تـــعـــالـى الأصـــوات الـــجـــمـــهـــوريـــة الــمُـــنـــتـــقـــدة للــســـيــاســات الأمـــريـــكــيــة تــجــاه أوكــرانــيــا

إعـــداد: مــيــار هــانــى

الـــمـــقـــدمـــة:

تؤيد الشريحة الأكبر من أعضاء الحزب الجمهورى موقف الإدارة الأمريكية بدعم أوكرانيا عسكريًا دون إشراك القوات الأمريكية الفعلية، باعتبار كونها معركة للدفاع عن إطار الأمن الدولى عقب الحرب العالمية الثانية، بل رأى عدد من النواب الجمهوريين أن إدارة “بايدن” لا تشن حربًا كافيةً، مطالبين بإرسال المزيد من المساعدات إلى “كييف”، وفى اتجاه معاكس، تتصدر المشهد فى الوقت الحالى نخبة جمهورية ترفض الدعم الموسع للدول الحليفة فى حروبها مع أعداء الولايات المتحدة الأمريكية، ليتجلى بذلك وجود خلافات متصاعدة فى أوساطه، وهو ما وصفته صحيفة “واشنطن بوست” بالحرب الباردة، وفيما يلى نسلط الضوء على ملامح ذلك الخلاف وأسبابه، وذلك على النحو التالى:

معارضة “ترامب وديسانتيس”.. المرشحين الرئاسيين المعلنين والمحتملين للحزب الجمهورى

يبرز اسما “دونالد ترامب” الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية و”رون ديسانتيس” حاكم ولاية فلوريدا، كمنافسين من بين المرشحين الرئاسيين المعلنين والمحتملين للحزب الجمهورى، إلا أنهما يتحّدون فى القول حينما يتعلق الأمر بالدعم الأمريكى لأوكرانيا فى مواجهة روسيا، إذ يروا أن وقف العدوان الروسى ليس مصلحة إستراتيجية حيوية للولايات المتحدة الأمريكية، إضافةً إلى أن التدخل الأمريكى فى الحرب لم يؤدِ إلا إلى تقريب روسيا من خصومها ومنافسيها مثل الصين، إضافة لعشرات المليارات من الدولارات التى قدمتها الولايات المتحدة فى شكل مساعدات عسكرية واقتصادية لأوكرانيا.

وبالوقوف عند مواقف كلا الطرفين، نجد أن موقف الرئيس الأسبق “دونالد ترامب” ليس بجديد أو مفاجئ، إذ أكد خلال ذلك الشهر، فى مقابلة مع ” شون هانيتى” مذيع قناة “فوكس نيوز”، أنه كان ليتفاوض مع روسيا لإبرام صفقة تسمح لها بالسيطرة على مناطق معينة من أوكرانيا، مؤكدًا الأمر ذاته فى استبيان أرسله “تاكر كارلسون” مذيع ” فوكس نيوز” للمرشحين الجمهوريين المحتملين للانتخابات الرئاسية المقبلة.

بينما أتسم موقف “ديسانتس” بالتحول اللافت، فبعد انتقاده للرئيس السابق “باراك أوباما” لعدم إرساله “مساعدة” إلى أوكرانيا بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم فى عام 2014، وتأييده فرض عقوبات على المسؤولين الروس ومد أوكرانيا بالدعم الاقتصادى، واصفًا نفسه فى عام 2017 بأنه “طالب فى مدرسة ريجين” التى تعتبر قاسية على روسيا، إلا أن موقفه قد تغير، إذ انتقد التزام الرئيس “جو بايدن” بتقديم المساعدات إلى أوكرانيا باعتبار أن ذلك إلهاء عن التحديات الخطيرة الأخرى، كتأمين الحدود الأمريكية، ومعالجة أزمات الجيش الأمريكى، وضمان أمن الطاقة، والتحقق من القوة العسكرية والاقتصادية والثقافية للحزب الشيوعى الصينى.

كما أشار “ديسانتس” إلى أن الدول الأوروبية لا تساعد نفسها، بل يعتمدون على الولايات المتحدة إلى حد كبير للقيام بذلك نيابة عنهم، كما يرى أن تسليح أوكرانيا بأسلحة متقدمة من شأنه أن يجر الولايات المتحدة إلى الصراع ويقربها من حرب ساخنة بين أكبر قوتين نوويتين فى العالم، مطالبًا الرئيس “بايدن” بالتفاوض على “اتفاق سلام”.

