إعداد: رضوى رمضان الشريف
في تطور هو الأول من نوعه منذ قيام دولة إسرائيل، أقدمت دولة عربية وهي المغرب على توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع إسرائيل … سابقة لم تقدم عليها أي من الدول التي وقعت اتفاقات سلام أو قامت بالتطبيع مع إسرائيل.
كانت زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر إلى المغرب حدثاً استثنائياُ وغير مسبوق على عدة مستويات حيث؛ أنها كانت أول زيارة رسمية علنية لوزير الدفاع الاسرائيلي للملكة المغربية، بالرغم من أنه كانت هناك زيارات كثيرة ولكنها لم تكن علنية، وكانت هذه أول مرة يتم فيها الصلاة والدعاء لجنود جيش الدفاع الإسرائيلي على أرض عربية مسلمة، وكانت تلك هي أول مرة توقع فيها اسرائيل على اتفاق تعاون عسكري علني مع دولة عربية.
تربط اسرائيل علاقات مع دول عربية، ولكن لم تسفر إلى حد توقيع اتفاقية عسكرية أمنية مثلما حدث مع المغرب، ويُذكر بأن المغرب قامت بتطبيع علاقتها مع إسرائيل في نهاية عام 2020، في مقابل قرار إدارة ترامب السابقة بالاعتراف بالسيادة المغربية الكاملة على منطقة الصحراء الغربية.
جاء توقيع الاتفاق الدفاعي بين الرباط وتل أبيب في ظل تطور العلاقات بينهما منذ فترة، لكن الإقدام على تلك الاتفاقية يشكل خطراً استراتيجياُ على المنطقة العربية ككل وعلى منطقة شمال إفريقيا، فما هو الهدف من هذه الاتفاقيات وزيادة التسلح؟ وما المخاطر التي ستنتج من هذا النوع من التطبيع؟
بنود وتفاصيل غير مسبوقة
كشف مسؤول دفاعي إسرائيلي كبير عن بنود وتفاصيل مهمة بشأن الاتفاقية الأمنية التي وقعتها إسرائيل مع المغرب، فقال زوهار بالتي، رئيس المكتب السياسي والعسكري بوزارة الدفاع الإسرائيلية، إن تل أبيب والرباط ستبدآن تعاوناً عميقاً في القضايا الأمنية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بحرية أكبر وإجراء تدريبات مشتركة، بعد توقيع مذكرة التفاهم بينهما، بحسب موقع “تايمز أوف إسرائيل”.
وأوضح بالتي الذي خدم لسنوات في الموساد قبل أن ينتقل إلى وزارة الدفاع، أن: الاتفاقية عبارة عن تحالف استراتيجي معرفي يسمح من خلال التدريبات والمعلومات بمساعدة المغرب في كل ما يحتاج إليه من إسرائيل.
وبحسب “تايمز أوف إسرائيل”، يمكن لوزارتي الدفاع في البلدين التحدث بسهولة أكبر مع بعضهما وتبادل المعلومات، بموجب مذكرة التفاهم الجديدة، بخلاف الماضي، حيث كان الاتصال يتم فقط من خلال أجهزة المخابرات الخاصة بكل بلد منهما.
وقالت وزارة الدفاع الإسرائيلية إن الاتفاقية تشمل إضفاء طابع رسمي على تبادل المعلومات الاستخباراتية وتسمح بإقامة علاقات بين الصناعات الدفاعية والمشتريات الدفاعية والتدريبات المشتركة.
كل هذه الاستثناءات تدعوا للبحث عن دوافع المغرب ومبالغتها في ترحيب الوفد الإسرائيلي، فالدافع لا يرتبط فقط على صفقات التسليح الإسرائيلية، والتي تقوم بها العديد من الدول في الغرف المغلقة بدون الإعلان عنها.
ماهي الدوافع؟
الدافع الأساسي للمغرب هو التأكد من استمرار موقف الإدارة الأمريكية الحالية الذي يعترف بسيادة المغرب على منطقة الصحراء، وقطع الطريق عن أي ضغوطات على إدارة بايدن لإعادة النظر في القرار الذي اتخذه الرئيس الأسبق ترامب في ديسمبر 2020، والذي في مقابله تم تطبيع المغرب مع إسرائيل في صفقة تبادلية؛ (السلام مقابل اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على الصحراء).
ومع قدوم إدارة بايدن التي قامت بإعادة النظر في كل قرارات الإدارة السابقة، كان يوجد فريق سياسي في واشنطن يدعو لإعادة النظر في قرار الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على منطقة الصحراء، وأن ترجع لموقفها الثابت والتقليدي مثل موقف باقي المنظمات الدولية الأخرى تجاه القضية، والتي تعتبر منطقة الصحراء منطقة لا يتمتع أهلها بالحكم الذاتي الكامل (Non Self-Governing Territories)، وتمكين الشعب الصحراوي من حق تقرير المصير من خلال استفتاء ينتهي بموجبه استقلال منطقة الصحراء، أو ضمها تحت سيادة المغرب.
