تطورات الأوضاع فى السودان “٢”.. اجتماع قوى الحرية والتغيير بالقاهرة

إعداد/ دينا لملوم

تجرى جهود تسوية الأزمة السودانية على قدم وساق، وتتعدد جهود الوساطة من أجل حلحلة هذه الأزمة، وقد لعبت مصر دوراً حاسماً لوضع حد للصراع الدائر فى الخرطوم منذ قرابة أربعة أشهر، وهو ما ظهر جلياً فى المحاولات المصرية المتعددة، منها قمة دول الجوار السودانى التى استضافتها القاهرة ١٣ يوليو الجارى حول التوافق على إطلاق حوار جامع وبناء للأطراف السودانية، أيضاً اجتماع قوى الحرية والتغيير السودانية الذى عُقد فى مصر على مدار يومين؛ رغبةً فى إجراء مشاورات داخلية، تتمكن من وضع حد للحرب التى تعصف بالسودان، والسعى نحو إعادة الحكم المدنى فى البلاد، كل هذه المحاولات تعكس مدى حرص مصر على ضرورة التوصل لحل سياسى لهذا الصراع، ووقف عمليات إراقة الدماء؛ وإعادة الأمن والاستقرار للشعب السودانى.

ما هى قوى الحرية والتغيير:

قوى الحرية والتغيير والمعروفة  ب “قحت” هى عبارة عن مكونات سياسية سودانية تتكون من تجمعات مدنية وسياسية ومهنية، وظهرت بشكل كبير خلال فترة الاحتجاجات التى اندلعت نهاية عام ٢٠١٨، وظلت مستمرة حتى الإطاحة بحكم الرئيس السابق “عمر البشير”، وبعد تسلم المجلس العسكرى الحكم فى السودان، واصلت احتجاجها ضده؛ بسبب رفضه تسليم السلطة، وحملته مسئولية ارتكاب انتهاكات فى حق المتظاهرين، وفى يوليو ٢٠١٩، قامت قحت بعقد مفاوضات مع المجلس العسكرى؛ أسفرت عن توقيع اتفاق أُطلق عليه “الوثيقة الدستورية” قضى بتقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين، ونصت الوثيقة على تأسيس مجلس السيادة السودانى برئاسة “عبد الفتاح البرهان” وتعيين “عبد الله حمدوك” رئيساً للوزراء، ولكن فى أكتوبر ٢٠٢١، قام البرهان بحل حكومة حمدوك، بجانب حكومته ومجلس السيادة السودانى، الأمر الذى استنكرته قوى الحرية والتغيير، ودعت إلى شن مظاهرات شعبية لمعارضته، وانتهى الأمر بالتفاوض معه والتوصل إلى طرح “الاتفاق الإطارى” مع قادة الجيش السودانى، ولكن سرعان ما اندلعت الاشتباكات فى الخرطوم أبريل الماضى بين الجيش وقوات الدعم السريع، وهو ما أدى إلى طى صفحات الاتفاق الإطارى لحين إشعار آخر.

موقف قحت من الحرب المشتعلة فى الخرطوم:

طالبت قوى الحرية والتغيير بدعم المباحثات المشتركة بين طرفى الصراع، وذلك فى إطار المبادرة السعودية الأمريكية؛ وصولاً إلى وقف إطلاق النار وحل القضايا العالقة عبر حل سياسى شامل وعادل، ودعت إلى ضرورة دفع مسار التحول المدنى الديمقراطى، وإجراء الإصلاحات الأمنية والعسكرية التى تعمل على تشكيل جيش قومى ينأى بمهامه عن الحياة السياسية.

استكمال جهود قمة دول الجوار السودانى:

توصلت قمة دول جوار السودان التي استضافتها القاهرة في ١٣ يوليو الحالى إلى آلية اتصال يقودها وزراء خارجية الدول المشاركة لبحث الإجراءات التنفيذية المطلوبة لمعالجة تداعيات الأزمة السودانية على مستقبل واستقرار السودان، ووحدته وسلامة أراضيه، والحفاظ على مؤسساته الوطنية ومنعها من الانهيار، وقد اشتمل البيان الختامى للقمة على بعض البنود، كان من بينها التأكيد على أهمية الحل السياسى لوقف الصراع الدائر، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية، يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبى طموحات وتطلعات الشعب السودانى فى الأمن والرخاء والاستقرار.

