تقدير موقف: الحصول على منفذ على البحر الأحمر.. الحلم الإثيوبى القديم بين الواقع والتحديات

إعداد: دينا لملوم 

باحثة متخصصة فى الشئون الإفريقية

تسعى الحكومة الإثيوبية للبحث عن منفذ بحرى على سواحل البحر الأحمر فى الوقت الذى تشتعل فيه الأوضاع فى غزة، ولم تكن هذه المطالبات وليدة اللحظة، بل طرحتها إثيوبيا منذ فترة طويلة؛ وذلك نظرًا لأنها أصبحت دولة حبيسة لا تمتلك أى ممرات بحرية تمكنها من التواصل مع العالم الخارجى عقب استقلال إريتريا عام 1991، وربما أعادت أديس أبابا طرح هذا الملف ثانية؛ استغلالًا لانشغال العالم بالحرب الإسرائيلية على غزة، وسعت بقوة للبحث عن مسار جديد يمكنها من الوصول السريع لسواحل البحر الأحمر وترسيخ موطئ قدم لها، دون أن تتعرض لمضايقات أو اعتراضات من قبل بعض القوى الكبرى التى تمتلك بالفعل قواعد عسكرية على سواحل الأحمر، إضافة إلى وجود حزمة من المصالح الجيوستراتيجية لهذه الدول فى المنطقة، وأن تدشين قواعد إثيوبية فى هذا النطاق قد يشكل تهديدًا إستراتيجيًا لمصالحها وتعزيزاتها البحرية.

إعادة إحياء الحلم الإثيوبى المتعلق بالتواجد البحرى على سواحل البحر الأحمر:

منذ أن استقلت إريتريا عن إثيوبيا، فقدت ميزة الوصول إلى البحر الأحمر بعد الخلافات الاقتصادية التى حدثت بينهما، حيث اتهمتها أسمرا باستغلال مينائى عصب ومصوع الإريتريين، واستحواذها على الاستثمارات الدولية وحدها، وهو ما أدى إلى حرمانها من استخدام هذين المنفذين المطلين على البحر الأحمر، واللذين ظلا جزءًا من الجغرافيا السياسية لإثيوبيا طيلة قرون ماضية، وفى عام 2018، توصل آبى أحمد إلى اتفاق مع الرئيس الإريترى يقضى بحصول أديس أبابا على خدمات الموانئ الإريترية، إلا أن هذا الاتفاق لم يدخل حيز النفاذ.

وقد أدى افتقار إثيوبيا للوصول المباشر إلى البحر الأحمر إلى تقييد قدرتها على تلبية بعض النداءات الاقتصادية والأمنية والسياسية؛ لذا ففى منتصف أكتوبر 2023، تجددت مطالب آبى أحمد المتعلقة بإيجاد موطئ قدم لإثيوبيا على سواحل الأحمر، وظهرت لهجة الخطاب الذى ألقاه مؤخرًا بها شيئًا من الحدة، حيث اعتبر “مسألة تأمين الوصول إلى هذه السواحل هدفًا إستراتيجيًا وأن وجود إثيوبيا كأمة مرتبط بالبحر الأحمر، كما أن السلام فى المنطقة مرهون بتقاسم متبادل ومتوازن بينها وبين الدول المجاورة”، وهو ما أثار المخاوف لدى دول الجوار من احتمالية التعرض لموجات تصادمية وحدوث صراع فى المنطقة، خاصة فى ظل التوترات بين أديس أبابا وإريتريا، ولكن سرعان ما تغيرت لهجة الخطاب الذى وجهه أحمد، حتى عاود الحديث عن عدم لجوء بلاده إلى خيار الحرب، فربما أدرك أن إمكانياته الحالية لا تسمح له بالانخراط فى نزاع جديد بعد حرب التجراى التى استنزفت مقدرات بلاده على مدار الفترة الماضية، كما أن مساحات واسعة من البلاد تستحوذ عليها بعض حركات التمرد المسلحة المناوئة للحكومة المركزية سواء فى إقليم أمهرة أو أوروميا وغيرهما.

