إعداد: وسام العربي
تشهد الساحة السودانية تصاعداً خطيراً في الأحداث، حيث اتسعت رقعة القتال في مناطق متعددة، مما يثير مخاوف من تفاقم الأزمة وتصاعد الصراعات، ويبدو أن الوضع قد بلغ مرحلة حرجة تتطلب تدخلًا فوريًا لوقف انزلاق البلاد نحو الفوضى وتجنب حدوث كارثة إنسانية، وقد شهدت التطورات تصاعدًا مقلقًا في الصراعات خلال الأيام الماضية، حيث تمددت رقعة القتال بشكل مقلق إلى مناطق جديدة في كردفان والنيل الأزرق والجزيرة، بالإضافة إلى المناطق التي كانت معرضة للصراع من قبل مثل دارفور والخرطوم وما حولها، هذا التصاعد السريع في القتال يشير إلى احتمالية نشوب حرب شاملة جرفت السودان إلي دوامة العنف، كما تكبد السودان خسائر هائلة على جميع الأصعدة، حيث بلغ عدد القتلى أكثر من 4 آلاف شخص، وأصبحت أكثر من 4 ملايين شخص نازحين داخلياً وخارجياً، بينما عبر نحو 700 ألف شخص الحدود إلى دول مجاورة بحثاً عن ملاذ ، هذا النزوح يخلق أعباء إنسانية هائلة،وما يجعل الأمور أكثر تعقيداً هو تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؛ فقد تجاوزت الخسائر الاقتصادية 50 مليار دولار، وأحدثت الحرب دماراً واسع النطاق في البنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة مما يعيق جهود البلاد في تحقيق التنمية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، كما تعكس الأنباء المتضاربة حول السيطرة المتبادلة على مناطق حساسة مثل سلاح المدرعات ومجمع الذخيرة علي حجم التحديات التي يواجهها السودان في الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي، وفي ظل هذا السياق، يتصاعد القلق من تفاقم الأوضاع الإنسانية في السودان، فالآلاف من العالقين في مناطق الصراع يواجهون خطر الموت جوعًا ونقص في الموارد الأساسية، كما تواجه المنظمات الإنسانية صعوبات كبيرة في تقديم المساعدة بسبب الظروف الأمنية الخطيرة.
تطور الاشتباكات المسلحة:
عم التوتر مناطق متعددة في السودان بفعل تصاعد الاشتباكات المسلحة، مما يجعل الوضع يتصاعد بسرعة ويزيد من مخاوف تفاقم الصراعات وتصاعد الأوضاع الإنسانية، فمناطق شمال البلاد تشهد تصاعدًا غير مسبوق في وتيرة القتال، وتزايدت الاشتباكات بين القوى المتنافسة، حيث دخلت مناطق جديدة في كردفان والنيل الأزرق والجزيرة دائرة المعارك، وقد تجلى تطور الاشتباكات بمدينة نيالا والمناطق المحيطة بها في ولاية جنوب دارفور، كما أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية عن مقتل اللواء ياسر فضل الله قائد الفرقة 16 مشاة خلال معارك في هذه المنطقة، كما أفادت تقارير بتصاعد القتال في مدينة نيالا والمناطق المجاورة، حيث اشتبكت قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بشدة، مما أسفر عن تسجيل خسائر بالأرواح والمعدات في صفوف الجيش وقوات الدعم السريع، مما يبرز حجم التصاعد في الوضع.
تأتي هذه التطورات بعد يومٍ واحد فقط من الاشتباكات العنيفة في منطقة الشجرة العسكرية، حيث يتصارع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على السيطرة على سلاح المدرعات ومجمع الذخيرة، و تتناوب الأخبار بين الأنباء عن سيطرة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بشكل متبادل، مما يجعل الوضع معقدًا وغامضًا، و تأتي اشتباكات هذه المنطقة في سياق معارك عنيفة شهدها العاصمة الخرطوم لمدة خمسة أشهر متواصلة، والتي شهدت سيطرة قوات الدعم السريع على مؤسسات حكومية ومواقع استراتيجية، كما تجددت المواجهات في مناطق أخرى من السودان، مثل منطقة كادقلي بولاية الجزيرة، ومدينة أم درمان، حيث استمر القصف المدفعي والاشتباكات بين الأطراف المتنازعة، مما يزيد من التوترات وتجعل السودان ينزلق نحو مزيد من عدم الاستقرار والصراعات.