وعلى الرغم من تأكيد باقى المرشحين الرئاسيين المحتملين دعمهم لأوكرانيا كما كشفت نتيجة الاستبيان، إلا أن آراء “دونالد ترامب وديسانتس” تكمن أهميتها كونها تثير تساؤلات فيما يتعلق بمدى إمكانية استمرار دعم أوكرانيا إذا أصبح أى منهما رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية.

أصـــوات أخرى تـــعــــارض الدعـــم الـــمـــكــثف لــ”كيــيف”

وفقًا لـ “كارى ليك” المرشحة السابقة لمنصب حاكم ولاية “أريزونا” خلال الاجتماع السنوى لمؤتمر العمل السياسى للمحافظين “CPAC”، ترى أن المساعدات العسكرية لأمريكا قد تسهم فى بدء حرب عالمية ثالثة، قائلة فى خطابها الرئيسى: “نحن نعيش على كوكب مجنون؛ حيث يتم إرسال مئات المليارات من الدولارات من أموالنا، التى حصلنا عليها بشق الأنفس إلى الخارج، هذه ليست معركتنا.. سياستنا هى أمريكا أولًا”.

كما دعت النائبة “ماجورى تايلور جرين” الإدارة الأمريكية للتوقف عن إرسال هذا الكم من المساعدات إلى أوكرانيا، متهمة الديمقراطيين بتراجع اهتمامهم بأمريكا وشعبها فى مقابل تزايد اهتمامهم بالحدود الأوكرانية.

إضافةً إلى تحذير رئيس مجلس النواب “كيفين مكارثى” و السيناتور “جوش هاولى” من الدعم المفرط لـ”كييف”، مؤكدين أن ذلك من شأنه أن يؤدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة والتضخم أو تراجع قدرة الولايات المتحدة على صد عدوان الصين المحتمل ضد تايوان.

مُـــحــــفــــزات عــــديــــدة

تُفسر جملة من الأسباب تراجع تأييد النواب الجمهوريين للموقف الأمريكى من تلك الحرب، وذلك على النحو التالى:

الــدعــم الــســخـى لـ”كـيـيـف”:

يعد تزايد المساعدات المالية المقدمة لأوكرانيا، أحد الأسباب الرئيسية لتفسير الخلاف المتصاعد داخل أروقة الحزب، حيث تعد واشنطن المزود الرئيسى لكييف بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية والإنسانية، مع موافقة الكونجرس على أكثر من 112 مليار دولار من المساعدات بعام 2022، تشمل 67 مليار دولار للمساعدات العسكرية و46 مليار دولار للمساعدات الإنسانية والاقتصادية، وهو ما يزيد عن نصف الناتج المحلى الإجمالى لأوكرانيا قبل الحرب، إذ يروا أن ذلك يمثل إهدارًا للأموال الأمريكية التى من المفترض توجيهها لمعالجة التحديات الداخلية الأمريكية، وخاصةً الاقتصادية، بدلًا من التصدى لقضايا الخارج، فضلًا عن تزايد احتمالات الدخول فى صراع أوسع ووقوع مواجهة نووية مستقبلًا مع استمرار الدعم السخى الأمريكى، وخاصةً مع عجز روسيا عن تحقيق النصر العسكرى الحاسم.

ارتـــفـــاع مــعــدل عــدم الــرضــاء الــشــعــبى:

 أظهر استطلاع رأى تم إجراؤه من قبل مركز “بيو” فى مارس 2022، أن 74% من الأمريكيين يروا أن الإدارة الأمريكية تقدم دعمًا لكييف بمقدار مناسب أو ينبغى أن تقدم المزيد، فى حين رأى 7% فقط أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم دعمًا كبيرًا، إلا أن تلك النسبة قد ارتفعت لتصل إلى 26% فى شهر يناير المُنصرم.

ذلك إلى جانب تزايد معدل عدم الرضاء عن الموقف الأمريكى تجاه “كييف” من قِبل الناخبين الجمهوريين، فوفقًا لاستطلاع رأى أجراه مركز “بيو” فى شهر يناير الماضى يشمل الناخبين المستقلين من الجمهوريين والمستقلين ذوى الميول الجمهورية، تبين أن 40% يروا أن الإدارة الأمريكية تمد أوكرانيا بدعم أكثر من اللازم، فى حين رأى 17% فقط أن واشنطن لا تقدم من الدعم ما يكفى.

