إعداد: شيماء ماهر
تعاني السودان من الصراعات الداخلية؛ بسبب عوامل مختلفة، ساهمت بدورها في الوصول إلى مشهد معقد، ومع اتساع نطاق المواجهات في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، ومع طول أمد الحرب، تتصاعد المخاوف من تحوُّل الصراع العسكري على السلطة إلى حرب أهلية وعرقية، خاصة مع وقوع عدة حوادث تدق ناقوس الخطر، وفي هذه المرة تجددت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في عدة مدن سودانية، بعد قمة دول الجوار السوداني، لا سيما مدينة الأبيض الاستراتيجية، وسط تحليق كثيف لسلاح الجو السوداني في سماء العاصمة وأم درمان، فيما ساد هدوء حَذِر مناطق شرق النيل التابعة للخرطوم بحري، وعليه؛ سوف نتناول في هذا التقرير أهم تطورات المشهد السوداني بعد محادثات دول الجوار.
أولًا: تطورات المشهد السوداني بعد قمة دول الجوار
استمرار النزاع. . قصف وانفجارات مرعبة في الخرطوم ومدينة الأبيض
تتواصل الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع؛ إذ شهدت مدينة الخرطوم ومدينة الأبيض الاستراتيجية، التي تقع على بُعد 350 كيلومترًا جنوب العاصمة السودانية، الخميس، قصفًا صاروخيًّا ومدفعيًّا، ووصفها أحد السكان، بأنها انفجارات مرعبة، وقد بدأت العمليات العسكرية في وقت مبكر، بتحليق مكثف للطيران الحربي التابع للجيش السوداني في شرقي الخرطوم ومناطق متعددة في الخرطوم “بحري، وأم درمان”، وقام سلاح الطيران بقصف تمركزات لقوات الدعم في الخرطوم شرق وجنوب أم درمان، وقصف بالمدافع في أماكن متفرقة في أم درمان، وحدث قصف جوي من قِبَلِ الطيران الحربي في مدينة صوبا، واشتباكات مسلحة حول جسر الحلفاية شمالي الخرطوم، وتم قصف تمركزات عبر سلاح الطيران في المدينة الرياضية جنوب الخرطوم؛ ما دفع قوات الدعم السريع بإطلاق مضاداتها الأرضية.
ولم تكن هذه الاشتباكات هي الأولى من نوعها خلال هذا الأسبوع، فقد حدثت اشتباكات أخرى، تمثلت في قيام قوات الدعم السريع بقصف حي سكني في العاصمة بطائرة مسيرة؛ ما أسفر عن مقتل شخصٍ مدنيٍّ وجرح ١٥ آخرين؛ ما أدى إلى فرار 100 ألف شخص من السودان إلى تشاد وغالبيتهم من دارفور.
وتحاصر قوات الدعم السريع مدينة الأبيض منذ بدء الحرب، في 15 أبريل الماضي، وتتواجد بكثافة في الاتجاه الغربي والجنوبي للمدينة؛ حيث تفرض إجراءات أمنية مشددة ضد المركبات التجارية، التي تقل الفارين من حرب الخرطوم.
وتحاول قوات الدعم السريع السيطرة على المدينة لموقعها الاستراتيجي، الرابط بين ولايات “دارفور، وكردفان”، ووجود مطار يستخدم في بعض الأحيان للأعمال الحربية، لكن محاولاتها – حتى الآن- باءت بالفشل، وتمددت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من الخرطوم إلى مناطق واسعة في “كردفان، ودارفور”، وسط مخاوف من تحولها إلى نزاع أهلي في كل أنحاء البلاد، وفشلت مساعٍ دولية وإقليمية في وقف القتال لإصرار الطرفين على تحقيق نصر كاسح على الآخر.
تبادل الاتهامات مستمر بين طرفي النزاع
اتهم الدعم السريع حكومات الولايات بتمويل التحركات والنشاط المعلن للنظام البائد في عدد من الولايات، آخرها؛ في “القضارف، وكسلا، والنيل الأبيض، ونهر النيل” تحت حماية قوات الانقلابيين في الاستخبارات العسكرية وجهاز المخابرات العامة والشرطة، وقال الناطق الرسمي باسم الدعم السريع: إن نشاط قادة النظام البائد الفارين من السجون وتنظيمهم لفعاليات ومخاطبات معلنة للاستنفار دليلٌ مؤكدٌ، أن الحرب الدائرة الآن تمثل جزءًا من مخطط كبير بين قادة النظام البائد في القوات المسلحة وحزب المؤتمر الوطني؛ بهدف استعادة السلطة، وأن معركتهم لا تقتصر على قوات الدعم السريع، وإنما القضاء على كل من كان سببًا في اقتلاع نظامهم الفاسد.
