إعداد/ جميلة حسين محمد
أضاح تقرير للمخابرات البريطانية أن تنظيمى داعش والقاعدة يخططان لهجمات إرهابية واسعة النطاق تستهدف بريطانيا خلال الفترة القادمة وأشار الى مستوى التهديد الارهابى فى بريطانيا مما يجعل الهجوم محتمل، وذلك بعد تحذير جهاز مكافحة الإرهاب العراقية لأجهزة المخابرات البريطانية من مؤامرة محتملة ضد المملكة من جانب التنظيمات الإرهابية لتعظيم الهجمات داخل أوروبا خاصة للدول ذات الأولوية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا تتم عبر ارهابيين مقيمين فى لندن. جاء هذا التهديد بالتزامن مع إعلان وزيرة الداخلية البريطانية (سويلا برافرمان) اصدار استراتيجية مكافحة الإرهاب لعام 2023 التى تعتبر بمثابة تحديث شامل لاستراتيجية وزارة الداخلية لعام 2018 للتعامل مع التهديدات الإرهابية ومواجهتها، من أجل تقليل مخاطر الإرهاب على المملكة المتحدة ومواطنيها ومصالحها في الخارج.
ملامح الاستراتيجية
ظهرت استراتيجية مكافحة الإرهاب منذ عام 2003 ، وتم تحديثها أخر مرة عام 2018 بعد الهجمات الإرهابية فى عام 2017 حيث تفجير مانشستر أرينا وهجوم لندن بريدج. وقد تضمنت استراتيجية “CONTEST 2023” ثلاث أجزاء رئيسية، تمحور الجزء الأول حول الارهاب وتأثيراته المتجددة ورؤية حول التهديد الإرهابى الحالى ومصادره الرئيسية فى المملكة فضلاً عن الأيديولوجيات المحفزة على الإرهاب كالإرهاب الإسلامى وإرهاب اليمين المتطرف ونظرة حول أبرز الجماعات الإرهابية الإسلامية وتهديداتها المتطورة مثل داعش والقاعدة والجماعات الموالية لهم التى تعمل بحرية نسبية أكثر من أي وقت مضى ولديها قدرة عالية على شن هجمات أكثر فتكاً، مع إلقاء الضوء على العنصر التكنولوجى على الرغم من خطورته فى أيدى الجماعات الإرهابية إلا أنه يمثل عاملا مساعداً مهماً لجهود المملكة في مكافحة الإرهاب.
بينما تناول الجزء الثانى من الاستراتيجية الاستجابة الفعالة والنهج المعتمد من قبل وزارة الداخلية لتقليل الخطر الإرهابى قدر الإمكان ومواجهة التحدي المتمثل فى التهديد الإرهابي المستمر، وذلك بالتكيف مع المراجعات والتطورات البارزة منذ الاستراتيجية الصادرة لعام 2018، مع تحديد أدوار كلاً من المواطنين ودور القطاع الخاص ودور الشراكات الدولية. ويتم هذا النهج وفق 4 محاور رئيسية يتمثل المحور الأول منع الأفراد من التحول لإرهابيين أو داعميين للإرهاب وذلك من خلال معالجة الأسباب الأيديولوجية للإرهاب، والتدخل المبكر لدعم الأفراد المعرضين لخطر التطرف، فضلا عن مساعدة العناصر التى شاركت فى عمليات ارهابية للخروج من عنق الارهاب وإعادة تأهيلهم. أما يتضمن المحور الثانى المتابعة من أجل وقف الهجمات الإرهابية التي تحدث في المملكة أو ضد مصالحها مع القاء الضوء على مستقبل تحقيقات مكافحة الإرهاب وايقافه وتحقيق التعاون بشكل كبير بين الشركاء الداخليين كوزارة الداخلية والدفاع والشراكات الدولية لتعزيز التبادل المعلوماتى، كذلك ضرورة التركيز على العلاقة بين الإرهاب وتهديدات الأمن القومى للدولة، وإدخال التعديلات الجديدة للقوانين والتشريعات التى تعكس طبيعة التهديد الإرهابي والسياق الأوسع للأمن القومى. بينما تناول المحور الثالث تعزيز الحماية من أي هجوم إرهابي محتمل من خلال تقليل المخاطر على المواطنين، والاهتمام بالبنية التحتية والأماكن العامة والنقل، والحد من قدرة وصول الارهابيين الى الموارد والتكنولوجيا واستخدامها. وتعزيز الأمن الوقائى وذلك فى إطار إصدر قانون “مارتين” لتحسين الأمن في الأماكن العامة والمطارات والموانئ وتعزيز القدرة على اكتشاف التهديدات الإرهابية. فى حين تناول المحور الرابع والأخير الاستعداد لتقليل تأثير الهجوم إلى الحد الأدنى واحباط وتقليل احتمالية وقوع مزيد من الهجمات، عبر وضع استجابات فعالة ومناسبة رداً على أى هجوم، ومعالجة تداعيات الهجمات وتقديم رعاية طويلة الأجل للضحايا والناجين.