ووفقًا لاستطلاع تم إجراؤه من قبل “أسوشييتد برس” فى مايو 2022، تبين أن 53% من الجمهوريين أيدوا توفير الأسلحة لأوكرانيا، إلا أن تلك النسبة انخفضت إلى 39% فى يناير 2023.

وعليه، يعكس عدد من استطلاعات الرأى تراجعًا نسبيًا فى دعم المواطنين الأمريكيين لموقف واشنطن من الحرب، لذلك نلاحظ وجود مواقف متشابهة من النواب مع ناخبيهم.

اســتــمــرار الــحــرب بــلا ســقــف تــوقــعــات:

مع دخول الحرب (الروسية – الأوكرانية) عامها الثانى، لا تزال مستمرة دون أفق واضح لنهايتها، إذ لم يُسهم الدعم المُوسع من قِبل الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيين فى حلحلة المشهد وكسر جمود الحرب، بل بات تحقيق النصر الحاسم أقل احتمالية مقارنةً باستمرار حرب استنزاف، فقد أظهر استطلاع رأى تم إجراؤه من قِبل مؤسسة “غالوب” على شبكة الإنترنت فى الفترة من 3 إلى 22 يناير، أن 41% من الجمهوريين لا يمانعون فى سرعة إنهاء الحرب حتى لو جاء ذلك على حساب أوكرانيا بتنازلها عن بعض من أراضيها، وذلك مقارنةً بـ 16% من الديمقراطيين، وعليه، تعلو انتقادات الجمهوريين بسبب عدم اتضاح أفق الحرب فى المرحلة المقبلة.

الانـعـكـاسات الــمــحــتــمــلـة على الـــمــســاعــدات لـ”كــيــيــف”

فى ظل تعالى الأصوات الرافضة منح أوكرانيا “شيكًا على بياض” بداخل أروقة الحزب الجمهورى الذى يقود مجلس النواب، وبروز مواقف “ترامب وديسانتيس”، تبرز مخاوف عدة من تقليل حجم المساعدات لـ”كييف”، ففى شهر مايو من العام الماضى، صوت 57 نائبًا جمهوريًا ضد مشروع قانون مستقل لمساعدة أوكرانيا، كما رفض بعض الجمهوريين إرسال حزمة مساعدات لأوكرانيا بـ 45 مليار دولار، والتى وافق عليها الكونجرس فى ديسمبر الماضى.

كما صرح ” كيفين مكارثى” رئيس مجلس النواب فى شهر أكتوبر من العام الماضى بأن الجمهوريين لن يقدموا “شيكًا على بياض” لأوكرانيا إذا فاز بالسيطرة على مجلس النواب، وعليه، يُتوقع مع استمرار مقاومة البعض إرسال المساعدات لأوكرانيا، أن تشهد تراجعًا نسبيًا، وسيتوقف ذلك على مدى استعداد “كيفين مكارثى” لمقاومة أعضائه الأكثر تحفظًا.

وفيما يتعلق بمستقبل المساعدات لأوكرانيا فى حال فاز “دونالد ترامب أو ديسانتيس” بالإنتخابات الرئاسية فى عام 2024، فمن المُرجح أن يتراجع الدعم لكييف إلى حد أن تجد نفسها دون “حليف رئيس”.

الــخــاتـــمــة:

على الرغم من تأييد أغلبية الجمهوريين تقديم الدعم لأوكرانيا، إلا أن الوقت الراهن يشهد ارتفاع الأصوات الرافضة لذلك، وخاصةً من جانب أعضاء بارزين ألا وهما، “ترامب و وديسانتيس”، المرشحين الرئاسيين المعلنين والمحتملين للحزب الجمهورى، والتى تُكمن أهمية أرائهما كونها تثير تساؤلات فيما يتعلق بمدى إمكانية استمرار دعم أوكرانيا إذا أصبح أى منهما رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية.

فلا شك أن الحرب (الروسية – الأوكرانية) ساهمت فى تأجيج ذلك الانقسام النسبى وارتفاع الأصوات المعارضة للموقف الأمريكى تجاه “كييف” الذى يعود لجُملة من الأسباب أهمها: تزايد المساعدات المالية المقدمة لأوكرانيا، إضافةً إلى ارتفاع معدلات السخط الشعبى، إلى جانب استمرار الحرب دون أفق واضح لنهايتها، فهل ستُترجم مخاوف بعض الجمهوريين إلى دعم أقل من الكونغرس لكييف؟

كلمات مفتاحية