خيارات الوصول البحرى الإثيوبى:

لقد كان لإثيوبيا قوة بحرية تم تأسيسها عام 1955، قبل أن يتم تفكيكها عام 1996، وعرض أصولها للبيع إبان استقلال إريتريا التى كانت قد فرضت رسومًا على التجارة الإثيوبية التى كانت تمر عبر ميناء عصب بدون رسوم، مما أدى إلى غلق هذا الميناء أمام إثيوبيا؛ لتصبح بذلك دولة حبيسة، ومن هنا جاءت المحاولات الإثيوبية الرامية إلى ترسيخ وجودها البحرى على سواحل الأحمر؛ لتضعها بعد ذلك أمام عدة خيارات، وهى كالتالى:

  • الصومال: تجمع آبى أحمد والرئيس الصومالى “حسن محمود” علاقات جيدة، كما أن هناك ترابطًا قويًا بين أديس أبابا وبعض الولايات الصومالية وبصفة خاصة “بونت لاند” التى تتحكم فى ميناء بوساسو، وتمتلك مقديشو بعض الموانئ الإستراتيجية المطلة على خليج عدن والمحيط الهندى، وأبرز الوجهات الساحلية التى يمكن أن تتوجه إليها إثيوبيا خلال الفترة القادمة، هو ميناء “هوبيو” الذى يعد منفذًا بحريًا لإثيوبيا، وميناء “جرعد” الذى سلمته حكومة “بونت لاند” إلى إثيوبيا عام 2019، بموجب الاتفاق الإثيوبى الصومالى الذى وُقع عام 2018، بين آبى أحمد والرئيس الصومالى السابق فرماجو، وبموجبه تستحوذ أديس أبابا على النصيب الأكبر من عائدات هذا الميناء، الذى يعد بمثابة ممر تجارى جديد يربط بينه وبين المنطقة الجنوبية الشرقية فى إثيوبيا.
  • السودان: تولى إثيوبيا اهتمامًا بميناء بورتسودان، نظرًا لكونه خيارًا إستراتيجيًا لأديس أبابا يمكنها من التواصل مع العالم الخارجى، ولكن العلاقات المذبذبة بين الخرطوم وأديس أبابا على خلفية قضية سد النهضة والخلاف حول منطقة الفشقة المتنازع عليها بين البلدين قد يسهم فى انهيار الاتفاق الموقع بين البلدين عام 2018.
  • ميناء عصب الإريترى: قديمًا كان هذا الميناء تابعًا لإثيوبيا وجزءًا من بنيتها التحتية البحرية، وبوابة التجارة الإثيوبية مع العالم الخارجى، ولكن بعد الاستقلال حُرمت أديس أبابا من حق الملاحة فيه، وهو ما أثر فى اقتصاد البلاد وحد من قدرتها على المشاركة فى التجارة الدولية، فقد استمد هذا الميناء أهميته بالنسبة لإثيوبيا من مساهمته فى نقل البضائع إلى الأسواق الدولية بأقل التكلفة وتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد المعدنية المتواجدة بشرق إفريقيا وضمان إيصالها إلى الأسواق العالمية.
  • ميناء جيبوتى: لقد أثبت الاعتماد على ميناء جيبوتى أنه مكلف وغير مستدام، إضافة إلى أنه غير كافٍ لخدمة أهداف إثيوبيا؛ بسبب ارتفاع حجم الواردات وتكدس الميناء بما يفرض على أديس أبابا بناء موانئ جافة مكلفة فى المناطق النائية، لاسيما فى ظل حاجتها لتعزيز عملية الاستيراد والتصدير، فضلًا عن احتواء جيبوتى على أكبر قواعد عسكرية فى العالم، وهو ما يجعل من الصعب على إثيوبيا الاستحواذ على نصيب من هذا الميناء.
  • ميناء بربرة: يشكل هذا الميناء أهمية إستراتيجية لإثيوبيا؛ نظرًا لكونه يوفر منفذًا تجاريًا لتصدير الماشية والمنتجات الزراعية، ويعد بربرة منافسًا قويًا لميناء جيبوتى؛ وذلك لأن المسافة بين أديس أبابا وبربرة هى المسافة نفسها تقريبًا بينها وبين جيبوتى، وهو ما قد يدفع آبى أحمد إلى الاعتماد على هذا الميناء بشكل أكبر خلال الفترة القادمة، إلا أن هناك إثيوبيا تواجه تحديًا فى استغلال ميناء بربرة التابع لأرض الصومال، وذلك بسبب عدم الاعتراف الدولى لها، منذ إعلانها الانفصال عن الصومال تسعينيات القرن الماضى، وأن التقارب بينها وبين إثيوبيا من شأنه التأثير فى علاقة الأخيرة بالحكومة المركزية فى مقديشو.