أرادات المغرب بتجديد علاقتها مع إسرائيل وترحيبها الحار بها على الأراضي المغربية بشكل استثنائي بأن تضغط على إدارة بايدن لعدم النظر في القرار، حيث اللوبي الإسرائيلي الذي يعمل بنشاط على توجيه السياسية الخارجية الأمريكية بما يحقق مصالح دولة إسرائيل، لن يسمح برجوع أمريكا عن موقفها تجاه سيادة المغرب على الصحراء، خاصة بعد أن وصلت المغرب إلى أبعد حد في مرحلة التطبيع مع اسرائيل.
هذه العلانية للترحيب بالوفد العسكري الإسرائيلي رسالة واضحة أيضاً للجزائر، الدولة الشقيقة للمغرب، فلم تكن علاقة البلدين حميمية وودودة منذ فترات طويلة بسبب قضايا مختلفة منها قضية الصحراء؛ إذ تدعم الجزائر جبهة البوليساريو وتقر بحقهم في الاستقلال وترفض سيادة المغرب على منطقة الصحراء.
بلغت العلاقات المتوترة بين البلدين مستوى متدني جداً في الأشهر الأخيرة منذ نوفمبر 2020، حين تجدد الصراع المسلح بين جبهة بوليساريو والسلطات المغربية في الكركرات؛ فبدأت الاشتباكات في 13 نوفمبر 2020 في الكركرات، وهي قرية صغيرة بين الأراضي الخاضعة للسيطرة المغربية والحدود الموريتانية، على طول المنطقة الحدودية التي تسيطر عليها الأمم المتحدة. أفضى تدخل القوات المسلحة الملكية المغربية في المنطقة لإعادة فتح معبر الكركرات المؤدي لموريتانيا المجاورة، وإقامة حزام أمني مغربي من أجل تأمين تدفق السلع والأفراد عبر المنطقة العازلة في الكركرات
تجدد الصراع المسلح بين الجبهتين (المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر)، وتطور الوضع ووصل إلى قيام الجزائر بالقرار المؤسف لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في أغسطس الماضي.
جاء رد فعل الجزائر على الاتفاق الأمني بين إسرائيل والمغرب قوي، حيث وصفه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأنه “خزي وعار لم يحدث منذ عام 1948”. وأشار إلى تصريحات نقلتها وسائل إعلام مغربية عن وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، قال فيها “نحن نتشارك مع المملكة المغربية القلق بشأن دور دولة الجزائر في المنطقة، التي باتت أكثر قرباً من إيران وهي تقوم حاليا بشن حملة ضد قبول إسرائيل في الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب”. وبدوره اتهم المغرب على لسان ممثله الدائم في الأمم المتحدة، عمر هلال، الجزائر بالسعي للتصعيد ضد المملكة، في محاولة لـ”التهرب من وضع اجتماعي واقتصادي خطير” على ترابها.
كيف سيشكل الاتفاق الأمني الإسرائيلي المغربي تهديداً استراتيجياً لدول شمال إفريقيا؟
في وقت الأخطار، تحاول كل دولة بأن تتسلح بأكبر قدر ممكن من أدوات المواجهة وهو الحصول على حلفاء، فالجزائر لديها حلفائها التقليدين من بينهم روسيا والصين التي تعقد صفقات تسليح كبيرة معهما، بينما تتسلح المغرب بعلاقات قوية مع أمريكا وحلفائها ومن بينهم إسرائيل في المقام الأول.
سيتبع وجود إسرائيل في شمال إفريقيا عن طريق المغرب سخونة في المنطقة نتيجة عدة اعتبارات كالآتي:
- لا توجد علاقات ثنائية تجمع بين إسرائيل والجزائر؛ كما تشكّل الجزائر جزءًا من مقاطعة الجامعة العربيّة لإسرائيل ولا تعترف رسميًّا بها، وترفض الجزائر دخول أراضيها أيّ شخص يحمل جواز سفر إسرائيلي أو أي جواز سفر آخر لديه تأشيرة دخول من إسرائيل.
كما يعد موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية ثابت، ففي تصريح سابق للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أكد بأن “مواقف الجزائر ثابتة إزاء القضية الفلسطينية” مضيفا إنها “قضية مقدسة بالنسبة إلينا وإلى الشعب الجزائري برمته” ونعت التطبيع بأنه «الهرولة للتطبيع والتي لن نشارك فيها ولن نباركها”.
