“تعاون مؤسسي منظم”: كيف تؤثر آلية التشاور السياسي على العلاقات المصرية الخليجية

حسناء تمام كمال

 تعكس زيارة وزير الخارجية المصري “سامح شكري” للرياض التي جاءت قبل القمة الخليجية الثانية والأربعين وفي إطار الاستعداد لها، الحرص على تنظيم وتنسيق عالٍ المستوى و خلق تواصل فعال بين مصر وشركاؤها في الخليج العربي، وجاء إنشاء آلية التشاور السياسي بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي، بحضور  وزير الخارجية المصري ونظرائه من دول مجلس التعاون وأمين عام المجلس؛ تأكيدًا لمسيرة العلاقات المصرية الخليجية الراسخة، وما تتسم به من عمق ومتانة على مختلف المستويات، على أن تقوم بإطار تنسيق تشاوري، سيكون له آليات على مستوى الوزراء وكبار المسؤولين، وسيعقد بشكل دوري لبحث كافة القضايا.

والآلية بشمولها تنسيق على مستوى دول الخليج الست ومصر، هي طريقة لتنسيق واسع في مداه، ومنظم في آليته، ومؤسسي في عمله؛ لخلق حالة من التواصل الفعال بين جميع دول المجلس ومصر، وترتيب مواقفها في القضايا المختلفة كالسياسة و الأمنية والاقتصادية.

أولًا: دلالة التوقيت

 يستدعى إنشاء  آلية التشاور السياسي العديد من الدلالات الهامة، خصوصا فيما يتعلق بمسألة التوقيت بالنسبة لمصر ولدول الخليج و لمسار العلاقات بينهم، وأهم هذه الدلالات ما يلي :

 التوقيت بالنسبة لمصر: يأتي إنشاء آلية التنسيق في توقيت، تتفاعل فيه مصر على نطاق واسع في محيطها، سواء في الامتداد الإفريقي ودول الجوار الحدودي، بدعم الانتقال السلمي في السودان و ليبيا، أو تأمين مسائل الحدود المائية مع اليونان، أو حتى على مستوى القضايا الهامة في المنطقة كالقضية الفلسطينية، وبالتالي فإن امتداد هذا التفاعل ليشمل التنسيق مع دول الخليج يؤكد اتجاه سياسة مصر الخارجية إلى تحركات متوازنة مع كل محيطها، بل يعتبر التنسيق الأخير مع دول الخليج، هو الأكثر كفاءة و فاعلية واستدامة بالمقارنة بسياق التفاعلات المتزامنة والمشار إليها، وتأكيد على أهمية الدور المصري الدبلوماسي في صياغة سياسات المنطقة.

التوقيت بالنسبة لدول الخليج: من ناحية أخرى فإن للتوقيت دلالة لدول الخليج أولا بالنسبة لعلاقتهم البينية،و لوجود عدد من القضايا الهامة؛ التي تتطلب تحركات حساسة وحاسمة منها( الملف اليمني، العلاقات الإٍسرائيلية مع الإمارات ومداها، الموقف من التعاون مع دول المحيط الإقليمي كإيران وتركيا ، الأزمة الخليجية اللبنانية) بالإضافة إلى أنها تأتي بعد يومين من ختام الجولة الخليجية لولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” التي زار خلالها سلطنة عمان والإمارات وقطر والبحرين والكويت على التوالي خلال الفترة من 6 إلى 10 ديسمبر الجاري، وكذلك بعد أيام من زيارة الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” إلى الخليج العربي لمناقشة عدد كبير من القضايا الراهنة المرتبط إقليميا بدول الخليج كالملف النووي الإيراني، والأزمة اللبنانية.

كل هذه القضايا  والتحركات تعتبر حيوية وتؤثر على صياغة العلاقات الخليجية، ودورها في المنطقة، وبالتالي تتطلب قدرا عاليًا من التنسيق بين الأطراف الخليجية للخروج بموقف موحد، بالإضافة إلى أنه تؤثر على صياغة توازنات القوى بالشرق الأوسط، وهو ما يتطلب ليس فقط تنسيقا تنسيق خليجي بيني بل تنسيقً خليجيًا عربي، للتشاور بشأن هذه القضايا، ومنها لا يمكن استبعاد مصر من هذا التنسيق لاعتبارات تتعلق بفاعلية ومحورية الدور المصري، ومدى تأثير دوره على هذه القضايا.

 من ناحية أخرى تأتي آلية التشاور السياسي، كتدرج في حجم التنسيق و كمرحلة تالية لمرحلة عودة العلاقات بين دول الخليج وقطر والتي جرت في القمة الخليجية السابقة”قمة العلا”، وبالتالي فإن عقد القمم الخليجية بعد قمة العلا التي شهدت المصالحة مع قطر، قد تُأسس لعرف جديد في العلاقات الخليجية والعربية، وهو اتخاذ خطوات واسعة متتالية ، في تقريب وجهات النظر العربية، وتدعيمها بخطى فعالة ملموسة في كل قمة خليجية قادمة.