خيارات الموانئ البحرية لإثيوبيا. cleanup تقدير موقف: الحصول على منفذ على البحر الأحمر.. الحلم الإثيوبى القديم بين الواقع والتحديات

خيارات الموانئ البحرية لإثيوبيا

الدوافع الإثيوبية وراء مسعى الحصول على منفذ بحرى على البحر الأحمر:

يقف وراء التحرك الإثيوبى لمحاولة الحصول منفذًا بحريًا على سواحل البحر الأحمر حزمة من الدوافع والأهداف الإستراتيجية الرامية إلى تأمين وحماية المصالح البحرية لإثيوبيا وتقليل الاعتماد على منفذ بحرى واحد، وتتمثل أبرز هذه الدوافع فى التالى:

1- تعزيز الحضور الإقليمى:

يسعى رئيس الوزراء الإثيوبى منذ وصوله إلى سد الحكم إلى استعادة “المجد الإمبراطورى القديم” لإثيوبيا، ومحاولة خلق دور إقليمى يجعل أديس أبابا الدولة الأقوى فى المنطقة ويرسم لها بعدًا إستراتيجيًا يدفعها نحو الهيمنة والسيطرة على منطقة القرن الإفريقى، وعلى الرغم من التحديات التى قد تعترى هذا المشروع التوسعى، إلا أنه قد يضمن لها زيادة اعتماد بعض القوى الدولية الفاعلة فى المنطقة بشكل موسع على إثيوبيا، ومن ثم استعادة ثقة الغرب فى الحكومة الإثيوبية مرة أخرى خاصة بعد الأحداث التى مرت بها جراء التداعيات التى تمخضت عن حرب التجراى، وتتبع أديس أبابا فى هذا الشأن “دبلوماسية الممرات”، وذلك عن طريق بناء الطرق البرية والممرات التى تربط بينها وبين دول الجوار الإقليمى التى تفتقر للقدرات المالية واللوجستية التى تمكنها من بناء منافذ بحرية على البحر الأحمر، بما يمكن الحكومة فى أديس أبابا من ربط مناطق فى إثيوبيا بالموانئ البحرية الإقليمية، وهو الأمر الذى قد يساعد على تعزيز القبضة الإثيوبية على بعض الأقاليم، لا سيما شرق إثيوبيا التى يقطنها الأورومو والصوماليون الإثيوبيون.

2- حماية الأمن القومى الإثيوبى:

تسعى إثيوبيا لحماية أمنها القومى، وذلك عبر امتلاك القدرة العسكرية التى تساعدها على التدخل فى مناطق أخرى، وتقديم نفسها كطرف فى المعادلة الإقليمية المتعلقة بالأمن البحرى فى القرن الإفريقى، والتصدى لمحاولات بعض القوى الإقليمية المناوئة لها التواجد عسكريًا فى فنائها الخلفى عبر تأسيس قواعد عسكرية وبحرية على مقربة من بعض الدول المجاورة لها مثل جيبوتى وإريتريا والصومال، أيضًا يثير تزايد الأنشطة الإرهابية واندلاع الصراعات والنزاعات فى بعض دول المنطقة تخوفًا لدى أديس أبابا من احتمالية تأثر طرق التجارة الإثيوبية مع العالم الخارجى، ناهيك عن التحديات الأمنية التى قد تواجهها على اعتبار أنها دول جوار مباشرة؛ لذا فقد سعت إلى حشد إمكاناتها البحرية والأمنية للدفاع عن نفسها وحماية مصالحها الإستراتيجية حال تعرضها لأى خطر محتمل.

