إعداد: عنان عبد الناصر
باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
ربما تبدو روسيا حاليًا هي الشريك المُفضَّل للكثير من الدول الأفريقية؛ حيث حَظِيَتْ بقبولٍ أكثر من الدول الغربية والصين، فضلًا عن ذلك، هناك احتمالات لأن تكون العلاقات “الروسية – الأفريقية” أقوى في المستقبل القريب؛ نظرًا لاعتماد أفريقيا بشكلٍ رئيسيٍّ على استيراد الحبوب والأسمدة من روسيا، وعلى الجانب الآخر، شدَّد الرئيس الروسي “بوتين” على أن القارة الأفريقية أصبحت فاعلًا رئيسيًّا تزداد أهميته على الصعيد العالمي، وتُعدُّ بمثابة مركزٍ جديدٍ للقوة، مؤكدًا على أن بلاده متضامنة مع دول القارة السمراء للاتجاه نحو عالمٍ متعدد الأقطاب، بالإضافة إلى رفضها استخدام القضايا الرئيسية على الصعيد العالمي؛ من أجل تحقيق مجموعة من الأغراض والمصالح السياسية؛ مثل قضايا المناخ، وحقوق الإنسان، وهو ما تنتهجه بعض الدول الغربية.
تواجد عسكري روسي من أجل حل المشكلات الأمنية داخل أفريقيا الوسطى
أشار السفير الروسي لدى بانغي، أن وجود قاعدة عسكرية روسية داخل أفريقيا الوسطى، سوف يساهم في حلِّ التحديات الأمنية داخل البلاد، وسيصبح الوضع أكثر أمنًا؛ ما يُعزِّزُ من سيادة الجمهورية، وزيادة رفاهية شعب أفريقيا الوسطى، على الجانب الآخر، نجد أن ذلك يتطلب جذْب المزيد من القوات الأجنبية إلى البلاد، وهو أمر لا معنى له.
وتجرى مناقشات بين وزارة الدفاع الروسية ووزارة الدفاع لدى جمهورية أفريقيا الوسطى حول افتتاح القاعدة، وترغب السلطات داخل جمهورية أفريقيا الوسطى في زيادة عدد المدربين الرُّوس داخل البلاد، وأعرب السفير الروسي عن أن الوضع الأمني في أفريقيا الوسطى يميل إلى التحسُّن بشكلٍ تدريجيٍّ، ويعود الفضل في ذلك إلى قدرة الحكومة على الاستجابة السريعة لكافَّة التحديات، والتمكُّن من مواجهتها بنجاح، وذلك من خلال مساعدة المدربين الرُّوس.
ولكن لم يتم تحديد معلومات دقيقة عن حجم الوحدة وتوقيت وصولها إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، وقد شدَّد سفير جمهورية أفريقيا الوسطى لدى روسيا على ضرورة وجود قاعدة عسكرية روسية داخل البلاد، مؤكدًا على أن التعاون العسكري بين البلديْن عزَّز من القدرات القتالية للجيش، لكن مازال هناك الكثير من التحديات الأمنية التي يستلزم مواجهتها؛ وهو ما يتطلب استمرار التعاون العسكري مع روسيا؛ لكي يتم التمكُّن من القضاء عليها.
دوافع متبادلة
هناك مجموعة من الدوافع لتطوير العلاقات الروسية مع الدول الأفريقية؛ استنادًا إلى تاريخ العلاقات بينهما، وبعض المتغيِّرات الراهنة في النظام الدولي، وتتمثل هذه الدوافع فيما يلي:
- العمل على تعزيز التعاون العسكري بين روسيا والكثير من دول القارة الأفريقية: تُعدُّ أفريقيا بمثابة سوقٍ تقليديٍّ للسلاح الرُّوسي، وتسعى روسيا حاليًا إلى زيادة مبيعاتها من الأسلحة إلى الكثير من الدول الأفريقية؛ من أجل تعزيز النفوذ الرُّوسي داخل القارة الأفريقية، فضلًا عن تعاظُم وجودها العسكري، في إطار التنافُس مع القوى الكبرى؛ مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وعلى الجانب الآخر، بحجة مساعدة الدول الأفريقية في مواجهة التحديات الأمنية؛ مثل مخاطر الإرهاب.
- تزايد الرغبة لدى الدول الأفريقية في تنويع علاقاتها الدبلوماسية: أظهرت الكثير من الدول الأفريقية رغبتها في تنويع علاقاتها الدولية، وتعزيز الشراكة والتعاون الاقتصادي مع الفاعلين الدوليين، وتسعى أفريقيا لإيجاد مكانةٍ خاصَّةٍ بها؛ لتأكيد نفوذها على الصعيد العالمي، في ظل عالمٍ متعدد الأقطاب، ونجد أن تنافس القوى الكبرى داخل القارة الأفريقية يمثل فرصةً مواتيةً لدول القارة؛ من أجل اختيار أفضل الشركاء، بالإضافة إلى مراعاة مصالحها في المقام الأول، ومن هذا المنطلق، لا بُدَّ أن تسعى الدول الأفريقية إلى تحقيق التوازن على نحْوٍ يُسهم في تلبية مصالحها، واحتياجاتها التنموية.
- تعزيز التعاون الاقتصادي: تسعى روسيا إلى زيادة حجم التعاون الاقتصادي مع الدول الأفريقية، فضلًا عن عقْد شراكات طويلة الأَمَدِ في عِدَّةِ مجالات؛ مثل الاقتصاد والطاقة، والزراعة، مُلْتَفَّةً بذلك على العقوبات الغربية المفروضة عليها، وفي الوقت ذاته، تسعى إلى تعزيز تعاونها الاقتصادي مع الدول الأفريقية.
