أن الواقع يكشف أن تلك الضغوط مازالت لم تترجم لحقائق على الأرض، فمثلا رفضت إسرائيل مقترح أمريكى يخص حل أزمة الضرائب الفلسطينية.
موقف رمادى حول التصعيد بالصومال
شهدت منطقة القرن الأفريقى التى تعانى تخمة من الحروب والأزمات، تصعيد جديد ومن نوع جديد، فالموقف العلني لرئيس الوزراء الإثيوبي بشأن الوصول إلى البحر الأحمر عبر ميناء جديد، جعلت دول الصومال وجيبوتى وإرتريا تستشيط غضبا، وفي بيان أدلى به “آبى أحمد” أمام البرلمان، حذر من أن الفشل في الحصول على ميناء بحرى من خلال المفاوضات قد يؤدي إلى صراع واستخدام القوة، ثم خفف من حدة تلك التصريحات، وكان وزير الخارجية أنتوني بلينكن قد صرح في 2 نوفمبر بأن “على كل من إثيوبيا وإريتريا الامتناع عن الاستفزاز واحترام استقلال وسيادة وسلامة أراضي جميع البلدان، لكن فى خطوة مفاجأة وقعت إثيوبيا وحكومة أرض الصومال مذكرة التفاهم تمهد تأمين أديس أبابا إلى منفذ تمتلكه الأخيرة على البحر الأحمر مقابل اعتراف أثيوبى باستقلال أرض الصومال وتملكها أسهم فى شركة الخطوط الجوية.
الإتفاق لا يقوم على حُجة قانونية، لكنه يستغل أوضاع غير منظمة بالإقليم، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام توترات كبيرة، فلا تزال أرض الصومال منطقة قانونيا تابعة للصومال، وتعد أرض الصومال واحدة من دولتين فقط “غير معترف بهما من قبل الأمم المتحدة، والأخرى هي جمهورية آرتساخ فى إقليم “ناجورنو كاراباخ” والتى تم القضاء عليها سبتمبر الماضى”، وقد رفضت الدول الاعتراف بها خشية أن يشكل انفصال أرض الصومال الناجح سابقة لحركات انفصالية أخرى في شرق أفريقيا، وتأمل الدول المجاورة ودول شرق إفريقيا مثل إريتريا أيضًا في صومال موحد لأنه قد يكون القوة الوحيدة في القرن الإفريقي القوية بما يكفي لموازنة إثيوبيا المهيمنة.
وعطفا على تلك التطورات أعلن الرئيس الصومالى أن الاتفاق يمس سيادة ووحدة أراضى بلاده، وقد حظى موقفه بدعم عدة دول مثل مصر وتركيا، لكنه ابتعد أكثر من ذلك ولمح باستخدام القوة، بعدما وقع قانوناً يلغي الاتفاق وهو ما يعد “إجراء شكلى”، لكن محاولة حشد الدعم الإقليمى يعد خطوة مهمة باعتبار أن الوضع الراهن ما زال يمكن إحتوائه دبلوماسيا.
تلك التطورات قد “تزيد الطين بلة” بالنسبة للصومال، فإقليم بونتلاند والذى يحازى إقليم أرض الصومال جهة الجنوب، أظهر بانتظام خلافاته مع الحكومة الفدرالية في مقديشو، ودافع بشدة عن الحكم الذاتي سياسيًا واقتصاديا، وتتمتع بونتلاند بموارد كبيرة بفضل ميناء بوصاصو، ولديها علاقات متوترة مع إقليم أرض الصومال بسبب خلافات حدودية.
على الصعيد الدولى، جاء موقف الولايات المتحدة مؤيد لوحدة الصومال، لكن فيما يتعلق بنفاذ الاتفاق أو عدمه، فقد دعت الأطراف الى الهدوء والتشاور، ويمكن تفسير ذلك فى ضوء اعتبار الولايات المتحدة إثيوبيا بمثابة وكيلها بالمنطقة، والرغبة فى إعطائها منفذ على البحر الأحمر ضمن إستراتيجية أكبر للولايات المتحدة تخص إعادة تشكيل مواقع النفوذ فى البحر الأحمر خاصة بعد حرب غزة وتطوراتها، أما الصين ترفض بشدة فكرة إنفصال إقليم أرض الصومال، ويأتى سبب الرفض من ممانعتها استقلال تايوان، وهما موقفان متشابهان، بالتالى قد تبرز الصين كحليف مهم للصومال فى مواجهة الاتفاق الأخير، لكن ذلك يواجه معوقات، فإثيوبيا حليف مهم لدى الصين فى منطقة القرن الأفريقى.
السودان
على الرغم من التقليد الصينى الراسخ فى علاقاتها الدولية، وهو مبدأ عدم التدخل فى الشأن الداخلى للدول الأخرى، غير أن الصين خرجت عن مألوفها هذه المرة من خلال إظهار التأييد “الرمزى” للبرهان، ففى برقية تهنئة بمناسبة الذكرى الثامنة والستين لإستقلال السودان بعث بها الرئيس الصيني للبرهان عبر فيها أن الصين ستظل تدعم سيادة السودان واستقلاله وسلامة أراضيه، بجانب ذلك كان قد زار البرهان بكين أكتوبر الماضى، وتحاول الصين الاستفادة من عدم استقرار العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومجلس السيادة الانتقالي في السودان، وعدم وجود رؤية أمريكية تسهم فى إنهاء الصراع، رغم وجود ملف السودان على أجندة عمل بلينكن خلال زيارته الأخيرة للإمارات.
أولويات الصين
رغم وجود ثغرات تستطيع من خلالها الصين النفاذ أكثر الى الشرق الأوسط والقرن الأفريقى فى الوقت الراهن، إلا أنها لم تفعل الكثير حيال ذلك، ويمكن رد ذلك الى أنه بعد تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية، بسبب حرب تجارية وعدد كبير من القضايا الأخرى من بينها قضية منشأ وباء “كوفيد-19″، وهو ما أثر على الاستثمار الأجنبى
فى الصين خاصة فى مجال التكنولوجيا، وهو ما أعاق بجانب عوامل أخرى انتعاش الاقتصاد الصينى بعد الخروج من خطة “صفر كوفيد”، وهو ما ترتب عليه في عام 2023، أن قلصت الصين بشكل ملحوظ استثماراتها في البنية التحتية العالمية، لذا يبدو أن أولويات الصين حاليا هى “إيجاد صيغة متوازنة للعلاقات مع الغرب”، خاصة مع تحسن العلاقات بعد قمة آبيك الأخيرة، بجانب وجود خطة إنقاذ مالي يمكنها أن تنقذ الاقتصاد الصيني من حالة الركود التي تصيبه، من خلال الذهاب الى أكثر من التحفيز الاقتصادى، بمعنى ضرورة أن تحدد بكين محركا جديدا للنمو من أجل ضمان استمرارية صعودها الاقتصادي العالمي، وبذلك يتقدم حاليا الاعتبار الاقتصادى على الاعتبار الجيوسياسى بالنسبة للصين، ويدعم ذلك تعليق الصين تجارة مع إيران بعد سعي طهران رفع الأسعار.