3- اتخاذ خطوات استباقية ضد محاولات التنافس الإقليمى والدولى:

فى ظل حالة الاستقطاب التى تتعرض لها بعض دول القرن الإفريقى من قبل العديد من القوى الخارجية من خلال تدشين قواعد عسكرية، بما قد يزيد من حدة التنافس الدولى فى المنطقة، وهو ما قد ينتج عنه عسكرة هذه الرقعة الجغرافية بشكل قد تصل تداعياته إلى حد التأثير السلبى على الأمن الإقليمى، قد يزداد نفوذ القوى الدولية فى المستقبل، وهو ما قد يدفع إلى السيطرة على قرارات دول القرن الإفريقى.

4- دعم المصالح الاقتصادية الإثيوبية فى المنطقة:

تعمل أديس أبابا من خلال مساعيها الهادفة لامتلاك حصص مختلفة على السواحل البحرية إلى توسيع وتسهيل أنشطتها التجارية والخروج من المحنة الاقتصادية التى عصفت بها خلال السنوات الأخيرة، علاوة على رغبتها فى أن تصبح قوة إقليمية مهمة تحظى بموقع إستراتيجى بالنسبة لطرق التجارة والشحن والنقل البحرى فى القرن الإفريقى، كما أن المشروع التنموى الإثيوبى الهادف إلى التحول لمركز تصنيع إقليمى وتحسين قدرتها الانتاجية وخلق سياسة صناعية متطورة يتطلب معالجة أزمة الموانئ البحرية، إضافة إلى تنويع طرق التجارة؛ لكى تصبح مركزًا لوجستيًا فى شرق إفريقيا بمحصلة نهائية تكمن فى تعزيز النفوذ الاقتصادى للبلاد.

5- تنويع منافذ الوصول للموانئ البحرية:

تهدف إثيوبيا إلى تنويع مصادر الاعتماد على الموانئ البحرية وخفض تكلفتها، ومن ثم ترسيخ موطئ قدم لها فى العديد من الموانئ البحرية بدول المنطقة، بما يضمن تنويع البدائل المتاحة أمامها، فضلًا عن تقليل الاعتماد على ميناء جيبوتى الذى تعبر من خلاله حوالى 95% من تجارة إثيوبيا مع العالم الخارجى؛ تحسبًا لأى اعتبارات يحتمل أن تحدث فى المستقبل سواء بين الدولتين ذاتهما أو مع القوى الدولية الأخرى؛ خاصة فى ظل تواجد عدد لا بأس به من القواعد العسكرية لبعض الدول الكبرى، كالولايات المتحدة والصين وغيرهما، وهو ما ينطوى عليه بعض التناقضات فى المصالح الإستراتيجية لهذه الدول، الأمر الذى قد يشكل تهديدًا للنفوذ الإثيوبى فى المنطقة.

مصالح إثيوبيا فى القرن الإفريقى:

تعد منطقة شرق إفريقيا بما فيها القرن الإفريقى وحوض النيل والبحيرات العظمى كمناطق نفوذ إقليمية، تحاول من خلالها الحكومة الإثيوبية إظهار هيمنتها؛ لتوسيع نفوذها على الصعيد القارى، ويمكن إجمال أبرز المصالح الإثيوبية الإستراتيجية فى القرن الإفريقى فى التالى:

1- مصالح سياسية:

تسعى أديس أبابا لتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة، على اعتبار أن ذلك يضمن ولاءها ودعمها فى الدفاع عن قضاياها، وأن ذلك يخدم المشروع الإثيوبى فى الهيمنة على القرن الإفريقى، وتعزز إثيوبيا هذا المسعى عبر لعب دور الوساطة فى العديد من الأزمات التى تمر بها المنطقة، مثل السودان وجنوب السودان، كما أنها تبنت دبلوماسية تصفير المشاكل فى محيطها الإقليمى منذ عام 2018، وهو ما اتضح فى توقيع اتفاق السلام الإقليمى مع إريتريا، علاوة على تعزيز العلاقات مع دول الجوار الإقليمى كالصومال وجيبوتى وغيرهم، كل هذه الأمور تعكس الطموحات الإثيوبية الممثلة فى دعم أسس الهيمنة الإقليمية لتحقيق الأهداف الإستراتيجية للدولة مقابل الحد من امتداد نفوذ بعض القوى الإقليمية المختلفة.

