إعداد: منة صلاح
يعتبر يوم السابع من أكتوبر 2023م، بمثابة نقطة تحوُّلٍ في تاريخ علاقة أفريقيا جنوب الصحراء بالصراع في الشرق الأوسط، وقد يؤدي الصراع إلى تداعيات لم نشهدها من قبْل، وقد يجذب انتباه الدول الكبرى؛ مثل الولايات المتحدة، بعيدًا عن مشكلات القارة، فضلًا عن الآثار الاقتصادية المحتملة على دول القارة الأفريقية؛ جرَّاء العدوان الإسرائيلي على غزة؛ نظرًا إلى الارتفاع المتوقع في أسعار النفط والغاز الطبيعي؛ إذ تُلبِّي أفريقيا احتياجاتها من الطاقة من الأسواق العالمية، التي تتسم بالاضطراب.
قد تتأثر أغلب الدول الأفريقية بأزمة ارتفاع أسعار الطاقة؛ نظرًا للتصعيد الإسرائيلي المستمر في غزة، والذي نتج عن عملية «طوفان الأقصى»، التي شنَّتْها فصائل فلسطينية، في السابع من أكتوبر 2023م، وذلك بالإضافة إلى تغيير أولويات الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيزها على الصراع الحالي في منطقة الشرق الأوسط، بدلًا من اهتمامها بالشواغل الأفريقية؛ ما يعني إهمالها الكثير من المشروعات في الدول الأفريقية، فضلًا عن إسرائيلي التي تتحول من جهود التطبيع إلى دبلوماسية الحرب؛ وهو ما أسقط أفريقيا من أجندتها.
موقف دول أفريقيا جنوب الصحراء من التصعيد الإسرائيلي في غزة
انقسمت دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى ثلاث فِرَقٍ، وفقًا لمصالحها، فيما يتعلق بموقفها من العدوان الإسرائيلي على غزة، فقد أيَّد الفريق الأول حقوق الفلسطينيين بقيادة دولة جنوب أفريقيا، وأيَّد الفريق الثاني إسرائيل باعتبار أن لها حقَّ الدفاع عن نفسها وذلك بقيادة كينيا، أمَّا الفريق الثالث والأخير فإنه يتبنَّى الحيادية وذلك بقيادة نيجيريا، فقد نشرت وزارة الخارجية النيجيرية بيانًا، أدانت خلاله العنف الذي أدَّى لهذا التصعيد، ودعت الجانبيْن لإعطاء الأولوية لسلامة المدنيين، وهو الأكثر حيادية، مقارنةً ببيانات الدول الأخرى، ويتضح أن هناك صلةً وثيقةً بين المواقف السياسية لدول أفريقيا جنوب الصحراء وبين قوة علاقاتهم مع إسرائيل من جهة، ومع الدول العربية من جهة أخرى.
ونجد أن الدول الأفريقية تحتفظ بعلاقات ممتدة مع الفلسطينيين، ودعمت حقوقهم في إقامة دولتهم المستقلة، وفرضت مقاطعةً لإسرائيل، قبل حرب أكتوبر 1973م، ولكن حدثت تحوُّلات في السياسات؛ جراء الضغوط الدبلوماسية والسياسية التي مارستها إسرائيل في الآونة الأخيرة، بالاستعانة بدول كبرى، وفي مقدمتها؛ الولايات المتحدة الأمريكية؛ ما أثَّر على صناعة القرار الأفريقي بشكلٍ نسبيٍّ.
وتشير حالة الاختلاف في ردود الفعل الأفريقية نحو الوضع في قطاع غزة، إلى ضرورة طرْح فكرة “الوعي الجمعي الأفريقي” على اعتبار أن هذه الدول عانت من آثار الاستعمار والعنصرية، ولكن يتضح من الأوضاع الراهنة، أن هناك اتجاهًا لدول معينة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ نظرًا للاتفاقيات الخاصة بالتكنولوجيا والتقنيات الزراعية والمساعدات العسكرية، على اعتبار أن إسرائيل رائدة في هذا المجال، وهو السبب الرئيس لحصول تل أبيب على دعْم دول أفريقية معينة، ولهذا السبب أيضًا، قامت العديد من الدول الأفريقية، بفصْل مصالحها الاقتصادية عن مواقفها السياسية في المحافل الدولية.