مشاورات مالك عقار بالقاهرة:

قام “مالك عقار” نائب رئيس مجلس السيادة السودانى بإجراء عدة مشاورات سابقة على اجتماعات قوى الحرية والتغيير التى عقدت يومى ٢٤ و ٢٥  يوليو الحالى، وضمت العديد من القوى والاطياف المختلفة سواء الحزبية أو غير الحزبية؛ وذلك من أجل تأسيس منصة مدنية تشمل شخصيات عدة تنتمى لتيارات مختلفة؛ من أجل خلق توافق وطنى سودانى واسع يساعد على إنهاء الأزمة الراهنة، وقد أجرى عقار مشاورات مع قحت؛ لبناء توافقات جادة تؤسس لمرحلة ما بعد انتهاء القتال الحالى فى السودان، كما أنه سعى لتشكيل منبر يضم مختلف الشخصيات، حيث رجال الأعمال السودانيين المتواجدين بمصر، وغيرهم من مختلف القوى والتيارات، فى محاولة للحصول على أكبر قدر من التوافق بين القوى السودانية المختلفة؛ تجنباً لحدوث أية انقسامات، كالتى شهدتها الساحة السودانية قبل اندلاع الحرب الحالية.

اجتماع قوى الحرية والتغيير بالقاهرة:

استضافت القاهرة الائتلاف الحاكم السابق فى السودان “قوى الحرية والتغيير” اجتماعاً على مدار يومى ٢٤ و ٢٥ يوليو الجارى؛ وذلك لإجراء مشاورات داخلية مع القيادات السودانية المتواجدة فى مصر؛ للوقوف على آخر مستجدات الحرب المشتعلة فى الخرطوم، والسعى نحو إستعادة الحكم المدنى، وإيجاد مخرج لهذه الأزمة التى تعصف بالبلاد، وقد ضم الوفد السودانى كل من: رئيس المكتب التنفيذي لتحالف قوى الحرية والتغيير “بابكر فيصل”، ورئيس حزب المؤتمر “عمر الدقير”، إضافة إلى الأمين العام لحزب الأمة القومي “الواثق البربر”، ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير “ياسر عرمان”، فضلاً عن بعض الشخصيات الأخرى، وذلك بالتنسيق مع وزارة الخارجية المصرية وجهات أمنية لمناقشة آلية الحل فى السودان.

خارطة طريق:

تقدمت قوى الحرية والتغيير بخارطة طريق تم عرضها على الجهات المصرية المنوطة بعقد هذا الاجتماع، حيث اشتملت على ضرورة صياغة رؤية سياسية شاملة، تهدف إلى التوصل لحل عاجل وفورى للصراع السودانى، ومن ثم إعادة الأمن والسلم إلى السودان، أيضاً التطرق إلى أهمية العمل على إعادة الجيش إلى ثكناته مرة أخرى، والدعوة إلى مرحلة انتقالية جديدة تكللها إرادة مدنية تحفظ سيادة البلاد ووحدة أراضيها، ووضع دستور جديد، هذا بالإضافة إلى السعى نحو حل الميليشيات العسكرية غير النظامية ودمجها فى جيش وطنى واحد، على الصعيد الآخر محاولة كسب الدعم الدولى والإقليمى؛ للتدخل وإنهاء هذا المعترك الدامى.

ملفات هامة:

ناقشت الاجتماعات التى عقدت فى القاهرة مجموعة من الأوراق، منها ورقة حول الأزمة الإنسانية، والتى استعرضت حجم الانتهاكات التى وصفها بالضخمة من جانب الأطراف المتصارعة، إضافة إلى طرح ورقة سياسية حول الحلول المطروحة وضرورة استعادة المسار المدني الديمقراطي، وبناء أوسع جبهة مدنية لوقف الحرب، وأيضاً مناقشة ورقة اقتصادية تتعلق بسبل إعادة بناء الاقتصاد السوداني في مرحلة ما بعد الحرب، وكيفية إعادة الإعمار، وتعويض الأعداد الكبيرة من المتضررين من استمرار المواجهات العسكرية.