2- مصالح اقتصادية:

تنطلق العقيدة الإثيوبية الاقتصادية من منطلق أن دعم وتعزيز اقتصادها يترتب عليه تقوية نفوذها فى المنطقة، بجانب جعلها قادرة على ربط اقتصادات دول القرن الإفريقى بالاقصاد الإثيوبى باعتباره الاقتصاد المهيمن، فضلًا عن أنه يجعلها مقصدًا للاستثمارات الأجنبية؛ لذا فإثيوبيا تتزعم مبادرة التكامل الإقليمى؛ من أجل تعزيز ربط البنية التحتية بين إثيوبيا ودول المنطقة، وتوفير البدائل الإستراتيجية المختلفة فيما يتعلق بالموانئ البحرية.

3- مصالح أمنية:

تعد التوترات والصراعات التى تعانى منها الدول الإفريقية لا سيما القرن الإفريقى إحدى البؤر المضطربة على مستوى العالم؛ فى ضوء تصاعد نشاط الجماعات المتطرفة، مثل حركة الشباب فى الصومال؛ لذا فمن مصلحة إثيوبيا تعزيز الاستقرار الأمنى الإقليمى، وذلك عبر الانخراط فى مجال مكافحة الإرهاب؛ كوسيلة لترسيخ نفوذها فى المنطقة وكسب ثقة القوى الدولية الكبرى، وظهر ذلك فى مشاركة القوات الإثيوبية ضمن قوات الاتحاد الإفريقى فى الصومال “أتميص”، ناهيك عن المساهمة فى بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، كالبعثة الأممية فى منطقة “أبيي” المتنازع عليها بين شمال السودان وجنوبه.

ردود أفعال دول الجوار الإثيوبى:

لقد شكلت التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبى هاجسًا لدى بعض الدول المجاورة لها، حتى قوبلت مثل هذه الخطابات بالرفض، على الرغم من عدم ذكره دولة بعينها، وتعد إريتريا وجيبوتى والصومال أبرز الدول التى رفضت هذه التصريحات، حيث أعدتها أسمرا مبالغ فيها، وطالبت بالتوقف عن الاستفزاز، كما أن جيبوتى أعربت عن رفضها منح إثيوبيا إمكانية الوصول المباشر إلى مينائها المطل على البحر الأحمر، وأشارت إلى أنها كانت حريصة كل الحرص على إقامة علاقات ودية قوية مع الجانب الإثيوبى، ولكنها دولة ذات سيادة لن تسمح بالمساس بأراضيها، وكذلك الصومال اتبعت نفس المسار وأكدت أن السلامة الإقليمية البرية والبحرية والجوية لها مقدسة وغير قابلة للنقاش.

القواعد العسكرية فى البحر الأحمر:

تمتلك العديد من الدول الأجنبية قواعد عسكرية على سواحل البحر الأحمر، كل منها يسعى لتحقيق مصالحه، سواء كانت بدافع تحقيق الأمن والاستقرار، أو لأهداف أخرى، ويمكن التطرق إلى أبرز هذه القواعد:

  • جيبوتى: يتمركز بها حوالى 9 قواعد عسكرية عاملة، تشمل 6 قواعد تابعة (للولايات المتحدة وألمانيا والصين، اليابان وإيطاليا وأسبانيا)، إضافة إلى 3 قواعد فرنسية عبارة عن قاعدة بحرية ومطارين، وقد رحب وزير الدفاع الجيبوتى عام 2017 بوجود قاعدة عسكرية للسعودية فى بلاده، مما يعنى أن عدد القواعد بها يصل إلى 10 قواعد عسكرية.
  • الصومال: تشتمل على 5 قواعد عسكرية، منها قاعدة للإمارت بمدينة بوساسو الصومالية، وأخرى فى مدينة بربرة، ويضاف إلى ذلك القاعدة التركية فى مقديشو، وقاعدة باليدوغل الجوية الأمريكية فى شبيلى السفلى، وأيضًا القاعدة البريطانية فى منطقة بيدوا، وتتمركز قبالة السواحل الصومالية سفن القوة البحرية الأوروبية لمكافحة القرصنة “إيه يو نيف فور”، التى تشكلت عام 2008، بجانب تواجد قوات بحرية هندية على مقربة من سواحل الصومال وسيشل وعمان.
  • إريتريا: تتواجد على أراضيها قاعدتان عسكريتان، الأولى إسرائيلية لم يتم تحديد موقعها، والثانية إماراتية فى مدينة عصب، كما يحتمل أن يكون لروسيا قاعدة عسكرية فى البلاد.
  • كينيا: يوجد بها قاعدتان، واحدة أمريكية فى خليج ماندا، والأخرى بريطانية فى مدينة نانيوكى.[1]