وعلى الرغم من سعْي بعض الدول الأفريقية للتطبيع مع إسرائيل؛ لتحقيق مصالحهما الاقتصادية، إلا أن هناك الكثير من الدول الأفريقية؛ مثل «سيراليون، وإثيوبيا، وتشاد، وزامبيا، والكونغو الديمقراطية» وغيرهم، التي لم تَسْعَ إلى إرساء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، حتى سعت دول؛ مثل «الكونغو الديمقراطية، وسيراليون»؛ لإبداء استعدادهما لإنشاء سفارة بمدينة القدس المحتلة.
الآثار المحتملة للتصعيد الإسرائيلي في غزة على أفريقيا جنوب الصحراء
مثلما تركت الحرب «الروسية – الأوكرانية» آثارًا على القارة الأفريقية، خاصَّةً فيما يتعلق بسلاسل الإمداد الغذائية، ومنها واردات القمح، قد يؤدي التصعيد الإسرائيلي في غزة إلى القضاء على الآمال الأفريقية، في تحقيق تقدُّمٍ اقتصادي، وخاصَّةً الاقتصادات الصاعدة في جنوب الصحراء، إضافةً إلى آثار التصعيد على أسعار الطاقة، وتبدُّل السياسات الأمريكية نحو أفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما سوف نتطرق له على النحو التالي:
اضطراب سوق الطاقة العالمي:
يعتبر اضطراب سوق الطاقة العالمي وارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي، في مقدمة المخاوف بالنسبة للدول الأفريقية، كأحد آثار التصعيد الإسرائيلي في غزة؛ ما قد يُؤثِّرُ على الدول الأفريقية المستوردة للنفط، فقد يؤثر ارتفاع أسعار النفط على دول؛ مثل «كينيا»، ولكنه سيُعزِّزُ مواقف الدول الأفريقية المنتجة للنفط؛ مثل «نيجيريا، وأنجولا»؛ لذا يجب أن يقوم مُصدِّرُو النفط في أفريقيا جنوب الصحراء بدوْرٍ مِحْوَريٍّ كموطنٍ آمنٍ لمُسْتَوْرِدِي النفط في القارة، وسوف تظل مسألة الاكتفاء الذاتي من الطاقة في أفريقيا غير ممكنة.
وتتمثل التحديات الرئيسية الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة؛ جرَّاء العدوان الإسرائيلي على غزة، في توفير الطاقة بأسعار مناسبة لكل الأفارقة، وتأخُّر تنفيذ المشروعات ذات الصلة؛ مثل «خط أنابيب شرق أفريقيا للنفط الخام في أوغندا، ودفع المستثمرين الجدد لاتخاذ قرارات بضخِّ استثمارات في مشروعات جديدة في أفريقيا»، وذلك بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية المُعقَّدة في مناطق مليئة بالغاز والنفط؛ مثل «الأوضاع الأمنية في شمال موزمبيق».
تغيير السياسة الخارجية الأمريكية نحو أفريقيا جنوب الصحراء:
تشهد القارة الأفريقية عِدَّة تحوُّلاتٍ تشير إلى تبدُّل السياسات الأمريكية؛ لتعود منطقة الشرق الأوسط في مقدمة الأولويات الأمريكية، وهو ما ظهر من خلال إرسال قوات كبيرة من الأسطول الأمريكي إلى منطقة شرق المتوسط، ويشير ذلك إلى الانخراط الأمريكي في الأحداث الجارية في الشرق الأوسط، وهناك مخاوف من أن تصبح القارة الأفريقية في أدنى أولويات الولايات المتحدة، في وقتٍ تسعى فيه الدول الأفريقية للحصول على دعْمٍ لمواجهة التحديات، وتعزيز القدرات الاقتصادية.
