تصعيد محتمل في شمال سوريا: الأسباب والمؤشرات

إعداد: أحمد محمد فهمى

بعد تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، حول دعم أنقرة للمصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا، تزامنًا مع بدء خطوات المصالحة لعودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، والتي بدأت بلقاء بين وزيري الدفاع ورئيسا جهازي الاستخبارات للدولتين في موسكو برعاية روسية، والتي من المتوقع أن تتطور إلى عقد لقاء على مستوى وزيري الخارجية في فبراير المقبل، أثار ذلك حالة من الغضب العارم بين المعارضة والفصائل المسلحة السورية في مدن شمال سوريا، والتي عارضت وبشدة التوجهات التركية للمصالحة مع الأسد بجانب دعوتها للمصالحة بين المعارضة والنظام السوري، وهو ما تسبب لاحقًا في انطلاق مظاهرات دعت إلى رفض الدعوات التركية ورفع وصايتها على مسارات ومستقبل المعارضة، كما دعى بعض قادتها لاستئناف القتال ضد قوات الجيش السوري كرد فعل على المحاولات التركية، وهو ما تحقق لاحقًا بعد شن مقاتلو هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقًا”، عدة عمليات انغماسية ضد الجيش السوري.

وفي ظل تلك المستجدات ظهرت مؤشرات للتصعيد في شمال سوريا، وهو ما قد ينذر بعودة العمليات العسكرية من جديد، خاصة في ظل توفر عدة عوامل للتصعيد منها حالة الشحن الداخلي المتأججة ضد المصالحة، وانشغال إيران بأزمتها الداخلية وتداعياتها، وتركيز روسيا في حربها في أوكرانيا.

أولًا: أسباب التصعيد:

ترجع تلك الأسباب في مجملها إلى مخاوف وقلق المعارضة السورية من تداعيات خطوات مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، وتأثير ذلك على مستقبل المعارضة والتي يمكن توضحيها فيما يلي:

1- القضاء على ما تبقي من آمال للثورة السورية:

إن أي اتفاق متوقع عقده بين تركيا وسوريا إذا وصل للتطبيع وإعادة العلاقات بين الدولتين، فسوف يقضي بالكامل على ما تبقى من آمال للثورة السورية، وإجهاض مشروعها بشكل نهائي، وذلك بعد تخلي جميع الدول عن دعمها ولم يتبقى لهم سوى تركيا الماضية في مسارها نحو المصالحة، خاصة بعد سيطرة حكومة دمشق على أغلب الأراضي السورية ولم يتبق لهم سوى المدن الواقعة في الشمال السوري.

Untitled design 3 1 تصعيد محتمل في شمال سوريا: الأسباب والمؤشرات

2- انتقام الأسد:

كما أن هناك مخاوف من انتقام الرئيس السوري بشار الأسد وأجهزته الأمنية من المعارضة وقادتها في حالة إتمام المصالحة، وأن تكون المساومة عليهم هي إحدى نقاط الاتفاق بين الطرفين، فبعد سنوات من الحرب والقتال والتدمير، لن يقبل الأسد بسهولة عودة المعارضة وقادتها للحياة العادية بسهولة، دون التدقيق في أمرهم، مخافة أن يسهموا مستقبلًا في العودة إلى الحرب من جديد.

3- مصير العائدين:

إن المعارضة لم ولن يكن لديها ثقة في النظام السوري في أي وقت من الأوقات، وكانوا قد كرروا مرارًا وتكرارًا أن هناك شواهد للعديد من الحوادث متعلقة بالسوريين العائدين إلى مناطق تخضع تحت سيطرة النظام، خاصة العائدين من تركيا والتى شهدت انخفاضًا مستمرًا منذ عام 2020؛ إذ بلغ عدد العائدين 38 ألف لاجئ بانخفاض نسبته 60% مقارنة بعام 2019، كما دعت منظمات حقوقية جميع الدول إلى حماية السوريين من العودة لمواجهة العنف والتعذيب ووقف أي عمليات إعادة قسرية إلى سوريا [1]، بالتالي تخشي المعارضة من المصير نفسه الذي قد يلحق بالاجئين السوريين في حالة ضغط تركيا عليهم لعودتهم الي مناطقهم، وهي تعلم أن السلطات السورية لن تثق بهم ولن تدعهم دون مسائلات أمنية.