فى حين تضمن الجزء الثالث الإطار الخاص بتنفيذ الاستراتيجية عبر تحديد المسئوليات الوزارية لتحقيق أهداف الحكومة لمكافحة الإرهاب ومتابعتة العمل بها والاشراف على المخاطر المحتملة وتخصيص الموارد المتعلقة بأعمال مكافحة الإرهاب، كذلك عنصر الرقابة المتمثل فى لجنة الاستخبارات والأمن في البرلمان(ISC)، لجنة اختيار الشؤون الداخلية(HASC)، ولجنة مكافحة التطرف، وكذلك توضيح الجهات المنوطة بالتنفيذ وتقديم المساعدة للجهات الأخرى ذات الصلة. بالإضافة إلى التطرق لعنصر التمويل والميزانية المحددة للجهات الفاعلة كلجنة مكافحة الإرهاب التى تضم وكالات الاستخبارات وشرطة مكافحة الإرهاب وشركاء آخرين حيث بلغ إجمالي تمويل الشرطة لمكافحة الإرهاب أكثر من مليار جنيه إسترليني في عام 2022 وسيستمر هذا التمويل فى 2023/2024.
أبرز مرتكزات الاستراتيجية
تفاقم التهديدات الإرهابية: أكد التقرير أن التهديد الإرهابى دائم الاستمرار والتطور خاصة من جانب الجماعات الإرهابية الاسلاموية فى الخارج، كما أصبحت أكثر تنوعا وتعقيداً، كذلك التهديد الإرهابى المحلى أقل قابلية للتنبؤ به، ويصعب اكتشافه والتحقيق في أمره، وأن شرطة مكافحة الإرهاب قامت بالقبض على 169 شخص بسبب جرائم متعلقة بالإرهاب، وفى السنوات الأخيرة وقعت تسع هجمات إرهابية، أسفرت عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 20 آخرين، كما تم احباط 39 هجوماً إرهابياً وقد اشتمل على استهداف الشخصيات العامة ، مثل أعضاء البرلمان.
تهديد الإرهاب الإسلامى: يمثل الإرهاب الإسلامى التى عرفته الاستراتيجية على أنه ” التهديد بالعنف أو استخدامه كوسيلة لتأسيس تفسير صارم لمجتمع إسلامي” أكبر تهديد يواجه الممكلة من حيث الحجم والخطورة المسؤول عن حوالى 67% من الهجمات الواقعة منذ عام 2018، وحوالى ثلاثة أرباع قضايا المخابرات البريطانية 5MI ، وكذلك 64% من الأفراد المحتجزين بسبب جرائم مرتبطة بالإرهاب.
أبرز الجماعات الإرهابية الإسلامية: أكد التقرير على استمرارية تهديد الجماعات الإرهابية الإسلامية المتمركزة في الخارج على الرغم من مكافحة الإرهاب من المملكة المتحدة وحلفائها لقمع أخطر التهديدات الإرهابية، ولكن ألقى الضوء على جماعات مثل داعش والقاعدة طورت وتكيفت مع نهجها وتنشط فى أكثر من دولة على الرغم من قدراتهم أقل مما سبق خاصة من قبل تنظيم داعش إلا أن هناك علامات على عودة ظهوره، ووفقا لما جاءت به الاستراتيجية تواصل تلك الجماعات السعي لتخطيط وتمكين الهجمات في الدول الغربية بما في ذلك بريطانيا خاصة بالتركيز على الأهداف المحلية واستغلال حركات التمرد المحلية ودمجها فيها وتحسين مهارات الخلايا المصغرة.