دبلوماسية مصرية متوازنة:

دائماً ما تسعى مصر إلى اتباع المسار الدبلوماسى المتوازن والحيادى فى الأزمات والصراعات سواء الدولية أو الإقليمية، والدعوة إلى تغليب المصالح الوطنية على الرغبات الخاصة، مع وضع آلام وتطلعات الشعوب فى الحسبان، لأن الخاسر الأكبر فى أى صراع هو الشعب، وعليه فقد اتبعت مصر طرق الحياد فى الأزمة السودانية ولم تمل كفتها لصالح طرف على الآخر، إلا أنها لعبت دور الوسيط لإنهاء هذه الحرب الدموية، وهو ما ظهر فى قمة دول جوار السودان التى استضافتها، بالإضافة إلى اجتماع قوى الحرية والتغيير، ولم تفرض القاهرة أى أجندات على أى من الأطراف السودانية، وذلك منذ نشوب الحرب، ومن ثم فلم تفرض أية حلول على الأطراف السودانية المتناحرة، حيث تقف على الحياد وعلى مسافة واحدة بين طرفى الصراع، وتأمل فى التوصل لحل سياسى عادل لهذه الأزمة؛ لكى يتم إغاثة الشعب السودانى واستعادة الأمن والاستقرار ثانيةً.

مخرجات إعلان الحرية والتغيير:

اختتمت قوى الحرية والتغيير اجتماعاتها التى انعقدت على مدار يومين فى العاصمة القاهرة، وشارك فيها ٤٥ من قادة القوى السياسية السودانية؛ من أجل توحيد المواقف المشتركة؛ لإنهاء حالة الاقتتال فى السودان، وقد نص البيان الختامى لهذه الاجتماعات على الآتى:

١-التوافق حول ضرورة الوقف العاجل والفورى للحرب، وتحسين الوضع الإنسانى فى البلاد.

٢-شن حملة اتصالات مكثفة من جانب قوى الحرية والتغيير بكل المكونات والقوى السياسية السودانية، باستثناء حزب المؤتمر الوطنى.

٣- إطلاق مرحلة انتقال مدنية بالكامل.

٤-المطالبة بمحاكمة القائمين على هذه الحرب التى أودت بحياة الآلاف وشردت الملايين، فضلاً عن تدمير البنية التحتية السودانية.

 ٥-ضرورة إعمال قواعد العدالة الانتقالية.

٦- العودة إلى المسار السياسي السابق على اندلاع الحرب، وذلك عبر إطلاق خطة تشارك فيها القوى المدنية وتضغط لتنفيذها بقوة بالتنسيق مع القوى الإقليمية والدولية.

ختامًا:

مازالت مصر تلعب دوراً هاماً ومفصلياً لدعم كافة سبل الوساطة الرامية إلى إطفاء بؤر الصراع الملتهبة فى السودان، حيث تعد من أهم دول الجوار السودانى التى تحرص كل الحرص على إنهاء حالة الحرب والاقتتال، وهو ما ظهر فى المحاولات المصرية العديدة التى سعت إلى التوسط بين الأطياف السودانية المتصارعة، هذا وقد احتضنت القاهرة قمة دول جوار السودان منتصف يوليو الجارى، وأخيراً وليس آخراً استضافة قوى الحرية والتغيير، فباتت السياسة الخارجية المصرية تدعم كافة السبل الداعمة لإيقاف نزيف الحرب الضارية التى تتعقد أوراقها يوماً تلو الآخر، ولكن دائماً ما يُخلق من باطن المحن منح، ففى الوقت الذى تتشابك فيه الأزمة السودانية، نلاحظ مدى التعاضد والتكاتف سواء الداخلى أو الخارجى لحلحلة هذه المعضلة، وبالرغم من اقتصار الاجتماع على قوى الحرية والتغيير، وعدم امتلاك هذه القوى السياسية المدنية اوراقاً كافية تمكنها من الضغط على طرفى الصراع ومحدودية نجاح هذه المبادرة، إلا أنها تمثل بارقة أمل نابعة من محاولات سودانية داخلية ترغب فى إنهاء هذا المعترك بعيداً عن التد خلات الخارجية التى لا تزيد الصراع إلا تعقيداً، وعليه فربما تشكل هذه المحاولات الحثيثة بداية النهاية لحرب لن يتحمل طرفيها خسائرها لوقت طويل، فقد يتم الرضوخ لسياسة الأمر الواقع، وتسوية الصراع عن طريق تقاسم السلطة بين الطرفين المتصارعين، واستعادة الأمن والاستقرار مرة أخرى فى بلاد بلا حرب وبلا دماء.

كلمات مفتاحية