تصاعد حدة الاشتباكات في مخيم عين الحلوة: التداعيات وسيناريوهات المستقبل

إعداد: مروة سماحة

المقدمة:

دخلت الاشتباكات في مخيم عين الحلوة اللبناني، اليوم، في يومها السادس، بعد انتهاك هدنة، استمرت لشهر، على إثر الاشتباكات التي اندلعت في أواخر يوليو، واستمرت لخمسة أيام، على خلفية صدامات بين كل من حركة فتح، وبعض الفصائل المتطرفة (جند الشام، والشباب المسلم)، والتي وصلت إلى ذروتها بعد مقتل العميد أبو أشرف العرموشي، قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني، وأحد أبرز قادة حركة فتح، وأربعة آخرين.

مخيم عين الحلوة هو أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وقد تأسس في عام 1948 بعد النكبة الفلسطينية، ويقع المخيم في مدينة صيدا اللبنانية على الساحل الجنوبي للبلاد، ويُعتبر عين الحلوة أكبر مخيم للفلسطينيين في لبنان، ويضم حوالي 80,000 لاجئ فلسطيني، من إجمالي عددهم الذي يصل إلى حوالي 250,000 لاجئ فلسطيني، في مختلف مناطق لبنان، وفقًا لتقديرات الأونروا، وفي سياقٍ متصلٍ، يواجه سكان المخيم العديد من التحديات، التي تشمل “ضعف البنية التحتية، والبطالة، والفقر المدقع”، ناهيك عن أعمال العنف بين الفصائل الفلسطينية.

الجدير بالذكر، أن واقع الاضطرابات الأمنية والصراعات بين الفصائل الفلسطينية، وأحيانًا مع السلطات اللبنانية، ليس بالجديد في مخيم عين الحلوة، وإنما أمرٌ مستساغٌ حدوثه، وأصبح من طبيعة المخيم الأمنية،
يعكس ذلك التقرير، أبرز تطورات المشهد الأمني بالمخيم وآثارها، بالإضافة إلى السيناريوهات المستقبلية للصراع داخل المخيم.

أولًا: أبرز التطورات

في أعقاب فترة هدوءٍ حَذِر، في مخيم عين الحلوة، وجهود مُكثَّفة من قِبَلِ كُلٍّ “قيادة حركة فتح، وقوات الأمن الوطني الفلسطيني”؛ للحفاظ على وقف إطلاق النار، عادت من جديد الاشتباكات بين “حركة فتح، وجماعة جند الشام، وفصائل إرهابية أخرى”، ويأتي ذلك على إثْر عدم تسليم قتلة “العرموشي” إلى القضاء، فكان من المفترض تسليم ثمانية مطلوبين في خلال شهر، وبعد تجاوز المهلة، اندلعت أعمال العنف، وسُمِعت أصوات القذائف والرصاص في مدينة صيدا وجوارها، وأسفر ذلك – حتى الآن – عن وقوع تسعة قتلى، من بينهم؛ اثنان مدنيان، وعلى الأقل 120جريحًا، من بينهم؛ جنود من الجيش اللبناني، إثْر إلقاء قذيفة على مركزٍ للجيش قُرْب المخيم، وترتب على ذلك الوضع؛ حركة نزوحٍ كبيرةٍ، وسط تصاعد حِدَّة الاشتباكات داخل المخيم، في حي الطوارئ والشارع التحتاني وتل المناطق لا تخلو من اللبنانيين .

كما أعلنت الأونروا (الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين في الشرق الأدنى)، عن استيائها من أعمال العنف، ودعت لوقف اطلاق النيران؛ حيث انتهكت الفصائل المسلحة حرمة مجموعة مدارس الأونروا، واتخذتها ملجأ لإطلاق الرصاص والاقتتال والحماية؛ ما سيعطل 6000 طفل، حسب تقدير الأونروا، من الالتحاق بالعام الدراسي الجديد، والجدير بالإشارة، أن الأونروا علَّقت كافة خدماتها منذُ بدْء الاشتباكات في نهاية يوليو الماضي.

وفي نهاية يوم الإثنين، أعلنت المديرية للأمن العام اللبناني، عن التوصُّل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار في مخيم عين الحلوة، ويشمل الاتفاق تسليم المطلوبين باغتيال “العرموشي”.

ويمكن تفسير استهداف المناطق اللبنانية في صيدا وضواحيها بالرصاص والقذائف من داخل المخيم، كذلك استهداف مراكز الجيش اللبناني، على أنه أمرٌ غير عارضٍ، بل هو مُخططٌ له بشكل إستراتيجي، بضرب المقاومة الفلسطينية وتشتيتها وانغماس الجيش اللبناني في حرب غير مستعدٍ لها، وبالتالي تشتيت الجنوب اللبناني بأكمله وتفريق شمله.

