تغير المناخ سيدمر العرب والإسرائيليين قبل أن يدمروا بعضهم البعض – مقالة لتوماس فريدمان

عرض: أكرم السيد

توماس فريدمان

هو كاتب صحفي أمريكي، من مواليد العام 1953، وهو أبرز كُتَّاب الصحيفة الأمريكية، نيويورك تايمز، وله العديد من المؤلفات، المعنية بتحليل الواقع السياسي -لا سيما في الشرق الأوسط- وتقديم الرؤى تجاه ما يدور من أحداث، ومن بين مؤلفاته، خطوط طول وعرض: استكشاف العالم بعد ١١ سبتمبر، ويُعدُّ “فريدمان” من بين أولئك الكتاب المؤيدين لفكرة ضرورة تسوية الصراع «العربي – الإسرائيلي»، بالإضافة إلى معارضته الحكومات اليمينية المتطرفة في إسرائيل، ويعتبر هذا المقال الذي نتناوله لـ”فريدمان”، والذي يأتي بعنوان “تغير المناخ سيدمر العرب والإسرائيليين قبل أن يدمروا بعضهم البعض” مثالًا بارزًا على معارضته لليمين السياسي الإسرائيلي؛ حيث ينظر إليه، باعتباره حجر عثرةٍ أمام أيِّ محاولاتٍ، من شأنها أن تدفع بجهود تسوية الصراع «العربي – الإسرائيلي» إلى الأمام.

فكرة المقال : ما الذي تحدثه التغيرات المناخية على علاقات التعاون بين الدول ؟

يذهب “فريدمان” في مقاله، إلى تناول قضية الصراع «العربي – الإسرائيلي»، باعتبارها القضية الأبرز في الشرق الأوسط، حتى وإن برزت على الساحة السياسية قضايا أُخرى، إلا أن هذه القضية ستظل في القلب من هذه القضايا، كما أن التوصُّل إلى حلٍّ بشأنها، سوف ينْجُمُ عنه فتح آفاق تعاونٍ أرحب بين مختلف دول المنطقة، ويتخذ “فريدمان” من قضايا التغيُّر المناخي مدخلًا لتناول العلاقات «العربية – الإسرائيلية»، وكيف يجب أن تكون صيرورة هذه العلاقات حتى نصل إلى تسوية للقضية؟

ولتقريب ما يحاول الكاتب إيضاحه، يشير “فريدمان” إلى نهر الأردن – باعتباره نهرًا طبيعيًّا- وما وصلت إليه الحالة المُزْرية، التي يعيشها النهر من جفافٍ وتلوُّثٍ، هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أُخرى، يشير إلى التغيُّرات المناخية وما أدَّت إليه؛ حيث ألقت هذه التغيُّرات بظلالها السلبية على النهر، هذا التحالف السلبي بين الطبيعة، ممثلة في النهر، والتغيُّرات المناخية التي ساهمت في سوء حالة النهر، جعلت من الواجب على متخذي القرار السياسي، ضرورة الإصغاء لما تعانيه الطبيعة؛ حيث لا مجال للمكابرة أو التجاهل؛ لأن النتيجة لن يُحْمدُ عقابها؛ حيث يتعرض العالم بأكلمه إلى تغيُّرات مناخية، لا يمكن إنكارها، هذه التغيُّرات المناخية في حِدَّتها وتسارعها، ستتغلب بل ستهدم أيَّ مُنْجَزٍ حضاريٍّ قد توصَّل إليه الإنسان، أو توصَّلت إليه الشعوب على اجتماعها، إلا أنه يمكن تقليل حِدَّة هذه التغيُّرات بحتميةٍ وحيدةٍ فقط، وهي حتمية التعاون بين الدول.

نهر تغير المناخ سيدمر العرب والإسرائيليين قبل أن يدمروا بعضهم البعض – مقالة لتوماس فريدمان

وفي هذا الإطار، ونتيجةً لما سبق، فإن هذه التغيُّرات قد دفعت الحكومة الإسرائيلية السابقة، برئاسة، يائير لابيد – التي يغلب عليها الطابع الائتلافي- إلى مدِّ يد العوْن إلى دول المنطقة؛ من أجل إيجاد حلٍّ، يهدف إلى إنقاذ هذا النهر؛ حيث وقَّعت هذه الحكومة اتفاقًا بيئيًّا ضمنيًّا بينها وبين كُلٍّ من “الأردن، وفلسطين، والإمارات العربية المتحدة”، هذا التعاون قد دفع “فريدمان” للتساؤل، حول ماذا لو كان يحكم إسرائيل عند توقيع هذا الاتفاق البيئي حكومة يمينية متشددة؟ هل كانت ستمضي إسرائيل للتوقيع على اتفاق كهذا؟ وفي ظل استعداد “نتنياهو” لتولِّي رئاسة الحكومة الإسرائيلية المقبلة، وسعيه في اختيار أعضاء حكومته، في حكومةٍ ستكون الأكثر يمينيةً في تاريخ إسرائيل، تناول “فريدمان” القوتيْن الأساسيتيْن، اللتين تشكلان السياسة تجاه إسرائيل، ويُحدِّدان مدى انفتاح “تل أبيب” من عدمه، على التعاون مع دول المنطقة، فما هاتان القوتان؟