ثانيًا: جوانب التشاور  وسماته

من المرجح أن تكون ملفات المنطقة التي شهدت تأزمًا مؤخرا على رأس القضايا التي ستبدأ آلية التشاور في مناقشتها وتنسيقها، وفي هذا الصدد يمكن أن نشير إلى أبرز الملفات وآلية التشاور بشأنها:

الملفات محل الاهتمام : على رأسها الملفات السياسية، ومن أهمها الموقف من الدور الإيراني سواء من تسوية ملفها النووي الإيراني أو مناقشة الموائمات التي يمكن أن تقدمها إيران فيما يتعلق بموقفها من دعم الفصائل المسلحة في اليمن، أو في سوريا، ودعم حزب الله في لبنان، خصوصا في ظل التودد الإيراني لدول الخليج مؤخرًا.

 من ناحية أخرى قد تغطي الآلية مساحة أوسع لمناقشة خليجية خليجية لعدد أوسع من الملفات العربية منها الموقف من العلاقات مع النظام السوري والذي يشهد ترحيبا إماراتيا ،و تحفظًا  قطري سعودي، بالإضافة إلى مناقشة حجم ومدى العلاقات الخليجية الإسرائيلية، الذي يشهد هو الآخر تباينًا في الرؤي.

 وبالرغم من أن الآلية صنفت بالسياسة بالأساس لكن من المتوقع أن يحضر الملف الاقتصادي بقوة لارتباط عدد من الملفات الاقتصادية بالسياسة الخارجية للدول، وفي مقدمة الملف الاقتصادي يأتي التعاون الإماراتي الإسرائيلي بملفات الطاقة، والتي يجب أن يؤخذ فيها بُعد الحفاظ على المصالح المصرية في تمرير  واستثمار الغاز، كما يتوقع أن يكون هناك اقتراب خليجي ومساندة اقتصادية للدور المصري في إعادة الإعمار في العراق.

وبالحديث عن الملفات محل الاهتمام بالنسبة لمصر فلا شك أن حجم التعاون التركي والروسي سيشهد إعادة صياغة ومناقشة واسعة، بالإضافة إلى توقع مساندة في القضية  الأهم المتعلقة بالأمن المائي المصري، وقد ِأشير بالفعل لأهمية الملف الأخير في البيان الختامى للقمة الذي أكد دعم حقوق مصر المائية المشروعة ودعمها فى مكافحة الإرهاب.

وحضور هذه الملفات بمستوياتها المختلفة يهدف بشكل أساسي إلى تقريب وجهات النظر  و الاستماع لرؤي الشركاء ومصالحهم ، ولا يعنى بالضرورة توافق كُلي سريع حولها، لكن ربما تمهد التشاورات  لذلك.

آلية التواصل: لاشك أن استحداث آلية التشاور السياسي، سيضع تغييرا على شكل وتراتبية التنسيق والتعاون المصري الخليجي، بحيث لا يقتصر على الدبلوماسية وأدواتها من اللقاءات والاجتماعات والاتصالات، ليكون دبلوماسي مؤسسي تمر القضايا فيه بمراحل للنقاش ومستويات من المسؤولين، وذلك بالشكل الذي يضمن  ويشمل نمط وتوجه القضايا واتجاهاتها و الأخذ في الاعتبارات الأجندة العامة لمصر ودول الخليج، والتشاور حول آلية تطبيق الخطط السياسية والاستراتيجية التي سيعمل عليها الجانبان ، وكيفية التعامل مع الأزمات والتهديدات الإقليمية.

في الأخير يمكن القول أنه بالرغم من العلاقات المصرية الخليجية معروفة بعمقها وقوتها إلا أن إنشاء آلية مؤسسية للتشاور السياسي، من شأنه أن يأخذ هذه العلاقات إلى مستوى أعمق وأعلى من التنسيق، ويعيد التأكيد علي هذا الترابط، من ناحية أخرى فهو يقدم عدة رسائل، منها وحدة السياسات الخارجية للشركاء، بعد عام من حل الأزمة الدبلوماسية مع قطر، بجانب دحض أي شكوك بتحركات منفردة أو متعارضة من دول الخليج أو مصر، أو تراجع في التنسيق بشكل يهدد مصالح أيا منهم للآخر، وتأكيد على جوهرية الدور المصري والسعودي في صياغة سياسات المنطقة.

وحتى تأتي آلية التشاور السياسي بثمارها، فإن مجهودا متطلبًا لإرساء قواعد عمل هذه الآلية وترسيخ أقدامها، سواء من الناحية اللوجيستية وتحديد مقراتها إن وجدت ومكان انعقادها، أو من الناحية الإدارية بتحديد المسؤولون عنها وتوقيتات انعقادها الدوري، وتنظيم طريقة عملها سياسيا بإعطاءها قدر من الصلاحيات يضمن لها سرعة التحرك و وذلك من أجل المساهمة في خلق أداة فاعلة تقوم بالدور والمهمة المسندة عليها.

 

كلمات مفتاحية