- تصاعُد التنافس الدولي على القارة الأفريقية: أصبحت أفريقيا مركزًا للسباق الدولي والتنافس بين القوى الكبرى، وذلك تزامنًا مع زيادة التوتُّرات السياسية على الصعيد العالمي، وزيادة المنافسة الاقتصادية العالمية، وبذلك أصبحت أفريقيا المنطقة الأسرع نموًا في العالم، ومن ثم يُعدُّ الاستثمار داخل القارة السمراء بمثابة اتجاهٍ شائعٍ، ويوفر الكثير من المزايا التي تتسابق عليها الدول، بالإضافة إلى امتلاك القارة الأفريقية الكثير من الموارد الطبيعية المتنوعة؛ حيث يرتكز داخل أفريقيا ما يقرب من 12% من النفط العالمي، و 18% من احتياطي الغاز، فضلًا عن أن 60% من أراضيها خصبة.
تحديات راهنة أمام تعزيز العلاقات “الروسية – الأفريقية”
هناك بعض التحديات التي قد تحُول دون تطوير العلاقات “الروسية – الأفريقية” إلى المستوى المأمول من قِبَلِ الطرفيْن، وتتمثل هذه التحديات فيما يلي:
- تغليب العامل السياسي: لا تنظر روسيا إلى أفريقيا من منظور اقتصادي، فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي تركز روسيا على الشعارات السياسية؛ من أجل استعادة الإرْث السوفيتي، على الجانب الآخر، تحتاج الدول الأفريقية إلى إحداث تنميةٍ حقيقيةٍ ملموسةٍ، وبذلك تسعى روسيا إلى تعزيز وجودها السياسي والعسكري داخل الكثير من الدول الأفريقية، وفي ظل المتغيرات الراهنة التي يشهدها النظام الدولي، تحتاج روسيا إلى تبنِّي استراتيجيةٍ تنافسيةٍ، وخارطة طريقٍ قابلةٍ للتنفيذ داخل أفريقيا.
- وجود فجوة في الأولويات بين روسيا والدول الأفريقية: بالرغم من التوافُق بين الجانبيْن الرُّوسي والأفريقي حول رفْض الهيمنة الغربية، والحاجة إلى عالمٍ متعدد الأقطاب، تحتلُّ فيه دول القارة الأفريقية مكانةً كبيرةً، ولكن ظهرت بعض الاختلافات بين الجانبيْن؛ حيث تركزت الأهداف الروسية حول أولوية التعاون لمواجهة الصدام مع الغرب، فضلًا عن ضرورة إيجاد آلياتٍ لزيادة تنسيق السياسات؛ من أجل مواجهة العقوبات المفروضة من الغرب، في المقابل كان تركيز الجانب الأفريقي على متطلبات التنمية وتحسين البُنَى التحتيّة ومواجهة التحديات الأمنية؛ مثل مكافحة الإرهاب، وقد أشار بعض الزعماء الأفارقة إلى أهمية وضْع استراتيجيةٍ للتعاون المستقبلي بين روسيا والدول الأفريقية، تستند في المقام الأول إلى خارطة طريقٍ واضحةٍ ذات إطارٍ زمنيٍّ واضحٍ ومحددٍ؛ من أجل تحقيق الأولويات التي يسعى إليها الجانبان.
- ضعْف حجم التبادلات الاقتصادية: بالرغم من أن روسيا تحتل المركز الثامن عالميًّا في إجمالي الناتج القومي، بقيمة ٢.٣ تريليون دولار، وذلك بنهاية عام 2022، ولكن حجم العلاقات التجارية بين روسيا ودول القارة الأفريقية لايزال متواضعًا نسبيًّا؛ حيث إن حجم الاستثمارات الروسية في أفريقيا يبلغ نحو ما يقرب من 40 مليار دولار، بنسبة لا تزيد عن 1٪ من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القارة الأفريقية، وهي تكاد تكون نسبةً صغيرةً، مقارنةً بالاستثمارات الأوروبية والآسيوية والأمريكية، وعلى الجانب الآخر، نجد أن نسبة الصادرات الأفريقية إلى روسيا تبلغ حوالي أقلّ من نصف في المائة من إجمالي صادرات القارة إلى بقية دول العالم.
ختامًا:
تسعى روسيا لأن تكون لاعبًا لا يمكن تجاهله في القارة؛ ما يعطي لها قوةً دوليةً إضافيةً؛ حيث يضطر الغرب إلى التنسيق مع الجانب الرُّوسي لمكافحة التمرُّدات، ومواجهة كافَّة التهديدات، وتدرك روسيا أن فرصتها للمنافسة داخل أفريقيا تكاد تكون محدودةً للغاية، في ظل منافسة النفوذ الصيني والغربي في أفريقيا؛ لذلك فهي تعتمد على دعْم التوجُّهات المناهضة للوجود الغربي، وتركز على آليات التعاون العسكري والأمني؛ ما يجعل من روسيا المصدر الأوَّل للتسليح داخل القارة، ومزود الأمن الداخلي في الكثير من الدول الأفريقية، فضلًا عن أن المساعدات الرُّوسية إلى دول القارة الأفريقية، يمكن أن ينظر إليها على أنها مصدر قوة في تعامُل روسيا مع دول القارة السمراء، ومن ثمَّ يجب اكتشاف صيغٍ جديدةٍ للتعاون، تُحقِّق المنفعة المتبادلة لكُلٍّ من الجانبيْن.