تراجع “نسبى مؤقت” للاهتمام الصينى بإفريقيا

إعداد : مصطفى مقلد 

مقدمة:

وجه القادة الأفارقة أعينهم تجاه مؤتمر الحزب الشيوعى الصينى، الذى يعقد كل خمس سنوات ويحدد فيه الحزب – وعلى رأسه اللجنة المركزية للحزب- سياسات الدولة الجديدة وتوجهاتها، حيث علق الأفارقة آمالا كبيرة على إستمرار الدعم الصينى لهم على الأصعدة السياسية والإقتصادية خاصة فى وقت تمر فيه القارة بأزمة غذاء قاسية وحاجة ملحة للتنمية خاصة بعد ما ترتب عليهم من ضغوط ناتجة عن الحرب الأوكرانية.

الصين بعيون إفريقية:

ويهتم القادة الأفارقة باستئناف الصين نموها الإقتصادى، إذ يجتمع الحزب في فترة تنتهج فيها الصين حاليًا سياسات “”zero-COVID، وتواجه أكبر شركة عقارية صينية أزمة مالية، ويمثل القطاع العقارى حوالى ربع الإقتصاد الصينى، بجانب أزمة سلاسل الإمداد وما ترتب عليها من زيادة التضخم، وهو ما يمثل عقبات أدت لتباطؤ النمو الإقتصادى الصينى الذى دفع لتباطؤ وتيرة نمو العلاقات مع إفريقيا، وهو بالتأكيد ما لا تريد إفريقيا حدوثه بعد أن قامت الصين بتقديم تسهيلات مالية ودعم للتنمية فى أنحاء القارة وأصبحت الشريك التجارى الأول لها.

ويأمل الأفارقة أن تقوم الصين بدعم دور منظمة الاتحاد الإفريقى ليقوم بدور أكبر على المستوى العالمى، من خلال الإعلان عن دعمها لأن يصبح الاتحاد الإفريقي العضو 21 لمجموعة العشرين.

كما أن النفوذ الصينى فى إفريقيا نتيجة المساعدات والقروض الميسرة والإستثمارات الضخمة، جعل الغرب يشعر بتهديد جيوستراتيجى فى القارة وهو ما إنعكس على زيادة إهتمامه بالقارة ومحاولة تقديم نفسه بأنه الداعم الحقيقى للتنمية فى إفريقيا، هذا الوضع المبنى على التنافس بين الصين والغرب أفرز لإفريقيا مزايا الاستفادة من الجانبين، وهو ما يود القادة الأفارقة إستمراره.

الاقتصاد الصينى:

توقع البنك الدولي أن يصل نمو الاقتصاد الصيني هذا العام إلى 2.8 في المئة فقط، و4.5 في المئة في عام 2023، في مارس الماضى أعلنت الصين سعيها لتحقيق نمو فى الناتج المحلى لهذا العام قدره 5.5 في المئة، وتأتى التوقعات استنادا لأسباب تتعلق بالصيف الحار والجاف بشكل غير عادي حيث تعاني الصين واحدة من أسوأ موجات الحرارة منذ عقود، مما يجهد إمدادات الطاقة المجهدة بالفعل، ويؤدي إلى خفض الإنتاج في بعض أجزاء البلاد.

خلال الربع الثالث من العام الجاري، أظهرت البيانات تسجيل الصين نموا بواقع 3.9% خلال الربع الثالث، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، وجاءت القراءة أعلى من التوقعات، ولكن رغم البيانات الإيجابية، إلا أن تلك القراءة قد رفعت معدل النمو السنوي في الصين إلى 3.3% فقط، ولا يزال هذا أقل بكثير من الهدف الرسمي للسلطات البالغ 5.5%.

وسجلت التجارة الصينية مع إفريقيا فى 2021 رقما قياسيا بلغ 254 مليار دولار، وهو ما يوضح أن العلاقات مع إفريقيا إستراتيجية، لكن تداعيات الحرب الأوكرانية على إفريقيا أدت إلى فتور الاستهلاك وتراجع الطلب الإفريقى على المنتجات، كذلك ظهر توجه جديد فى الصين لتقليص إنتاجها من السلع الاستهلاكية والتركيز على التكنولوجيا وتحقيق عوائد أكبر مقابل الصناعات التقليدية،ما يمنح دول إقليمية فرصة لتصبح مركز بديل لتصدير بعض السلع محل الصين، كما أن خفض دعم الشحن من الصين لباقي دول العالم انعكس سلبا وبشكل ملحوظ على وجود المنتج الصيني فى إفريقيا، لترتفع تكلفة الشحن من الصين بنحو 3 أضعاف مقابل العامين الماضيين، فضلا عن ارتفاع تكلفة رواتب العمال.