إسرائيل بين منطق القبيلة ومنطق الطبيعة

يشير “فريدمان” إلى قوتيْن أساسيتيْن، يقسمان الحياة السياسة داخل إسرائيل، الأول: هو من منطق القبيلة، والثاني: هو منطق الطبيعة، وهو االمنطق الذي ينحاز إليه الكاتب:-

1-منطق القبيلة: الذي يشير إليه الكاتب؛ يعني به يمين إسرائيل المتطرف، والذي شهدت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة صعودًا له، والذي يتزعمه “بينيامين نتنياهو”؛ حيث يرى “فريدمان”، أن هذا التيار ما كان سيُكتب له النجاح، ومن ثمَّ العودة إلى السلطة، ولكن نتيجةً لقدرة هذا التيار على استغلال بعض الثَّغَرات، فإن هذا قد أدَّى إلى عودته مجددًا، وهذه الثَّغَرات تتمثل في تصاعُد الاشتباكات بين فلسطينيي الضفة الغربية والإسرائليين بشكلٍ عامٍ، وكذا محاولة بثِّ الخوف في نفوس الإسرائليين، من قِبَلِ زعماء هذا الائتلاف، وعلى رأسهم “نتنياهو”؛ حيث كانت رسالة “نتنياهو” لليهود الإسرائليين: “أنا فقط من أستطيع حمايتكم”؛ ما أدَّى إلى عودةٍ جديدةٍ لهذا التيار؛ حيث وصف “فريدمان” منطق اليمين المتطرف في محاولته لتوحيد المواطنين الإسرائيليين وحشدهم وراءه في الجملة التالية: “أنا، أخي، ابن عمي، ضد الغريب”؛ أيْ يجب أن يتحد الإسرائليون معًا؛ كي يتصدوا لأي مقاومةٍ فلسطينيةٍ.

2-منطق الطبيعة، وعلى النقيض من هذا تمامًا، يشير “فريدمان” إلى منطق الطبيعة كقوةٍ سياسيةٍ معارضةٍ لـ”منطق القبيلة”، المتمثل في “نتنياهو” واليمين المتطرف؛ حيث يرى “فريدمان”، أن حكومة “يائير لابيد” الائتلافية، هي مثالٌ حيٌّ لـ”منطق الطبيعة”، ويوضح ذلك أكثر، بإشارته إلى أوضاع نهر الأردن، التي تحتاج إلى تضافُر الجميع “الإسرائيليين، وغير الإسرائيليين”؛ حيث لن ينجح كيانٌ بمفرده، في الوقوف ضد الطبيعة، فالطرف الأذكى في هذه الحالة، هو القادر على التكيُّف معها، والتعاون مع غيره؛ لمعالجة ما تعانيه الطبيعة، ولهذا أطلق “فريدمان” على هذا التيار “منطق الطبيعة”؛ أيْ المنطق الذي يخضع للطبيعة، ويعالج ما بها من مشاكل، ويتحد مع غيره؛ من أجل إيجاد حلولٍ لها، وبهذا يمكن وصْف هذا التيار في الجملة التالية: ” أنا، أخي، ابن عمي، الغريب، نتعاون جميعًا بشكلٍ طبيعيٍ؛ حتى ننهض معًا، لا أن نسقط معا”، في إشارةٍ إلى تحالف حكومة “لابيد” مع الأردن وفلسطين والإمارات العربية المتحدة؛ للتصدي للتغيرات المناخية بنهر الأردن.

نهر الأردن .. وضع كارثي

ينبع نهر الأردن من جبل الشيخ، الواقع بين “سوريا، ولبنان”، ويستمر في مساره؛ حتى يصب في بحيرة “طبريا”؛ حيث الشمال الفلسطيني، ومن ثمَّ يخرج من بحيرة “طبريا”، والتي تفصل بين “الأردن، وفلسطين” – على الشرق من البحيرة تقع الأردن، وعلى الغرب تقع فلسطين- ويمتد النهر حتى يصب في “البحر الميت”، ويكون هذا هو نهاية المسار.