وأدَّى التصعيد الإسرائيلي في غزة إلى تواجُدٍ أمريكيٍّ ملحوظٍ في الصراع، سواء من الناحية السياسية أو الدبلوماسية أو العسكرية، وتبنَّت إسرائيل استراتيجية، مفادها؛ ترحيل سكان قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء، وهو ما طرحه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال زيارته إلى القاهرة، ولكن تمَّ رفْض هذا الاقتراح، إجمالًا يُؤثر العدوان على السياسة الخارجية الأمريكية، ويُغير أولوياتها جِذْرِيًّا، ما قد يؤثر على الاهتمام الأمريكي بالقارة الأفريقية
تأثير التصعيد الإسرائيلي في غزة على الطموح الإسرائيلي في أفريقيا جنوب الصحراء
أدَّى التصعيد الإسرائيلي في غزة إلى سعْي العديد من الحكومات الأفريقية، لاسيما في منطقة جنوب الصحراء، وفي مقدمتها جنوب أفريقيا؛ لإعلان تضامنهم مع الشعب الفلسطيني وقطاع غزة، كما شارك رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، في وقفةٍ احتجاجيةٍ؛ لإدانة العدوان على غزة، وقامت الأحزاب السياسية في جنوب أفريقيا، بوصْف إسرائيل بنظام الفصْل العنصري، الذي حكم جنوب أفريقيا قبْل التسعينات، كما طالبت بوقْف التصعيد في غزة.
وعلى الرغم مما أنفقته إسرائيل من مليارات الدولارات في أفريقيا جنوب الصحراء على مدار السنوات الماضية؛ بهدف تصفية القضية الفلسطينية في القارة الأفريقية، على اعتبار أنها قضية عربية فقط، ويجب أن تتخلَّى عنها الدول الأفريقية، إلا أنها فشلت في ذلك، لاسيما بعد التضامُن الأفريقي مع قطاع غزة؛ جرَّاء العدوان الإسرائيلي، ويمثل استمرار التصعيد الإسرائيلي في غزة تهديدًا للتواجد الإسرائيلي والمصالح الإسرائيلية في أفريقيا، وخاصَّةً جنوب الصحراء.
وفي 27 أكتوبر 2023م، تمَّ بالفعل استهداف المصالح الأمريكية؛ إذ قامت قوات تابعة لميليشيات الحوثي في اليمن، باستهداف قاعدة «دهلك» البحرية العسكرية في إريتريا التابعة لإسرائيل، وهناك استهداف أيضًا لقاعدة «امباسوري» المخابراتية الإسرائيلية، والتي تقع على قمة جبل «امباسوري»، والمخصصة لمراقبة «باب المندب».
وقد تكون القواعد العسكرية الإسرائيلية في أفريقيا، والتي تقوم بتدريبات عسكرية للجيوش الأفريقية، لاسيما في «كينيا، والكونغو الديمقراطية»، محل استهداف من قِبَلِ حركة شباب المجاهدين في «الصومال، وتنظيم القاعدة»، وتتخوَّفُ إسرائيل من تلك الحركات؛ نظرًا لدورها في استهداف مصالحها في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا.
وقد تكون مشروعات التطبيع الدبلوماسي بين إسرائيل وبعض دول القارة محلًّا للمراجعة والإلغاء، لاسيما في السودان؛ وذلك في ظلِّ الضغط الشعبي المُطالِب للحكومات الأفريقية بطرْد السفراء الإسرائيليين من دولهم، وقطْع العلاقات الدبلوماسية معها، وقد تتصاعد المواقف الأفريقية الرافضة لعضوية إسرائيل بصفة مراقبٍ في الاتحاد الأفريقي والمنظمات الأفريقية التي تسعى إسرائيل للانضمام إليها؛ لتعزيز تغلغُلِها في القارة.
ختامًا:
تتعدد وتتنوع الآثار المترتبة على التصعيد الإسرائيلي في غزة والتطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على القارة الأفريقية، وذلك بدايةً من التأثير على الاقتصادات الصاعدة في جنوب الصحراء، والارتفاع المرتقب في أسعار الطاقة، وأَثَرُ ذلك على الدول الأفريقية المستهلكة للنفط والغاز، وصولًا إلى تغيير أولويات الولايات المتحدة الأمريكية، وسعيها لتوجيه موارد سياسية واقصادية وعسكرية إلى إسرائيل؛ ما قد يؤثر على رصيد المخصصات للمشروعات الأفريقية المختلفة، وقد تنتقل إسرائيل الغير مستقرة أمنيًّا من دبلوماسية التطبيع إلى دبلوماسية الحرب؛ نظرًا لاحتمالية سعْي الدول الأفريقية لإلغاء التطبيع، ولاحتمالية استهداف القواعد العسكرية الإسرائيلية في أفريقيا.