تفجير “باجور ” الباكستانى.. الدلالات والتداعيات

إعداد: جميلة حسين محمد

استكمالًا لسلسلة أحداث العنف التى تشهدها باكستان، تعرضت يوم 30 يوليو الماضى إلى عملية هى الأعنف منذ فترة، تضمنت تفجيرًا انتحاريًا استهدف تجمعًا سياسيًا لأكثر من 400 عضو لحزب إسلامى يدعى “جمعية علماء الإسلام” فى منطقة “باجور” الواقعة فى إقليم “خيبر بختونخوا” بالقرب من الحدود مع أفغانستان، وجاء تجمعهم فى إطار استعدادهم للانتخابات البرلمانية فى أكتوبر المقبل، وبينما تباشر الشرطة الباكستانية تحقيقاتها الأولية استنكر المتحدث الرسمى لحركة طالبان باكستان مسؤوليتها عن هذا التفجير الدموى فى حين أعلن تنظيم “داعش خراسان” فى حسابه على “وكالة أعماق الإخبارية” عبر تطبيق تليجرام مسؤوليته عن التفجير بعد قيام انتحارى بتفجير سترته الناسفة وسط حشد كبير من أعضاء وقيادات الحزب، مما أسفر فى نهاية الأمر عن سقوط 63 ضحية بينهم المسؤولان المحليان فى الحزب المولوى (ضياء الله خان) والمولوى (حامد الله)، فضلًا عن إصابة حوالى 200 آخرين.

الدوافع والدلالات

هجمات متكررة لجمعية علماء الإسلام:

شن تنظيم “داعش خرسان” عدة هجمات ضد جمعية علماء الإسلام فى الآونة الأخيرة والعام الماضى، ودومًا ما يتهم التنظيم تلك الجمعية لكونها مجموعة دينية إسلامية قامت بخيانة مبادئها الإسلامية نتيجة دعمها لحكومات متعاقبة وكذلك الجيش الباكستانى، تلك الجمعية التى يترأسها (فضل الرحمن) هى جزء من الحكومة الائتلافية التى يتزعمها (شهباز شريف) والتى وصلت إلى السلطة فى أبريل عام 2022، وتمتلك الجمعية شبكة كبيرة من المساجد والمدارس الدينية فى شمال وغرب البلاد، وعلى الرغم من عدم قدرة الحزب على الحصول على أكثر من عشرة مقاعد فى البرلمان إلا أنه يمكن أن يؤدى دورًا حاسمًا فى أى ائتلاف، فى ظل قدرته على حشد عشرات الآلاف من طلاب المدارس الدينية، ما يمنحه ثقلًا كبيرًا.

ويستدل على موقف داعش المناهض لهم ما جاء فى إعلان مسؤوليته عن الهجوم موضحًا “يأتى الهجوم فى الإطار الطبيعى للحرب الدائرة التى أعلنها التنظيم ضد الديمقراطية كونها نظامًا مناقضًا للإسلام الحقيقى وتتعارض مع القانون السماوى”.

تقويض الانتخابات البرلمانية الباكستانية:

من المفترض أن يحل رئيس الوزراء شهباز شريف الجمعية الوطنية فى باكستان الفترة المقبلة، لتمهيد الطريق أمام الانتخابات البرلمانية المرتقبة والتى من المقرر عقدها فى أكتوبر المقبل، والتى جاءت بعد مرور “إسلام أباد” بأزمة سياسية فى العام الماضى عندما صوت البرلمان على سحب الثقة من رئيس الوزراء السابق (عمران خان)، وجاء هذا العمل الإرهابى ليبث نوعًا من عدم الاستقرار والأمن وزعزعة الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية، مما قد يدفع بتأجيل العملية الانتخابية أو ضعف إقبال الناخبين عليها.