4- تكرار سيناريو الإخوان:

في إطار الخطوات التي اتخذتها تركيا للتقارب مع مصر، قامت بتحجيم نشاطات الإخوان المسلمين المتواجدين على أراضيها، وخاصة المؤسسات الإعلامية، وطالبتهم بالكف عن دعايتهم وأسلوب تناولهم للقضايا المصرية، إلى أن وصل الأمر بخروج العديد من الإخوان ومؤسساتهم من تركيا إلى دول أخرى، كما قامت تركيا سابقًا باعتقال الإعلامي المعارض حسام الغمري، بسبب عدم التزامه بالتشديدات التركية على عدم ممارسة أنشطة سياسية ضد مصر انطلاقًا من أراضيها، والمعارضة السورية لديها مخاوف من أن يلحق بها نفس سيناريو الإخوان، وهو ما قد يؤثر على تواجدهم وحراكهم انطلاقًا من الداخل التركي، وكذلك من تعرضهم للملاحقة إذا لم يلتزموا بالتعليمات التركية، خاصة وأن قبول تواجدهم في الخارج صار معدومًا.

ثانيًا: مؤشرات التصعيد:

1- التظاهرات الحاشدة:

خرج آلالاف من السوريين في شمال سوريا حتى تلك التي تقع تحت سيطرة الجيش التركي وحليفها الجيش الوطني السوري، رافضين دعوة وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو [2] للمصالحة مع دمشق، وكانت تلك التظاهرات رفعت شعار “لن نصالح”، وطالت انتقادات المتظاهرين الرئيس التركي نفسه وأركان حكومته، وفي بعض تلك التظاهرات قاموا بحرق وإزالة الأعلام التركية، كما وصف المتظاهرون دعوة تركيا للمصالحة مع النظام بالخيانة العظمى، مشددين على أنه لا بديل لهم سوى إسقاط الأسد، وأن الخيار الوحيد للسوريين هو الاستمرار بالثورة حتى إسقاط النظام وأركانه.

Untitled design 4 1 تصعيد محتمل في شمال سوريا: الأسباب والمؤشرات

 

2- ظهور الجولاني:

تصدر أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقًا” المشهد الرافض لمسارات ودعوات المصالحة، فأعلن في تسجيل مصور بعنوان “لن نصالح” رفضه التام للمصالحة، متوعدًا بإسقاط النظام السوري وبناء دمشق من جديد، معتبرًا المباحثات بين النظام السوري وحليفه الروسي وبين الجانب التركي، “انحرافًا خطيرًا يمس أهداف الثورة السورية”، وتبرز أهمية تصريحات الجولاني في كونه الشخص الذي يسيطر على أغلب الفصائل المسلحة في مدينة أدلب، وله نفوذ عسكري واسع النطاق، وله نقاط تماس مباشرة مع قوات الجيش السوري، وقد قام بشن العديد من العمليات الاختراقية لجبهات قوات الجيش السوري، وهو ما ينذر باحتمالية خروج تلك الاستهدافات البسيطة لمعارك عسكرية واسعة النطاق والتي كانت متوقفة منذ عام 2020.

3- التصعيد الميداني في أدلب:

شنت هيئة تحرير الشام والفصائل المنضوية تحت رايتها العديد من الهجمات العسكرية التي استهدفت قوات الجيش السوري، لعدة أهداف منها الضغط على النظام السوري لرفض المصالحة عن طريق استفزازه لشن عملية عسكرية واسعة النطاق في الشمال السوري وخاصة تجاه مدينة “أدلب”، بجانب إرسال إشارة لتركيا برفض دعواتها للتوسط للمصالحة مع النظام، وقد استطاعت الفصائل المسلحة من خلال تلك الهجمات العسكرية تكبيد الجيش السوري خسائر بشرية في صفوف قواته.

