تطورات ملف جنود ساحل العاج المسجونين في مالي

بقلم السفير محمد سالم الصوفي: المدير العام للمعهد الثقافي الأفريقي العربي 

بعد إطلاق سراح ثلاث جنديات, ما الذي يعرقل ملف جنود ساحل العاج المسجونين في مالي؟

أطلقت سلطات مالي، يوم الثالث من سبتمبر الجاري، سراح ثلاث جنديات، من بين 49 جنديًّا، من ساحل العاج، أوقفتهم سلطات «باماكو»، يوم 10 يوليو الماضي، واتهمتهم بالعمل كمرتزقة، قَدِمُوا لزعزعة استقرار البلد.

ولكن بعد مفاوضات، قادتها جهات متعددة، وآخرها رئيس الـ«توغو»، أدَّت إلى إطلاق سراح النساء الثلاث الموجودات من بين الجنود العاجيين، الذين وصلوا مالي في مهمة أُممية؛ لدعم بعثة الأمم المتحدة في مالي، حسب تصريحات السلطات الرسمية في ساحل العاج، ولكن تعارضًا في التصريحات وتضارُبًا في الوثائق، أدَّى بالأمم المتحدة إلى ارتباكٍ في الموقف؛ حيث صرَّحت في البداية مصادر الأمم المتحدة، أن الجنود قَدِمُوا فعلًا في إطار بعثة الأمم المتحدة في مالي، ولكن سُرْعان ما تراجعت هذه السلطات عن تأكيد ذلك؛ بحجة غياب وثائق تثبت ذلك، وهو بالفعل ما اعتمدت عليه سلطات «باماكو»، في توجيه التهمة إلى الجنود القادمين؛ نظرًا لعدم اصطحابهم لبعض الوثائق المطلوبة في مثل هذه الحالات.

إطلاق سراح الجنديات الثلاث اللاتي وصلن، يوم 5 من الشهر الجاري، إلى «آبيدجان» يضفي على الملف طابعًا سياسيًّا بامتياز، ويعني بالنسبة للمراقبين، أن المفاوضات ما زالت متواصلة، ولكنها عسيرة، فإذا كانت «باماكو» قد وافقت على هذه اللفتة التي تصفها بالإنسانية، حسب تعبير الوسيط الـ«توغولي»، فإنها لم تُعلِّق رسميًّا على إطلاق سراح الجنديات الثلاث، ولا على مصير الجنود القابعين بالحجز في مالي، بعد توجيه التهمة إليهم، ويعني ذلك أيضًا، أن السلطات في مالي قد تقدَّمت بقائمةٍ من الشروط والطلبات، ما زالت تنتظر الرد عليها.

التصريح الوحيد الصادر عن حكومة «باماكو» حول الملف، جاء متأخرًا جدًّا؛ حيث  صرَّح مسؤول حكومي، يوم 9 سبتمبر الجاري، أثناء استقبال بعثة وساطة من نيجيريا هذه المرة، أنه على ساحل العاج، أن تكُفَّ عن توفير الملاذ لأشخاص يسعوْن لزعزعة الاستقرار في مالي، ويعني ذلك في الوقت الحالي، أن الجنود الـ46 الباقين، ينتظرون المحاكمة، بتهمة محاولة المساس بالأمن الخارجي لدولة مالي.

وعن طبيعة جوانب الانسداد في الملف، يقول مقربون من الدوائر الرسمية في العواصم الثلاث «لومني، وآبيدجان، وباماكو»: إن سلطات مالي تشترط تقديم «آبيدجان» اعتذارًا علنيًّا، وفي ذلك نوعٌ من «الإهانة»، يرى بعض المراقبين، أن سلطات ساحل العاج لم ترْضَ به حتى الآن، فما صدر – حتى الآن – من عبارات يفيد أن «آبيدجان» تعترف بوقوع مخالفات وسوء فهم، وتلتزم باحترام الإجراءات الجديدة المُتَّبعة، وتلك التي أصبحت الأمم المتحدة تعمل بها من الآن فصاعدًا في مالي، فإن «آبيدجان» مع ذلك ترفض الوصول إلى درجة الاعتراف بالخطأ، وتقديم الاعتذار، حسب ما تطالب به «باماكو» حتى الآن، حسب تسريبات الملف.

كما تفيد مصادر أخرى، أن مالي تطالب بتسليم شخصيات سياسية مالية لاجئة في ساحل العاج، ومطلوبة من القضاء في «باماكو»، من بينها «كريم كيتا»، نجل الرئيس السابق «إبراهيم بوباكر كيتا»، والوزير الأول السابق «بوبو سيسي»، والوزير السابق «اتيمان إيبير كوليبالي» وآخرين لم ترد أسماؤهم في هذه المعلومات، وتفيد المصادر نفسها، بالنظر إلى طبيعة المفاوضات الجارية، وردود الفعل الصادر عن سلطات ساحل العاج، أن «باماكو» يمكن أن تتراجع عن هذه الطلبات، التي يصْعُب أن ترضخ لها ساحل العاج بالنسبة للشخصيات المذكورة، علمًا أن بعض المطلوبين، لا يُوجدون حاليًّا في ساحل العاج، ويمكن إذن أن يشكِّل التخلِّي عن المطالبة بهم نقطة تنازل، يمكن أن تساهم في حلحلة الوضعية.

ومن الشروط التي تتحدث عنها المصادر، أن سلطات «باماكو» تطالب بها بإلحاح، تقديم سلطات «آبيدجان» دعمًا لملف مالي؛ من أجل الحصول على تسهيلات من البنك المركزي، لدول غرب أفريقيا؛ بغرض الحصول على تمويلات، يُعتبر اقتصاد مالي بأمس الحاجة إليها في الوقت الراهن.

وفي آخر تطورات الملف، صرَّح وزير الخارجية في الـ«توغو»، أن قرارات مهمة توجد منذ أيام، قيْد المناقشة والإعداد، وقد تؤدي في أيِّ وقتٍ إلى إطلاق سراح بقية جنود ساحل العاج المسجونين في مالي، ويقول أحد الخبراء: إن ما يعرقل انتهاء الأزمة، هو أن سلطات «باماكو» تشترط التزامات مكتوبة من ساحل العاج، وهو ما لم يرُقْ لهذه الأخيرة حتى الآن، وبالنظر إلى الاجتماعات المُكثَّفة، وتسارُع وتيرة الاتصالات، لا يستبعد هؤلاء تجاوُز هذه الشروط، أو إضفاء نوعٍ من المرونة عليها؛ من أجل طيِّ صفحة هذا الملف، الذي يَعتبر الدبلوماسيون أن مالي قد أثبتت بما فيه الكفاية، أن قدوم جنود ساحل العاج كان مسألةً مُرِيبة، وقد مرَّ من الزمن ما يكفي لتجاوُز هذه الأزمة الدبلوماسية، التي استنفدت ما فيها من طاقة، استغلَّتها سلطات مالي بأقصى ما يكون؛ لإثبات موقفها على حساب موقف سلطات ساحل العاج.

 

 

مركز شاف للدراسات المستقبلية وتحليل الأزمات والصراعات

كلمات مفتاحية