التطورات الإنسانية:
مع تصاعد الاشتباكات المسلحة في مختلف مناطق السودان، يتزايد القلق بشأن التداعيات الإنسانية المترتبة على هذه الأحداث العنيفة، وتتصاعد حدة المخاوف بسبب تزايد حجم النازحين والضحايا المدنيين، مما يتسبب في أوضاع إنسانية مأساوية تتطلب تدخلًا عاجلاً لتخفيف معاناة الشعب السوداني، فمنذ اندلاع القتال في مناطق مختلفة من السودان، تسببت الاشتباكات في تشريد آلاف الأشخاص من منازلهم ومجتمعاتهم، مما أدى إلى تفاقم أزمة النزوح الداخلي، فحوالي 4 ملايين شخص أصبحوا بحاجة ماسة للمساعدة الإنسانية والمأوى، ويقدر عدد الذين عبروا الحدود إلى دول مجاورة بنحو 700 ألف شخص، ما يزيد من تعقيدات الأوضاع الإنسانية في المنطقة، ومع استمرار القتال، يتعرض المدنيون لخطر القصف الجوي والأرضي، مما يؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين بريئين.
تزداد تداعيات هذه الأوضاع على الأوضاع الإنسانية سوءًا مع تزايد عدد القتلى والجرحى، بما في ذلك أعداد كبيرة من الأطفال، بالإضافة إلى تعرض السكان العالقون في مناطق القتال لخطر الموت جوعًا نتيجة لصعوبة الوصول إلى المواد الغذائية والإمدادات الأساسية، حيث تتعرقل عمليات تقديم المساعدات الإنسانية بسبب الظروف الأمنية والاشتباكات المستمرة، ويعيش الفارون من مناطق القتال في دارفور في أوضاع إنسانية صعبة، حيث ينزح آلاف الأشخاص يوميًا إلى دول مجاورة مثل تشاد، ويعيشون في ظروف صعبة جدًا بسبب نقص المأوى والموارد، وتشهد مدينة أدري التشادية تكدسًا كبيرًا للنازحين، حيث يجد الآلاف منهم أنفسهم يعيشون في العراء وبدون وسائل كافية للمعيشة الكريمة.
التطورات السياسية:
ثمة أنباء عن عودة وفد من الجيش السوداني إلى مدينة جدة في المملكة العربية السعودية لاستئناف المفاوضات مع قوات “الدعم السريع”، مع عدم ورود أية تعليقات من قوات “الدعم السريع” حول استئناف المحادثات بعد أن أعلنت السعودية والولايات المتحدة تعليق المحادثات الشهر الماضي بسبب عدم الامتثال لوقف إطلاق النار بين الجانبين، وذلك وفقًا لوكالة رويترز، كما أعلنت الخارجية السودانية رفضها واستنكارها لتصريح السفير الأمريكي بالسودان حول عدم أحقية أيُا من الجيش الوطني السوداني، أو قوات الدعم السريع بالحكم في السودان، ومن جانب الحكومة السودانية فثمة أنباء عن سعي الفريق عبد الفتاح البرحان لتكوين حكومة طوارئ لتسيير شؤون البلاد تحت رئاسة رئيس المالية الحالي جبريل إبراهيم، ويكون مقرها شرق البلاد في بورتسوادن، بينما أعلنت قوى الحرية والتغيير رفضها وجوود حكومة تصريف تعمل من خارج العاصمة أو كما أسمتها حكومة “أونلاين” مما يطرح تساؤلاً حول مستقبل العمليات العسكرية في العاصمة، وما إذا كان لتشكيل الحكومة انعكاسًا علي المفاوضات السياسية لسد النهضة التي بدأت جولتها الجديدة في الأيام الماضية.