كما قامت بإصدار العديد من الإصدارات المرئية لعملياتها الإنغماسية والتي تريد من خلالها أيضًا التأكيد على مطالب المتظاهرين الرافضة للمصالحة، كما تريد أن تبرز نفسها في إطار أنها لا تزال على طريق الثورة السورية بعد “تخاذل” الجيش الوطني السوري وقادة الائتلاف السوري المعارض أمام الدعوات والسياسات التركية.

4- تهديدات بعودة القتال انطلاقًا من الشمال السوري:

بعد فترة من الهدوء النسبي في شمال سوريا، بعد السيطرة التركية الكاملة على الجيش السوري الحر وتحويله إلى ما يسمى الآن بالجيش الوطني السوري، هدد العديد من قادة تلك الفصائل المسلحة المنضوية تحت الجيش الوطني السوري، بالعودة إلى القتال من جديد في حالة إتمام المصالحة، مشيرين في عدة تصريحات إلى أن المصالحة تعنى القضاء على مشروع الثورة وهو ما يرفضوه تمامًا، وفيما يلى أبرز تصريحات[3] قادة المعارضة السورية ورفضهم لأى مصالحة مع النظام السوري:

  • حسن حماة (وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة): “عند أول صيحة (الشعب يريد إسقاط النظام)، هي نقطة اللاعودة. انتهى”، مؤكداً أنه “لا بديل عن إسقاط الأسد”.
  • (إدارة التوجيه المعنوي، التابعة لهيئة الأركان العامة في الحكومة السورية المؤقتة): أكّدت أن نظام الأسد خطر على الشعب السوري والتركي والمنطقة، وهو مخلب إيران وذيل روسيا، مشيرة إلى أنه من مسؤولية الجيش الوطني التصدي له بالوسائل المشروعة كافة إلى حين خضوعه لإرادة الثورة وقرارات المجتمع الدولي في تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، لا مكان فيها لنظام الأسد.
  • أبوأحمد نور (القائد السابق للفيلق الثالث في الجيش الوطني السورى): وضع عدة شروط للصلح مع نظام الأسد، وقال “إذا حضر الصلح الشهيد غياث مطر ووافق عليه حمزة الخطيب ووقع عليه حجي مارع، وإذا خرج الغارقون من البحار، وإذا عادت المدن المدمرة شامخة كما كانت قبل براميل بشار الأسد، وإذا وافقت أمهات الشهداء واندملت جراحات المصابين وزالت الخيام ونسي المعتقلون ليالي البؤس، وقتها قد نصالح”.
  • الفاروق أبوبكر (القيادي في الجيش الوطني السوري، وفرقة المعتصم): “لا شأن لنا في موازين السياسة وتقلباتها لا كلمة لنا إلا ما صدحنا بها من أول يوم في ثورتنا لن نركع ولن نصالح المجرمين ولن نجالس قتلة الأبرياء ولن نتنازل عن حقوقنا في الحرية والكرامة”.

5- تفجير شارع الاستقلال بإسطنبول:

بعد حادث تفجير شارع الاستقلال بمدينة إسطنبول في نوفمبر الماضي، وإعلان المرأة التي نفذت الهجوم، على أنها تدربت علي يد حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية السورية، وأنها دخلت تركيا عبر منطقة عفرين بشمال غرب سوريا، إلا أن حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية قد نفوا وجود أي صلة بينهم وبين الهجوم أو مُنفذيه، وبالرغم من ذلك فلا يمكن فصل تلك الحادثة عن خطوات عملية التطبيع، في ظل رفض قوات سوريا الديمقراطية لتلك الخطوة، محذرة دمشق من سياسات أنقرة والتي تريد إحكام قبضتها على الأكراد في شمال سوريا، بجانب قلق كافة التنظيمات الكردية المسلحة في الشمال السوري من تداعيات التطبيع، في ظل رغبة أنقرة الجامحة في القضاء على وجودهم وتسلحيهم، وعلى مشروعهم الفيدرالي.