وفي وسط تلك الأصداء، تساءل البعض مستنكرًا عدم تدخل الجيش اللبناني في المشهد، والقضاء على الإرهابيين بداخل عين الحلوة، كما سبق وتدخل عام 2007؛ لاستعادة وضبط الأمن، إثر الاشتباكات وأعمال العنف بين الجماعات المتطرفة بمخيم نهر البارد، ونتج عن ذلك التدخُّل اشتباكات عنيفة ومواجهات مسلحة، استنزفت الجيش اللبناني، ناهيك عن سقوط عددٍ لا يُستهان به من القتلى والجرحى، وتدمير المخيم بالكامل، وتوتُّر في العلاقات بين الجيش اللبناني والفصائل داخل المخيم.

وتجدر الإشارة، أن تدخُّل الجيش اللبناني عسكريًّا داخل المخيم ليس أمرًا يسيرًا على الإطلاق، فمن شأن ذلك التدخُّل، زيادة وتيرة العنف، كما أن هناك العديد من العوامل التي تلعب دورًا في تلك المسألة، مثل:

1- اتفاقية 1969 بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية التي تنص على أن القوات اللبنانية لا تدخل المخيم إلا في الحالات الاستثنائية.

2- التعقيدات السياسية: المسألة الفلسطينية هي قضية شائكة بلبنان والمنطقة بأسرها، وهناك تعقيدات سياسية تجعل من الصعب التدخل اللبناني في المخيم.

3- رفض الجيش اللبناني التورُّط في تلك المسألة وتحميل منظمة التحرير الفلسطينية كافَّة المسؤولية وراء الفشل والتوتر الأمني بالمخيم، ورفض أن تكون لبنان ساحةً لتصفية الخلافات الخارجية؛ وذلك على خلفية زيارة “محمود عباس” لمصر، والبتّ في توحيد صفوف الفصائل الفلسطينية

وبهذا تكون التدخلات العسكرية في المخيمات الفلسطينية بلبنان أمرًا مُعقَّدًا للغاية، ويتعين التعامل مع هذه القضايا بحذر؛ لتجنُّب تصاعُد التوترات والمشكلات الإنسانية.

السيناريوهات المستقبلية

انتهاك هدنة وقف إطلاق النار وتصعيد الانتهاكات (السيناريو الأقرب)

وفقًا لتعقيد المشهد المحتدم بالصراعات، فمن المتوقع، حدوث ما هو غير سار، وخرْق هدنة وقف إطلاق النيران من قِبَلِ الجماعات المتشددة، كما سبق وحدث، حيث إن الأمور لم تُعَالَج من جذورها، وسيستمر التنازُع على السلطة داخل المخيم،  وليس ذلك فقط، بل إن الأمور تُنْذِر بالتصعيد، لا سيما بعد أن أصبح الجيش اللبناني جزءًا من الصراع، عقب إطلاق القذائف والنيران على المدن اللبنانية ومراكز الجيش اللبناني، ومن المحتمل، إفلات الوضع الأمني من منظمة التحرير الفلسطينية، وأن ذلك من شأنه، أن ينعكس سلبًّا على القضية الفلسطينية، ويحدث ما هو أبشع، ويتم تهجير اللاجئين الفلسطينيين، كما حدث في مخيم نهر البارد.

ويمكن القول: إن انخراط الجيش في الصراع داخل المخيم – بالرغم من استهدافه – مستبعدٌ، فالجيش اللبناني يسلك مسلكًا عقلانيًّا، ولا يمكن أن ينخرط في صراعٍ لا يحمله سوى مكابد غير محتمله، فهو يريد الحفاظ على الأمن في لبنان، لا سيما مدينة صيدا ومحيط المخيم، ومنع امتدادات الاشتباكات إلى مدن أخرى.

استمرار الهدنة وتسليم العناصر المشتبهة في مقتل “العرموشي” (السيناريو المُسْتَبْعد)

وفقًا لذلك، سيتم تكثيف جهود منظمة التحرير الفلسطينية، بالتنسيق مع الجيش اللبناني داخل عين الحلوة، وضبْط المشتبهين في مقتل العميد العرموشي، وتصفية المخيم من الفصائل الإرهابية، وفرض حالة الطوارئ داخل المخيم عقب ذلك، وإخلاء المخيم من السلاح.

كلمات مفتاحية