وبإلقاء الضوء على تداعيات التغيُّرات المناخية على نهر الأردن ، فإن ثمة أضرارًا كبيرةً يعاني منها النهر، يأتي في مقدمتها مشكلة الجفاف المهددة بتوقُّف هذا النهر عن مواصلة تدفُّقات المياه عبْره، ولا يتوقف الأمر عند مشكلة الجفاف فحسب، باعتبارها مشكلةً ناجمةً عن التغيُّرات المناخية، التي تلقي بتداعياتها على العالم كله، وتتسبب فيها الدول الأكثر تقدُّمًا عن غيرها من الدول الأخرى؛ إذ يعاني نهر الأردن من معدلات تلوُّثٍ عاليةٍ، لدرجة تحوُّل بعض أجزائه إلى أكوامٍ من القمامة؛ ما يزيد من الآثار السلبية التي يعانيها هذا النهر.

خريطة تغير المناخ سيدمر العرب والإسرائيليين قبل أن يدمروا بعضهم البعض – مقالة لتوماس فريدمان

تعاون «عربي – إسرائيلي»

وفي إجراءٍ تعاونيٍّ، من شأنه أن يتصدى لما يعانيه هذا النهر، ويهدد وجوده، ونتيجةً لانعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، في نوفمبر الماضي، باعتباره منصةً تعاونيةً بين مختلف دول العالم، على اختلاف مستوى قدراتها ومواردها، فإنه قد انبثق عن هذا المؤتمر تعاونٌ «أردني – إسرائيلي»، يهدف إلى معالجة ما يواجهه هذا النهر من تحديات، ووفقًا لوكالة “أسوشيتد برس”، فإن “الأردن، وإسرائيل” قد وقَّعا “إعلان نوايا” في مؤتمر المناخ؛ يهدف إلى الحفاظ على نهر الأردن المشترك وحمايته؛ حيث وقَّع عن الجانب الأردني وزير المياه والري، محمد النجار، وعن الجانب الإسرائيلي، وزير حماية البيئة، تمار زندربرج.

وفي هذا الإطار، فإن هذا التعاون المُرتقَب بين الجانبيْن “الأردني، والإسرائيلي”؛ يهدف إلى معالجة التحديات التي يواجهها نهر الأردن على عدة مستويات، طبقًا لبيانٍ صادرٍ عن الحكومة الإسرائيلية، ومنها، العمل على الحدِّ من معدلات التلوُّث بالنهر، عن طريق بناء مرافق؛ لمعالجة مياه الصرف الصحي، وكذا تحديث أنظمة الصرف الصحي؛ لمنْع المدن القريبة من النهر، من إلقاء مياه الصرف الصحي به، والسيطرة على تسرُّب مياه الصرف الزراعي، وتعزيز الزراعة المستدامة؛ ما من شأنه، أن يُقلِّل من معدلات التلوُّث، ويحد من الجفاف، بصورةٍ تجعل النهر قادرًا على التكيُّف مع الظروف المناخية، وتجْدُرُ الإشارة، إلى أن هذا التعاون بين “الأردن، وإسرائيل” فيما يتعلق بالنهر، لم يكن وليد هذه اللحظة؛ إذ تعود جذور هذا التعاون إلى التسعينيات من القرن الماضي، وبالتحديد في العام ١٩٩٤، منذ أن وقّعت معاهدة السلام بين الجانبيْن، والتي كان من بين تضمنته المعاهدة، هو فتْح قنوات تعاون في قضايا البيئة بشكلٍ عامٍ، والمياه على وجه التحديد، لكن ثمَّةَ علاقاتٍ بين الدولتيْن، شابها عدم الاستقرار، عقَّدت من تعاونهما، وقوّضت من إجراءاتٍ، كانت لازمة الاتخاذ؛ لإنقاذ النهر.

ختامًا

فإن ثمَّةَ تحذيرًا من أمريْن، تناولها هذا العرض، الأول: يتعلق بالتغيُّرات المناخية الحادة، والتي جعلت من مواصلة تدفُّق المياه بنهر مهم، كنهر الأردن، مسألة محل شكٍّ، إن لم تتضافر الجهود، كما أن التغيُّرات المناخية هذه، قضية يجب أن ترتقي وتعلو على كل ما هو سياسي؛ حيث من الممكن، أن يمحو “غضب الطبيعة” مظاهر الحياة وأشكالها، وفي هذه الحالة، لن تُجْدِيَ الحلول السياسية نفعًا، والثاني: فإن ثمَّةَ تحذيرًا من “فريدمان” من صعود اليمين المتطرف في إسرائيل، وتولِّيه سُدَّة الحكم؛ نظرًا لكوْن هذا التيار مُقوِّضًا لأي محاولة تعاونٍ، بينه وبين الأطراف العربية، وأن تعاونًا بيئيًّا بين حكومة “لابيد” الائتلافية السابقة، وبين العرب لم يكن ليحدث، في ظل حكومة يمينية، تجعل من تأجيج الأوضاع وقودًا لاستمراريتها.

كلمات مفتاحية