إظهار نفوذ تنظيم داعش خرسان وفرض السيطرة:

يحاول الفرع المحلى للتنظيم إثبات سيطرته وتأثيراته على المناطق الناشط فيها فى جنوب آسيا خاصة على المناطق الحدودية المتاخمة بين باكستان وأفغانستان، وعلى الرغم من تحركات السلطات الباكستانية خلال السنوات الأخيرة لعملية التطهير العسكرية والتى شنتها منذ عام 2014 حيث أطلقت عمليات واسعة فى الحزام القبلى على الحدود الأفغانية الملاذ الأمن للجماعات الإرهابية، إلا أن عمليات التنظيم تزايدت خاصة بعد سيطرة حركة طالبان الأفغانية على الحكم فى أفغانستان فى أغسطس عام 2021، ويحاول التنظيم دومًا إضفاء بصمته الخاصة على عملياته إلى الحد الذى يجعل أكثر الهجمات دموية التى تشهدها باكستان تنسب إلى الفرع المحلى التابع لتنظيم داعش فى أفغانستان وباكستان، ليتمكن التنظيم فى نهاية الأمر من خلق حالة من عدم الاستقرار الأمنى والفوضى ذات الطابع العنيف، فضلًا عن إفراغ بعض المناطق ذات الأهمية من مواطنيها من أجل التمركز فيها والاستفادة منها.

التضييق على الحكومة الباكستانية:

يسعى التنظيم إلى تهديد التحالف الحاكم، والضغط على السلطات الباكستانية وإضعافها وكذلك تشتيت جهودها لإحداث نوع من الخلخلة وعدم سيطرة الحكومة لحماية المواطنين فى المناطق المختلفة والمساجد والتجمعات وذلك مع استمرار اتخاذ التطرف فى باكستان منحنى تصاعدى، من ناحية أخرى هناك علاقة جيدة تجمع جمعية علماء المسلمين والحكومة الباكستانية كما سلف الذكر، حيث يتحالف ذلك الحزب مع الحزب الحاكم الذى سبق ووجه إليه التنظيم تهديدات واتهامات بالنفاق بسبب تلك العلاقة مع الحكومة.

إفساد العلاقة بين جمعية علماء الإسلام وحركة طالبان الأفغانية:

تعتبر جمعية علماء الإسلام مقربة إلى الحركة من قبل وصولها إلى الحكم فى أفغانستان، واعتبر بعض قياداتها أنفسهم أساتذة وشيوخًا للحركة، ويرغب التنظيم فى إدخال نوعًا من التوتر فى العلاقة التى تربط قيادات فى جمعية علماء الإسلام بحركة طالبان الذين يعتبرون المنبع الفكرى والعقائدى لها، الذى يوجه إليه قادة داعش عدة انتقادات من ذى قبل حيث يرونه متساهلًا وبعيدًا عن نهج الحكم الإسلامى الصارم والصحيح، مع رغبة التنظيم فى إثبات أن الحركة غير قادرة على توفير الأمن لحلفائها.

تهديد زيارة الوفد الصينى المرتقبة:

وقع التفجير الانتحارى قبل ساعات من زيارة وفد صينى إلى “إسلام أباد” ضم نائب رئيس الوزراء الصينى (هى ليفينغ) لعقد مؤتمر من أجل المشاركة فى فعالية بمناسبة مرور عقد على الممر الاقتصادى بين الصين وباكستان، وهو اتفاق كبير استثمرت بموجبه “بكين” مليارات الدولارات فى باكستان، فضلًا عن بحث سبل تعزيز العلاقات بين بكين وإسلام آباد فى العديد من المجالات، ومن المعترف به أن المشاريع الصينية الباكستانية مهددة، وتواجه العديد من التحديات الأمنية.

التداعيات

التخوف من النهج التصاعدى للتطرف:

أمام ذلك التفجير العنيف وعدد من الهجمات الإرهابية التى تواجه باكستان على أراضيها، خاصة فى المناطق الحدودية فى أفغانستان من جانب عدة جماعات متطرفة زادت المخاوف بشأن تحول باكستان إلى منطقة دموية خاصة فى إطار التنافس بين تنظيم داعش خرسان وحركة طالبان باكستان على تصدر المشهد، فى ظل تحدى الحكومة الباكستانية فى محاولات تعزيز أجهزة الدولة العسكرية والأمنية من أجل التصدى لمكافحة الإرهاب.