زيارة البرهان للقاهرة:
تعد زيارة الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة للقاهرة اليوم 29 أغسطس 2023 لأول مرة منذ اندلاع الاشتباكات في السودان منذ أربعة أشهر خطوة تعكس الكثير من الأمور؛ فثمة تكهنات تري أن زيارة البرهان بعد كل هذا الوقت هي مؤشر لاستقرار وإن كان نسبيًا في السودان، استقرار يعكس تفوق البرهان بشكل أساسي في ساحة القتال، خاصة بعد تصريحاته الأخيرة بالأمس ردًا علي مبادرة محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع حول استعداده عقد وقف طويل المدى لإطلاق النار، حيث كان رد البرهان بأنه لن يتفق مع المتمردين وأن الأعمال القتالية قائمة، كما توجد أنباء أن زيارة البرهان لن تقف عند حد مصر بل هي جولة ممتدة بدأها بمصر وتستمر لمجموعة من الدول العربية والأفريقية مما يوحي بإمكانية تفوق ميداني حقيقي لقوات الدعم السريع بالقدر الذي يجعل المفاوضات تسير لصالحها، وبالتالي سعي البرهان لعقد توافقات مسبقة أثناء جولته، كما سوف يكون لمصر دورًا محوريًا في هذه المفاوضات باعتبارها أول وجهات البرهان.
وختامًا:
يمكن أن تؤول الأحداث إلى مجموعة من السيناريوهات المحتملة، حيث يتأثر السياق السياسي والعسكري والاقتصادي بتطورات الميدان، و من بين هذه السيناريوهات، يمكن تصور السيناريوهات التالية:
تحقيق تطور ميداني مؤثر تمهيدًا لتحقيق مكتسب سياسي، فمن المتوقع أن تنجح إحدى الأطراف، سواء كانت الجيش السوداني أو قوات الدعم السريع، في تحقيق تقدم ميداني مهم في منطقة استراتيجية، هذا التقدم يمكن أن يكون في شكل السيطرة على مقرات عسكرية رئيسية أو مدن استراتيجية، مما قد يعزز موقف الطرف الذي يحققه ويعطيه مساحة أكبر للتفاوض وتحقيق مكاسب سياسية، وقد يكون هذا التقدم الميداني محورًا للمفاوضات بين الأطراف المتصارعة، حيث يمكن استغلاله لتحقيق اتفاقات توافقية أو تسويات سياسية، وقد يشمل ذلك إقامة حكومة انتقالية موسعة تجمع بين مختلف القوى السياسية والعسكرية، بهدف استقرار البلاد وإعادة الهدوء، إلا أنه يجب الانتباه إلى أن أي تطور ميداني مؤقت قد يكون مؤقتًا، حيث قد تتغير المعادلة مجددًا بناءً على التطورات القادمة، لذلك يجب على الأطراف المعنية العمل على تحقيق حلاً دائمًا ومستدامًا من خلال الحوار والتفاوض، وتفادي تصعيد القتال وتجنب الاستمرار في إلحاق المزيد من الأذى بالشعب السوداني، ويظهر هذا السيناريو كيف يمكن أن تؤثر التطورات الميدانية في تشكيل مسار الأحداث السياسية في السودان، وكيف يمكن أن تكون الانتصارات العسكرية مفتاحًا لتحقيق مكاسب سياسية والوصول إلى حلول سياسية للأزمة الحالية.
تكوين حكومة مدنية بالتوازي مع استمرار الهجمات العسكرية المتبادلة بين الطرفين، إلي حين همينة أحد الأطراف علي المواقع الاستراتيجية الهامة لتبدأ المفاوضات من جديد حول خارطة الطريق ومستقبل السودان.