بقلم السفير محمد سالم الصوفي: المدير العام للمعهد الثقافي الأفريقي العربي
صعَّدت مالي من حدة أزمتها مع فرنسا و من حالة الاحتقان الذي تعيشه منذ بعض الوقت علاقاتها مع جارتها ساحل العاج وذلك في خطوتين تصعيديتيْن اتخذتهما باماكو هذا الأسبوع اتجاه باريس من جهة و اتجاه أبيدجان من جهة أخرى.
فبالنسبة للازمة مع فرنسا ،ما كاد آخر جندي فرنسي يخرج من الأراضي المالية يوم الاثنين 15 أغسطس الجاري، حتى وجهت وزارة الخارجية المالية رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، اتهمت فيها فرنسا بدعم جماعات مسلحة في البلاد، من خلال تسليمها أسلحة وذخائر وتزويدها ببعض المعلومات كانت قد جمعتها قبل مغادرة قواتها الأراضي المالية مؤكدة أن لديها ما سمَّته“أدلة موثوقة” تثبت تورط فرنسا في دعم “جماعات إرهابية”، مؤكدة في نفس الوقت استعدادها لتقديم تلك الأدلة لمجلس الأمن.
و عن طبيعة الأفعال المنسوبة لفرنسا ، استنكرت الرسالة ماوصفته بالانتهاكات المتكررة وكثيرة الحدوث” للمجال الجوي المالي من قبل القوات الفرنسية وتحليق الطائرات الفرنسية التي تقوم “بأنشطة تعد بمثابة تجسس” ومحاولات “ترهيب“، على حدوصف الرسالة.
وأكدت رسالة الخارجية المالية، أن مالي تمتلك “عدة أدلة على أن هذه الانتهاكات الصارخة للمجال الجوي المالي قد استخدمت من قبل فرنسا لجمع معلومات استخبارية لصالح من وصفتهم الرسالة بالجماعات الإرهابية العاملة في منطقة الساحل وإلقاء الأسلحة والذخيرة إليها من الجو، وفق الرسالة.
و خلصت الخارجية المالية إلى دعوة مجلس الأمن إلى عقد اجتماع طارئ حول الوضع الأمني في البلاد وإدانة “الانتهاكات المتكررة للمجال الجوي لمالي من قبل فرنسا”. وأضافت رسالة الخارجية أن مالي“تحتفظ بحقها في الدفاع عن النفس“، وفقا لميثاق الأمم المتحدة، إذا واصلت فرنسا تصرفاتها“، وفق الرسالة.
و على صعيد علاقاتها مع جارتها ساحل العاج ،وجَّهت مالي يوم الأحد 14 أغسطس تهماً ثقيلة إلى 49 جندياً من ساحل العاج ، موقوفين لديها، بـتهمة ”محاولة الإضرار بأمن الدولة”وأفاد مصدر قضائي مالي بأن النيابة في باماكو، وجّهت اتهامات للجنود المعتقلين منذ أكثر من شهر، وقررت مواصلة حبسهم.
قابلت ساحل العاج هذه الاتهامات بالنفي وطالبت بإطلاق سراح الجنود، مشيرة إلى أنهم جزء من قوات لتعزيز بعثة حفظ السلام الأممية في مالي “مينوسما” وأكد مصدر آخر مقرّب من القاضي ومسؤول في وزارة العدل في مالي، صحة المعلومات .
التطور الجديد يبعد أفق تسوية أزمة جنود ساحل العاج الذين أصبحوا الآن سجناء في مالي رغم الوساطة التي بادر بها رئيس توجو “فور انياسينجبي ” ووساطة الاتحاد الإفريقي التي قادها رئيسه الدوري،الرئيس السنغالي “ماكي سال“. وقال مصدر مطلع على المحادثات إنه تم تحقيق بعض التقدم، لكنه لفت إلى تعطلها جراء “نقاط معينة”. مضيفاً أن “القضاء سيقوم بعمله، لكن المفاوضات ستتواصل أيضاً”.
يعزو المراقبون الصرامة التي أظهرها المجلس العسكري الحاكم في مالي في تعامله مع الأزمة الدبلوماسية مع ساحل العاج ،إلى اتهام “باماكو” لـ“أبيدجان” بلعب دور حاسم في تشجيع شركاء إقليميين على فرض عقوبات قاسية على البلاد، تم رفعهافي يوليو الماضي.
رغم كون السلطات في مالي قد أعلنت عن خطواتها التصعيدية مع فرنسا و ساحل العاج بصفة متزامنة ،إلا أنها لم تربط بين الملفين رغم اشتراكهما في تهديد أمن و استقرار البلاد حسب القاموس الذي استخدمته باماكو في تصريحاتها حول الموضوعين و رغم تزامن هذا التطور مع خروج آخر قافلة للجنود الفرنسيين من أراضي مالي متوجهة إلى النيجر المجاورة التي تعيش علاقاتها مع مالي أزمة مازالت صامته حتى الآن رغم تبادل الجانبين خرجات إعلامية ساخنة في الأشهر الماضية.
النيجر التي نقلت إليها فرنسا مركز ثقلها العسكري بعد انسحابها من مالي ،عرفت هي الأخرى تطورا متزامنا مع اكتمال انسحاب الجيش الفرنسي من مالي، فقد أعلنت خمس عشرة منظمة ناشطة بالمجتمع المدني في النيجر، عن تأسيس حركة باسم “الاتحاد المقدس لصيانة سيادة الشعب وكرامته M62” ، بغية مناهضة الوجود العسكري الفرنسي في البلد.
ودعت المنظمات الناشطة بهذه الحركة لتظاهرة وطنية ضد قوة“بارخان” الفرنسية يوم السابع عشر أغسطس الجاري، بهدف الدفاع عن سيادة وكرامة الشعب النيجري وصيانتها، حسب ما جاء في بيانات هذا الحراك. كما حثت “كل القوى الحية فيالوطن” على المشاركة في الاحتجاجات التي كانت مرتقبة و منعتها السلطات.
يتساءل المراقبون بعد أن وصلت الأمور إلى الحالة الراهنة عن ردة فعل فرنسا التي اعتبرت ،على لسان القائد الجديد لقواتها في المنطقة، أن اتهامات مالي لها تشكل إهانة لأرواح جنودها الذين سقطوا بالعشرات في ساحة المعركة دفاعا عن سيادة الدولة المالية في وجه زحف الإرهابيين حسب تعبير القائد الفرنسي.
كما يتساءل نفس المراقبين ،حسب منحى الاحتقان المتزايد الذي استقرت عليه أزمة مالي و فرنسا، عن طبيعة الخطوة التصعيدية القادمة التي ستتخذها باماكو اتجاه باريس.
و بنفس الترقُب يتساءل هؤلاء المراقبون، في ظل فتور الوساطة بين مالي و ساحل العاج، عن مدى استمرار “أبيدجان” في الالتزام بأسلوب التهدئة و ضبط الأعصاب الذي اتبعته حتى الآن في معالجة أزمة جنودها المحتجزين في مالي