الإدانات العربية والدولية:

توالت الإدانات العربية والدولية للتفجير الواقع فى منطقة باجور، فقد أعربت السعودية والكويت وقطر والإمارات فى بيانات منفصلة لوزارات خارجيتها عن إدانتها للتفجير وكل أعمال العنف التى تروع المواطنين وتستهدف زعزعة الأمن والاستقرار وتضامنها مع باكستان، أما عن مصر فجددت وفقًا لبيان وزارة الخارجية موقفها الثابت نحو رفضها القاطع لكافة أشكال العنف وأعربت عن خالص تعازيها لحكومة وشعب جمهورية باكستان، مؤكدة التضامن الكامل مع باكستان فى مواجهة التطرف والإرهاب.

وعلى المستوى الدولى كانت فرنسا والولايات المتحدة أولى الدول التى أدانت هذا الهجوم الإرهابى، حيث اعتبرت واشنطن أن مثل هذه الأعمال الإرهابية ليس لها مكان فى مجتمع سلمى وديمقراطى، كما أدان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية “ناصر كنعانى” بأشد العبارات العمل الإرهابى وتقدم بتعازى بلاده لباكستان حكومة وشعبًا، فضلًا عن إدانة المتحدث باسم الحكومة الأفغانية “ذبيح الله مجاهد”.

الضغط على المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن الباكستانية:

أحدث هذا التفجير الإرهابى نوعًا من الاستنفار الأمنى فى منطقة باجور الحدودية، ترتب عليه الضغط على أجهزة الأمن الباكستانية التى تواجه العديد من التحديات الأمنية على جبهات مختلفة، ولكن ربما الأخطر هو خطر التنظيمات الإرهابية، وخطر الفرع المحلى لتنظيم داعش الذى يبرز نشاطه بقوة، مما يعكس ضرورة تعزيز التدابير والتحركات الأمنية والإستراتيجيات العسكرية لتحييد  خطر تلك العناصر على الأمن الباكستانى، والتى تشمل خطر حركة طالبان باكستان وخطر الجماعات الإرهابية وكذلك الحركات الانفصالية.

استنفار جمعية علماء الإسلام:

طرح رئيس جمعية علماء الإسلام (فضل الرحمن)عدة تساؤلات بشأن الإخفاق الاستخباراتى الكبير الذى تم من خلاله تنفيذ التفجير الإرهابى الذى أعرب عن إدانته بشدة، وقد دعا رئيس الحكومة الباكستانية وسلطات البلاد عبر حسابه على تويتر لضرورة فتح تحقيق فورى لمعاقبة الجهة المسؤولة عن هذه العملية الإرهابية، وتعزيز التدابير الأمنية فى البلاد قائلًا “تلتفت أمتنا بأكملها إلى مؤسسات الدولة المسؤولة عن أمنها.. أين هم؟ متى سينصتون إلينا؟ هل سيضمدون جراحنا؟ متى سيؤسسون نظامًا يحمى أجيالنا المستقبلية؟”، كما أكد أن جمعية علماء الإسلام هى حزب مسالم ولكن هناك حدًا للصبر والتحمل، فى المقابل أدان رئيس الوزراء الباكستانى (شهباز شريف) هذا الهجوم الدموى ووعد بمعاقبة المسؤولين.

مما سبق؛ على الرغم من  الاستهداف الداعشى لحزب علماء الإسلام ليس الأول ولكنه الأكثر عنفًا ودموية لاستهدافه تجمع سياسى كبير مما ينذر بأن السيطرة على تهديد داعش أصبحت أكثر صعوبة، كما أن هذا التفجير لن يكون الأخير ليس فقط للتنظيم إنما لحركة طالبان باكستان التى تأمل فى أن تخطو خطى الحركة الأقرب لها حركة طالبان الأفغانية، وذلك لنشر حالة من الخلل الأمنى وعدم الاستقرار، فضلًا عن التخوفات الرامية إلى عرقلة الانتخابات البرلمانية القادمة ودخول البلاد فى حالة من الفوضى السياسية التى ما لبثت الخروج منها العام الماضى.

كلمات مفتاحية