خريطة القواعد العسكرية على سواحل البحر الأحمر تقدير موقف: الحصول على منفذ على البحر الأحمر.. الحلم الإثيوبى القديم بين الواقع والتحديات

خريطة القواعد العسكرية على سواحل البحر الأحمر

5- قاعدة برنيس المصرية: فى يناير 2020، دشنت مصر أكبر قاعدة عسكرية فى البحر الأحمر وأُطلق عليها قاعدة “برنيس”، وتقع بالقرب من الحدود الجنوبية شرق أسوان، والهدف من هذه القاعدة يكمن فى تأمين السواحل الجنوبية، فضلًا عن حماية الاستثمارات والثروات الطبيعية، ومجابهة التحديات الأمنية فى المنطقة، وتشمل برنيس على قاعدة بحرية وأخرى جوية، بجانب مستشفى عسكرى، وعدد من الوحدات القتالية والإدارية وميادين للرماية والتدريب لجميع الأسلحة، علاوة على مطار برنيس الدولى ومحطة لتحلية مياه البحر، والعديد من الأرصفة التجارية.[2]

قاعدة برنيس المصرية تقدير موقف: الحصول على منفذ على البحر الأحمر.. الحلم الإثيوبى القديم بين الواقع والتحديات

قاعدة برنيس المصرية

تحديات إنشاء قوة بحرية إثيوبية:

تحديات مالية:

ليس من السهل على إثيوبيا أن تحصل على منفذ بحرى على سواحل البحر الأحمر، حيث تواجه العديد من التحديات أمام تنفيذ هذا المشروع الطموح، فحلم بناء بحرية كاملة يتطلب استثمارات مالية ضخمة، حيث شراء الأصول البحرية وتدريب الأفراد وخلافه، كما أن هذه العملية قد تستغرق عقودًا حتى تتحول إلى واقع ملموس، أيضًا الاقتصاد الإثيوبى حاليًا هش أنهكته ظروف الحرب والأوضاع الأمنية المضطربة فى البلاد، إذن فإثيوبيا لن تستطيع تحمل مثل هذه التكلفة فى الوقت الحالى، إلا إذا عولت على دول أخرى تساندها فى ذلك، خاصة وأن آبى أحمد قدم عروضًا لاستفادة الدول المطلة على البحر من ميزات تجارية فى إثيوبيا، كحصولها على أسهم فى سد النهضة أو شركة الخطوط الجوية الإثيوبية، فقد يكون ذلك صفقة تراهن من خلالها أديس أبابا على الحصول على وضع استثنائى فى البحر؛ تحقيقًا لمصالحها التجارية والأمنية.

التنافس الدولى فى منطقة الأحمر:

فى ظل التواجد العسكرى لقواعد العديد من القوى الدولية المختلفة، نجد أن ثمة تحديات تواجه المخطط الإثيوبى، حيث تنافس دولى قد يعرقل مساعى الحكومة الإثيوبية فى أن يكون لها وجود جانب إلى جانب هذه الدول الكبرى، أيضًا عمليات القرصنة وحوادث الإرهاب قد تشكل حجر عثرة أمام مساعى أديس أبابا، وقد يكون هناك جهود تعاونية مع بعض الشركاء الإقليميين والقوات البحرية الدولية؛ لمساندة إثيوبيا فى تخطى هذه العقبات، فكل الاحتمالات واردة، وقد يتحقق حلم إثيوبيا فى ظل الأوضاع المتغيرة التى يشهدها العالم، التى تتقلب بين عشية وضحاها.