مبادرة الحزام والطريق:

فى وقت سابق، أشار الرئيس الصينى إلى أن البيئة الدولية للحزام والطريق أصبحت “معقدة بشكل متزايد”، وأكد على الحاجة إلى تعزيز ضوابط الأخطار، فنتيجة لتباطؤ الاقتصاد العالمى عامة والصينى خاصة، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة العالمية وصعود التضخم،  قلصت البنوك الصينية الإقراض بشكل حاد للمشاريع الجديدة في البلدان منخفضة الدخل، وهو ما يعنى تراجع وتيرة العمل على المبادرة فى إفريقيا.

في حين أن الصين لن تتخلى عن مشروعها الذى يحقق طموحها بالصعود السلمى للسيطرة على العالم، فإنها قد تخفض الإقراض، بسبب الاحتياجات المحلية للتأكد من أن الإقراض مستدام، بالتالى سوف تحتاج الصين إلى أن تكون أكثر انتقائية في المشاريع التي يمكنها تمويلها، خاصة في الاقتصادات الناشئة، وقد بدأت تتقلص مشاركة الصين في مشاريع المبادرة من حيث عدد العقود الجديدة وإجمالي قيمة المشروع الجديد.

تقرير العمل الذى قدمه “شي جين بينج” للمؤتمر 21 للحزب الشيوعى الصينى، أشار إلى تراجع الإهتمام بمبادرة الحزام والطريق على سلم الأولويات، فى المقابل فإن مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي الأحدث هما اللتان وردتا بالاسم في القسم الأوسع المتعلق بالسياسة الخارجية للصين فى التقرير، ولم تظهر مبادرة الحزام والطريق في هذا القسم.

كان الرئيس الصينى قد اقترح مبادرة أمن عالمي أثناء إلقائه كلمة في حفل افتتاح المؤتمر السنوي لمنتدى بواو الآسيوي لعام 2022، تقوم المبادرة على ستة إلتزامات عامة تتفق مع ما جاء في ميثاق الأمم  المتحدة، وتتعلق بحماية الأمن والسلم الدولى واحترام سيادة الدول ومعارضة سياسة التكتلات والسعى للحلول السلمية.

وتأتى هكذا مبادرة فى ضوء التنافس الأمريكى الصينى وسعى الولايات المتحدة لتحشيد الجهود والحلفاء لمواجهة الصعود الصينى، حيث أصبح مواجهة التحركات الأمريكية بشأن تكوين تحالفات ضد الصين مثل”أوكوس” والدعم الأمريكى لجزيرة تايوان الشاغل الأول والأساسى للحكومة الصينية.ال

كما اقترح مبادرة التنمية العالمية لتوجيه التنمية العالمية نحو مرحلة جديدة من النمو المتوازن والمنسق والشامل في مواجهة الصدمات الشديدة لمرض (كوفيد-19)، وتضع الصين الدول النامية فى قلب هذه المبادرة، وهو ما يعكس استمرار لمسلسل التنافس بين الغرب والصين على تعزيز النفوذ لدى تلك الدول.

ختامًا:

يمكن القول أن التحديات السياسية الجديدة بجانب السياسات الداخلية التى يتبناها الحزب الشيوعى والازمات المالية الداخلية التى تواجهها الصين قد دفعتها لإعادة ترتيب أولوياتها والتدقيق فى بعض سياساتها مثل الإقراض للدول النامية، وهو ما قد يعنى توجيه إهتمام أكبر لبعض المناطق الجغرافية على حساب إفريقيا مدفوعة بالبحث عن مكاسب أكبر فى ضوء التنافس مع الولايات المتحدة وأزمة الطاقة، حيث بلغ حجم التجارة بين الصين والدول العربية 330مليار دولار خلال 2021، كما تحاول الصين الترتيب لعقد أول قمة صينية عربية، وذلك بعد الأهمية التى اكتسبتها المنطقة العربية بعد الحرب الأوكرانية.

وإستقراء تاريخ العلاقات بين الصين وإفريقيا يقول أن ذلك التراجع النسبى هو مجرد محطة مؤقتة نتيجة ظروف وقتية، ستسعى من بعدها الصين لإعادة تسريع وتيرة التعاون مع إفريقيا التى تمثل ساحة مهمة لجلب مصادر الطاقة والاستناد لكتلة تصويتية كبيرة فى المؤسسات الدولية.

كلمات مفتاحية