جديرُ بالذكر، أن قوات الدعم السريع قامت بمبادرة من قائدها، محمد حمدان دقلو، بإطلاق سراح عددٍ من أسرى القوات المسلحة، في وقت تتواصل فيه الاشتباكات العنيفة بين طرفيْ الصراع في العاصمة السودانية الخرطوم، وعدد من مدن إقليم دارفور، ومنذ بدء الحرب في السودان، منتصف أبريل الماضي، أسرت قوات الدعم السريع أعدادًا كبيرة من جنود وضباط الجيش، استسلموا لقوات “حميدتي” خلال سيطرتهم على عدد من المراكز والمواقع العسكرية للجيش، مع إعلان أعداد كبيرة أخرى، انضمامها إلى الدعم السريع، بعدما تبين لها أن الجيش مخترق من الحركات الإسلامية، وفي مقدمتها؛ جماعة الإخوان التي وصفها أحد الضباط بـ”السرطان المتغلغل في جسم الإنسان”.
آثار الأزمة الإنسانية
تركت الأزمة آثارًا فادحة على البيئة السودانية، ومقتضيات الأمن والبقاء، منها؛ تضرر الموسم الزراعي وخطوط الإمداد، وتقطعت سُبل العيش بنحو نصف السكان 3.3 ملايين اضطروا للنزوح داخليًّا أو عبر الحدود؛ حيث تشققت البنية المؤسسية في السودان لدرجة يصعب ترميمها، وزادت أعباء دول الجوار باللاجئين والمخاطر الأمنية؛ إذ تحتضن تشاد نحو 600 ألف زادوا بمقدار الرُّبْع تقريبًا، ومئات الآلاف أضيفوا لقرابة 5 ملايين في مصر، وأرقام شبيهة في “إريتريا، وإثيوبيا، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان”.
ثانيًا: عودة من جديد إلى المفاوضات
استئناف مفاوضات جدة
عاد ممثلون للجيش السوداني، في 15 يوليو2023م، إلى مدينة جدة السعودية؛ لاستئناف المفاوضات مع قوات الدعم السريع، فيما دخلت الحرب بين الطرفيْن شهرها الرابع، ولم تعلق قوات الدعم السريع على استئناف مفاوضات جدة، التي أعلن راعياها “السعودي، والأمريكي” الشهر الماضي، تعليقها إلى أجل غير مسمى، ويعكس إيفاد الجيش ممثلين إلى مفاوضات جدة، عودته إلى المشاركة في الجهود الدبلوماسية؛ الرامية إلى وقف إطلاق النار، بعدما قاطع الأسبوع الماضي محادثات استضافتها أديس أبابا، وتم تعليق مفاوضات جدة؛ بسبب عدم التزام قوات الدعم السريع والجيش بتنفيذ أيٍّ من البنود التي نصَّ عليها الاتفاق، والاستمرار في خرق الهدنة.
تحضيرات جديدة على مستوى وزراء خارجية جوار السودان
تواصل دول جوار السودان اتصالاتها المكثفة؛ تحضيرًا لاجتماع وزراء خارجيتها في العاصمة التشادية نجامينا، في إطار آلية الاتصال التي أقرها قادة دول جوار السودان، خلال قمتهم بالقاهرة، منتصف الشهر الحالي، وسوف يرتبط الموعد النهائي لانعقاد اجتماع وزراء الخارجية بنتائج الاتصالات الجارية حاليًّا، وقد شارك في قمة دول جوار السودان قادة 7 دول أفريقية، متمثلة في “مصر، وليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإريتريا، وإثيوبيا”.
إجمالًا
لم تكد تنتهي الهدنة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، إلا وقد انطلقت حرب أكثر شراسةً، معلنة عن جولة جديدة، ربما تطول وتتسع رقعتها في مناطق أخرى من البلاد، وقد أوْدى هذا النزاع منذ بدايته بحياة الكثير من الأفراد ووجود ملايين من النازحين، وارتفاع معدل العنف ضد النساء والأطفال، ومع شروق كل يوم جديدٍ، تطرأ العديد من المناوشات بين قوات الدعم السريع والجيش؛ ما يُنذر بأن مسار الأزمة بدأ في التعقيد، في ظل إصرار كلٍّ من طرفيْ الأزمة على تعنُّتهم؛ ما يؤدي إلى إطالة أَمَدِ الحرب ودخول السودان في نفق مظلم يصعب الخروج منه؛ لذلك تواجه السودان وقتًا عصيبًا يحتاج إلى توحُّد الصفوف والرؤى حول خريطة طريق تُخرجه من هذه الأزمة، وتعلو فيها مصلحة الوطن على كل الحسابات الأخرى.