سيناريوهات محتملة:

تحكم التحركات الإثيوبية خلال الفترة المقبلة عدة مسارات قد تلجأ أديس أبابا إلى أحدهم؛ من أجل الاستحواذ على منفذ بحرى على سواحل البحر الأحمر:

السيناريو الأول:

سياسة التراشق بالتصريحات: قد يواصل رئيس الوزراء الإثيوبى سياسته المعلنة الممثلة فى إطلاق التصريحات والخطابات التى تطالب بحق إثيوبيا فى أن يكون لها منفذ بحرى على سواحل الأحمر، وبالتبعية احتمالية أن يعقب ذلك ردود أفعال كلامية من قبل إريتريا والصومال وجيبوتى، بما قد يعود بالسلب على العلاقات الإثيوبية وهذه الدول؛ تحسبًا للطموح الإثيوبى، الذى قد يسعى آبى أحمد إلى تحويله إلى حقيقة عندما تعود الأوضاع فى بلاده إلى مجراها الطبيعى.

السيناريو الثانى:

تكثيف الجهود التعاونية: قد تضطر أديس أبابا إلى قبول سياسة الأمر الواقع، مع السعى نحو تكثيف جهود التعاون عبر تنويع مصادر الاعتماد على الموانئ المختلفة، وعدم الاقتصار على ميناء جيبوتى فحسب، وذلك عن طريق الدخول فى شراكات وعقد المزيد من الاتفاقيات والتفاهمات، لتسيير أمور التجارة الإثيوبية وربطها بالعالم الخارجى، دون الانجرار نحو فتح أبواب جديدة للخلافات أو إحداث توترات فى المنطقة، ويحتمل أن يكون هذا السيناريو هو المسار الحاكم لتوجهات إثيوبيا خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن مصالح الدول الكبرى فى الرقعة الجغرافية لن تسمح بتنفيذ مطالب الحكومة الإثيوبية بهذه السهولة، كما أن هناك العديد من الاعتبارات اللوجستية والأمنية التى قد تعرقل مساعى إثيوبيا فى هذا الاتجاه.

السيناريو الثالث:

استغلال الأحداث فى غزة: قد يعمل آبى أحمد على استغلال الانشغال الدولى للعديد من الدول بالأحداث الجارية على الساحة الإقليمية فى ظل الحرب الإسرائيلية على غزة، ويلجأ إلى تسريع خطوات البحث عن منفذ بحرى، وبالتالى تحول مسار التصريحات الكلامية إلى واقع حقيقى، وربما يدفع ذلك إلى وقوع صراع فى المنطقة، لا سيما فى ظل رفض الطموحات الإثيوبية من قبل دول الجوار، ذلك الأمر إذا تحقق سيترتب عليه زعزعة الاستقرار الإقليمى فى مناطق تعانى بالفعل من صراعات وأزمات سياسية طاحنة، وهذا السيناريو مستبعد بشكل كبير، خاصة وأن أديس أبابا مازالت فى وضع لاتُحسد عليه فى ظل الأزمات التى تعيشها.

ختامًا:

لقد تجدد الحلم الإثيوبى المتعلق بمسعى الحصول على رقعة بحرية على البحر الأحمر، وباتت تطرحه بين الحين والآخر؛ نظرًا لكونها دولة حبيسة تريد أن تتنفس وتنتعش عن طريق إيجاد موطئ قدم دائم لها على ساحل الأحمر، وبالنظر إلى دبلوماسية التوقيت التى اتبعتها أديس أبابا؛ مستغلة فى ذلك انصراف الأنظار نحو الأحداث الجارية فى غزة، فقد أعادت طرح هذا الملف مرة أخرى، على أمل أن يتحقق هذا الحلم القديم، ولكن الأمر ليس يسيرًا بالمرة، خاصة فى ظل التواجد البحرى للقواعد العسكرية التابعة للعديد من الدول الكبرى، إضافة إلى رفض دول الجوار هذا المقترح، وعليه فقد يكون ذلك الطرح هذه المرة كسابقه، ويبقى الوضع كما هو عليه، فأديس أبابا تستبعد خيار الصراع، فى ظل الأوضاع الداخلية المتدنية التى تعانى منها، وتبعات حرب التجراى، كما أن الإمكانيات الاقتصادية للدولة لن تتحمل تكلفة تأسيس قواعد فى الوقت الحالى، وبالتالى إرجاء هذا المخطط إلى وقت آخر، مع احتمالية أن يتحقق أو يظل كما هو عليه مجرد خطة طموحة لم يحالفها القدر لتحقيقها.

المصادر:

[1] https://www.vetogate.com/4356957

[2] https://cutt.us/LDJo7

كلمات مفتاحية