- وجود إسرائيل في شمال إفريقيا عن طريق المغرب لا يقلق الجزائر فقط، بل يقلق تونس أيضاً، والتي عارض رئيسها أكثر من مرة عن تطبيع الدول مع إسرائيل؛ إذ صرح الرئيس التونسي قيس سعيد ذات مرة عن موقف بلاده تجاه قيام العديد من الدول العربية بالتطبيع مع إسرائيل ” هم أحرار ونحن أحرار ونريد أن نموت أحرار”.
- أما بالنسبة لمصر وبالرغم من وجود علاقات سلام بين مصر واسرائيل منذ 1979، إلا أن اتفاق اسرائيل مع المغرب، قد يوتر العلاقة بين مصر والمغرب، خاصة بعد أن أثار استقبال مصر لوفد “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”- وهي دولة لا تعترف بها مصر مثل الأمم المتحدة، في إطار جلسات البرلمان الإفريقي عام 2016- ووجود علم هذه “الدولة” بين المشاركين ضجة واسعة في المغرب لم تنته رغم تأكيد رئيس البرلمان الإفريقي حين ذاك، روجيه أنكودو أن مصر كان لها موقفًا رافضَا لرفع العلم في الجلسات التي نظمتها.
وجود إسرائيل في شمال أفريقيا ضمن اتفاقية دفاع مشترك مع المغرب يعني أن أي توتر على الحدود بين المغرب والجزائر ستشارك فيه إسرائيل أما بطريق مباشر أو غير مباشر، وستمكن هذه الاتفاقية المغرب من ابتياع مئات الأطنان من السلاح والمعدات التكنولوجية في صورة طائرات استطلاع تجوب الصحراء الغربية منها الراصدة لتحركات الجيش الجزائري علي الحدود، و هذا الاتفاق الخطير أوجد قاعدة إسرائيلية في شمال إفريقيا، فمن المتوقع بأن تشهد الفترة المقبلة توترات في الإقليم ونزاعات بين دول الجوار وسكب مزيد من البنزين على نار الخلافات.
ومن التهديدات الاستراتيجي المهمة التي ستنتج عن وجود إسرائيل بالمغرب العربي هو الوجود بالقرب من مضيق جبل طارق والمحيط الأطلسي؛ ما يعني مراقبة إسرائيلية أوسع لكل الرحلات البحرية عبر الأطلسي وصولاً إلى مضيق جبل طارق الذي سيقع بالكامل تحت المراقبة الدقيقة لأي سفن وناقلات معادية قد تحمل النفط الإيراني إلى أوروبا أو إلى سوريا، مما يعني فرض مزيد من الحصار على النفط الإيراني.
أما على المستوى الدولي، سيعزز الاتفاق من حالة الاستقطاب في المنطقة، بمعنى وجود حرب باردة جديدة ستدفع الجزائر لتعزيز علاقتها مع روسيا والصين، وكلما زادت الحرب الباردة في المنطقة، سوف ينعكس ذلك على حالة الاستقطاب بين المغرب والجزائر، والتي ستنعكس طردياً في منطقة شمال إفريقيا على عدة ساحات، ومن أكبرها ساحة الصحراء المغربية، والتي قد تمتد إلى ساحات أخرى في غرب المتوسط والساحل الإفريقي.
ويجب التنويه أيضاً بأن صورة التطبيع العلنية والجديدة بين المغرب وإسرائيل ستؤثر داخلياً في المغرب، حيث يوجد شرائح واسعة في المغرب تعارض التطبيع مع إسرائيل مثل باقي موقف الشعوب العربية.
ختاما، رغم أن تطبيع العلاقات مع المغرب لا يكتسب أهمية فورية وعملية للأمن القومي الإسرائيلي، مثلما هو الحال مع البحرين والإمارات، اللتان تتفقان مع إسرائيل في مواجهة إيران من حيث موقعهما الجغرافي، فإن إسرائيل ترى علاقاتها المتجددة مع المغرب ذات أهمية أكبر، لأن لها مصلحة في توسيع تعاونها في المنطقة، بما في ذلك على المستوى الأمني، وهذا يسمح لها بتوثيق شراكاتها في اتفاقيات إبراهيم.
وصول العلاقات المغربية والإسرائيلية إلى هذا الحد من الدفء سيعود بالنفع على إسرائيل، فهي تستغل التوتر المغربي الجزائري لصالحها جيداً لمعرفة تفاصيل حساسة تخص المنطقة العربية ويتم مناقشتها سرياً داخل جامعة الدول العربية، فبجانب وجود إسرائيل بصفة عضو مراقب في منظمة الاتحاد الإفريقي، فمن المحتمل بأن يفتح المجال التعاوني الكبير بين البلدين الباب لإسرائيل لمعرفة ما يحدث داخل جامعة الدول العربية، ولذلك فإن عودة العلاقات المأمولة بين المغرب والجزائر ستصب في مصلحة البلدان العربية وهذا شيء مرجو.