6- الاعتداء على رئيس الائتلاف السوري المعارض:

بالرغم من مشاركة رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض سالم المسلط، في تظاهرة في شمال سوريا ضد التقارب بين تركيا والنظام السوري، إلا أن “المسلط” قد تعرض للاعتداء من قبل مشاركين في التظاهرة، متهمين الائتلاف السوري بالمهادنة تجاه عملية التقارب التركي مع النظام السوري، خاصة بعد اللقاء الذي جمع بين وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو مع رئيس الائتلاف الوطني السوري سالم المسلط، ورئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس، ورئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، ويرون أن أداء الائتلاف لم يرتق إلى مستوى طموحاتها، وقد طالب بعض المتظاهرون بإغلاق مقري الائتلاف والحكومة المؤقتة ومنع أعضاء الائتلاف والمؤقتة واللجنة الدستورية وهيئة التفاوض من الدخول لسوريا، مطالبين أعضاء من المكونين المذكورين القاطنين في الداخل السوري إما الاستقالة أو التزام بيوتهم، مشددين على أنه يجب العمل على استعادة الثوار الحقيقيين والناشطين الصادقين لدورهم في قيادة المرحلة سياسيًا وعسكريًا.

سوريا cleanup تصعيد محتمل في شمال سوريا: الأسباب والمؤشرات

وإجمالاً:

بالرغم من الدعم الكبير وغير المحدود الذي قدمته تركيا خلال السنوات الماضية للمعارضة السورية، إلا أن الرئيس التركي وحزبه الحاكم شعر بأن القضية السورية قد نالت كثيرًا من شعبيته ورصيده لدى المواطن التركي، الذي يشعر أن الوجود السوري على أرضه وكذلك الدعم التركي للمعارضة السورية قد أثر بشكل كبير على وضعه وخاصة وضعه الاقتصادي، بالتالي كان لابد على أردوغان في سبيل بقائه هو وحزبه في السلطة، أن يقدم على إجراءات براجماتية تساعده في الانتخابات المقبلة والتي بلا شك تأتي في ظروف صعبة قد تؤثر على مستقبله السياسي في قيادة الدولة التركية.

بجانب ذلك فإن هناك انتقادات طالت قادة المعارضة السورية من اعتمادها بشكل كامل على الرئيس الحالي أردوغان، دون البحث عن شركاء آخرين من الداخل التركي من الأحزاب التركية التي من الممكن فوزها في الانتخابات التركية العامة المقبلة والتي وعدت في برنامجها الانتخابي القضاء تمامًا على وجود اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، والتصالح مع النظام السوري.

وبالنهاية صار مستقبل المعارضة السورية على المحك في انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات التركية العامة المقبلة، وكذلك نتائج مسارات المصالحة بين أنقرة ودمشق، وهما الحدثان اللذان ستشكل نتائجهما بالتأكيد مستقبل المشهد السياسي السوري.

المصادر:

[1] “وسط انتهاكات بالجملة.. تراجع في أعداد العائدين إلى سوريا”، الجزيرة نت، 12/6/2022، متاح على: https://bit.ly/3JoB6Yd.

[2] “ردود فعل غاضبة ومظاهرات شمالي سوريا ضد تصريحات وزير خارجية تركيا |فيديو”، تلفزيون سوريا، 11/8/2022، متاح على: https://bit.ly/3DiMOQg.

[3] “احتجاجات غاضبة في الشمال السوري تنديدا بدعوة تركيا للمصالحة مع النظام”، صحيفة العرب، 12/8/2022،https://bit.ly/3HgDkpL.

كلمات مفتاحية