التطور التكنولوجى: أشارت الاستراتيجية إلى أن التكنولوجيا واحدة من أكبر التهديدات، بما في ذلك الإنترنت، التي اعتبرتها تهديداً للأمن العالم، ومدى مساهمة الإنترنت في الانتشار السريع للمحتوى الإرهابى والترويج للأفكار المتطرفة كذلك استغلال تقنيات التمويل مثل العملات المشفرة لتمويل الأنشطة الإرهابية، مما ساعد على وجود بيئة سهلة الاختراق غير مقيدة بالموقع الجغرافى، فضلا عن الذكاء الاصطناعي وتداعياته على نهج مكافحة الإرهاب مع احتمالية تواجد النشاط الإرهابى بصورة أكثر تعقيدا بجهد أقل، الأمر الذى يزيد من صعوبة تتبع النشاط المتطرف والتحقيق فيه. وعليه أكدت الاستراتيجية أن التكنولوجيا فعالة وضارة بشكل خاص فعلى الرغم من استغلال الإرهابيون لها لإخفاء شبكاتهم ونشر دعايتهم وتمكين هجماتهم، إلا أنها تمثل عاملاً مساعدًا مهمًا لجهود الدولة في مكافحة الإرهاب، حيث يمكن أن يؤدي الاستخدام الدقيق والمتناسب للتقنيات المتطورة إلى جعل استجابتنا أكثر كفاءة وفعالية.
مقومات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب
- زيادة تعزيز حدود المملكة المتحدة كخط دفاع ضد الإرهاب وكذلك تعزيز الأمن الوقائى، وتطوير قدرات الكشف والاستهداف ، لتحديد ومنع التهديدات من دخول المملكةالمتحدة
- دعم القطاعين العام والخاص ليكونا شركاء فعالين في منع الهجمات وتقليل الخسائر في الأرواح في حالة وقوع هجوم، فضلا عن تعميق الشراكات الدولية لمكافحة الإرهاب ومواءمة المناهج الاستراتيجية واكتشاف التهديدات من أجل تعظيم فعالية القدرات الحالية وتطوير قدرات جديدة لحماية المواطنين.
- ادراك فعالية مركز عمليات مكافحة الإرهاب الرائد عالمياً في المملكة المتحدة الذى يحوى البيانات والتكنولوجيا المناسبة لتحديد الإرهابيين والتحقيق معهم وتعطيلهم بشكل أكثر فاعلية.
- الاعتماد بشكل أفضل على مشورة الخبراء والتدخلات غير المتعلقة بإنفاذ القانون فى تحقيقات مكافحة الإرهاب للتخفيف من تطور وتعقيد التهديد الإرهابى، من خلال ربط نظام مكافحة الإرهاب بالخبرة في الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية ونظام العدالة الجنائية.
- الاستثمار فى قطاع التكنولوجيا، والمشاركة في الجهود الدولية لقمع استغلال الإرهابيين للإنترنت، بما يتضمن التعاون مع الشركات الثنائية والشراكة مع المنظمات غير الحكومية والمنتديات المتعددة الأطراف.
- تمكين الوصول إلى البيانات ذات الصلة للتحقيق في النشاط الإرهابي وتعطيله من خلال وضع معايير البيانات الدولية واتفاقية الوصول إلى البيانات التاريخية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
مما سبق؛ مع استعراض الاستراتيجية البريطانية لمكافحة الإرهاب وما تضمنه من خطورة التهديدات الإرهابية خاصة من قبل الجماعات المتطرفة الإسلامية فى بريطانيا، الأمر الذى يجعل التهديد الذي تشكله على الغرب والمصالح الغربية في الخارج يكاد يكون في مسار تصاعدي، فإنه يمثل تعاظم للخطر الداخلى الذى تواجهه بريطانيا التى تعد حاضنة للجماعات المتطرفة، مما يترتب عليه اتباع نهج أكثر حزماً عن استراتيجية 2018 لاخاذ إجراءات قوية ضد الجماعات الإرهابية ، يقيد وصولها إلى التمويل ، ويعرقل أنشطتها ويقلل من احتماليات وقوع عمليات إرهابية، وتطوير عملية الاستجابة السريعة للأحداث في المملكة، وكذلك توجيه العديد من القطاعات لإشراكها فى عملية المكافحة بجانب المواطنين لضمان أمنهم وسلامتهم.